- خمسة آلاف شهيد وجريح ومعتقل ضحايا الدستور من 1930 إلى 1935 - د.عاصم الدسوقي: الإخوان المسلمون أيدوا دستور صدقي فى 1930 ومرسي فى 2012 - د.محمد عفيفي: الجماعة ربت أعضاءها على الديكتاتورية بدءا من زيور وصولا لمرسي. حكاية الدستور هى ليست حكاية وثيقة.. بل حكاية كفاح الشعب المصرى من أجل كرامته واستقلاله.. هكذا بدأ الحديث معنا المؤرخ الدكتور عاصم الدسوقى، فدستور1923 جاء نتيجة لثورة 1919 والمطالبة بالاستقلال، وبالطبع كان الاستعمار البريطانى يرفض إعطاء مصر حق إقرار دستور، ويرى الدسوقى أن الدستور لم يكن منحة، بل بذلت من أجله الأمة أنهاراً من الدماء، وكانت السراى والاحتلال وأحزاب الأقليات تصوب رماحها إلى صدر الدستور أولا حتى ينزف الشعب وتترنح الحركة الوطنية. ويضيف الدستوقي: كان الانقلاب الأول على الدستور فى ظل وزارة زيور باشا الأولى 1925 والانقلاب الثانى كان بعد حل وزارة مصطفى باشا النحاس الأولى ونقض الائتلاف وتعطيل الدستور فى الفترة من يونيو 1928 حتى أكتوبر1929 وما ترتب عليه من تأليف وزارة محمد محمود (اليد الحديدية) وبعد ذلك استقالت وزارة محمد محمود من جراء المقاومة الجماهيرية، وتبعتها وزارة عدلى يكن الثالثة فى أكتوبر .1929 التى أعادت الحياة النيابية وأجرت الانتخابات فى ديسمبر ,1929 واستقالت هذه الوزارة، وألف النحاس باشا وزارته الثانية فى أول يناير 1930 وأعقبتها وزارة إسماعيل صدقى باشا التى ألغت الدستور، فكان الانقلاب الثالث فى حياة مصر الدستورية حينذاك. و ما أشبه اليوم بالبارحة، أو كما يقول كارل ماركس: «التاريخ يعيد نفسه مرتين، مرة فى شكل مأساة والأخرى فى شكل مهزلة»!! فجماعة الإخوان المسلمين التى تريد الآن أن تحتكر إرادة الشعب وتمرر “,”دستورها“,” والذي صاغته “,”جمعيتها التأسيسية“,” التي استحوذت ومعها حلفائها من تيارات الإسلام السياسي على أغلبية مقاعدها، هى بذاتها التى أيدت إسماعيل صدقى باشا ويداه ملطختان بدماء شهداء الدستور، وكما يقول المؤرخ الدكتور رفعت السعيد فإن حسن البنا مرشد الجماعة خطب وصرح بتأييده إسماعيل صدقى وأشار إلى أن «القرآن دستورنا» الأمر الذى استحسنه الديكتاتور صدقى فزار مقر الجماعة وترك لهم خطاب تحية!! ويرى د.عاصم الدسوقى أن جماعة الإخوان كانت منذ انتقال المرشد البنا من الإسماعيلية إلى مصر 1932 من أتباع الملك الذى كان يعتمد عليهم ضد الحركة الوطنية والوفد. ويضيف د.محمد عفيفى أستاذ التاريخ المعاصر أن جماعة الإخوان من 1928 وحتى 1938 كانت تؤسس أعضاءها على الولاء للملك، ولم تبخل على أى ديكتاتور بالتأييد من زيور لمحمد محمود لإسماعيل صدقى وناصبت الوفد والدستور العداء على طول الخط. * ويصا واصف محطم السلاسل كان دستور 1923 هو مفتاح السر لنضال المصريين من كل الطبقات.. هكذا يؤكد لنا د.