يتعرض مزارعو القصب، في الآونة الأخيرة، لحصار مزدوج، فهم من ناحية محاصرون بأسعار توريد المحصول التي لا تغطي تكاليف زراعته، والتي أعلن مؤخرا أنها 700 جنيه للطن، وبإهمال المصانع المخصصة لاستقبال محاصيلهم وعدم تطويرها من ناحية أخرى، وفي المقابل تولي الدولة اهتمامها لزراعة بنجر السكر والتوسع في مساحاته وإقامة مشاريع خاصة به. مؤخرا، أعلن عن إنشاء مشروع ضخم يتضمن استصلاح 183 ألف فدان لزراعتها بالبنجر وإنشاء مصنع لإنتاج السكر في محافظة المنيا، وهي إحدى محافظات الوجه القبلي التي تنتشر بها زراعات قصب السكر، في محاولة منها ليصبح محصول البنجر هو المصدر الرئيسي للسكر بدلا من القصب، بخلاف تشجيع الاستثمارات فى إنشاء مصانع سكر بنجر جديدة فى مناطق زراعته بالأراضى الحديثة، خاصة فى مشروع المليون ونصف المليون فدان. وعلى الرغم من أن مصر تحتل المرتبة الأولى عالميا فى إنتاجية قصب السكر بمتوسط عام يقدر بنحو 50 طنا للفدان، وتحتل مرتبة متقدمة بين أهم الدول المنتجة لقصب السكر، فإن تقريرا صادرا من وزارة الزراعة واستصلاح الأراضي، يؤكد أن هناك توجها للتوسع فى زراعة بنجر السكر على حساب القصب، وتتبنى الوزارة استراتيجية للتوسع الأفقي والرأسي فى إنتاج السكر من البنجر، من خلال البحث العلمي الزراعي والإرشاد الزراعي ونقل التكنولوجيا والنهوض بإنتاجية البنجر وترشيد واستخدام المياه، فضلًا عن التوسع فى زراعات بنجر السكر في الأراضي الجديدة مع رفع إنتاجية محصوله. ويقدر إجمالي المساحة المنزرعة ببنجر السكر ب480 ألف فدان بمتوسط إنتاجية 18 طنا للفدان، وهو أحد المزروعات التي تنافس أهم المحاصيل الاستراتيجية الشتوية "القمح" من حيث المساحات المخصصة لزراعته، إلى جانب أن الفدان يحتاج 4 كيلو تقاوي بإجمالي مليون و920 ألف طن، ويقدر ثمن طن تقاوى البنجر ب8500 يورو، إذ يتم استيراد الكمية بالكامل من الاتحاد الأوروبي لعدم إنتاجها محليا. إبراهيم محمد ربيع، نقيب الفلاحين بالمنيا، أكد أنه لا غنى عن زراعة القصب لأنه من أهم المحاصيل التي تدر دخلا على مزارعيه في الصعيد، لافتا إلى أن زراعة القصب تتم مرة واحدة كل 5- 6 سنوات وهي فترة مكوثه في الأرض، وفي بداية زراعته تتم عملية عزيقه وتسميده مرتين فقط طوال فترة بقائه في الأرض، فهو لا يحتاج عمالة كثيفة وبالتالي تكاليف زراعته منخفضة مقارنة بباقي المحاصيل، مؤكدا أن القصب ليس من المحاصيل الشرهه للمياه كما يشاع عنه فهو يروى كل 10 أيام ويتم "فطمه" خلال الفترة من شهر نوفمبر إلى شهر يناير. وبدلا من تقليص مساحة القصب، طالب ربيع، بإنشاء شبكات ري وفقا لأحدث النظم وتنظيم دورات توعوية للمزارعين لاتباع طرق الري الحديثة، وخاصة أن أصحاب المساحات الكبيرة لن يتنازلوا عن زراعته بعد فتح باب التصدير لبعض الدول العربية، لافتا إلى أنه على الرغم من كثرة مشاكله التسويقية إلى مصانع الدولة، فإنه توجد منافذ أخرى يمكن التسويق إليها كعصارات القصب ومصانع العسل الأسود بخلاف بنجر السكر الذي لا يمكن تسويقه إلا لجهة واحدة فقط هي مصانع استخراج السكر منه فقط، متسائلا: هل الدولة أوجدت فرص عمل بديلة للعمالة التي سيتم تشريدها من 8 مصانع لسكر القصب، في حالة إغلاق المصانع تدريجيا