وصف الشاعر سيد حجاب ثورة 25 يناير بأنها ثورة شعبية فريدة من نوعها ينبغي أن تستكمل بثورة ثقافية ودولة مدنية.. وقال الشاعر الستيني الذي طالما عبرت قصائده عن هموم هذا الوطن:إن عصر الحكام الفراعنة تلكأ كثيرا في العالم العربي، وأظن أن الثورة المصرية بعد نجاحها ستكون الرائدة ل«عصر الشعوب»، فهذا المارد الذي خرج من قمقم الاستعباد لن يعود إليه مرة أخري وويل لمن يحاول الالتفاف عليه.. سيكون حسابه طويلا. «روزاليوسف» التقت حجاب وكان لها معه هذا الحوار حول رؤيته لثورة 25 يناير وما يهددها من مخاطر وعدد من القضايا الأخري. كيف تتأمل المشهد السياسي في مصر بعد ثورة الشباب؟ - توصيف الثورة بأنها ثورة الشباب ليس دقيقا، لكنها ثورة شعبية كاملة الأوصاف فجرها ودعا إليها المستنيرون من شباب هذه الأمة مستخدمين أرقي أدوات العصر المعلوماتية في مواجهة الجهل والتخلف والاستبداد، فاستطاعوا أن يكتشفوا الكلمة السحرية التي تفتح قلوب الشعب بكامله من أجل تحقيق معادلة الحرية والعدالة الاجتماعية.. هذه ثورة شعبية فريدة من نوعها بكثافة المشاركين من الجماهير فيها وربما أكثر من الثورة الصينية بمليارات سكانها، وهي ثورة متفردة في «سلميتها» وهي بمثابة إعلان عن ثلاث ثورات معاً.. أولها: أن النظام القديم قد أرسي ثقافة للخنوع والعبودية هذه الثقافة المنحطة أسقطها هؤلاء الثوار في خطوة واحدة وإعلان ثقافة الحرية والمسئولية وهي أيضا إعلان عن ثورة الحرية والإخاء والمساواة في الحلم بدولة مدنية يتساوي فيها الجميع في الحقوق والواجبات وهي بشارة بثورة اشتراكية في بداية القرن الحادي والعشرين. هذه الثورة الآن ينبغي أن تستكمل بثورة ثقافية شاملة ودولة مدنية ديمقراطية نكون فيها شركاء كما قال رفاعة الطهطاوي «ليكن الوطن محلاً للسعادة المشتركة بين الجميع». كيف يمكن مواجهة حالة الفوضي التي أعقبت الثورة.. أو ما اطلق عليه إعلاميا «الثورة المضادة»؟ - الثورة المضادة تستهدف الالتفاف علي الثورة وتسعي لاكتساب الأغلبية الصامتة من خلال الفوضي والتشرذم والدعاوي الدينية المغلوطة وسوء الأحوال الاقتصادية حتي تصل إلي مقولة «ولا يوم من أيامك يا مخلوع»، والمعركة بين قوي الثورة والثورة المضادة لم تحسم بعد وعلي كل القوي الشعبية أن تواصل يقظتها من أجل هزيمة الثورة المضادة وإقامة الدولة المدنية ودولة العدالة الاجتماعية. لكل ثورة منظرون ثم يأتي دور المستفيدين من نتائجها.. كيف نحمي الثورة من هؤلاء الانتهازيين؟ - الشعب المصري «فراز» يعرف جيدا من هو المنتمي إليه بحق ومن يتاجر بآلامه وتاريخه.. وشباب هذه الأمة من المستنيرين قادرون علي التصدي لكل هؤلاء. كيف تنظر إلي المثقفين المتحولين الذين كانوا سدنة النظام السابق ثم أصبحوا مؤيدين للثورة؟ - لكل نظام جماعات من المنتفعين في مجالات الفنون والآداب والإعلام هؤلاء ذوو نظرة ضيقة لا تري إلا مصالحها الشخصية المباشرة.. صحيح أن بعض المثقفين قد ارتبطوا بالنظام الناصري مثلا بعض هؤلاء كان يري في الاقتراب من مركز القرار تمكينا له لنشر فكره ورأيه وإحداث تأثير.. وبعضهم طبعًا كانوا من الانتهازيين النفعيين لكن في الأنظمة الاستبدادية يبدو أن كل من يقترب من السلطة هم من هؤلاء الانتهازيين النفعيين وهم ليسوا أصحاب فكر أو ثقافة حقيقية هم مجرد أبواق لا تحترم كرامتها الإنسانية فتنقلب من نظام إلي نظام كأنهم أحذية تنتقل من قدم إلي قدم، وأستغرب كيف ينظر هؤلاء إلي أنفسهم في المرآة كل صباح.. هل يرون مدي دمامتهم وافتقادهم للكرامة الإنسانية؟ لكل ثورة قائد أما «25 يناير» فكانت بلا قائد.. هل يحسب ذلك لها أم عليها؟ - ربما كان غياب مركزية القيادة بمعناها الدقيق عنصرًا من عناصر نجاح هذه الثورة حيث نلاحظ بين شبابها من ينتمي إلي اليمين ومن ينتمي إلي اليسار ومن لا سابق عهد له بالسياسة لكنهم جميعًا يتفقون علي الأهداف الاستراتيجية للثورة وهم حتي الآن في موقع القيادة لهذه الثورة بقدرتهم الدائمة علي الضغط وباختيارهم لوزارة من قلب الميدان وأظن أن هذه القوي الشابة هي القاطرة الحقيقية لهذه الثورة. الخطوة الأولي للثورة المدنية بسقوط الرئيس »المخلوع« هل يمكن القول أن زمن الفراعنة قد ولي إلي غير رجعة؟ - عصر الفراعنة تلكأ كثيرًا في العالم العربي وقد خلقت التطورات الأخيرة في العالم عصرًا يمكن أن نسميه بعصر الشعوب وأظن أن الثورة المصرية حين تنجح ستكون هي الرائدة لعصر الشعوب والثورات. هل لديك شك في نجاح الثورة؟ - بالتأكيد لا، فلا يمكن أن تخامرني ذرة من الشك بعد رؤية هذا الشعب العبقري وهو يحقق مقولة الأجداد الكل في واحد سبيلاً إلي الوجود الحر والخلود معاً. هذا الشعب ماض في طريقه قد تنحرف به الخطوات إلي اليمين أو اليسار قليلاً لكنه سرعان ما يسترد البوصلة في اتجاه حلمه بدولة عصرية حديثة. الشعب الذي خرج من قمقم الاستعباد والاستسلام والذل لا يمكن لأحد أن يعيده إلي هذا القمقم مرة أخري وويل لمن يحاول الالتفاف علي هذا المارد وويل لمن حاول أن يغرر به فسرعان ما سينكشف وحسابه مع المارد طويل. أي الأنظمة العربية ترشحها للسقوط بعد تونس ومصر؟ - صعب التنبؤ بذلك لأن الظروف تختلف من بلد لآخر في سوريا مثلا نلاحظ أن السعودية وأمريكا تلعبان دورًا في استخدام المشكلات الحقيقية في سوريا لاضعاف النظام وليس لاسقاطه. وفي اليمن تسعي الأنظمة العربية الفاسدة مع قوي الاستعمار في المنطقة إلي تقسيم اليمن وربما إلي تغيير إصلاحي يجمل النظام. وفي ليبيا في تصوري تمثل رأس حربة الثورة المضادة في منطقتنا العربية نجد الثورة تدخل في متاهة أو نفق مظلم طويل لا تري النور في نهايته ولا ندري هل ستقسم ليبيا أم سيجمل النظام وجه. وفي البحرين قمع درع الجزيرة ثوار دوار اللؤلؤة ويسعي إلي تحويل القضية هناك إلي توتر بين السنة والشيعة. الأوضاع غير واضحة وربما فاجأتنا الأحداث بثورة جديدة من حيث لا نعرف. تقول في إحدي قصائدك: »جالوا لفرعون يا ظالم / إيش فرعنك/ جال عبيدي/ حين نخوا تحت المظالم / انساجوا للمرعي.. بيدي« فهل الشعب المصري مسئول بشكل أو بآخر عن فساد النظام السابق؟ - أظن أن النظام السابق كان مسئولا عن بعض الفساد والعطب الذي أصاب المصريين فقد كان يملك أدوات الرزق وكان يمنع الشعب من الصراخ ويطوع الإرادة الشعبية بإعلامه الفاسد وينشر ثقافة الاستسلام باسم السلام التي كان يشيعها ويفرضها، لقد حكم النظام السابق الشعب المصري بثلاثية تعتمد علي الإفقار والتجويع والإرهاب والترويع والإلهاء والتطويع. هل كنت تتوقع أن يحاكم الرئيس المخلوع وأسرته؟ - أظن أن هذا زمن العقل الحق فمن حق الشعوب أن تختار من يمثلها لإدارة الشأن العام وها هو شعبنا المصري يسترد لنفسه هذا الحق ومن أخطأ في حقنا نحاسبه بالعقل والعدل ولا نتدني للانتقام والتشفي وأظن أن شعبنا بهذا السلوك المتمدن الإنساني الراقي الرفيع يضرب أمثلة لكل الشعوب في الزمان القادم. كيف تنظر للمطالبات الفئوية التي أعقبت الثورة؟ - هذا الشعب طال قهره، وانفجر في صدره حلم الحرية المبهج الرائع ربما كانت جرعة الحرية أكبر مما يحتمل القلب الإنساني لشعبنا لكنه سوف يستعيد بسرعة اتزانه ومعقوليته، ومن الطبيعي أن يصرخ من طال قهره لكنه سرعان ما يفهم أنه الآن سيد مصيره. دائمًا يكون موقف أغلبية الشعب من أي نظام سياسي أحادي النظرة إما أبيض أو أسود؟ - لكل عصر من هذه العصور خصوصيته التاريخية، كان عصر عبدالناصر هو استمرار لحلم النهضة المصرية بداية من رفاعة الطهطاوي إلي مصطفي كامل وسعد زغلول بينما العصر التالي له مباشرة كان انقلابًا علي حلم النهضة لكي تلتحق مصر بالمشروع الصهيوني الأمريكي في المنطقة والذي كرسه بعد ذلك الرئيس المخلوع أظن أن عبدالناصر كان يريد أن يجمع المصريين والعرب حتي وإن اختلفوا معه حول بعض سياساته وبعده جاء السادات وانقسم الناس بين أبيض وأسود، وأظن أنه في عهد الرئيس »المخلوع« توحدت كلمة الشعب المصري بكامله، ما عدا العصابة المنتفعة علي كراهية نظامه واحتقاره هذا الإجماع هو الذي أفضي في النهاية إلي خلعه. هناك من يطالب بالاكتفاء باسترداد أموال الرئيس المخلوع وعدم محاكمته.. فما رأيك؟ - القيم الإسلامية والمصرية تري أن »من قتل نفسًا كأنما قتل الناس جميعًا« ففي القصاص حياة وإذا كانت المسألة مجرد سرقة فلنسترد الأموال ونكتفي بهذا. لكن المسألة هنا خيانة للأمن القومي المصري وعمالة لإسرائيل وأمريكا وفساد سياسي عطل هذه الأمة ثلاثين عامًا عن اللحاق بركب الإنسانية وقتلا لخيرة شبابها المستنير من هنا تجب المحاكمة وأظنها لن تسقط حتي بالموت.