في خضم استمرار الأزمة الخليجية المُعقدة والتي تستعصى على الحل منذ 5 يونيو العام الماضي، لا تزال الولاياتالمتحدةالأمريكية الكاسب الأول والأكبر من هذه الأزمة، فهي تلعب على كلا المعسكرين المتنازعين وتحاول الخروج بأكبر امتيازات ومكاسب ورشاوى في كافة المجالات السياسية والاقتصادية والأمنية، حيث تتخذ واشنطن حاليًا مسار تعزيز تعاونها السياسي والعسكري مع قطر، في موقف تثير به حفيظة حلفائها الخليجيين المقاطعين للدوحة، الأمر الذي قد يدفعهم في المستقبل القريب إلى مغازلة أمريكا بشتى الوسائل، لتخرج الأخيرة منتفعة من الجانبين. أكبر وفد قطري وصل، أمس الثلاثاء، إلى الولاياتالمتحدةالأمريكية، أكبر وفد قطري رسمي يزور واشنطن على الإطلاق، وذلك للمشاركة في مؤتمر "الحوار الاستراتيجي الأمريكي- القطري"، الزيارة حملت رسالة دعم وتحصين من أمريكا إلى قطر بشكل غير مسبوق، حيث اجتمع العديد من المسؤولين القطريين رفيعي المستوى مع نظرائهم الأمريكيين، وضم الوفد القطري وزير الخارجية محمد بن عبد الرحمن آل ثاني، ووزير الدفاع خالد بن محمد العطية، ووزير المالية علي شريف العمادي، ووزير الاقتصاد والتجارة أحمد بن جاسم آل ثاني. خلال المؤتمر وقع الطرفان على مجموعة من الاتفاقيات شملت وثيقة للتعاون الأمني تنص على "تعميق الشراكة الاستراتيجية بين البلدين في مجالي الأمن الإقليمي ومكافحة الإرهاب، وحماية قطر من أي تهديد خارجي يتهدد أراضيها"، وأخرى ل"ترسيخ الحوار الاستراتيجي بين البلدين"، وثالثة ل"مكافحة الاتجار بالبشر"، وشاعت أجواء من الإيجابية والتودد في المحادثات بين الطرفين، الأمر الذي جعل الزيارة تخرج بمظهر "محاولات تحصين قطر من المقاطعة التي تهدد اقتصادها وأمنها منذ ما يقرب من 8 أشهر". في ذات الإطار، أظهر وزير الخارجية الأمريكي ريكس تيلرسون، أثناء كلمة في قمة الحوار الاستراتيجي القطري الأمريكي في واشنطن، دعمًا غير مسبوق لحليفته القطرية، وقال إن واشنطن ملتزمة بسيادة قطر وأمنها، مشددًا على أن "أي تهديد لسيادة قطر فإن الدوحة تعلم أنه يمكنها الاعتماد على الولاياتالمتحدة لحماية سيادتها"، وأضاف تيلرسون: قطر صديق وشريك قوي وقديم للولايات المتحدة، وحققت تقدمًا كبيرًا في مجال مكافحة الإرهاب"، كما أشاد تيلرسون بتطور ونمو مناخ الاستثمار في قطر، لافتًا إلى أن أي مستثمر لديه ثقة كبيرة في الاقتصاد القطري بسبب المؤسسات القوية واحترام العقود الذي يعتبر أمرًا مهمًا لكل مستثمر. تتناسق تصريحات تيلرسون، حول التزام أمريكا بسيادة وأمن قطر، مع تحذيره الشخصي للإمارات والسعودية من مغبة القيام بأي عمل عسكري ضد قطر، والذي كشفت عنه صحيفة "نيويورك تايمز" الأمريكية، قبل أيام، وأشارت الصحيفة إلى أن الأيام الأولى من الأزمة الخليجية كانت تحمل نذر عمل عسكري من قبل السعودية والإمارات، إلا أن وزير الخارجية الأمريكي حذر حينها كلًا من الرياض وأبو ظبي من مغبة الإقدام على مثل هذا العمل، وهو ما كرره لاحقًا الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، في اتصال مع القادة السعوديين. الأممالمتحدة.. لإشعال الفتنة تصعيد التعاون الأمريكي القطري وتعزيز العلاقات بينهما، يتزامن مع إصدار البعثة الفنية للمفوضية الأممية لحقوق الإنسان تقريرًا حول زيارتها إلى قطر في نوفمبر عام 2017، والتي جاءت بهدف استقصاء تداعيات الحصار على التمتع