عاصم الدسوقى، وفى اليوم الذى قبل فيه الملك فؤاد استقالة وزارة النحاس باشا عهد إلى إسماعيل صدقى تأليف الوزارة الجديدة، وكانت النية مبيتة عند تأليف الوزارة على إلغاء الدستور، وتلك كانت أمنية السراى فى ذلك العهد منذ وضع دستور 1923 وقد تحققت بعضها من قبل بأن عطلت الحياة الدستورية فعلا فى عهد وزارة زيور، ثم أوقف الدستور فى عهد وزارة محمد محمود وبعد أن قطعت مفاوضات النحاس-هندرسن، ونقم الإنجليز من حكومة الوفد بعد أن رفضت التوقيع على مشروع المعاهدة فرأت السراى ورأى معها الوصوليون والرجعيون أن الفرصة سانحة لإهدار حقوق الأمة الدستورية من جديد فتألفت وزارة إسماعيل صدقى على هذا الأساس،وكان تأليفها تحديا للشعب،واستهانة بحقوق الأمة. ويستطرد د.الدسوقى: بدأت الوزارة عملها بتأجيل انعقاد البرلمان شهرا من يوم 21 يونيه ,1930 تماما مثلما فعلت وزارة زيور باشا 1924 ووزارة محمد محمود ,1928 ويضيف المؤرخ عبدالرحمن الرافعى فى (الجزء الثانى- فى أعقاب الثورة المصرية ثورة 1919): وقد أراد النواب والشيوخ أن يجتمعوا فى البرلمان يوم 23 يونيه، وهو اليوم الذى كان محددا من قبل لانعقاد الجلسة، واتفق عدلى باشا رئيس مجلس الشيوخ والأستاذ ويصا واصف رئيس مجلس النواب على أن مرسوم التأجيل يجب أن يتلى على الشيوخ والنواب فى المجلسين. ولكن الوزارة اعترضت على ذلك، ولكن رئيسى المجلسين حددا يوم 21 يوليو أى بعد إنهاء فترة التأجيل، فطلب صدقى باشا من الأستاذ ويصا واصف أن يعطيه عهدا بألا يتكلم أى عضو من أعضاء مجلس النواب بعد تلاوة المرسوم، فرأى الأستاذ ويصا واصف فى هذا الطلب تدخلا فى شئون المجلس، وغضا من كرامته، ورفض إعطاء هذا العهد، فأرسل إليه صدقى باشا (يوم 23 يونيه) كتابا يصر فيه على أن يصله هذا العهد قبل الساعة الواحدة بعد ظهر اليوم ,وبدت فى كتابه لهجة التهديد والوعيد فلم يسع الأستاذ ويصا واصف إلا الرد بجواب مشرف رفض فيه طلب صدقى، فما كانت من الحكومة سوى أن أغلقت أبواب البرلمان، ووضعت حوله قواتها المسلحة، وربطت بابه الخارجى بسلاسل من حديد، وتقدم ويصا واصف وأمر بوليس البرلمان بتحطيم السلاسل، وسمى هذا اليوم «يوم تحطيم السلاسل» ودخل النواب قاعة الجلسة، وتلى مرسوم التأجيل، وأقسم النواب اليمين بالمحافظة على الدستور. ومن يوم تحطيم السلاسل انطلقت المقاومة الشعبية لصدقى ودستوره، ويقول د.عاصم الدسوقى: أرسل عدلى باشا احتجاجا على صدقى باسم مجلس الشيوخ، وبعد إلغاء الدستور استقال من رئاسة مجلس الشيوخ، ورفض النظام الذى وضعه صدقى باشا، وأبى إقرار الدستور الصورى الذى ابتدعه، وكان من أركان المؤتمر الوطنى الذى قرر فى مايو 1931 لمناهضة دستور صدقى وعدم الاعتراف بالانتخابات التى جرت على أساسه. * مؤتمر الشيوخ والنواب.. الوفد فى طليعة المقاومة. نعود مع عاصم الدسوقى إلى دستور 1923رغم أن الوفد بقيادة سعد باشا انسحب من اللجنة وأطلق عليها سعد زغلول «لجنة الأشقياء» إلا أن الوفد ظل أمينا لقضية الدستور، ولولاه ما تم الربط بين مثلث (الدستور - الشعب - الاستقلال)، وكان الوفد فى طليعة المقاومة ونظم مؤتمرا من الشيوخ والنواب وأعضاء مجالس المديريات فى النادى السعدى يوم 26 يونيو1930 وحضرته القوى السياسية المختلفة، وقرروا الدفاع عن دستور 1923 ومقاومة دستور 1930وصاغ الحضور قسماً هو : «أقسم بالله العظيم أن أدافع عن الدستور وأقابل كل اعتداء عليه بكل ما أملك من قوة ومال وتضحية وأن أشترك اشتراكا فعليا فى تنفيذ خطة عدم التعاون التى تضعها اللجنة ويقرها الوفد وأن أعمل على تعميم ذلك فى دائرتى الانتخابية». * يوميات المقاومة ولعل أكثر ما كان يرعب الملك والاحتلال من دستور1923 كما يقول د.