كتب: سامي سعيد ومحمد صفاء الدين عام منذ تعويم الجنيه بقرار اتخذه محافظ البنك المركزي طارق عامر في 3 نوفمبر 2016 بتحرير سعر صرف العملة المحلية أمام العملات الأجنبية، الأمر الذي عانى منه الشعب المصري على مدار عام كامل من ارتفاع كافة أسعار السلع الأساسية والخدمات، خاصة الوقود والكهرباء. على مدار عام كامل من تعويم الجنيه المصري ارتفع معدل التضخم من 14% في شهر أكتوبر 2016 ليسجل 32.9% في سبتمبر 2017، وارتفعت معظم السلع الغذائية الأساسية، كان سعر الأرز قبل التعويم 4.5 جنيه، فيما بلغ بعد عام من التعويم 6.5 جنيه، وكان السكر قبل التعويم 5 جنيهات ووصل بعد عام من التعويم إلى 9.5 جنيه، وارتفع سعر الدقيق من 4 جنيهات وصولاً إلى 6.25 جنيه، وسجل الزيت قبل التعويم 9.5 جنيه، ووصل إلى 14 جنيهًا بعد عام من التعويم. الوقود ارتفع أيضًا في إطار خطة الحكومة للإصلاح الاقتصادي، حيث وصل لتر بنزين 80 بعد عام من التعويم إلى 3.65 جنيه، بعدما كان يسجل 1.60 جنيه قبل التعويم، كما ارتفع السولار إلى 3.65 بدلاً من 1.80 جنيه قبل التعويم، وسجل بنزين 92 مبلغ 5 جنيهات للتر، قادمًا من 2.60 جنيه، والكهرباء لم تسلم من قرار تعويم الجنيه أيضًا، حيث ارتفعت تكلفة الكيلووات الكهرباء من 47.5 قرشًا للكيلو قبل التعويم وصولاً إلى 84.8 قرش. وجاء قرار البنك المركزي بتحرير سعر الصرف وفق اشتراطات صندوق النقد الدولي، من أجل الموافقة على قرض لمصر بقيمة 12 مليار دولار، إلا أن كريس جارفيس رئيس بعثة صندوق النقد الدولي لدى مصر خرج، وأعلن أن سعر صرف العملة في مصر انخفض أكثر مما توقعه الصندوق بالنظر إلى العوامل الأساسية، واستطرد: "لا نتوقع أي سعر صرف لأنه انخفض بعد التعويم أكثر مما توقعنا، وكنا مخطئين فى ذلك". هذه الاعترافات لم تغير شيئًا في سياسات الحكومة التي استكملت برنامجها الاقتصادي، والذي نتج عنه زيادة نسبة التضخم، والذي تبعه زيادة الأسعار والمنتجات بمقدار الضعف في ظل عجز الحكومة عن التحكم فيها، أو وضع حد لجشع التجار الذين اتخذوا من قرار التعويم حجة لرفع الأسعار دون مبرر أو رقيب من الحكومة. في نفس السياق قالت الدكتورة علياء المهدي، عميدة كلية الاقتصاد والعلوم السياسية السابقة، إنه بعد مرور عام من قرار التعويم هناك مشاكل كثيرة ظهرت، كنا قد حذرنا منها، ولكن لم تستجيب الحكومة لها، وللأسف أصبح هناك زيادات ضخمة في الأسعار وانخفاض في مستويات المعيشة للمواطن المصري، نتيجة قرار خفض العملة المحلية بهذا الشكل، مشيرة إلى أن الوضع في الاقتصاد المصري أصبح يعاني من كساد بعد تراجع القوة الشرائية للجنيه المصري. وأضافت المهدي، في تصريحات خاصة ل"البديل"، أنه نتيجة قرار التعويم الخاطئ أصبح الجميع في أزمة اقتصادية بما في ذلك الطبقات المتوسطة، وتحمل المواطن البسيط النسبة الأكبر من هذه الأزمة، كما نتج عن قرار التعويم تراجع في عجز الميزان التجاري، وهذا لعدة أسباب، أبرزها وضع قيود جديدة علي الاستيراد وغيرها من المشاكل التي نتجت عن التنفيذ الخاطئ للبرنامج الاقتصادي الحكومي، وهذا بشهادة صندوق النقد الدولي، الذي اعترف بأن تقديراته للاقتصاد المصري كانت خاطئة ومبالغًا فيها، مؤكدة أن استمرار الوضع الاقتصادي المصري كما هو الآن أو تحسنه مرتبط بالقرارات القادمة للحكومة فيما يخص البرنامج الاقتصادي. تدهور حاد في قيمة الجنيه في نفس السياق قالت الدكتورة سلوى العنتري، الخبير المصرفي، إن نتائج التعويم حتى الآن لم تكن بالشكل المتوقع بالنسبة للحكومة، حيث انخفضت قيمة الجنيه المصري مقارنة بالدولار بنسبة أكبر من المتوقعة أو التي كانت تتحدث عنها الحكومة، بل وصل الأمر إلي تدهور حاد في قيمة الجنيه، كذلك ارتفاع الأسعار بشكل كبير، والجميع يعاني منه، بجانب أن هناك قرارات صاحبت التعويم زادت الوضع سوءًا، لعل أبرزها رفع سعر الفائدة على الجنيه المصري، وهذا نتج عنه تدفق العملة الأجنبية في صورة أذون خزانة بسبب خفض قيمة الجنيه وزيادة سعر الدولار من 8 أو 9 جنيهات إلى 17و18 جنيهًا، وهو ما أعطى قيمة شرائية كبيرة للدولار في مصر، ولكن للأسف هذا علي حساب فرص الاستثمار وانتعاش الاقتصاد المصري، فتحول الوضع بعد التعويم إلى تدفق وتوفر عملة أجنبية طمعًا في الفوائد دون وجود تحسن في الاقتصاد. وأضافت "العنتري" في تصريحات خاصة ل"البديل" أن مصر طرحت سندات في السوق العالمي ،وللأسف تفسر الحكومة أن هذا ثقة في الاقتصاد المصري من جانب المستثمرين، وهذا غير صحيح، حيث لا يوجد استثمار حقيقي في مصر، سواء إنشاء مصانع أو شركات أو توفير فرص عمل وغيرها من الاستثمارات الحقيقية، ولكن كل ما يحدث أن هناك عمليات بيع وشراء سندات وأذون خزانة مقابل توفير عملة أجنبية، وهذا من وجهة نظر الحكومة نجاح في برنامجها الاقتصادي؛ كون أنها وفرت عملة أجنبية، وأنهت السوق الموازي. ولكن في الواقع هناك تضاعف للدين العام، وخصوصًا الدين الخارجي، وفيما يخص المواطن أصبح يتحمل أعباء إضافية، ولا يشعر بأي تحسن في الأوضاع الاقتصادية، بل إن الأسعار أصبحت ترتفع بصورة يومية، ولا توجد زيادة في الصادرات المصرية، كذلك هناك عجز في الميزان التجاري، ولم يتراجع. وكل هذه المشاكل الموجودة هي المعيار الحقيقي للاقتصاد.