(1) بعد انتهاء " العرس الديمقراطي الانتخابي " أمس أستطيع أن أؤكد أنه : لا داعي للقلق علي ثورة يناير، فالأحداث الكبري في التاريخ لا يمكن لأحد مهما كانت سطوته أو قوته أن يمحوها بجرة قلم. لا يمكن للنظام الحالي أن يسقط يناير من التاريخ، مهما تجاهلها أو حاول القفز علي الحقائق التي رسختها، وهي كثيرة وعميقة أكثر مما يتخيل. لا يمكن لإعلام التطبيل والنفاق أن يدوس علي ثورة داست علي المستبدين وأسقطتهم وأعادت للشعب المصري وعيه وللعقل المصري قدرته علي التنفس. لا يستطيع النظام القديم، العائد، أن يخلي الساحة من جديد لرموزه وسياساته إلا مؤقتاً، فقد كسبت الثورة المضادة جولة، لكن عودتها بالكامل محكوم عليه بالفشل مهما اعتقد أنصارها غير ذلك، ومهما سعوا لأن يعيدوا حركة التاريخ إلي الوراء.. (2) مشهد لجان الانتخابات الخالية والمزدحمة بالدي جي والرقص فقط يؤكد بما لا يدع مجالاً للشك أن يناير هي كلمة السر.. يناير هي روح الوطن وأمل الناس والسقف الذي يقيس عليه الجمهور أي تقدم.. غاب جمهور يناير عن صناديق الانتخابات، غاب بروحه وطموحه وأحلامه في وطن جديد فبدت اللجان خاوية علي عروشهابرغم المشاهد المصطنعة، تحول حماس جمهور يناير النبيل خلال الأربع سنوات إلي إحباط فلم نر في اللجان إلا رجال وزارة الداخلية وعددا من المشاهد المصنوعة التي تكشف أكثر مما تخفي وتدين النظام الحالي بأكمله وتسحب من صورة هذا البلد في عيون العالم كله. جمهور يناير هو الصدق، الأمل، البناء، النقاء، الطوابير التي لم نكن نرى آخرها.. ظن النظام الحالي أن بمقدروه أن ينسي الناس أحلامهم التي دفعوا فيها أثماناً غالية، ظن أن يناير انتهت وأنه استبدلها ب30 يونيو، ظن أنه قادر على فرض مقولة إن "30 يونيو هي الثورة الحقيقية"، ونسي أو تناسى أن خروج الناس في 30 يونيو، التي تحولت لثورة مضادة، كان شعاره الأساسي " تعديل مسار" ثورة 25 يناير بالانتخابات المبكرة، فلم يطلب أحد عودة رموز الفساد والاستبداد من جديد، ولم يطلب أحد إقصاء أي طرف من المشهد، ولم يطلب أحد السجن والاعتقالات، ولم يطلب أحد مصادرة المجال العام وقتل السياسة، ولم يطلب أحد نظاماً سلطوياً جديداً يمارس تسلطه واستبداده، ولم يطلب أحد دولة تنحاز للأغنياء على حساب الغالبية الساحقة من الفقراء، ولم يطلب أحد إهانة وتعذيب المصريين في السجون وأقسام الشرطة، ولم يطلب أحد غلاء ورفعاً للدعم وتزواجاً بين السلطة والثروة. كل هذا قد حدث، وأكثر، فأدرك المصري البسيط بفطرته السليمة أن الثورة المضادة تحاول أن تنتصر، أدرك أن الثورة المضادة جاءت لتمحو أحلام يناير في الحرية والعدل والكرامة الإنسانية، فانصرف عنها واصطف "ضمنياً" في طابور المقاطعين لعبثية وفساد المشهد، وانضم بالصمت إلي "تنظيم" القابضين علي جمر يناير بشعاراتها الكبرى وطموحاتها العظيمة.. (3) أسقط نظام السيسي يناير من حساباته فأسقطه جمهورها بالمقاطعة والعصيان، واعتصم بحبل الحالمين بوطن جديد.. أسقط نظام السيسي يناير من حساباته وحاول أن يوصمها "بالمؤامرة" فرد جمهورها برسالة غاية في البساطة والبلاغة والعمق مضمونها: لكم صناديق الانتخابات ولنا أحلام البسطاء، لكم المقاعد ولنا الأمل، لكم السلطة ولنا الثورة.. فلا يمكن لأي عاقل أو منصف أن يغفل الربط بين مقاطعة الغالبية العظمي من المصريين للانتخابات وبين شعور المواطن أن النظام القديم يعود، وأن شيئاً لم يتغير، وأن النظام الجديد ليس جديداً بل هو القديم يحاول أن يلتف علي رغبة الملايين في مستقبل مختلف.. لا يمكن لأي عاقل أن يظن أن أحمد موسى بإعلامه أقوى من دماء شهداء يناير، ولا يمكن لعاقل أن يظن أن ترسانة القوانين المستبدة يمكن أن تهزم إرادة ملايين غيروا التاريخ في 18 يوماً، وما زالوا يحاولون خلق زمانهم ووطنهم الجديد .. (4) من حق السلطة أن تبرر غياب المصريين عن الصناديق لأي سبب، من حقها أن تبحث عن آلاف الحجج، لكننا نعلم جميعا أن السبب الواضح والحقيقي هو أن الناس تعلم أن هذا الطريق ليس هو الطريق الذي اختاروه، وأن كل المشاهد "المصطنعة" والرقص والمهرجانات لن يغير من هذا الاقتناع في شيء ، فقد أرسل الشعب رسالته ورسالة يناير وقرر الغياب .. ———————- المقال من كتابي " الحرية اختيار " بعد تعديلات بسيطة