على خطى سلفه وزير الخارجية الأمريكي السابق، جون كيري، جاب ريكس تيلرسون منطقة الخليج، بدءًا من الدوحة إلى الكويت، التي قادته إلى جدة، ثم العودة إلى محطة الوصول، التي غادر منها إلى الولاياتالمتحدة. تيلرسون أجرى محادثات في محطات جولاته الخليجية الثلاث مع أميري قطروالكويت، والعاهل السعودي وولي عهده، وتمحورت المباحثات حول الأزمة الخليجية. الوزير الأمريكي كان قد التقى وزراء خارجية الدولة الأربعة المقاطعة للقطر في جدة قبل ثلاثة أيام، وحتى الآن لم يكشف عن نتيجة هذه اللقاءات أو الجولة بصفة عامة، حيث لم يخرج عن الجانب الأمريكي أي تصريح، لا عن مبادرة أمريكية، ولا عن جهود تصالحية بين الأطراف المختلفة، فقط دعم أمريكي للوساطة الكويتية. تيلرسون والجولة الخليجية لم تتسرب أي معلومات مؤكدة عن نتائج التحركات المكوكية التي أجراها تيلرسون للتوسط بين بعض الدول العربية ودولة قطر، لإنهاء الأزمة المستمرة بين الجانبين منذ نحو شهر، فالوزير الأمريكي لم يُدلِ بأي تصريحات بشأن محادثاته في مدينة جدة مع القيادة السعودية ووزراء الخارجية السعودي والإماراتي والبحريني والمصري، ولكن من غير المتوقع أن يعود تيلرسون إلى الكويت التي تقوم من جانبها بدور الوساطة في الأزمة، دون أن يكون ثمة شيء في الأفق يشجعه على الاستمرار في مساعيه. ويبدو أن وزير الخارجية الأمريكي لا يريد للخلاف القطري مع تلك الدول الأربعة أن يستمر ويتسع، بما يؤدي إلى تحول الدوحة أكثر فأكثر نحو إيران المنافس التقليدي للدول الحليفة لواشنطن في المنطقة، وبما لا يؤثر كذلك على مصالح الولاياتالمتحدة وجهودها في محاربة تمويل الإرهاب والتطرف، ولكنه في الوقت نفسه يريد تحقيق بعض المكاسب الأمريكية من هذا الخلاف، فواشنطن مستفيدة حتى الآن من هذا الخلاف في عقد صفقات السلاح بمليارات الدولارات مع الأطراف الخليجية المتنازعة، كما أنها مستفيدة من صفقات التنازل الخليجية التي تقدم لها من تحت الطاولة من قبل الرياضوالدوحة، فكلتا العاصمتين تحاولان اجتذاب واشنطن لطرفها في هذه المعركة الخليجية، حيث وقع تيلرسون مذكرة تفاهم أمريكية قطرية لمكافحة تمويل الإرهاب، إلا أن هذه المذكرة بدت في نظر خصوم الدوحة غير كافية لتبديد مخاوفهم، بحجة أن قطر وقعت على تعهدات سابقة في العامين "2013-2014" ولم تلتزم بها، وهنا اقتنصت الخارجية الأمريكية فرصة بالتلويح للدول المقاطعة لقطر بفتح ملفاتها في تمويل الإرهاب، حيث وصفت أيدي أطراف الأزمة الحالية بأنها ليست نظيفة من تمويل الإرهاب. عودة تيلرسون إلى بلاده من قطر، التي التقى فيها أميرها، تميم بن حمد، دون أي معلومات أو تفاصيل إضافية تعني أن الأيام القادمة قد لا تكون حاسمة للخلاف الخليجي القطري، بل أن الغموض عاد مجددًا ليتسيد المشهد. وحتى اللحظة يبدو أن تيلرسون نجح في توظيف مكاسب عديدة لبلادها من هذه الجولة، فبغض النظر عن المكاسب المادية التي جنتها واشنطن من هذا الخلاف، نجد أن جولة تيلرسون الخليجية استطاع من خلالها تشتيت الانتباه عن التهم الموجهة لأمريكا بدعمها للإرهاب، فالرئيس الأمريكي الحالي، دونالد ترامب، كان قد تحدث، أثناء ترشحه في الانتخابات الرئاسية، أن داعش صنيعة أمريكية، وأن الرئيس الأمريكي السابق، باراك أوباما، ووزيرة خارجيته، هيلاري كلينتون، هما من أنشآه، بالتعاون مع السعودية، وبذلك يكون تيلرسون قد خلع عباءة الإرهاب عن واشنطن، وألقاها على أطراف الأزمة العربية القطرية فقط. كما أن زيارة تيلرسون للمنطقة حافظت على شعرة معاوية مع قطروالرياض، فواشنطن ظهرت بمظهر الحليفة القريبة من جميع حلفائها الخليجيين، وأنها تقوم بجهود حثيثة لرأب الصدع الخليجي، وفي نفس الوقت أعطت جميع حلفائها الخليجيين الضوء الأخضر لاستعراض أوراق القوة على بعضها بعضًا، فمن جهة وقعت مذكرة حول الإرهاب من قطر، في محاولة لتحصينها من تهمة الإرهاب، ومن جهة أخرى لم تمارس ضعوطًا على الدول الأربعة المقاطعة لقطر لفك الحصار عنها، الأمر الذي يمكّن واشنطن من الاحتفاظ بحلفائها تحت الجناح الأمريكي، بحيث لا تفكر قطر بالاتجاه شرقًا نحو روسياوإيران. تيلرسون وحل الأزمة هناك نقطتان أساءت الدول المقاطعة لقطر فهمهما، الأولى أنه كان هناك توقع من المملكة العربية وحلفائها أنه بمجرد تطبيق عقوبات على قطر، ستتراجع كما حدث معها عام 2014، عندما سحبوا سفراءهم منها، والنقطة الثانية أن المملكة العربية السعودية وحلفاءها أساءوا قراءة الموقف الأمريكي، واعتبروا أن ترامب، الذي جاء إلى مؤتمر الرياض وأعطاهم الدعم، سوف يعطيهم دعمًا غير محدود في كل الأمور إلى ما لا نهاية ودون أي تحفظ، وهذا ما لم يحدث. المشكلة الآن هي أن تيلرسون يريد من هذه الدول الأربعة أن تتراجع عن إجراءات المقاطعة لعدة أسباب، منها أن الولاياتالمتحدة تريد توحيد موقف خليجي وعربي ضد إيران لخدمة أجندتها، كما تريد القضاء على داعش في سوريا والعراق والمنطقة بشكل عام. وهنا يرى مراقبون أن الأزمة الخليجية قد تطول، فالدول المقاطعة لقطر من الصعب أن تتراجع الآن عن مواقفها من الدوحة؛ لأنها ستظهر بمظهر المهزومة، وبالتالي تريد هذه الدول حفظ ماء الوجه، ويبدو أن الولاياتالمتحدة تقدر ذلك، وتفكر في طريقة لإنزال هذه الدول من أعلى الشجرة، فأعطت الدول المقاطعة لقطر فرصة زمنية لتنفيذ إجراءاتهم التصعيدية، التي لا يبدو أنها مؤثرة على قطر، وفي نهاية الأمر تقوم الدول المقاطعة بالتنازل التدريجي وتقليص مطالبها لقطر.