بعد تجاوزهم سن العمل، يضطرون للخروج محملين بالأثقال، في رحلة شقاء يومية، رسمت على وجوههم تعبيرات باعثة على الأسى، وتجاعيد حفرها الكد والكدح، وتقدم العمر، فعلى أرصفة الطرقات، وتحت قرص الشمس الحارق، يصطحب كبار السن أدواتهم الثقيلة، مترقبين نظرات المارة وخطوات أقدامهم من أجل إشارة أحدهم للدخول في مهمة العمل الصعبة، غير أن الشباب يحظى بالأفضلية والأسبقية لدى أصحاب العمل. وتعددت صور المعاناة التي يتكبدها العجائز؛ ففرص عملهم قليلة مقارنة بالشباب، ويعاني بعضهم من الأمراض، بخلاف المشكلات المادية والاجتماعية، كما لا توجد مصادر أخرى للرزق، ومعظمهم خارج المظلة التأمينية معاشًا وعلاجًا، كما أنهم لا يقوون على العمل لساعات طويلة، فطبيعة العمل تشمل حفر وتكسير أحجار ورفع مواد بناء. وقال محمود حداد، يقيم بمنطقة كفر المنصورة بمدينة المنيا، ويبلغ من العمر 73 عامًا، إنه يخرج منذ السابعة صباحًا، وتمر عليه أيام دون عمل، وحتى يحين وقت الظهيرة لا يتناول فطوره لتوفير قيمته، فهناك أسرة تنتظر عودته لسد رمقهم، كما أن أجره اليومي لا يتعدى 90 جنيهًا، ولا يقوى على العمل لأكثر من 3 أو 4 أيام أسبوعيًا. أما عبد العاطي محمد، 80 عاما، قال إن آلام ظهره تؤرق منامه، في حين أنه مكلف بدفع إيجار شهري لمسكنه، ومكلف أيضًا بإعالة ابنه وابنته وزوجته، وأنه مضطر لعمله الشاق بعد انقطاع مساعدة مالية كان يتقاضاها من الشؤون الاجتماعية دون معرفة السبب. وخرج عمال التراحيل، فوق السن القانوني للعمل، من قانون العمالة الموسمية الذي أقره مجلس النواب مؤخرًا، الذي حدد عمر الشمول التأميني من 18 إلى 59 عامًا، كما أن معاش التضامن الاجتماعي يشمل من فوق عمر ال65 عامًا. وأوضح محمد سيد، وكيل التضامن الاجتماعي بالمنيا، أنه بالنسبة لشريحة عمر 60 عامًا وأقل من 65، لا يمكنهم الحصول علي معاش التضامن إلا بتوافر شروط نسبة العجز المقررة ب50%، والتي تثبت عدم قدرتهم على العمل، ويحددها الكمسيون الطبي، بالإضافة لإثبات عدم حيازتهم أراضي زراعية، وألا يكون مؤمن عليهم من أية جهة. وأضاف سيد ل"البديل"، أن الكثير من كبار السن ضمن الشريحة العمرية 65 عامًا، والمدرجة ضمن فئة الشيخوخة، يستحقون المعاش الضماني، لكن الكثير منهم لا يعرفون حقوقهم نظرًا لأميتهم، مطالبا المستحقين بالتوجه لأقرب وحدة شؤون اجتماعية تتبع النطاق الجغرافي خاصتهم وتسجيل بياناتهم مرفقين معها صورًا من أوراقهم الرسمية. وطالب أحمد خلاف، أحد مشرفي مشروع تكافل وكرامة، منظمات المجتمع المدني بشن حملات توعية في الشوارع ومن خلال الطرق على أبواب تلك الشريحة التي تجهل حقوقها، كما طالب وسائل الإعلام بتوعيتهم من خلال الإعلانات المرئية، كما الحال بالنسبة لشهادة أمان المصريين، خاصة أن هذه الفئة منسية وخارج حسابات الجميع. وبحسب مدير إدارة العلاقات العامة لصندوق تأمينات القطاع الخاص والعمالة غير المنتظمة، سعيد البنا، فإن العمالة غير المنتظمة المؤمن عليها 240 ألف عامل بالمقاولات والتشييد و600 ألف عامل من العمالة الحرة المنتظمة، وتم تشكيل لجنة فنية من مستشاري الوزارة تعكف على بحث كل البدائل المتاحة لتوفير غطاء تأميني متكامل لهذه الفئة؛ أهمها إعادة النظر في اللوائح القانونية المنظمة مع دراسة جميع الرؤى المطروحة للوصول إلى أفضل شكل قانوني يحمى كل الحقوق لهؤلاء العمال. وفي السياق، قال رئيس النقابة العامة للعاملين بالقطاع الخاص والعمالة غير المنتظمة، شعبان خليفة، إن ما جاء في قرار الرئيس بإصدار شهادة أمان للعمالة المؤقتة والموسمية خطوة مهمة للغاية، وكان لابد أن تفكر في هذه الفئة المهمشة التي لا يوجد تأمين عليها منذ زمن، غير أنها شملت الفئة العمرية بداية من 18 إلى 59 عامًا.