شهدت الفترة الماضية في مصر العديد من المواقف التي تؤكد جهل التعامل مع الآثار المصرية، سواء خلال عمليات النقل، أو الترميم، حيث تعرضت قطع أثرية مصرية للخراب؛ بسبب التدمير أثناء النقل أو الترميم بشكل خاطئ، فكانت النتائج كارثية على الآثار، وأدت لافتقاد مصر العديد من تراثها. كوارث في النقل هناك العديد من الكوارث التي تسببت فيها عملية نقل الآثار، أبرزها ما حدث خلال شهر أغسطس الماضي أثناء انتشال مركبة خوفو الثانية الواقعة في منطقة أهرامات الجيزة من مناطق الحفر الخاصة بها، حيث انفصل سلك معدني من أحد أسلاك الونش، تبعه فصل إحدى السلاسل الحديدية، ما أدى إلى تلامس بين قاعدة الرافعة الخاصة بالأخشاب وبين السطح العلوي لجزء من إحدى القطع الخشبية، نتج عنه تفتت في جزء من سطح هذه القطعة. بدأ مشروع ترميم مركب خوفو الثاني في عام 2010 بفريق مصري ياباني، والذي تتكون أخشابه من 13 طبقة، ويصل عدد القطع الأثرية الأخرى داخل الحفر إلى 1264 قطعة، معظمها كان يعاني من سوء الحفظ، والبعض منها كان في حالة تحلل، حيث تم رفع ما يقرب من 745 قطعة خشبية والانتهاء من ترميم 732 قطعة، ونقل حوالي 560 قطعة إلى المتحف المصري الكبير، حتى يتم الانتهاء من رفع كل الأخشاب الخاصة بالمركب وترميمه، تمهيدًا لعرضه بقاعة خاصة بالمتحف عند افتتاحه. وخلال شهر مارس الماضي عثرت البعثة المصرية الألمانية المشتركة العاملة بمنطقة المطرية على تمثال لرمسيس الثاني، وآخر لسيتي الأول، حيث يبلغ طول تمثال رمسيس الثاني بين 7 و8 أمتار، لكن عند إخراج التمثال من تحت أنقاض منطقة المطرية، استُخدمت وسائل نقل لا تليق بعملية الانتشال، ولا تدل على استخدام أسلوب علمي في عملية الرفع، حيث استُخدمت "اللودر وأدوات الحفر الثقيلة"، ووقتها انتشرت صورة لرأس رمسيس الثاني مكسورة، اعتقد البعض أنها دمرت بسبب عملية الانتشال، لكن وزارة الآثار أكدت وقتها أنها كانت مكسورة بالفعل. الجهل سيد الموقف الدكتور محمد الكحلاوي، رئيس اتحاد الأثريين العرب، قال إن ما يحدث في عمليات نقل الآثار المصرية ينقصه العلم بشكل كبير، فهو مجرد تقنين لتدمير الآثار بشكل رسمي، ضاربًا المثل بأمثلة عدة شهدتها مصر، كان آخرها تدمير تمثال عبد المنعم رياض أثناء عملية نقله في بورسعيد خلال الأيام الماضية، معربًا عن حزنه الشديد لما يتم تدميره من آثار أثناء النقل بسبب الجهل. وأضاف الكحلاوي ل"البديل" أن عملية نقل الآثار تحتاج إلى خبراء على دراية بعمليات النقل وكيفية النقل بشكل صحيح، مشيرًا إلى أن قواعد نقل الآثار تختلف بحسب مادتها، فنقل الخشب يختلف عن الحجر، ويختلف عن التابوت، موضحًا أن العملية تبدأ أولاً بالتنقيب عن الأثر، ثم يليها الكشف عنه، ثم الرفع، ثم الحفاظ عليه، ثم التخزين بدقة متناهية. وتابع رئيس اتحاد الأثريين العرب أنه خلال عملية الكشف يتم تصوير الأثر أولاً، ثم يقسم إلى مربعات، يأخذ كل مربع رقمًا معينًا، ويبدأ التعامل مع كل مربع بدقة، سواء كان بالحفر الصحيح عند الاكتشاف أو بالنقل المناسب عند نقل التمثال، وبعدها يتم الوضع في الاعتبار: هل سيتعرض الأثر للانهيار أثناء النقل، أم لا؛ ليقوم بعد ذلك خبراء متخصصون بالتفريغ حول الأثر المكتشف؛ حتى يسهل رفعه، مشددًا على ضرورة استخدام الأدوات المناسبة من حيث الشكل والحجم بما يتناسب