«مستقبل وطن».. أمانة الشباب تناقش الملفات التنظيمية والحزبية مع قيادات المحافظات    تفاصيل حفل توزيع جوائز "صور القاهرة التي التقطها المصورون الأتراك" في السفارة التركية بالقاهرة    200 يوم.. قرار عاجل من التعليم لصرف مكافأة امتحانات صفوف النقل والشهادة الإعدادية 2025 (مستند)    سعر الذهب اليوم الإثنين 28 أبريل محليا وعالميا.. عيار 21 الآن بعد الانخفاض الأخير    فيتنام: زيارة رئيس الوزراء الياباني تفتح مرحلة جديدة في الشراكة الشاملة بين البلدين    محافظ الدقهلية في جولة ليلية:يتفقد مساكن الجلاء ويؤكد على الانتهاء من تشغيل المصاعد وتوصيل الغاز ومستوى النظافة    شارك صحافة من وإلى المواطن    رسميا بعد التحرك الجديد.. سعر الدولار اليوم مقابل الجنيه المصري اليوم الإثنين 28 أبريل 2025    لن نكشف تفاصيل ما فعلناه أو ما سنفعله، الجيش الأمريكي: ضرب 800 هدف حوثي منذ بدء العملية العسكرية    الإمارت ترحب بتوقيع إعلان المبادئ بين الكونغو الديمقراطية ورواندا    استشهاد 14 فلسطينيًا جراء قصف الاحتلال مقهى ومنزلًا وسط وجنوب قطاع غزة    رئيس الشاباك: إفادة نتنياهو المليئة بالمغالطات هدفها إخراج الأمور عن سياقها وتغيير الواقع    'الفجر' تنعى والد الزميلة يارا أحمد    خدم المدينة أكثر من الحكومة، مطالب بتدشين تمثال لمحمد صلاح في ليفربول    في أقل من 15 يومًا | "المتحدة للرياضة" تنجح في تنظيم افتتاح مبهر لبطولة أمم إفريقيا    وزير الرياضة وأبو ريدة يهنئان المنتخب الوطني تحت 20 عامًا بالفوز على جنوب أفريقيا    مواعيد أهم مباريات اليوم الإثنين 28- 4- 2025 في جميع البطولات والقنوات الناقلة    جوميز يرد على أنباء مفاوضات الأهلي: تركيزي بالكامل مع الفتح السعودي    «بدون إذن كولر».. إعلامي يكشف مفاجأة بشأن مشاركة أفشة أمام صن داونز    مأساة في كفر الشيخ| مريض نفسي يطعن والدته حتى الموت    اليوم| استكمال محاكمة نقيب المعلمين بتهمة تقاضي رشوة    بالصور| السيطرة على حريق مخلفات وحشائش بمحطة السكة الحديد بطنطا    بالصور.. السفير التركي يكرم الفائز بأجمل صورة لمعالم القاهرة بحضور 100 مصور تركي    بعد بلال سرور.. تامر حسين يعلن استقالته من جمعية المؤلفين والملحنين المصرية    حالة من الحساسية الزائدة والقلق.. حظ برج القوس اليوم 28 أبريل    امنح نفسك فرصة.. نصائح وحظ برج الدلو اليوم 28 أبريل    أول ظهور لبطل فيلم «الساحر» بعد اعتزاله منذ 2003.. تغير شكله تماما    حقيقة انتشار الجدري المائي بين تلاميذ المدارس.. مستشار الرئيس للصحة يكشف (فيديو)    نيابة أمن الدولة تخلي سبيل أحمد طنطاوي في قضيتي تحريض على التظاهر والإرهاب    إحالة أوراق متهم بقتل تاجر مسن بالشرقية إلى المفتي    إنقاذ طفلة من الغرق في مجرى مائي بالفيوم    إنفوجراف| أرقام استثنائية تزين مسيرة صلاح بعد لقب البريميرليج الثاني في ليفربول    رياضة ½ الليل| فوز فرعوني.. صلاح بطل.. صفقة للأهلي.. أزمة جديدة.. مرموش بالنهائي    دمار وهلع ونزوح كثيف ..