لم يعد خافيا ما قطعته مصر من أشواط على طريق «الخلجنة»، بفعل مناخ عام يقدس الريال والدرهم الخليجي حد العبادة، لكن يبدو أن القطار يمضي بسرعة البرق، كاسرًا كل الإشارات، ومواصلا اختطاف ما تبقى من فن مصري أصيل، ليقذفه في زحام طابور دافعي فاتورة مناخ «بترودولاري» طارد للإبداع. الموسيقار وعازف القانون الشهير الدكتور ماجد سرور، أحد هؤلاء الذين حلت عليهم لعنة مناخ ملأ دخانه بر المحروسة وبحرها، إذ فوجئ باستبعاد الإدارة – الحالية – لدار الأوبرا اسمه من برنامج المشاركين فى الدورة القادمة من مهرجان الموسيقى العربية (1 – 15 نوفمبر القادم)، في مقابل الاستعانة بعازف قانون عربي.
ولمن لا يعرف سرور أو «عندليب القانون»، فهو فنان أصيل وابن شرعي لجيل رواد الموسيقى العربية، إذ كانت انطلاقته خلال تكريم موسيقار الأجيال محمد عبدالوهاب مع الفرقة الماسية بقيادة سليم سحاب في قاعة ألبرت هول في لندن، يوليو عام 1988، وتهادت أوتاره على ألحان الكبار من أمثال محمد الشرنوبي وحلمي بكر.
اليوم، وبصوت ذبحه الأنين، ويد كبلها الألم، يبحث عندليب القانون عن ريشته في بيته بمهرجان الموسيقى العربية، ولا يجد مكانا لها، بعد تاريخ حافل وعقود مضت على مدح موسيقار الأجيال لتلك الريشة الذهبية، إذ وصفها عبدالوهاب ب«النسيم العليل»، عقب تسجيل أغنية (أسألك الرحيلا) للراحلة العظيمة نجاة، وهو قول «لو تعلمون عظيم».
لا بأس إذن أن تتجسد مع «حكاية ماجد» مفارقة المفارقات، ففي عصر الدينار والريال، فتحت الأوبرا أحضانها حصريا لحنجرة مطرب خليجي (مايو الماضي)، لكنها تمنعت على أصابع عازف صولهات القانون في فيلم «حد السيف» للراحل محمود مرسي، بعد أن كان – حتى وقت قريب – أحد أقوى المرشحين لرئاستها!.
اليوم، وما بين تاريخ حافل، ومناخ طارد، يقف سرور على «حد السيف»، في قلب موجة «خلجنة» شرسة تنال من قلب قوة مصر الناعمة في دار الأوبرا، بعدما تحولت – تحت إدارتها الحالية من محفل ل«الاسموكن» و«السواريه» مع فريد وعبدالوهاب، إلى معقل ل«الغترة» و«الشماغ» مع عبده وأحلام. هي، بلاشك، موجة كاسحة لا تقيم للقوى الناعمة وزنًا، ولا تتلمس للموهبة والأصالة ظلًا، بل وتتحرش ب«الأوبرا»، مكتسحة في طريقها موسيقيين وفنانين مصريين كبار، لتقدم آلاتهم الموسيقية قربانا في مذبح السيد الخليجي، وتعيد تفصيل المشهد ليتناسب مع حجمه! في قلب هذا المشهد، لنا أن نخمن سيناريوهات متعددة لمستقبل صاحب «دستور القانون»، فقد ينزوي الرجل في بيته إلى الأبد تاركا عشيقته الوترية، أو يهرب بها مغادرا وطنا صارت تزعجه دقات القانون، لكن القدر المتيقن من الصواب، أن مقابر زمن الفن الجميل فتحت أبوابها انتظارا لضحايا جدد، لا يحتملهم زمن «معاك كم؟!» .