نشرت وكالة "بلومبرج" الأمريكية مقالاً للكاتب نوح فلدمان، أستاذ القانون الدستوري والدولي بجامعة هارفارد، يوضح فيه أن إعلان ترامب القدس عاصمة إسرائيل هو خطوة سيدفع ثمنها كل من الفلسطينيين والإسرائيليين على حد سواء. وأشار المقال إلى أنه على الرغم من أنها خطوة صادمة وغير عقلانية من وجهة نظر الجميع في الشرق والغرب، إلا أنها بالنسبة لترامب تبدو محسوبة، يطمح من خلالها إلى الضغط لتنفيذ أجندته الأمريكية في الشرق الأوسط: "الصفقة النهائية" للسلام بين الإسرائيليين والفلسطينيين. إليكم نص المقال من وجهة نظر تحقيق السلام في الشرق الأوسط، فإن قرار الرئيس دونالد ترامب بالاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل في خطاب أمس الأربعاء لا يمكن إلا أن يسمى غير عقلاني. يثير قرار ترامب خطر العنف الفلسطيني، ولن يجعل إسرائيل تشعر بمزيد من الأمان، وبالتالي هذا يعرقل جهود السلام التي يبذلها صهره ومستشاره، جاريد كوشنر؛ من أجل التوصل لصفقة سلام بين الإسرائيليين والفلسطينيين. كما يجعل الأمر أكثر صعوبة بالنسبة لحلفاء الولاياتالمتحدة الرئيسيين، مثل السعودية، للوقوف إلى جانب ترامب ودفع الفلسطينيين إلى الموافقة على صفقة سلام. كما ستشجع خطوة ترامب الجناح اليميني في إسرائيل والولاياتالمتحدة لتعزيز مقامرته النهائية المتمثلة في تجنب حل الدولتين. لكن بالنسبة لترامب، يطمح إلى فائدة محتملة رغم العواصف القادمة، وأن قراره قد يؤثر على حساباته لعملية السلام بشكل أكثر إيجابية. أوضح ترامب إلى جميع المعنيين أنه لا يخاف من دعم إسرائيل بطرق تتجاوز الموقف الأمريكي التقليدي المؤيد لإسرائيل. ويعد هذا تهديدًا كبيرًا للفلسطينيين، فإذا فشلت محادثات السلام التي يقودها كوشنر، فإن ترامب يمكن أن يكون مستعدًّا لدعم إجراءات ضم إسرائيل لمزيد من الضفة الغربية. في الوقت نفسه، هذا الوعد الضمني للإسرائيليين يحتوي أيضًا على تهديد ضمني؛ فنظرًا لطريقة تعامل ترامب السخية مع إسرائيل، سيكون قادتها على استعداد بشكل أفضل لتفعيل أي صفقة سيحاول ترامب عرضها عليهم، وإلا سيخاطرون بتغيير وعوده إليهم. لنرى لماذا تحرك ترامب بشأن القدس يعد استثنائيًّا جدًا. يجب أن نفهم أن الاعتراف الأمريكي بالقدس عاصمة لإسرائيل يمثل اعترافًا بضم إسرائيل الأحادي الجانب للقدس الشرقية في عام 1967، وكذلك بالتوسع اللاحق فيما يتجاوز حدود مدينة القدس؛ ليشمل قرى فلسطينية متعددة وأحياء يهودية بنيت حديثًا. إذا كان الاعتراف بالقدس كعاصمة يعني فقط الاعتراف بأن الكنيست وبقية المؤسسات الحاكمة في إسرائيل موجودة هناك، فلن تكون الصفقة كبيرة. فهذه الكيانات كانت موجودة بالفعل في الجزء الغربي من المدينة منذ إعلان دولة إسرائيل عام 1948. الجزء الصعب هو أنه منذ عام 1967، اعتبرت إسرائيل القدسالشرقيةوالغربية مدينة موحدة واحدة، على الأقل كمسألة قانونية. وقد عمقت إسرائيل المشكلة من خلال التوسعات المتعاقبة الأخرى للقدس التي من خلالها قاموا بمزيد من الضم. اليوم تمتد حدود القدس تقريبًا إلى بيت لحم، جنوبالمدينة. عندما تقود