قصف صهيونى عنيف على الضاحية الجنوبية لبيروت    نتنياهو يواصل عدوانه على غزة: إقامة دولة فلسطينية هي فكرة "عبثية"    أهم أخبار العالم والعرب حتى منتصف الليل.. غارات أمريكية تستهدف مديرية بصنعاء وأخرى بعمران.. استشهاد 9 فلسطينيين في قصف للاحتلال على خان يونس ومدينة غزة.. نتنياهو: 7 أكتوبر أعظم فشل استخباراتى فى تاريخ إسرائيل    29 مايو، موعد عرض فيلم ريستارت بجميع دور العرض داخل مصر وخارجها    الملحن مدين يشارك ليلى أحمد زاهر وهشام جمال فرحتهما بحفل زفافهما    خبير لإكسترا نيوز: صندوق النقد الدولى خفّض توقعاته لنمو الاقتصاد الأمريكى    «عبث فكري يهدد العقول».. سعاد صالح ترد على سعد الدين الهلالي بسبب المواريث (فيديو)    اليوم| جنايات الزقازيق تستكمل محاكمة المتهم بقتل شقيقه ونجليه بالشرقية    نائب «القومي للمرأة» تستعرض المحاور الاستراتيجية لتمكين المرأة المصرية 2023    محافظ القليوبية يبحث مع رئيس شركة جنوب الدلتا للكهرباء دعم وتطوير البنية التحتية    خطوات استخراج رقم جلوس الثانوية العامة 2025 من مواقع الوزارة بالتفصيل    البترول: 3 فئات لتكلفة توصيل الغاز الطبيعي للمنازل.. وإحداها تُدفَع كاملة    نجاح فريق طبي في استئصال طحال متضخم يزن 2 كجم من مريضة بمستشفى أسيوط العام    حقوق عين شمس تستضيف مؤتمر "صياغة العقود وآثارها على التحكيم" مايو المقبل    "بيت الزكاة والصدقات": وصول حملة دعم حفظة القرآن الكريم للقرى الأكثر احتياجًا بأسوان    علي جمعة: تعظيم النبي صلى الله عليه وسلم أمرٌ إلهي.. وما عظّمنا محمدًا إلا بأمر من الله    تكريم وقسم وكلمة الخريجين.. «طب بنها» تحتفل بتخريج الدفعة السابعة والثلاثين (صور)    صحة الدقهلية تناقش بروتوكول التحويل للحالات الطارئة بين مستشفيات المحافظة    الإفتاء تحسم الجدل حول مسألة سفر المرأة للحج بدون محرم    ماذا يحدث للجسم عند تناول تفاحة خضراء يوميًا؟    هيئة كبار العلماء السعودية: من حج بدون تصريح «آثم»    كارثة صحية أم توفير.. معايير إعادة استخدام زيت الطهي    سعر الحديد اليوم الأحد 27 -4-2025.. الطن ب40 ألف جنيه    خلال جلسة اليوم .. المحكمة التأديبية تقرر وقف طبيبة كفر الدوار عن العمل 6 أشهر وخصم نصف المرتب    البابا تواضروس يصلي قداس «أحد توما» في كنيسة أبو سيفين ببولندا    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



