خلال لقاء جمعهما الأربعاء الماضي، طالب الرئيس عبد الفتاح السيسي، وزير الأوقاف الدكتور محمد مختار جمعة، بضرورة تنفيذ خطط استثمارية متطورة لأصول وممتلكات الأوقاف من أجل تعظيم مساهمتها في المشروعات القومية، بما يساعد على نمو الاقتصاد، ويضمن زيادة قيمة الأصول ومواردها، في إطار ما وصفه بحُسن إدارة أصول الدولة وصيانة المال العام وعدم التفريط فيه لتعظيم الاستفادة منه لخدمة المجتمع ولصالح الشعب بالمقام الأول. لقاء الرئيس عبد الفتاح السيسي بوزير الأوقاف ورئيس الهيئة العامة للأوقاف في حضور رؤساء جهاز المخابرات العامة والرقابة الإدارية له دلالات واضحة، قد تكشف عنها الأيام المقبلة حول كشف فساد واسترداد أموال ضائعة، فتلك الهيئة التي تتربع على عرش ملاك الأراضي بين القطاعين العام والخاص، وتدير أصولا عقارية تصل قيمتها ل6 مليارات جنيه، بالإضافة إلى 160.6 ألف فدان زراعي بجميع المحافظات، بخلاف ممتلكات أخرى في الخارج من قصور وعقارات وأراضي في دول مختلفة، ففي نهاية العام السابق أصدرت الهيئة تقريرا مفصلا عن حجم ممتلكات الهيئة باليونان وتبلغ نحو 72 ألف متر مربع. وكشف التقرير أن الهيئة تمتلك 18 قطعة أراضي متفرقة في عدد من المدن اليونانية وتقوم البلدات بالتعدي على الأراضي وتحويلها إلى ميادين وشوارع دون تعويض وأيضا قيام الأفراد بالاستيلاء على الممتلكات وتأجيرها من الباطن، ولكن السؤال هنا: هل تعود أموال وأراضي الوقف إلى سيطرة الدولة لتوظيف إيراداتها على الوجه الصحيح أم أن هذا بداية لتبديد تلك الأموال في مشاريع وهمية؟ ماذا عن الأوقاف والرئاسة؟ أراض عدة تقدر بآلاف الأفدنة وعقارات عديدة وشركات ومصانع في مختلف المحافظات وفي الخارج أيضًا، آلاف الأفدنة والمواقع التي يقع بعضها في أماكن استراتيجية، السؤال هنا: ألا يتم وقف هذه العقارات والمشروعات من قبل من أوقفوها لصالح خدمة الناس وقضاء حوائجهم؟ وهل هناك أهم للمواطن المصري من إقامة محطة مياه شرب أو مستشفى أو مدرسة او وحدة إسعاف سريع؟ تساؤلات عدة حول التعليق على هذه "التوجيهات الرئاسية" التي تقر بأن الفساد المالي والإداري يرتع في منظومة الأوقاف، وأن مكافحة هذا الفساد تأخرت لعقود طويلة لأسباب مفهومة وغير معلنة، لكن يبقى التساؤل مشروعا عن رؤية الرئيس لممتلكات الأوقاف، وعن علاقة هذه الممتلكات بالسلطة التنفيذية وبمشروعاتها المسماة بالقومية. تنقسم أصول الأوقاف إلى "أوقاف أهلية"، الهدف منها الإنفاق على ورثة الواقف عبر الأجيال المتتابعة، حتى يبقى اسمه وفضله حاضرين لدى ذريته جيلا بعد جيل، وهناك "الأوقاف الخيرية" التي يوقفها صاحبها على عمل خيري معين، مثل الإنفاق على المدارس والكتاتيب، أو المستشفيات أو رعاية الفقراء، أو حتى على الرفق بالحيوانات، ولم يسبق أن تم تخصيص وقفا للإنفاق منه على الدولة أو على مشاريعها الصغرى أو الكبرى. أموال الوقف.. خط أحمر الدكتور حازم حسني، الأستاذ بكلية الاقتصاد والعلوم السياسية بجامعة القاهرة، أعلن رفضه القاطع لمقترحات رئيس الجمهورية بشأن الاستثمار في أموال الأوقاف التي لا تعد "مالًا عامًا" كما يظن البعض، إنما أموال خاصة، لكنها في حكم المال العام من حيث خضوعها لرقابة السلطة العامة حماية لها من