أدى الغضب الشعبي وما قامت به الحركة الوطنية من فعاليات، إلى صدور تصريح 28فبراير1922م الذي تضمّن إلغاء الحماية البريطانية على مصر؛ فهدأت الأمور نسبيا في عموم البلاد.. أعقب ذلك قيام لجنة الثلاثين بوضع دستور للبلاد، وتم الانتهاء منه في 19 أبريل 1923م، وقد ارتكز هذا الدستور على عدة مبادئ أساسية: جميع السلطات مصدرها الأمة (الشعب)، الملك يملك ولا يحكم، يباشر الملك سلطاته التنفيذية من خلال الوزارة، وله حق تعيين الوزراء وإقالتهم، والحق في حل البرلمان.. كان هذا الدستور بمثابة خطوة حقيقية على طريق الديمقراطية، برغم أنه أعطى للملك الحق في حل البرلمان وإقالة الوزارة، وهو ما اعتبر تعديا على السلطة التشريعية من قبل رأس السلطة التنفيذية..و تلا ذلك في 23 يوليو1923م إلغاء الأحكام العرفية، وتم الإفراج عن زعيم الأمة سعد باشا زغلول ورفاقه، ودخل الوفد الانتخابات التشريعية مطلع العام التالي ففاز باكتساح، وشكل سعد باشا الوزارة التي سميت بوزارة الشعب. اعتبر الملك فؤاد الأول ما حدث صفعة قوية له، فناصب الوزارة العداء، وعرض سعد زغلول برنامج الوزارة الذي تضمن ضرورة التخلص من التحفظات الأربعة التي تضمنها تصريح 27 فبراير1922م، وكانت بمثابة عوائق قوية في سبيل استقلال البلاد، وطرحت المطالب الوطنية التالية من خلال البرنامج: الاستقلال التام بجلاء القوات الانجليزية عن البلاد، قيام مصر بالدور المنوط بها في حماية قناة السويس، حرية الحكومة المصرية في وضع سياستها الخارجية، تولي شؤون الأجانب حق أصيل للحكومة المصرية.. لكن بريطانيا أعلنت رفض هذه المطالب دون مواربة، كما أعلنت أن وزارة سعد باشا ليست محل ترحيب منها. وعقب اغتيال "سيرلي ستاك" سردار الجيش المصري في السودان في قلب القاهرة على يد أحد الوطنيين المصريين، استغلت سلطات الاحتلال الحادث؛ فوجه اللورد "اللنبي" إنذارا لوزارة سعد باشا يطلب فيه من الحكومة المصرية تقديم اعتذار عن هذه الجريمة، وأن تقدم مرتكبي هذه الجريمة والمحرضين عليها للمحاكمة وأن تقدم تعويضا مقداره نصف مليون جنيه إسترليني للحكومة البريطانية، وأن تسحب مصر قواتها من السودان، مع زيادة المساحة المزروعة بالقطن في السودان. وافق سعد زغلول علي النقاط الثلاثة الأولي ورفض الرابعة؛ فقامت القوات الإنجليزية بإجلاء وحدات الجيش المصري بالقوة من السودان، فتقدم سعد زغلول باستقالته؛ فقام الملك فؤاد بتكليف زيور باشا برئاسة الوزارة كما قام بحل البرلمان. و لكن نواب البرلمان اجتمعوا خارج البرلمان و قرروا التمسك بسعد زغلول في رئاسة الوزراء. فقامت الحكومة البريطانية بإرسال قطع بحرية عسكرية قبالة شواطئ الإسكندرية في مظاهرة تهديدية، لذلك قرر سعد زغلول التخلي عن فكرة رئاسة الوزراء حتي لا يعرض مصر لنكبة أخري مثل ما حدث عام 1882م. تبع وزارة زيور وزارة عدلي يكن ثم عبد الخالق ثروت، وقد كان طابع الوزارات الثلاثة محاولات التهدئة، والانصياع للملك، وإبداء اللين للمحتل من أجل استكمال المفاوضات.. وفي 23 أغسطس 1927/ مات سعد زغلول، فخلفه مصطفى النحاس في رئاسة الوفد، فشكل وزارة ائتلافية لم تصمد طويلا أمام المؤامرات الحزبية والإملاءات