كيف أبطل المصريون الدستور الفاسد؟


ودعا عليك الله فى محرابه الشيخ والقسيس والحاخام

لا هم أحى ضميره ليذوقها غصصا وتنسف نفسه الآلام

هكذا عبر شاعر النيل حافظ إبراهيم بشعره ضد إسماعيل صدقى بعد أن ألغى دستور .1930
وحكاية الدستور هى ليست حكاية وثيقة.. بل حكاية كفاح الشعب المصرى من أجل كرامته واستقلاله.. هكذا بدأ الحديث معنا المؤرخ الدكتور عاصم الدسوقى، فدستور1923 جاء نتيجة لثورة 1919 والمطالبة بالاستقلال، وبالطبع كان الاستعمار البريطانى يرفض إعطاء مصر حق إقرار دستور، ويرى الدسوقى أن الدستور لم يكن منحة، بل بذلت من أجله الأمة أنهاراً من الدماء، وكانت السراى والاحتلال وأحزاب الأقليات تصوب رماحها إلى صدر الدستور أولا حتى ينزف الشعب وتترنح الحركة الوطنية.

كان الانقلاب الأول على الدستور فى ظل وزارة زيور باشا الأولى 1925 والانقلاب الثانى كان بعد حل وزارة مصطفى باشا النحاس الأولى ونقض الائتلاف وتعطيل الدستور فى الفترة من يونيو 1928 حتى أكتوبر ,1929 وما ترتب عليه من تأليف وزارة محمد محمود (اليد الحديدية) وبعد ذلك استقالت وزارة محمد محمود من جراء المقاومة الجماهيرية، وتبعتها وزارة عدلى يكن الثالثة فى أكتوبر .1929 التى أعادت الحياة النيابية وأجرت الانتخابات فى ديسمبر ,1929 واستقالت هذه الوزارة، وألف النحاس باشا وزارته الثانية فى أول يناير 1930 وأعقبتها وزارة إسماعيل صدقى باشا التى ألغت الدستور، فكان الانقلاب الثالث فى حياة مصر الدستورية حينذاك.

و ما أشبه اليوم بالبارحة، أو كما يقول كارل ماركس: «التاريخ يعيد نفسه مرتين، مرة فى شكل مأساة والأخرى فى شكل مهزلة»!!

فجماعة الإخوان المسلمين التى تريد أن تحتكر إرادة الشعب وتضع لجنة تأسيسية على قياسها 2012 هى بذاتها التى أيدت إسماعيل صدقى باشا ويداه ملطختان بدماء شهداء الدستور، وكما يقول المؤرخ الدكتور رفعت السعيد فإن حسن البنا مرشد الجماعة خطب وصرح بتأييده إسماعيل صدقى وأشار إلى أن «القرآن دستورنا» الأمر الذى استحسنه الديكتاتور صدقى فزار مقر الجماعة وترك لهم خطاب تحية!!

ويرى د.عاصم الدسوقى أن جماعة الإخوان كانت منذ انتقال المرشد البنا من الإسماعيلية إلى مصر 1932 من أتباع الملك الذى كان يعتمد عليهم ضد الحركة الوطنية والوفد.

ويضيف د.محمد عفيفى أستاذ التاريخ المعاصر أن جماعة الإخوان من 1928 وحتى 1938 كانت تؤسس أعضاءها على الولاء للملك، ولم تبخل على أى ديكتاتور بالتأييد من زيور لمحمد محمود لإسماعيل صدقى وناصبت الوفد والدستور العداء على طول الخط.

∎ ويصا واصف محطم السلاسل

كان دستور 1923 هو مفتاح السر لنضال المصريين من كل الطبقات.. هكذا يؤكد لنا د.عاصم الدسوقى، وفى اليوم الذى قبل فيه الملك فؤاد استقالة وزارة النحاس باشا عهد إلى إسماعيل صدقى تأليف الوزارة الجديدة، وكانت النية مبيتة عند تأليف الوزارة على إلغاء الدستور، وتلك كانت أمنية السراى فى ذلك العهد منذ وضع دستور 1923 وقد تحققت بعضها من قبل بأن عطلت الحياة الدستورية فعلا فى عهد وزارة زيور، ثم أوقف الدستور فى عهد وزارة محمد محمود وبعد أن قطعت مفاوضات النحاس-هندرسن، ونقم الإنجليز من حكومة الوفد بعد أن رفضت التوقيع على مشروع المعاهدة فرأت السراى ورأى معها الوصوليون والرجعيون أن الفرصة سانحة لإهدار حقوق الأمة الدستورية من جديد فتألفت وزارة إسماعيل صدقى على هذا الأساس،وكان تأليفها تحديا للشعب،واستهانة بحقوق الأمة.