السرقة والتبديد وإنفاقها في غير الغرض الموقوفة من أجله، ولا يعقل بأي حال من الأحوال ولا هو مقبول شرعا وقانونا ومنطقيا أن يقوم الرئيس بالحديث عن "حق الدولة" فيها – بالمعنى الضيق لمصطلح الدولة. وأضاف، أنه لا يعقل أن يتم توجيه هذه الأموال لتمويل المشاريع الكبرى لبناء فنادق يتكلف الواحد منها نحو مليار جنيه ليفوز بها علية القوم، ولا حتى أن تدعي الدولة أي السلطة التنفيذية لنفسها فضل ما تنجزه هذه الأموال من مشروعات خيرية مثلما يدعي أحدهم أن ما تنجزه جمعية الأورمان الخيرية وجمعية مصر الخير، وغيرهما من الجمعيات القائمة على تبرعات المصريين الموجهة للأعمال الخيرية، من إنجازات الحكومة. منظومة الأوقاف، بحسب تعبيره، كمنظومات أخرى كثيرة في مصر لها صلة بأموال المصريين، إنما تحتاج إصلاحات جذرية، ورقابة محاسبية صارمة، لكن ذلك لا يكون بوضع يد مؤسسة الرئاسة على هذه الأموال باعتبارها "حقًا للدولة" ولا بتوجيهها لتمويل مشاريع قومية تعجز الحكومة عن الوفاء بالتزاماتها المالية، إنما أموال الوقف في حاجة عاجلة إلى إصلاحات إدارية وتشريعية تطمئن المصريين على أموالهم وأموال أجدادهم الموقوفة للإنفاق على أمور لا علاقة لها بما يدور في رأس الرئيس ورؤوس المستفيدين معه من مشاريعه "القومية الكبرى". ملفات شائكة ينقل جزء من إهدار أموال وأراضي الأوقاف، الدكتور رضا عبد السلام، محافظ الشرقية السابق، الذي أوضح أن من بين الملفات الشائكة التي لم يتركها تمر مرور الكرام خلال فترة خدمته في الشرقية كان «ملف عمارات الأوقاف» بالأحرار بمدينة الزقازيق، وهي عمارات تضم حوالي 1200 شقة ما بين شقق إسكان اجتماعي واستثماري قامت هيئة الأوقاف ببنائها على أرضها لخدمة أهالي الشرقية. لم تبدأ هيئة الأوقاف البناء إلا بعد توقيع بروتوكول مع محافظة الشرقية والكارثة هنا، أن البروتكول نص على أن تتولى المحافظة توزيع تلك الوحدات وفقًا للقانون، في مقابل التزام المحافظة بإمداد تلك الوحدات السكنية بالمرافق من مياه وكهرباء وتراخيص دون أي رسوم. وقال محافظ الشرقية السابق، إنه فوجئ بقيام هيئة أوقاف الشرقية بالتنسيق مع الهيئة العامة في القاهرة بوضع إعلان داخلي لمن يريد الحصول على الوحدات بأسبقية الحجز وبالفعل خلال 24 ساعة تم توزيع الوحدات بالكامل والمفاجأة الأخرى كانت في حصول أطباء ومستشارين على وحدتين وثلاثة وأربعة لأسرهم. أراضي الأوقاف المنهوبة رفض المحافظ الموافقة على توصيل المرافق لهذه الوحدات، لأن هيئة الأوقاف أخلت بالتزامها ووزعتها دون علم المحافظة، في حين وجود أكثر من 2600 حاجز لإسكان 2008، هم أولى بها من غيرهم، وطالب وزير الأوقاف بإلغاء كل ما قامت به أوقاف الشرقية على أن تتولى المحافظة الإعلان ويتقدم من يتقدم لحجز الوحدات ثم تُجرى قرعة علنية بشروط يعرفها الجميع تماما مثل قرعة الحج. عبدالسلام تسائل: لماذا لا يتم التنسيق بين هيئة الأوقاف في كل محافظة وبين المحافظة والوزارة المعنية لاستغلال الأرض في بناء مدرسة أو مستشفى أو محطة صرف أو مياه، وبالتالي نحل سريعًا مشكلات الصرف الصحي والمياه ويتم استغلال أموال الوقف بشكل مثالي؟ في الوقت ذاته لن تضطر الدولة للاقتراض لشراء أرضي للمشروع، فأرض الأوقاف موجودة ولن يحدث أمر كهذا إلا في ظل تلاشي المركزية ووجود سلطات حقيقية للمحافظين والمسؤولين مع فرض رقابة صارمة من الأجهزة الرقابية واختيار الكفاءات الحقيقية للتنفيذ بدلًا من أهل الثقة. وأضاف: من المفترض أن الجهاز المركزي للمحاسبات، وغيره من الأجهزة الرقابية، تتولى مسؤولية الرقابة على أوجه الإنفاق، إلا أن السلطة التنفيذية، ممثلة الحكومة، أو غيرها من المؤسسات، تتدخل في عمل الأزهر والأوقاف، إلى الحد الذي جعل منهما إدارتين تتبعان بطريق غير مباشر السلطات الأمنية بمختلف فروعها، وصولا إلى التحكم في أموال الوقف للاستثمار بها دون الرجوع إلى المتبرعين بها منذ البداية، أو ورثتهم أو القوانين المنظمة لمثل هذه الأمور، أو الرجوع إلى مجلس الدولة، حيث أن التصرف في مال الوقف لا يكون بقرار رئاسي. ممتلكات الأوقاف وقال الدكتور أحمد عبد الحافظ، رئيس هيئة الأوقاف، إن لقاءهم الأخير بالرئيس عبدالفتاح السيسي جاء حرصًا من الدولة على الحفاظ بشكل كامل على أملاك الوقف وإعداد خطة كاملة لتنظيم العائدات منها وزيادتها وتحويلها إلى ركيزة اقتصادية، واستطرد: جاري إعداد مشروع قانون جديد لتطوير عمل هيئة الأوقاف المصرية إداريًا واستثماريًا لضمان تحقيق هذا الغرض والتصدي لحالات التعدي على الأراضي التابعة للأوقاف في المحافظات المختلفة واستردادها في إطار الجهود التي تقوم بها الدولة. وأضاف أنه حتى الآن لم تنته الهيئة من حصر ممتلكات الهيئة بشكل كامل، وأن الرئيس السيسي أمر المهندس إبراهيم محلب، إبان رئاسته لمجلس الوزراء بتشكيل لجنة لحصر ممتلكات الأوقاف بالكامل، موضحا أن الهيئة انتهت من حصر الأوقاف الموجودة ب17 محافظة، وستصل إلى حجم ممتلكات الأوقاف بالكامل في شهر مارس المقبل، مؤكدا أن الهيئة بدأت إعداد خطة استثمارية لاستغلال الأوقاف وتنمية مواردها، كما أن هناك قرى كاملة من الأوقاف. ومن جانبه، أعلن الدكتور محمد مختار جمعة، وزير الأوقاف، أن لقاءهم بالرئيس عبدالفتاح السيسي يستهدف تحصيل أموال الوقف واستثمارها على الوجه الأكمل، وأوضح جمعة في تصريحات مقتضبة ل«البديل»، أنها أول خطوة لتقنين أوضاع المواطنين الجادين وفق لوائح الهيئة العامة للأوقاف، بدءًا من المستأجرين بالباطن وتم إعطاؤهم مهلة شهر للتقدم من يوم 18 ديسمبر الجاري وحتى يوم 18 يناير القادم وشهر آخر لدراسة أوضاع المتقدمين حتى لا يتم إزالة التعديات على أراض الهيئة من أجل الاستثمار الأمثل في أموال الوقف الخيري. وأكد أن جميع التعديات على أملاك الأوقاف لا يمكن التنازل عنها أو التعامل معها بعدم جدية أو تخاذل فهذه أموال وقف نعمل على استثمارها وزيادة عائدها من الإنفاق على المشروعات الخدمية والاجتماعية والخيرية التى تشرف عليها الهيئة. وقال الدكتور أحمد كريمة، أستاذ الشريعة الإسلامية بجامعة الأزهر، إن دخول أموال الأوقاف ميزانية الدولة حرام، لأن أموال الوقف لله ولا تصرف في غير ذلك، وأضاف كريمة ل"البديل": «دي مش عزبة» وأن الهيئة تبعثر هذه الأموال أو تدخل لموازنة الدولة للإنفاق على مشروعات عقارية، مؤكدا أن دخول أموال الوقف الخيري إلى ميزانية الدولة أو استثمارها في مشروعات قومية أخرى لا يجوز شرعًا، والغرض منه استيلاء الدولة على أموال الدعوة الإسلامية.