بعد جولات عدة من المفاوضات والأخذ والرد والشد والجذب استمرت لما يقرب من 20 يومًا، طوت زيمبابوي صفحة الرئيس الأقدم في القارة الإفريقية روبرت موجابي، الذي يحكم البلاد منذ ما يقرب من 4 عقود. انتهى عصر "المُعمر الإفريقي" بعد أن قدم استقالته إثر ضغوط مورست عليه من كافة المؤسسات الزيمبابوية وحتى من حزبه الحاكم، الأمر الذي يثير تساؤلات حول اقتراب الجيش من إحكام قبضته على الدولة. استقالة موجابي أعلن رئيس البرلمان الزيمبابوي جاكوب موديندا، أمس الثلاثاء، استقالة الرئيس موجابي، من منصبه، وذلك في ختام جلسة طارئة عقدت في العاصمة الزيمبابوية هراري، كانت تهدف إلى مناقشة مسألة إقالته، وتلا رئيس البرلمان رسالة من رئيس الدولة جاء فيها "أنا روبرت موجابي، أسلم رسميًا استقالتي كرئيس لجمهورية زيمبابوي مع مفعول فوري"، وأضاف: "اخترت أن أستقيل طوعًا، ويعود هذا القرار إلى رغبتي في ضمان انتقال سلمي للسلطة من دون مشاكل وعنف". تأتي استقالة موجابي، بعد محادثات كثيرة أجرتها مؤسسة الجيش من أجل إقناع الرئيس الزيمبابوي بالتنحي، ورغم رفضه منذ البداية، فإن خسارته مؤيديه الواحد تلو الآخر، والضغوط التي مورست عليه من حزبه الحاكم ومجلس النواب الذي منحه مهلة 24 ساعة فقط للتنحي بلا من العزل، فضلا عن ضغوط بعض الدول الإفريقية والأوروبية، دفعت الرئيس الأقدم في إفريقيا إلى الاستقالة بعدما بات عزله أمرًا حتميا، ليهدم بذلك كافة مخططات زوجته جريس موجابي، التي كانت تهدف إلى خلافته، وينهي مسيرته السياسية التي استمرت نحو 37 عاما. احتفالات داخلية وخارجية تلا موديندا، رسالة الرئيس المستقيل وسط تصفيق حاد من النواب، وفي الوقت نفسه كانت قد بدأت الاحتفالات في العاصمة باستقالة موجابي، وخرج المئات من الزيمباوبيين إلى الشوارع واحتشدوا خارج مبنى البرلمان دعمًا لتحرك النواب، وكتبت على لافتات صغيرة علقت في ساحة الوحدة قرب البرلمان عبارات تعكس ضيق مواطني زيمبابوي بنظام مستبد وأزمة اقتصادية لا تنتهي، ومن بين الشعارات التي رفعها المحتشدون "موجابي ارحل الآن"، و"انتخابات حرة لا عنفًا بوليسيًا"، و"عمل وكهرباء وغذاء وماء". الجيش يحكم قبضته هيئة الإذاعة والتلفزيون الرسمية في زيمبابوي، قالت إن إمرسون منانجاجوا، النائب السابق للرئيس المستقيل، والذي فر من البلاد خوفًا على سلامته بعد أن أقاله موجابي، قبل نحو أسبوعين من الانقلاب العسكري ضده، سيعود إلى قاعدة "مانيام" الجوية في العاصمه هراري، مساء اليوم الأربعاء، على أن يؤدي اليمين رئيسًا للبلاد يوم الجمعة المقبل. ويعتبر إيمرسون منانجاجوا، مُفجر الأزمة منذ بدايتها، وهي الأزمة التي بدأت بعد أن اتخذ الرئيس موجابي، قرارًا بإقالته في 6 نوفمبر الجاري، بناءً على إلحاح زوجته الساعية لخلافته، الأمر الذي دفع الجيش إلى التحرك والسيطرة على البلاد في ال14 من الشهر نفسه. اللافت أن منانجاجوا، يعتبر يد الجيش العليا داخل النظام الحاكم، وكان همزة الوصل الرئيسية بين الحزب الحاكم والمؤسسة العسكرية ووكالات الاستخبارات في زيمبابوى، خاصة خلال فترة عمله كوزير للدفاع والأمن القومي، وهو أيضًا رئيس قيادة العمليات المشتركة المكلفة بحفظ الأمن في البلاد، ما يفسر تحرك الجيش السريع عقب إقالته، وهو ما عكسته تصريحات قائد الجيش الجنرال كونستانتينو شيوينجا، التي هدد فيها موجابي بالتدخل لوقف حملته التي استهدفت إقصاء حلفائه في الحزب الحاكم، وقال شيوينجا، حينها، إن حملات التطهير داخل الحزب التي تطال أشخاصًا لهم تاريخ مرتبط بالتحرير يجب أن تتوقف، وأضاف أن الجيش لن يتردد عن التدخل لحماية الثورة، لافتًا إلى أن الحزب الحاكم يشهد حالة من عدم الاستقرار مما يثير القلق في البلاد. وفقا لما سبق، يرى بعض الخبراء أنه بنجاح الانقلاب العسكري في زيمبابوي، والدفع بمنانجاجوا إلى قيادة البلاد خاصة في ظل أحاديث سابقة عن أنه الأوفر حظًا لخلافة موجابي، بعد انتهاء مدته الرئاسية، واقتراب مواقف منانجاجوا كثيرًا من مواقف الجيش فيما يخص إقالة موجابي، وغيرها من المواقف السياسية، كلها مؤشرات ترمي إلى إحكام الجيش الزيمبابوي قبضته على الحكم هناك. من هو منانجاجوا؟ "التمساح" هو اللقب الذي أطلقه الساسة في زيمبابوي على إيمرسون منانجاجوا، بسبب دهائه السياسي.. ولد في 15 سبتمبر عام 1942، وتخرج من جامعة لندن، وسبق أن طُرد من كلية هودجسون التقنية في عام 1960 للنشاط السياسي الذي أدى إلى حرق بعض الممتلكات العامة، وانضم إلى الحركة الطلابية، وتم انتخابه في السلطة التنفيذية. تقلد منانجاجوا، عدة مناصب قيادية، فقد شغل منصب وزير أمن الدولة منذ عام 1980 حتى عام 1988، وبعدها أصبح وزيرًا للعدل، وفي عام 2005 أصبح وزيرًا للإسكان الريفي حتى عام 2009، ليتم تعيينه بعد ذلك وزيرًا للدفاع حتى عام 2013، وبعد فترة وجيزة كوزير المالية في العام نفسه، وفي 10 ديسمبر عام 2014، عين نائبًا للرئيس. لسنوات عديدة، وقبل صعود نجم جريس موجابي، زوجة الرئيس، كان يُنظر إلى منانجاجوا، على أنه البديل الأوفر حظًا للرئيس بعد استقالته أو وفاته، إذ يعتبر بطلا من أبطال معارك التحرير قبيل الاستقلال عام 1980، وقد تلقى تدريبات عسكرية في مصر والصين، وقضى وقتًا في السجن نتيجة نشاطاته السياسية.