ويستطرد د.الدسوقى: بدأت الوزارة عملها بتأجيل انعقاد البرلمان شهرا من يوم 21 يونيه ,1930 تماما مثلما فعلت وزارة زيور باشا 1924 ووزارة محمد محمود ,1928 ويضيف المؤرخ عبدالرحمن الرافعى فى (الجزء الثانى- فى أعقاب الثورة المصرية ثورة 1919):

وقد أراد النواب والشيوخ أن يجتمعوا فى البرلمان يوم 23 يونيه، وهو اليوم الذى كان محددا من قبل لانعقاد الجلسة، واتفق عدلى باشا رئيس مجلس الشيوخ والأستاذ ويصا واصف رئيس مجلس النواب على أن مرسوم التأجيل يجب أن يتلى على الشيوخ والنواب فى المجلسين. ولكن الوزارة اعترضت على ذلك، ولكن رئيسى المجلسين حددا يوم 21 يوليو أى بعد إنهاء فترة التأجيل، فطلب صدقى باشا من الأستاذ ويصا واصف أن يعطيه عهدا بألا يتكلم أى عضو من أعضاء مجلس النواب بعد تلاوة المرسوم، فرأى الأستاذ ويصا واصف فى هذا الطلب تدخلا فى شئون المجلس، وغضا من كرامته، ورفض إعطاء هذا العهد، فأرسل إليه صدقى باشا (يوم 23 يونيه) كتابا يصر فيه على أن يصله هذا العهد قبل الساعة الواحدة بعد ظهر اليوم ,وبدت فى كتابه لهجة التهديد والوعيد فلم يسع الأستاذ ويصا واصف إلا الرد بجواب مشرف رفض فيه طلب صدقى، فما كانت من الحكومة سوى أن أغلقت أبواب البرلمان، ووضعت حوله قواتها المسلحة، وربطت بابه الخارجى بسلاسل من حديد، وتقدم ويصا واصف وأمر بوليس البرلمان بتحطيم السلاسل، وسمى هذا اليوم «يوم تحطيم السلاسل» ودخل النواب قاعة الجلسة، وتلى مرسوم التأجيل، وأقسم النواب اليمين بالمحافظة على الدستور.

ومن يوم تحطيم السلاسل انطلقت المقاومة الشعبية لصدقى ودستوره، ويقول د.عاصم الدسوقى: أرسل عدلى باشا احتجاجا على صدقى باسم مجلس الشيوخ، وبعد إلغاء الدستور استقال من رئاسة مجلس الشيوخ، ورفض النظام الذى وضعه صدقى باشا، وأبى إقرار الدستور الصورى الذى ابتدعه، وكان من أركان المؤتمر الوطنى الذى قرر فى مايو 1931 لمناهضة دستور صدقى وعدم الاعتراف بالانتخابات التى جرت على أساسه.

* مؤتمر الشيوخ والنواب.. الوفد فى طليعة المقاومة.

نعود مع عاصم الدسوقى إلى دستور 1923رغم أن الوفد بقيادة سعد باشا انسحب من اللجنة وأطلق عليها سعد زغلول «لجنة الأشقياء» إلا أن الوفد ظل أمينا لقضية الدستور، ولولاه ما تم الربط بين مثلث (الدستور - الشعب - الاستقلال)، وكان الوفد فى طليعة المقاومة ونظم مؤتمرا من الشيوخ والنواب وأعضاء مجالس المديريات فى النادى السعدى يوم 26 يونيو1930 وحضرته القوى السياسية المختلفة، وقرروا الدفاع عن دستور 1923 ومقاومة دستور 1930وصاغ الحضور قسماً هو :

«أقسم بالله العظيم أن أدافع عن الدستور وأقابل كل اعتداء عليه بكل ما أملك من قوة ومال وتضحية وأن أشترك اشتراكا فعليا فى تنفيذ خطة عدم التعاون التى تضعها اللجنة ويقرها الوفد وأن أعمل على تعميم ذلك فى دائرتى الانتخابية».

* يوميات المقاومة

ولعل أكثر ما كان يرعب الملك والاحتلال من دستور1923 كما يقول د.الدسوقى هو شل يد الملك، فجاء دستور 1930 بقرار من صدقى وليس عن طريق أى لجان، وزاد من سلطات الملك المطلقة، وكان دستور 1923 يعطى الملك فقط حق التصديق على قوانين البرلمان، وإن لم يصدق على القانون، أو لم يعده للبرلمان خلال شهرين اعتبر القانون نافذا، ولكن دستور 1930 ألغى ذلك، بل ونص على عدم أحقية البرلمان فى نظر القوانين التى يرفضها الملك فى ذات الدورة، ويكاد يكون دستور 1930 عطل باب الحريات فى دستور ,1923 وأعطى مشروعية لإلغاء حرية الصحافة وتعطيل الصحف ومنع حق الاجتماع والتظاهر.. إلخ.. ومن هنا بدأت المقاومة.