مع الأثر نفسه. كوراث في الترميم وفي أكتوبر من عام 2014 تعرض قناع الملك توت عنخ آمون إلى كسر في الذقن، وبدأت القصة بطلب أمين العهدة في المتحف المصري تنظيف القناع الملكي بواسطة قسم الترميم في المتحف؛ بسبب وجود بعض الأتربة عليه، وخلال عملية التنظيف كُسر ذقن قناع الملك بشكل غير مقصود، وبدلاً من تشكيل لجنة لترميم القناع بشكل علمي وصحيح يتوافق مع طبيعة التمثال، استُخدمت مادة تسمى عجينة "الإيبوكسي"، وهي مادة غير استرجاعية، أي لا يمكن فصلها مرة أخرى، وهي غير مطابقة للمواصفات في ترميم القطع الأثرية المعدنية؛ حيث تستخدم في الحجارة فقط؛ لشدة تصلبها وعدم إمكانية فصلها مرة أخرى مهما مر الزمان. وبعد كشف القصة أحيل المسؤولون عنها إلى المحاكمة، وشكل فريق ألماني لإعادة ترميم القناع الذهبي، حيث مرت عملية ترميمه بثلاث مراحل، هي: فصل الترميم السابق، وإعداد الدراسات المتكاملة على القناع من الناحية الفنية والتاريخية، وعمليات إعادة تثبيت الذقن. وفي يناير من عام 2016 تداولت مواقع التواصل الاجتماعي صورًا ومقاطع فيديو لأحد جدران معبد الكرنك، عقب ترميمه بمادة الأسمنت، إضافة إلى صور أخرى لترميم معبد الإله حورس بإدفو ب"الأسمنت والجير"، وقتها قال محمود عفيفي، رئيس قطاع الآثار المصرية، إن تماثيل حورس الموجودة على يمين ويسار البوابة الرئيسية للمعبد، والمشار إلى ترميمها الخاطئ لم ترمم من الأساس، مشيرًا إلى أنه تم رفع هذه التماثيل أثناء تنفيذ مشروع تخفيض المياه الجوفية بمعبد إدفو في المرحلة الأولى، موضحًا أن المواد المستخدمة في ترميم معبد حورس مسموح بها، وأن الترميمات الموجودة واستكمال أجزاء من جدران المعبد بالأسمنت الأسود ترميمات قديمة. نقص الإمكانيات الدكتور محمد عبد الهادي، أستاذ الترميم بكلية الآثار بجامعة القاهرة، قال إن هناك قواعد علمية يجب اتباعها في عملية ترميم الآثار، على رأسها الدراسة والمستوى العلمي المرتفع لمن يقوم بترميم الأثر. وأضاف الدكتور عبد الهادي ل "البديل" أن عملية الترميم تبدأ بدراسة مكونات الأثر وخصائصه ودراسة نواتج التلف على سطحه باستخدام أجهزة حديثة ومخصصة لعمليات الترميم، وبناء على هذه النتائج يتم وضع خطط عمليات الصيانة للآثار، مشيرًا إلى أن ما يطبق على أرض الواقع في مصر لا يمت بصلة للترميم العلمي، مرجعًا السبب الرئيسي في ذلك إلى عدم توافر الأجهزة اللازمة لذلك. وكشف أستاذ الترميم أن من ينفذ عمليات الترميم في مصر شركات مقاولات لا تفهم شيئًا في عملية الترميم ولا في الأثر وطبيعة التعامل معه، وإنما تتعامل معه على أنه مبنى وليس تراثًا، ضاربًا المثل بهرم سقارة الذي ترك لإحدى شركات المقاولات، فعاثت فيه فسادًا. وأكمل عبد الهادي أن عمليات ترميم الآثار في مصر بدائية بشكل كبير؛ لعدم توافر الاحتياجات اللازمة، مشددًا على أن الجميع يتهم وزارة الآثار بالتقصير، في حين أنها لا ذنب لها؛ فميزانيتها من الدولة لا تكفي أي شيء، فضلاً عن أن المرممين المصريين يفتقدون للإمكانيات اللازمة للترميم. وواصل أن البعثات الخارجية الموجودة في مصر والتي تقوم بعمليات الترميم توفر لها دولها الإمكانيات اللازمة لذلك؛ لأنها تدرك معنى كلمة ترميم وقيمته، بل وتنفذه بشكل علمي احترافي، فتكون النتائج إيجابية على الأثر المرمم، وهذا ما ينقصنا كمصريين.