بين السخرية من المواطنين والتغطية الصحافية الحيادية، فالنتيجة الأكيدة في النهاية من طريقة انتشال تمثالى رمسيس الثانى وسيتى الثانى من الأرض، قد حفهما بعض الإهمال وعدم التقدير للثروة الأثرية والسياحية. « من ينقذ آثار مصر؟» هذا السؤال الذي طرحه حوا، خاصة وأن المعالم الأثرية المصرية خضعت للكثير من التشويه المقصود وغير المقصود، سواء بالإهمال أو بغض البصر عن أهمية تلك الأماكن وتوفير الرعاية الأمنية والفنية لها، وهذا التشوية في الواقع لم يبدأ في العصر الحديث فقط، فالآثار المصرية منذ زمن بعيد تتلقى الصفعات. فى هذه الجولة السياحية التى رصد فيها موقع ساسة بوست مدى الإهمال الذى وصلت إليه أثار مصر الفرعونية والقصة الكاملة لمدى توفير الدولة لحاية مثل تلك الأثار التاريخية فيما يلى :- دير العقاب.. لم يُعاقب أحد على تخريبه! معبد دير شلويط أو دير العقاب بالأقصر، والذي تم ترميمه وافتتاحه عام 2014 تحت رعاية وزارة الآثار، يعتبر من الأمثلة التاريخية لما تعرضت له الآثار المصرية من تشويه، خاصة في القرون الأولى لانتشار الديانة للمسيحية بحسب المؤرخين، فهذا المعبد يعود بناؤه إلى العصر الروماني وتم بناؤه كممارسة قدسية للإلهة إيزيس، ومع انتشار مظاهر اضطهاد المسيحيين، كانت الوسيلة الآمنة لهروبهم من التعذيب هي الاختباء داخل المعابد الفرعونية، وتحويلها إلى كنائس للمسيحية، الأمر الذي دفعهم لتشويه الكثير من معالم آلهة مصر القديمة على جدران المعابد، حتى يتركوا الطابع المسيحي على المعابد. وكان معبد إيزيس سابقًا، من أحد أهم مخابئ المسيحيين، والذي تحول بعد ذلك إلى دير شلوط ومعنى شلوط هي العقاب، وأصبحت تلك تسميته منذ هذا الوقت نسبة للمسيحيين على الرغم من هوية المعبد الفرعونية، والجدير بالذكر أن كلمة (شلوط) بالعامية المصرية الدارجة، تُنسب لكلمة شلويط، على أساس أن ال(شلوط) هو وسيلة للعقاب. وعلى الرغم من محاولات الحكومة المصرية، لترميم التشوه الذي حل بالآثار المصرية في أزمنة قديمة، إلا أن عمليات الترميم التي ترعاها وزارة الآثار في مصر، يتخللها التخريب على أيادي القائمين على عملية الترميم، غير المؤهلين لهذا العمل الدقيق، في نظر العديد من المراقبين. معبد الكرنك.. ترميم أم سلسلة أخرى من التدمير؟ في بداية العام الماضي، تعرض معبد الكرنك إلى عملية تشويه؛ وهذا من خلال عمليات الترميم التي قامت بها وزارة الآثار، والتي أسمتها بعض وسائل الإعلام المصرية ب«الفضيحة الدولية»، حيث استخدم عمال البناء القائمون على الترميم الأسمنت والمحارة كمواد ترميمية للمعبد، الأمر الذي أدى إلى طمس الكثير من المشاهد المهمة على جدران المعبد، وجعله يبدو من الداخل وكأنه «شقة» حديثة البناء في انتظار دهان حوائطها. التشويه الذي لحق بمعبد الكرنك، أثار حفيظة الكثير من الأثريين وقتها، حيث وصفه البعض بأنه «قتل مع سبق الإصرار والترصد»، بينما طالب البعض الآخر بفتح تحقيق بهذا الأمر؛ لاكتشاف المسؤول عن هذا التدمير الكارثي للأثر. وقبل تشويه معبد الكرنك بعامين، كانت حادثة تشويه قناع الملك توت عنخ آمون حديث العالم بأكمله، حين قام أحد العاملين بالمتحف المصري، بإجراء بعض التغيرات بإضاءة المقصورة التي يُعرض بها القناع. خلال نقل القناع للتمكن من تركيب الإضاءة الجديدة؛ تعرض ذقن القناع للخلع والانفصال عن الوجه، كما ذكرت عالمة الآثار مونيكا حنا في تصريحاتها لجريدة الشرق