∎ وأخذ الوفد والنحاس يطوفون المديريات، وكانت أول زيارة له لمديريته الشرقية1930/7/1 وعقد مؤتمرا بالزقازيق.

∎ وعندما انتقل النحاس من الزقازيق إلى بلبيس وسط عشرات الآلاف منعهم البوليس، وتصادم الفريقان، وأطلق البوليس النار على الجماهير فقتل منهم كما يقول الرافعى ثلاثة وجرح المئات.

∎ فى المنصورة فى 1930/7/8 حاصرت قوات تقدر بثلاثة آلاف جندى من الجيش المدينة إضافة للبوليس، وعندما شقت سيارة النحاس باشا الطريق بشارع البحر اعترضتها قوات الجيش والبوليس، وأصيب سنيوت بك حنا الذى كان يرافق النحاس فى سيارته إصابات بالغة، وقتل أربعة من الأهالى وثلاثة من رجال الجيش والبوليس، وبلغ عدد الجرحى 145 جريحا، وكافأت الحكومة والسراى الأميرالاى (العميد) عبدالعظيم على قائد قوة الجيش التى ارتكبت هذه الفظائع بترقيته إلى رتبة اللواء بصفة استثنائية، كما عاقبت ضابطا وهو الصاغ (الرائد) محمد أمين الذى عمل على حقن الدماء ورفض استعمال القسوة فى الزقازيق إلى الاستيداع.

∎ فى بورسعيد حدثت مظاهرة يوم 21 يوليو قمعها الجيش بإطلاق النار فقتل متظاهرون وجرح كثيرون.

∎ فى الإسماعيلية والسويس، جرح المئات من المتظاهرين واعتقل (150) متظاهراً.

∎ فى طنطا يوم 7/9 فرق البوليس المظاهرة بالقوة فجرح المئات و اعتقل (74) متظاهراً.

∎ أما الإسكندرية فكانت ميدانا لحوادث خطيرة، فقد خرجت فيها يوم 15 يوليو مظاهرات احتجاجا على حوادث القتل التى وقعت فى بلبيس والمنصورة، فقابلها الجند بإطلاق النار، وبلغ عدد القتلى عشرين قتيلا، وعدد الجرحى (500) جريح غصت بهم مستشفيات المدينة، وقبض البوليس على بعض أعضاء لجنة الوفد المركزية وهم الأساتذة: عبدالفتاح الطويل وحسن سرور السيد كرى والدكتور أحمد عبدالسلام، إضافة لأكثر من (200) من الأهالى.

∎ وكان يوم 1930/2/17 يوما مشهودا بالقاهرة أيضا، وفى هذا اليوم الذى حدده الشيوخ والنواب لاجتماع البرلمان، قامت بالقاهرة مظاهرات عديدة قمعها الجيش والبوليس بإطلاق النار فى عدة أحياء، فبلغ عدد القتلى منهم أربعة وعدد الجرحى أربعين، عدا من أصيبوا ولم يبلغوا عن إصاباتهم وهم كثيرون.

∎ عمال وفلاحين و طلبة فى مواجهة دستور 1930

ولكن الموجة الأولى من المقاومة والشهداء لم تواجه فقط بالرصاص بل صدر الأمر الملكى فى 22 أكتوبر 1930 بإلغاء دستور ,1923 وبحل مجلس النواب والشيوخ، وإعلان الدستور الجديد، ووقع الملك فؤاد على هذا الأمر وعلى الدستور الجديد ووقع معه الوزراء: إسماعيل صدقى، عبدالفتاح يحيى، حافظ حسن، محمد توفيق رفعت، على ماهر، توفيق دوس، محمد حلمى عيسى، مراد سعيد أحمد، إبراهيم فهمى كريم.