بحقوق الإنسان والوضع الإنساني للمواطنين والمقيمين في دولة قطر، ومواطني دول مجلس التعاون المتأثرين بالأزمة، وخرج التقرير بوصف الإجراءات التي اتخذتها دول الحصار ضد قطر ب"التعسفية وتؤثر بشكل مباشر على حياة المواطنين والمقيمين"، مؤكدًا أن "الحصار غير قانوني وعنصري ويرتقي إلى الحرب الاقتصادية"، وتكمن أهميته في كونه أول توثيق أممي بعد إجراءات المقاطعة والحصار التي فرضتها كل من السعودية والإمارات ومصر والبحرين على قطر. باعتبار أن العديد من تقارير الأممالمتحدة لا تخرج إلا بضوء أخضر أمريكي، فقد أثار تقرير مفوضية حقوق الإنسان، غضب وحفيظة دول المقاطعة، وأصدرت بعثات السعودية والإمارات والبحرين ومصر المعتمدة لدى الأممالمتحدة بيانًا مشتركًا ردًا على التقرير، أعربت فيه عن رفضها لمضمونه وما توصّل إليه من نتائج، واستنكارها لما ورد فيه من خلل منهجي تضمن توصيفًا مضللًا للأزمة السياسية، وصولًا إلى ما انتهى إليه من نتائج وملاحظات مبنية على فهم محدود للسياق العام للأزمة وخلفيتها التاريخية". وأضاف البيان أن "أساس الأزمة يعود لخلفيات دعم قطر لأفراد وكيانات متورطة دوليًا في تمويل الإرهاب، ودعم أنشطته والترويج لفكره المتطرف الذي يحرض على العنف ويروج لخطاب الكراهية في المنطقة العربية، وذلك عبر منصات إعلامية تابعة للدوحة بشكل مباشر أو تمويل من خلال شخصيات قطرية"، وأشار إلى أن مقاطعة الدول الأربع لقطر تندرج في إطار ممارستها لحقها السيادي في حماية أمنها القومي، وتأتي كرد فعل طبيعي لا يقارن في حجمه وأثره بما فعلته حكومة قطر من دعم الإرهاب. ورقة ابتزاز الأجواء التي سادت الساحة السياسية منذ اشتعال فتيل الأزمة الخليجية في 5 يونيو الماضي حتى الآن، تثبت أن أمريكا بعيدة كل البُعد عن أن تكون وسيطًا نزيهًا بين الدول العربية وبعضها، أو أن تكون لديها النيه الجدية في اتخاذ بعض الخطوات نحو تهدئة الأوضاع المشتعلة في المنطقة الخليجية، بل هي تتعامل مع الأزمة الخليجية على أنها ورقة ابتزاز صالحة للاستعمال في أي وقت ما دامت الأزمة مستمرة، وتكفل هذه الورقة للولايات المتحدة الحصول على الرشاوى والامتيازات من طرفي النزاع الخليجي في محاولة لإرضائها والحصول على دعمها السياسي. الرئيس الأمريكي ترامب، لم يكن بعيدا عن حين بدأت الأزمة قبل 7 أشهر، ويمكن اعتباره الأساس الذي أشعل فتيلها عندما قام بزيارة السعودية، بعد تنصيبه بأيام، وحضر "قمة الرياض" حيث كانت الأمور تبدو عادية بين الدول الخليجية، وبعد عودته إلى بلاده بدأت الملاسنات والسجال بين السعودية والإمارات من جانب، وقطر من جانب آخر، وكأنه قد ألقى قنبلة موقوتة ما لبث أن وصل بلاده حتى انفجرت، وهنا أظهر ترامب دعمه ووقوفه في صف السعودية ضد قطر، لكنه سريعًا ما انقلب على الرياض ليتقرب من قطر التي وصفها في أول الأزمة بأنها "راعية الإرهاب"، وظلت الإدارة الأمريكية تتقلب بين المعسكرين السعودي والقطري حتى الآن، ومن ثم فإظهار واشنطن دعمها مؤخرًا لقطر لا يعني إطلاقًا أنها أصبحت معادية للمعسكر السعودي، بل تنتظر من الأخير أن يفتح خزائنه للاستيلاء على ما تبقى فيها، ما يعني أن المستقبل القريب قد يحمل صفقة أسلحة أو زيارة سعودية رفيعة إلى أمريكا تتضمن توقيع عقود لاستثمارات بالمليارات، ليُبنى عليها تحول الموقف الأمريكي مجددا من الداعم لقطر إلى المُحابي للسعودية.