الأوسط العام الماضي، إثر الضجة التي شغلت بال الرأي العام في مصر والعالم، عن لصق ذقن القناع بشكل خاطئ؛ أدى إلى تشويه مظهر القناع الخارجي، حيث ظهر «اعوجاج» قوي في ذقن القناع لاستخدام مادة لاصقة غير مصرح بها في الترميمات الأثرية، والتي قام بعض الخبراء الأثريين الألمان بإزالتها، ومعالجة تشوهات القناع؛ وعاد القناع بعد عملية ترميمه الأخيرة للعرض. الآثار الإسلامية والصراع البيروقراطي ما تواجهه الآثار الإسلامية في مصر، ربما هو أقسى مما تواجهه آثار مصر القديمة، لأن الآثار الإسلامية لا تتحلى بنفس القوة والصمود أمام عوامل التخريب والتعرية، مثل الآثار الفوعونية التي صمدت آلافًا من السنين، إلى جانب أن الآثار الإسلامية تتعرض إلى تآكل داخلي، يتزعمه الصراع البيروقراطي على السلطة من جانب وزارة الأوقاف ووزارة الآثار. مسجد ابن طولون، الذي تقع عين المصريين عليه يوميًا تقريبًا من خلال صورته المطبوعة على عملة الجنيهات الخمسة المصرية، يعتبر من أهم الأماكن التاريخية فهو أول مسجد معلق تم بناؤه في مصر، وتصل مساحته إلى ما يزيد عن ستة أفدنة، وقد تعرضت جدران هذا الجامع إلى التقشير والتشقق نتيجة عوامل التعرية، إلى جانب ما رصده المراقبون من الإهمال في إدراته وتنظيفه، الأمر الذي جعله يشبه البيت القديم المهجور. ونظرًا لأن هذا الأثر يعتبر من الآثار الإسلامية، فهو تابع لكل من وزارة الأوقاف لهويته الدينية، ووزارة الآثار لمكانته التاريخية، وكل وزارة منهما تلقي عبء الترميم والعناية بالأثر على عاتق الأخرى، ليتنهي الأمر بالمسجد مهجورًا وكأنه دون وزارة ترعاه. في نظر البعض فهذا الأمر يحتاج إلى تعديل قانوني، ليتم تقسيم المسؤوليات بين الوزارتين، حتى تُساءل الوزارة المنوطة بعمليات الترميم عما يصفه البعض بالإهمال في ترميمه، وقد وصل الأمر إلى تحول بعض المعالم الأثرية الإسلامية إلى أماكن مهجورة مليئة بالقمامة مثل مسجد سيدي مدين الأشموني بباب الشعرية ومسجد الظاهر بيبرس ومسجد الفكهاني، حيث تحولت تلك المعالم الأثرية إلى مكان خاص لمخلفات الباعة الجائلين والسكان بالمنطقة. والأخطر من كل ذلك في نظر البعض، هو المعالم الأثرية التي تعرضت للإزالة من أجل بناء بنايات سكنية، والتي دفعت الراغبين في هذا الهدم إلى أن يقوموا بسرقة أو تخريب الأثر لطمس قيمته التاريخية؛ فلا يقف عقبة في طريق مصالحهم المادية والعقارية. المخطوطات.. تراث مصر الخفي المعالم الأثرية التي تنتمي إلى قائمة المعابد والتماثيل والمساجد، لها الشعبية الأكبر في العالم، لأنها تجذب المختصين في المجال وغير المختصين؛ نظرًا لجمالها الخارجي والأثر النفسي الذي تتركه في قلوب الناس عند زيارتها، ولكن على الجانب الآخر، فالآثار المتمثلة في التراث المخطوط والوثائق النادرة، لا تجذب عادةً سوى المختصين والمهتمين بهذا الشأن. تلك المخطوطات لا تتاح بشكل سلس للدارسين بحسب المراقبين، وعلى الدارس الذي يريد الوصول لإحدى تلك المخطوطات؛ أن يسير في متاهة من الروتين والإجراءات الصارمة، وإصدار التصاريح المعقدة، مما يؤدي بدوره إلى عدم تحقيق تلك المخطوطات، والتحقيق هو إعادة بناء المخطوطة الأثرية لفهم ما تتحدث عنه ومعرفة الحقبة التاريخية التي تتنمي لها. والخطر الآخر الذي يواجه التراث المصري المخطوط، هي طريقة حفظه التي يراها البعض أنها لا تسمح بعرضه للعامة، وفي نفس الوقت تسهل عملية سرقته وتهريبه خارج