وصدر فى نفس اليوم قانون الانتخاب الجديد منسجما مع الدستور الذى ابتدعه صدقى ووزارته.

ويقول د.الدسوقى: ثارت الأمة فى مختلف أنحاء القطر المصرى وتحريك كوادر الوفد ضد إلغاء الدستور، والانتخابات المزورة، وحزب الشعب الذى أسسه صدقى لمواجهة الوفد.

واستقال ثلاثة أرباع العمد والمشايخ فى الريف. وتحالف الوفد مع خصومه السابقين مثل الأحرار الدستوريين دفاعا عن الدستور، وتعرض النحاس باشا للعسف بما فى ذلك النوم على كنب محطات السكة الحديدية ودفع الشعب المصرى أكثر من (500) ما بين قتيل وجريح فى انتخابات مايو 1931واستمرت المظاهرات حتى سقطت حكومة صدقى واستقال فى نوفمبر ,1933 وتلتها وزارة عبدالفتاح باشا، ثم وزارة توفيق نسيم باشا، وأمام استمرار المقاومة ألغى الملك فؤاد دستور 1930 فى 31 نوفمبر ,1934 ولكنه لم يصدر أمرا بإعادة دستور ,1923 فقام الوفد فى ديسمبر 1934 بتنظيم الجبهة الوطنية التى أعلنت عن نفسها 9 يناير 1935 من جميع القوى السياسية، وفى ذات اليوم -كما يروى د.عاصم الدسوقى- صرح وزير خارجية بريطانيا (صموئيل هور) معرباً عن استيائه من مطالبة المصريين بعودة دستور 1923 وقال إن المصريين يحتاجون لتربية سياسية. قامت المظاهرات فى 23 نوفمبر 1933 هاتفة: «يسقط هور ابن التور».

وكما يروى الرافعى: اندلعت المظاهرات فى نواحى القاهرة وبعض المدن احتجاجا على هذا التصريح، وأطلق البوليس النار على المتظاهرين، وسقط أول شهيد فى هذه الحوادث وهو إسماعيل محمد الخالع يوم 13 نوفمبر ,1935 وهو أحد العمال الذين كانوا يقيمون السرادق الذى أقامه الوفد احتفالاً بعيد الجهاد، وتجددت المظاهرات الخميس 14 نوفمبر والأيام التى تلته، وكانت أهمها مظاهرة كبرى قام بها طلبة جامعة فؤاد الأول «القاهرة الآن» بدأت من ساحة الجامعة واتجهت إلى القاهرة فقابلها البوليس بإطلاق النار، وقتل من طلبة الجامعة: محمد عبدالمجيد مرسى الطالب بكلية الزراعة والذى كان فى طليعة المتظاهرين ومحمد عبدالحكيم الجراحى الطالب بكلية الآداب، وعلى طه عفيفى الطالب بدار العلوم، وقد أصيب يوم 16 نوفمبر وتوفى متأثراً بجراحه فى اليوم التالى، وقتل فى مظاهرة بطنطا عبدالحميد عبدالمقصود شبكة الطالب بالمعهد الدينى، وجرح فى ذلك اليوم المئات من طلبة وطالبات المدارس العليا والجامعة.

ورداً على ذلك عمت الإضرابات المظاهرات عموم البلاد بقيادة حزب الوفد قائد الجبهة الوطنية، وأمام شلالات الدماء استجاب الملك فؤاد وبعد خمس سنوات لمطلب الجبهة الوطنية وأصدر يوم 12 ديسمبر 1935 قراراً بعودة دستور .1923