بعد خفض مساحات القصب واستبدالة ببنجر السكر، مطالبا المسؤولين بالتروي قبل اتخاذ أي قرار والبدء في تنفيذه، والنظر بعين الاعتبار إلى مصلحة الفلاح. وأوضح الدكتور أحمد أبو دوح، نائب رئيس مجلس المحاصيل السكرية، أن الحل في الإبقاء على زراعات القصب لتوفير نوعية السكر التي تلقى إقبالا لدى المواطن، من خلال اتباع النظم الحديثة في الزراعة على المصاطب واتباع طرق الري بالتنقيط، بجانب استخدام أصناف جديدة ذات إنتاجية مرتفعة ومقاومة للأمراض ومبكرة النضج وذات محتوى عالٍ من السكريات كجيزة 3، وجيزة 4، مضيفا أن مساحة قصب السكر هذا العام لا تتعدى ال250 ألف فدان بإنتاجية 10 ملايين طن، تنتج ما يقرب من مليون طن سكر. ويوضح الدكتور أحمد مصطفى، مدير معهد المحاصيل السكرية، أن مصر تستورد 2200 طن تقاوي بنجر متعددة الأجنة و20 ألف وحدة من تقاوي البنجر وحيدة الأجنة سنويا، ويقدر ثمن طن تقاوي البنجر ب8500 يورو، أي أن مصر تستورد تقاوي بنجر بالعملة الصعبة بنحو 18 مليوناً و700 ألف يورو متعددة الأجنة سنويا، وتستورد بقيمة 3 ملايين و500 ألف يورو تقاوى بنجر وحيدة الأجنة سنويا. وعن إنتاج التقاوي محليا أكد مصطفى، أنها في الوقت الحالي مكلفة للغاية حيث يتم إنتاجها معمليا وتحتاج إلى توفير عدد كبير جداً من الثلاجات الزراعية، وهذه العملية مكلفة للغاية إذ تفوق قيمة إنتاج الطن القيمة المادية لاستيراده من الخاج بكثير، مشيرا إلى أنه لا يمكن إنتاجها بشكل طبيعي لعدم توافر الظروف المناخية التي يجب توافرها ومن ثم تقليل الاستيراد، وذلك لأن ساعات الضوء فى أشهر الصيف "يونيو ويوليو وأغسطس" لا تتعدى 13.5 ساعة تقريبا، وفى أشهر "ديسمبر ويناير وفبراير" درجة الحرارة فى بعض الأيام تزيد على 20 درجة مئوية. ومن جانبه قال المهندس الزراعي أحمد السويفي، إنه يجب الحفاظ على محصولي إنتاج السكر وهما القصب والبنجر، وعدم تخفيض مساحة القصب في الوجه القبلي لصالح البنجر خاصة أن إنتاجية بنجر السكر في محافظات الوجه القبلي "المنيا، أسيوط، سوهاج، أسوان" تحقق إنتاجية لا تزيد على 16 طنا للفدان وهي أقل إنتاجية للمحصول مقارنة بأراضي الاستصلاح أو الوجه البحري، التي يزيد إنتاجها على 18 طنا للفدان. وأضاف السويفي: بحسبة بسيطة نجد أن القصب لا يستهلك مياها أكثر من البنجر، ففدان البنجر ينتج طني سكر, ومتوسط إنتاجية فدان القصب 4.5 طن سكر، أى أن الفدان من القصب يعادل 2.25 فدان بنجر في حين أن فدان البنجر يحتاج إلى 4 آلاف متر مكعب مياه في السنة، وباحتساب كمية المياه المستهلكة لإنتاج نفس كمية السكر المنتجة من فدان القصب فإنه يحتاج إلى 9 آلاف م3. وأوضح: إذا تطرقنا إلى المساحة التي يجب زراعتها بالبنجر للحصول على نفس كمية السكر التي يتم استخراجها من السكر والمقدرة بمليون طن سنويا فإننا سنحتاج إلى زراعة 528 ألف و750 فدان، وإذا تم إضافتها إلى مساحة بنجر السكر المقررة ب480 ألف فدان فإن البنجر سيحتل مساحة تتعدى المليون فدان تستهلك مياها تفوق ال4 ملايين متر مكعب وبذلك فإننا لا نوفر المياه باستبدال البنجر محل قصب السكر، مشيرا إلى أنه يكفي فقط التوسع في زراعة بنجر السكر في الأراضي المستصلحة حديثًا، لعدم حدوث أية أزمة مستقبلًا.