لا تزال وزارة النقل والمواصلات تفتقد للرؤية وحسن الإدارة عند تناولها عملية تطوير السكك الحديدية، خاصة في مراحل التخطيط والتنفيذ، حيث لا تزال تنفق مليارات الجنيهات دون جدوى حقيقية، فمنظومة السكك الحديدية في الإشارات، والمزلقانات، والسكك، والعاملين، تمثل العناصر الرئيسية جميعها مترابطة، وبالتالي تستلزم عند عملية تطوير أي جهة منها مراعاة الأثر ومدى استيعاب بقية العناصر. أجهزة الإشارة الموجودة داخل غرف المراقبة، والتي تشبه في شكلها التليفونات الأرضية القديمة، تلعب دورًا بالغ الأثر في حوادث القطارات وتعطل حركتها، وكثيرًا ما تتسبب في حوادث المارة والسيارة على مزلقانات القضبان المترامية والكائنة على شريط السكك الحديدية بالقرى والمدن، إذ تكمن أهمية تلك الأجهزة في كونها المسؤولة عن إرسال إشارات بين البلوكات؛ ليتم فتح أو غلق الطريق أمام القطار، وفتح وغلق المزلقانات أمام المارة. «البديل» رصدت تهالك تلك الأجهزة، حيث قال مراقب البلوك، أسامة نصيف إنها تتعرض للأعطال المفاجئة من حين لآخر، فجميعها يعمل منذ أكثر من قرن من الزمن، مطالبًا هيئة السكك الحديدية برفعها من كافة البلوكات؛ لتحقيق عوامل الأمن والسلامة. وأوضح رئيس اللجنة النقابية للعاملين بالهيئة سيد ماضي ل«البديل» أن جهاز الإشارة يعرف باسم «التيرز»، ويربط بين بلوك المحطة الخلفية وبلوك المحطة الأمامية، وقد اعتمده الإنجليز داخل غرف المراقبة عقب إنشاء السكك الحديدية في مصر، ومنذ ذلك الحين تعتمد عليه الهيئة داخل بلوكات المراقبة، فلم يتم تغييره أو تطويره. واقترح «ماضي» اعتماد أجهزة إشارة حديثة تعمل بالكهرباء فيما يسمى ب«كهربة الإشارة»، تكون مهامه إعطاء الإشارات الخاصة عند تحويلات القطارات والإشارات الخاصة بفتح وغلق الطرق أمام القطارات، وهو ما يعمل بدوره على تفادي الحوادث، كما أنه سيوفر الجهد والعمالة، وأضاف أنه وفي حال انقطاع التيار الكهربي ستعمل الخطوط حينها يدويًّا. من ناحيتها قالت نائب النقابة العامة للسكك الحديدية عزيزة عبد اللطيف إن أجهزة الإشارة الميكانيكية تتسبب في الكثير من الحوادث على خطوط السكك الحديدية، نتيجة تعطلها، وتسببها في تداخل خطوط السير بين القطارات على القضبان، لعدم وصول الإشارة إلى سائق القطار في الوقت المحدد، وبالتالي يضطر سائق القطار إلى فصل جهاز التحكم بالقطار، وهو الجهاز المسؤول عن ربط القطار آليًّا فى حالة تجاوزه للإشارات. وأضافت أن تلك الإشارات تتعرض للسرقة من قبل اللصوص، لعلمهم أن هناك قطعًا معدنية داخل أجهزة الإشارة تباع لمحلات الصاغة والمجوهرات بسعر مرتفع، لاستخدامها فى صناعة الذهب. وفي هذا السياق قال أحد مراقبي البلوك إن هناك سببًا آخر في تعطل أجهزة الإشارات يتناساه بعض المسؤولين، وهو أن بعض العاملين داخل البلوكات يتعرضون للإيذاء من قبل المواطنين، كما أن قلة عدد العاملين داخل أبراج المراقبة يزيد من الأعباء، ففي كثير من الأحيان نجد أن هناك عاملاً واحدًا فقط داخل البرج تتعدد مهامه، وبالتالي يتعرض للنسيان عند فتح أو غلق الإشارة أمام القطار. وأضاف أن تعطل أجهزة الإشارة المتكرر تسبب في توقف حركة القطارات في عدة وقائع ومواقع، كان آخرها الشهر الماضي عندما تم احتجاز القطارات علي الوجهين القبلي والبحري بمحطة مغاغة في المنيا، بسبب عطل في جهاز الإشارة بأحد الأبراج، واستمر العطل لأكثر من ساعتين. في منتصف نوفمبر من العام المنصرم وقعت الهيئة القومية لسكك حديد مصر، وشركة تالس الإسبانية، عقد مشروع كهربة إشارات خط (أسيوط – نجع حمادي) بطول 180 كم، ضمن خطة وزارة النقل لتطوير نظم الإشارات والاتصالات على خطوط السكك الحديدية بين القاهرة وأسوان. وقال وزير النقل دكتور هشام عرفات وقتها إن تحديث نظم الإشارات يهدف لاستبدال نظام إلكتروني مكان الحالي، من خلال تصميم يسمح بمسير القطارات بسرعة 160 كم في الساعة بدلاً من 120 كم، وزيادة عدد القطارات من 124 قطارًا إلى 221 في اليوم، مع تخفيض زمن الرحلة، وتحقيق أعلى معدلات التحكم والسيطرة في حركة مسير القطارات، وضمان الأمان للركاب. وأضاف الوزير أن تكلفة العقد الموقع 86.5 مليون يورو، إلى جانب 846 مليون جنيه، ومدة تنفيذه 3 سنوات، ويحتوي على نظام تحكم مركزي؛ للتحكم في المسافات بين أسيوط ونجع حمادي، من غرفة تحكم رئيسية، موقعها محطة سوهاج، وأن تحديث نظم الإشارات والاتصالات يتضمن متابعة مسير القطارات من عبر الشاشات لحظة بلحظة، وتزويد المزلقانات بأجراس وأنوار وبوابات أوتوماتيكية؛ للحد من الحوادث وتحقيق الأمان للمركبات، كما أن الوزارة تنفذ عددًا من المشروعات الأخرى في مجال تطوير نظم الإشارات على الخطوط الرئيسة بالشبكة القومية للسكك الحديدية، بإجمالي تكلفة مليار دولار، منها (خط القاهرة/ الإسكندرية) بطول 208 كم، وخط (بني سويف / أسيوط) بطول 250 كم، وخط (بنها/ الزقازيق/ الإسماعلية/بور سعيد) بطول 213 كم. من جانبه قال مفتش الحركة بالتفتيش المركزي برئاسة الهيئة شعبان حسين ل«البديل» إن الهيئة خصصت أكثر من مليار جنيه مؤخرًا، في سبيل استحداث نظم الإشارة من خلال التحكم المركزي، إلا أن العمل بذلك النظام توقف بعد فترة قليلة من تطبيقه؛ لعدم كفاءة العنصر البشري وتمكنه من العمل بذلك النظام، معتبرًا ذلك إهدارًا للمليارات. وتفاديًا لإهدار المال العام داخل الهيئة في ذلك الشأن طالب مفتش الحركة البدء في تدريب العاملين على نظام الإشارة المحدث بدلاً من النظام المعمول به منذ حقبة الإنجليز، وشدد على ضرورة التخطيط قبل تخصيص الأموال والتنفيذ، وإلا ستخرج المخصصات المالية لعملية تطوير الهيئة عن مساراتها الصحيحة.