* دستور كتب بالدماء والتضحيات

يسمى المؤرخون كفاح الشعب المصرى من أجل الدستور من 1930 وحتى 1935 بالثورة الثانية المنسية، على أن الثورة الأولى كانت ثورة 1919 وترى مؤرخة روسية هى برافولفا يوفجينا أنتينوفنا فى كتابها الذى يحمل اسم (الثورة المصرية المنسية) دار التقدم- الطبعة الروسية ص94 موسكو 1968 - أن ثورة 1930-1935 هى الثورة الأولى فى العالم التى تستمر خمسة سنوات من أجل عودة دستور البلاد، وشارك فى هذه الثورة كل طبقات المجتمع، ودفعت من الدماء والتضحيات حوالى خمسة آلاف بين قتيل وجريح ومعتقل، وتستطرد برافولفا قائلة: وعطلت عشرات الصحف وفى مقدمتها روزاليوسف مما اضطر السيدة فاطمة اليوسف إلى إصدار «الصرخة»، كما عطلت صحف أخرى مثل «البلاغ» و«كوكب الشرق» و«اليوم» و«صدى الشرق» و«السياسة»، وحوكم وحبس 22 صحفياً. ومن هؤلاء المفكر محمد حسين هيكل، وفى سلسلة تاريخ المصريين فى كتاب «محمد حسين هيكل ودوره فى السياسة المصرية» لمصطفى الغريب محمد القصير- إصدار الهيئة العامة المصرية للكتاب 2003 - يقول المؤلف: «يعد ما واجهته صحيفة السياسة - صحيفة حزب الأحرار الدستوريين- فى عهد وزارة صدقى باشا من أعنف ما واجهته خاصة بعد أن تحولت إلى المعارضة، ومهاجمة محمد حسين هيكل لصدقى وللدستور 1930 ورغم تعطيل إسماعيل صدقى لكل صحف حزب الأحرار الدستوريين وتقديم هيكل وزملاؤه للمحاكمة إلا أن محمد حسين هيكل لم يقف مكتوف الأيدى فقد أعد كتيباً بالاشتراك مع إبراهيم عبدالقادر المازنى ومحمد عبدالله عنان - زميليه فى تحرير صحيفة السياسة - يواجهون فيه ديكتاتورية إسماعيل صدقى، وانضم هيكل وحزبه للجبهة الوطنية جنباً إلى جنب مع الوفد حتى سقوط دستور 1930 وحتى عودة دستور 1923».

ويجمع المؤرخون على أن هذه الثورة الدستورية شارك فيها الفلاحون والعمد والمشايخ والنساء، ووفق ما ذكرت برافولفا فإن هناك سبع نساء قتلن فى المظاهرات من 1930- .1935
الهلال والصليب على طريق الدستور
كذلك عارض المجلس الملى العام للأقباط الأرثوذكس دستور صدقى (الأقباط بين الحرمان الكنسى والوطنى)- دار الأمين- 1995- بحث للباحث، حيث يذكر الباحث أن المجلس الملى العام أرسل عدة برقيات إلى رئيس الحكومة إسماعيل صدقى يعترض فيها على دستوره، وشارك فى هذه الحملة عدد من رجال الدين، وخرجت أكثر من مظاهرة من البطرخانة بالدرب الواسع لتأييد الوفد والجبهة الوطنية فى المطالبة بإلغاء دستور 1930 وعودة دستور 1923 واجتمع وجهاء الأقباط مع ويصا واصف وراغب إسكندر وسينوت حنا فى القاهرة وفخرى عبدالنور فى جرجا ونجيب إسكندر فى نادى رمسيس، وكامل يوسف صالح فى المنصورة وعدد من الجمعيات والمحامين وطلبة مدارس التوفيق القبطية فى بورسعيد والبلينا ومينا القمح وطنطا والمحلة الكبرى وملوى وأسيوط والبحيرة وجرجا وبنها، وعقد اجتماع كبير فى الكنيسة البطرسية فى ذكرى عيد الجهاد فى نوفمبر 1931 حضره نحو 500 قبطى خطب فيه سينوت حنا وأرسلت برقيات ضد دستور 1930 وتطالب بعودة دستور .1923 وخرجت مظاهرة من الكنيسة البطرسية بعد هذا الاجتماع لتلتقى بمظاهرة أزهريين أمام ضريح سعد، وبذلك يكتمل نضال عنصرى الأمة.

وهكذا يبدو جلياً أن انسحاب ممثلى الكنيسة القبطية الأرثوذكسية والأزهر الشريف من اللجنة التأسيسية لإعداد الدستور فى 2012 ليس موقفاً جديداً بل يحمل كل تراث هاتين المؤسستين العريقتين، حتى وإن حاولت بعض الفصائل الدينية المستحدثة احتكار التعبير عن جموع المؤمنين.