الملكية والإنجليزية، فأقال الملك الوزارة في 25 يونيو 1928م، وكلف محمد محمود باشا بتشكيل الحكومة. كان محمد محمود يتمتع بمساندة قوية من المندوب السامي و كان ذو شخصية قوية، فأراد أن يسيطر علي الشارع السياسي فعلق دستور 1923 م و عطل البرلمان، ودخل في مفاوضات مع الإنجليز بشأن الاستقلال عرفت بمفوضات محمد محمود- هندرسون. ثم رأت دار المندوب السامي أهمية تشكيل وزارة لها شعبية لتوقيع الاتفاق الناجم عن المفاوضات ، فاستقالت وزارة محمد محمود في أكتوبر 1929م ، وأضطر الملك لإعادة الحياة النيابية فكلف عدلي يكن بتشكيل حكومة انتقالية و إجراء الانتخابات التي فاز فيها حزب الوفد بأغلبية ساحقة، و شكل مصطفي النحاس وزارة وفدية. كان العداء بين وزارة مصطفي النحاس و الملك فؤاد شديدا حتي أن الوزارة لم تمكث أكثر من 6 أشهر ، فبعد فشل مفاوضات النحاس- هندرسون استغل الملك فؤاد الموقف و أخذ يتعمد تعطيل المراسيم الحكومية في عدة أمور حتي قام النحاس باشا بتقديم استقالته في 17 يونيو 1930 وأنهي بذلك وزارته الثانية التي لم تمكث أكثر من ستة أشهر نتيجة مؤامرات الملك فؤاد. كلف الملك اسماعيل صدقي بتشكيل الوزارة. فقام اسماعيل صدقي بحل البرلمان و إلغاء دستور 1923م، وأصدر دستورا جديدا عام 1930 سمي بدستور صدقي. وفي هذا الدستور ازدادت سلطات الملك قوة و زاد عدد النواب المعينين من قبل الملك. كانت هذه الخطوات ردة كبيرة، وإهدار لما جناه المصريون من ثمار كفاحهم خلال عقد من الزمان، فرفضت جميع الأحزاب والقوى السياسية هذا الدستور الذي وصف بأنه دستور الحكومة الذي أتى بديلا لدستور الشعب.. وعلى نحو متسارع تم إقرار قانون جديد للانتخابات وضع خصيصا لاستبعاد الوفد الذي قاطع الانتخابات بالفعل، فخاض إسماعيل صدقي الانتخابات على رأس حزب جديد قام بتأسيسه، وأسمي بحزب الشعب؛ فحصل على الأغلبية المطلقة في ظل غياب أية منافسة حقيقية. قوبلت تلك الإجراءات التعسفية من قبل صدقي برفض شعبي عارم، فاندلعت المظاهرات في الجامعة، ثم امتدت إلى الشوارع، ووقف الطلاب والأهالي في مواجهة "البوليس" الذي استخدم أقسى أنواع البطش؛ في محاولة يائسة لإيقاف الاضطرابات، فأعادت إلى الأذهان ما حدث من قمع من قبل السلطات أثناء أحداث ثورة 1919م. مع إشعال الأحداث وتطورها، خشي الملك فؤاد أن يطاح به في ظل تصاعد الغضب الشعبي، خاصة أن بعض الهتافات قد استهدفته شخصيا؛ فلم يجد إنقاذا لموقفه، سوى الإطاحة بإسماعيل صدقي الذي أرغم على تقديم الاستقالة في 31سبتمبر1933م، ثم كلف الملك أحد رجال حزب صدقي وهو عبد الفتاح باشا يحيى بتشكيل الوزارة. لكن الوزارة الموالية للملك لم تصمد سوى شهر وعدة أيام ثم أجبرت على الاستقالة بعد ضغط من سلطات الاحتلال التي رأت أن الملك يقامر باستقرار البلاد لصالحه هو دون النظر لأي اعتبارات أخرى.. وكلف محمد توفيق نسيم باشا بتشكيل وزارة حصلت على دعم وتأييد الوفد ومباركة المندوب السامي، وكان على رأس جدول أعمالها إلغاء دستور1930م، وإعادة العمل بدستور1923م، لكن الأيام كانت حُبلى بأحداث كثيرة أدت في النهاية إلى انتفاضة شعبية عاتية في القاهرة والأقاليم عرفت فيما بعد بثورة 1935.