السيارة من القدس إلى بيت لحم، لا يوجد تقريبًا أي انقطاع ملحوظ، حتى تحصل إلى الحاجز الأمني الإسرائيلي، وتعبر إلى فلسطين. ومن بيت لحم يمكنك رؤية أحياء القدس الجديدة تلوح في الأفق على التلال القريبة. وعلى الرغم من أن الاعتراف بالقدس عاصمة إسرائيل لا ينطوي بالضرورة على اعتراف رسمي بالضم الإسرائيلي للقدس الشرقية، إلا أنه يقترح بالتأكيد أن إدارة ترامب قريبة من فعل ذلك، أقرب بكثير من أي إدارة أمريكية سابقة. وهذا يحمل معنى للمفاوضين الفلسطينيين والإسرائيليين على حد سواء. هذا يشير إلى أن ترامب مستعد لتهديد الفلسطينيين بتأييد ضم إسرائيل للمزيد من الأراضي الفلسطينية، وهذا يعد كابوسًا بالنسبة الفلسطينيين. حقيقة أن ترامب مؤيد صارخ لإسرائيل ويمكن أن يفعل أي شيء لصالحهم قد تدفع الفلسطينيين لقبول أي صفقة تعرض عليهم، خشية حدوث مزيد من العواقب الوخيمة. لكن بالنسبة للبعض في إسرائيل، فكرة أن ترامب مؤيد مطلق لهم، ويمكن أن يدعم الضم الإسرائيلي لمزيد من الأراضي قد تبدو سببًا وجيهًا لرفض أي صفقة مع الفلسطينيين. لكن هذه ستكون قراءة خاطئة. بمجرد أن أبدى ترامب قدرته على تقديم مثل هذه العطاءات السخية لإسرائيل، وإعطائها الاعتراف الذي طالما ادعت أنها تريده، هو سيريد الكثير مقابل هذا الكرم. على وجه الدقة سوف تصر إدارة ترامب على ألا يفسد الإسرائيليون خطة كوشنر للسلام، والتي إذا نجحت، من المؤكد أن يتم إعادة تسميتها بخطة ترامب. النتيجة هي أن كوشنر، بوصفه مفاوضًا عقلانيًّا لا يمكن أن يعترف بالقدس عاصمة إسرائيل، قد ينتهي به المطاف في وضع أفضل قليلاً لمحاولة فرض صفقته على كلا الطرفين. سيتم وضع الفلسطينيين أمام خيار: إما أن يقبلوا صفقة ليست الأفضل وربما الأسوأ قليلاً من رفض ياسر عرفات في كامب ديفيد، وإلا سيكون هناك تهديد أمريكي ذو مصداقية في حالة الرفض بأنهم قد يفقدون حتى شبه السيادة التي لديهم الآن على أجزاء من فلسطين. ويمكن للسعوديين أن يساعدوا على تحقيق ذلك. أما بالنسبة للإسرائيليين، فإن ترامب وكوشنر وفريقه يعرفون بالطبع أن بنيامين نتنياهو وتحالفه لن يدخلوا في لعبة التفاوض إذا لم تكن هناك خطط لإخبارهم بأنه ليس لديهم خيار. وأساس التهديد الأمريكي السري لنتنياهو هو أن ترامب بصفته الرئيس الأكثر تأييدًا لإسرائيل، وقد أثبت ذلك بشكل لا لبس فيه بخطاب القدس، أصبح لديه النفوذ لإلقاء اللوم على نتنياهو إذا تسبب حقًّا في انهيار صفقة السلام الأمريكية. يمكن لترامب أن يقول ما لا يمكن لرئيس آخر أن يقوله، والعالم، بما فيه كل اليهود المؤيدين لإسرائيل، سوف يصدقونه إذا قال إن نتنياهو هو المشكلة، وإنه لا يصلح لمنصب رئيس الوزراء. وقد يهدد ترامب بأن الدعم الأمريكي السخي لإسرائيل سوف ينخفض بشكل كبير مستقبلاً إذا غض نتنياهو الطرف عن صفقة السلام. ستحتاج إسرائيل إلى أن تتذكر أن مبدأ "أمريكا أولاً" يعني ترامب أولاً، ربما هو المبدأ الوحيد الذي يمكن أن يفوق نهج ترامب المؤيد لإسرائيل. أمس حصل الإسرائيليون على الاعتراف الذي أرادوه، الآن سيتعين عليهم دفع ثمنه بطريقة أو بأخرى. المصدر