∎ الشيوعيون بين ديكتارتورية ستالين وديكتاتورية صدقى

وعن مشاركة العمال فى الثورة يحدثنا المؤرخ اليسارى د.رفعت السعيد فيقول: اشترك فى تلك الثورة الدستورية عمال عنابر السكة الحديد بقيادة الحزب الشيوعى المصرى حينذاك، وصادر صدقى مجلة الحزب «روح العصر» التى كان يحررها الدكتور عصام الدين حفنى ناصف وعبدالفتاح القاضى بعد أن هاجمت صدقى بضراوة، وكان ستالين فى ذلك الوقت قد كتب مقالاً فى مجلة «الكومنتيرن» «الأممية» هاجم فيها حزب الوفد المصرى، لكن الحزب الشيوعى المصرى انشق على ستالين ودافع عن الوفد، مؤكداً على أن الحزب الشيوعى لا يستطيع أن يطالب الطبقة العاملة المصرية فى الوقوف ضد الوفد فى الوقت الذى يدافع فيه الوفد عن الدستور، مشيراً إلى التناقض الرئيسى ضد السرايا والاحتلال وديكتاتورية صدقى، فما كان من ستالين سوى فصل الحزب الشيوعى المصرى من الأممية، وهكذا عوقب الشيوعيون مرتين مرة من الديكتاتور الروسى ستالين وأخرى من الديكتاتور المصرى صدقى.

د. محمد عفيفى أستاذ التاريخ المعاصر يؤكد على أن كل طبقات الشعب شاركت فى هذه الثورة، لأن الوفد كان يمثل كل طبقات الأمة المصرية، ويشير د.محمد عفيفى إلى أن الأدب والفن خلدا هذه الثورة 1930- 1935 فى أعمال مثل فيلم الأرض، خاصة فى مشهد جمع بين الفلاحين والطلاب فى السجن، ويذكرنا د.عفيفى بكلمة أبوسويلم: «كنا رجاله ووقفنا وقفة رجاله»، ويعدد د. عفيفى أعمالاً أخرى مثل «القاهرة الجديدة» لنجيب محفوظ، «الشوارع الخلفية» لعبدالرحمن الشرقاوى وغيرها.

ويضيف: «كان الطلاب هم الطليعة ولعبوا دوراً كبيراً فى عودة الروح، كانت مصر هى البلد الوحيد فى العالم حينها الذى تحول فيها الدستور إلى مطلب جماهيرى شعبى، من طلاب المدارس الثانوية والعليا والجامعات، ومن عمال العنابر، للفلاحين والعمد ومشايخ القرى، والأزهر والكنيسة، الفقراء والأفندية والبكوات والبشوات، والنساء والرجال».

دروس أساسية لللجنة التأسيسية الإخوانية- السلفية

ويضيف د.عفيفى أن مصطلح الدستور التوافقى ظهر فى تلك الثورة 1930- 1935 لتقدم لنا ثلاثة دروس أساسية هى:

أولاً أن المصريين أدركوا أن الدستور لابد أن يكون توافقياً، معبراً عن كل عناصر ومكونات الأمة على قدم المساواة، ولا يوجد كائن من كان مهما بلغت قوته أو سطوته، حتى لو كان تحالف (الملك فؤاد، والديكتاتور صدقى، والمحتل البريطانى) يستطيع تهميش وقهر الشعب وتقديم دستور قطاع خاص.

ثانياً أن الدستور ليس مجرد لجنة تأسيسية تعده، بل هو مطلب شعبى ووثيقة تعبر عن عقد اجتماعى يجسد إرادة الشعب.

ثالثاً أن الدساتير فى مصر لم تكتب إلا بدماء الشهداء والجرحى وتضحيات المشردين والمعتقلين، فثورة 1919 التى أدت لتصريح 28 فبراير 1922 الذى أكد على أن الدستور من حق المصريين، فولد من رحم الثورة دستور 1923 وأيضاً بدماء الشهداء والجرحى عاد دستور 1923 وألغى دستور صدقى بعد خمس سنوات من الكفاح من 1930 وحتى .1935


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.