مصر، حيث تعرضت المخطوطات المصرية النادرة، في الأعوام القليلة الماضية لمحاولات سرقة وتهريب، قد أحبط بعضها ونجح البعض الآخر. الآثار في مصر وحين نتحدث عن التهريب والغياب الأمني، فالمخطوطات ليست لها الصدارة في محاولات التهريب بقدر عمليات السرقة والنهب التي تعرضت لها آثار مصر القديمة الفرعونية منذ قديم الأزل، حتى إن معظم المقابر التي يتم اكتشافها في العصر الحديث؛ تكون خاوية من التماثيل والمجوهرات ذات القيمة المالية والتاريخية، بعد مئات الأعوام من النهب والتهريب في ظل الحراسة الأمنية المعدومة في قديم الزمان، والحراسة الأمنية الضعيفة والتي تكاد معدومة في نظر بعض المراقبين في بعض الأماكن الأثرية بوقتنا الحالي. ماذا ستحصد الأجيال القادمة؟ الآثار المصرية القديمة، سواء الفرعونية أو الإسلامية، إذا صمدت أمام عوامل التعرية والكوارث الطبيعية، فهل ستصمد أمام الترميم التدميري لمعالم الأثر، والسرقة والنهب والتهريب؟ في الواقع فحتى المعالم الحديثة التي قد يطمح البعض في تركها لتكون أثرًا للأجيال القادمة يتذكرون بها الأجيال الحالية، على سبيل المثال، قبة جامعة القاهرة، قد تم تخريبها أثناء عملية تركيب بعض مكيفات الهواء للجامعة، الأمر الذي دمر شكلها الفني. وجعلها تبدو مثل البنايات السكنية. انتشرت في العامين الماضيين التماثيل حديثة الصنع، التي وصفها بعض المراقبين بأنها قبيحة المنظر، ولا تمت بصلة للعمل الفني أو المعماري، مثل التمثال الذي يجسد رأس الملكة نفرتيتي، والذي تم تصنيعه وعرضه في أحد شوارع محافظة المنيا، وتلاه من حينها مجموعة مثيرة للجدل من التماثيل لدى الرأي العام على مواقع التواصل الاجتماعي. كل هذا يجعل البعض يتساءل، إذا كنا نتذكر القدماء المصريين بالمعابد والتماثيل العظيمة المُشيدة في جميع أنحاء مصر، فكيف ستتذكر الأجيال القادمة الجيل الحالي في مصر؟ وما هي الآثار التي سيتركها الجيل الحالي لتعبر عن تلك الحقبة الزمنية التي نحياها؟ والدولة المصرية ما زالت تواجه مشكلة في ترميم ما تركه لها الأجداد، والحفاظ عليه؟ وعلى الجانب الآخر من الصورة، ففي السنوات الأخيرة، كانت هناك الكثير من الخطوات لتطوير وتحديث العرض المتحفي في مصر، الذي عانى من الإهمال فترات طويلة، حيث تمثل هذا الإهمال في عدم التسويق بشكل جيد للمتاحف، الأمر الذي أدى إلى خلو المتاحف من الزوار، إلى جانب استخدام بعض المتاحف للزجاج العاكس في عرض القطع الأثرية، والتي لا تعطي الفرصة الجيدة للتصوير، ولا تساعد على عرض القطع بشكل جيد، هذا بالإضافة إلى ما كان يذكره المراقبون عادةً من الإهمال في النظافة، وعدم كتابة شرح وافٍ على البطاقات التعريفية لكل أثر. ومن خلال خطة لتصحيح المسار المنهجى للمتاحف، ظهرت إلهام صلاح الدين، رئيس قطاع المتاحف، في أكثر من وسيلة إعلام مقروءة ومرئية، مؤكدة على اتباع نظم جديدة متطورة في العناية بالمتاحف المصرية، مؤكدة أن سيناريوهات العرض في المتاحف ستكون أكثر تطورًا مما سبق، مؤكدة أن الخطة تنطوي على تحويل كل متحف لمصر إلى وجهة ثقافية متكاملة، حيث العروض المسرحية والفنية كما يحدث في المتاحف العالمية، وأنه سوف يتم افتتاح أكثر من متحف مع نهاية عام 2017، هذا إلى جانب التجديدات التي تم تنفيذها بالمتحف المصري بالفعل، والذي يحتوي على 90% من مقتنياته معروضة بالفعل بداخل المتحف، والمخازن لا تحتوي سوى على النسبة القليلة المتبقية.