الدسوقى هو شل يد الملك، فجاء دستور 1930 بقرار من صدقى وليس عن طريق أى لجان، وزاد من سلطات الملك المطلقة، وكان دستور 1923 يعطى الملك فقط حق التصديق على قوانين البرلمان، وإن لم يصدق على القانون، أو لم يعده للبرلمان خلال شهرين اعتبر القانون نافذا، ولكن دستور 1930 ألغى ذلك، بل ونص على عدم أحقية البرلمان فى نظر القوانين التى يرفضها الملك فى ذات الدورة، ويكاد يكون دستور 1930 عطل باب الحريات فى دستور ,1923 وأعطى مشروعية لإلغاء حرية الصحافة وتعطيل الصحف ومنع حق الاجتماع والتظاهر.. إلخ.. ومن هنا بدأت المقاومة. ∎ وأخذ الوفد والنحاس يطوفون المديريات، وكانت أول زيارة له لمديريته الشرقية1930/7/1 وعقد مؤتمرا بالزقازيق. ∎ وعندما انتقل النحاس من الزقازيق إلى بلبيس وسط عشرات الآلاف منعهم البوليس، وتصادم الفريقان، وأطلق البوليس النار على الجماهير فقتل منهم كما يقول الرافعى ثلاثة وجرح المئات. ∎ فى المنصورة فى 1930/7/8 حاصرت قوات تقدر بثلاثة آلاف جندى من الجيش المدينة إضافة للبوليس، وعندما شقت سيارة النحاس باشا الطريق بشارع البحر اعترضتها قوات الجيش والبوليس، وأصيب سنيوت بك حنا الذى كان يرافق النحاس فى سيارته إصابات بالغة، وقتل أربعة من الأهالى وثلاثة من رجال الجيش والبوليس، وبلغ عدد الجرحى 145 جريحا، وكافأت الحكومة والسراى الأميرالاى (العميد) عبدالعظيم على قائد قوة الجيش التى ارتكبت هذه الفظائع بترقيته إلى رتبة اللواء بصفة استثنائية، كما عاقبت ضابطا وهو الصاغ (الرائد) محمد أمين الذى عمل على حقن الدماء ورفض استعمال القسوة فى الزقازيق إلى الاستيداع. ∎ فى بورسعيد حدثت مظاهرة يوم 21 يوليو قمعها الجيش بإطلاق النار فقتل متظاهرون وجرح كثيرون. ∎ فى الإسماعيلية والسويس، جرح المئات من المتظاهرين واعتقل (150) متظاهراً. ∎ فى طنطا يوم 7/9 فرق البوليس المظاهرة بالقوة فجرح المئات و اعتقل (74) متظاهراً. ∎ أما الإسكندرية فكانت ميدانا لحوادث خطيرة، فقد خرجت فيها يوم 15 يوليو مظاهرات احتجاجا على حوادث القتل التى وقعت فى بلبيس والمنصورة، فقابلها الجند بإطلاق النار، وبلغ عدد القتلى عشرين قتيلا، وعدد الجرحى (500) جريح غصت بهم مستشفيات المدينة، وقبض البوليس على بعض أعضاء لجنة الوفد المركزية وهم الأساتذة: عبدالفتاح الطويل وحسن سرور السيد كرى والدكتور أحمد عبدالسلام، إضافة لأكثر من (200) من الأهالى. ∎ وكان يوم 1930/2/17 يوما مشهودا بالقاهرة أيضا، وفى هذا اليوم الذى حدده الشيوخ والنواب لاجتماع البرلمان، قامت بالقاهرة مظاهرات عديدة قمعها الجيش والبوليس بإطلاق النار فى عدة أحياء، فبلغ عدد القتلى منهم أربعة وعدد الجرحى أربعين، عدا من أصيبوا ولم يبلغوا عن إصاباتهم وهم كثيرون. يتبع