نشرت مجلة "ذا اتلانتيك" الأمريكية تقريرا عن مجموعة من البرقيات الدبلوماسية التي تكشف الدور الأمريكي السيء في عمليات القتل الجماعي ضد الشيوعيين في إندونيسيا 1965، وقد أشار التقرير، الذي أعده الصحفي فنسنت بيفنز من جاكرتا، إلى أن دور واشنطن في مذابح إندونيسيا يُظهر كيف أن العنف كان ولا يزال وسيلة أساسية في تحقيق أهداف السياسة الخارجية الأمريكية. إليكم نص التقرير: كشفت مجموعة من البرقيات الدبلوماسية التي تم رفع السرية عنها مؤخرا مدى التورط الأمريكي في التطهير الوحشي الذي حدث ضد الشيوعية في إندونيسيا قبل نصف قرن. في أكتوبر عام 1965، اتهم قائد الجيش الإندونيسي القوي، سوهارتو، الحزب الشيوعي في إندونيسيا بتنظيم محاولة انقلاب عقب اختطاف وقتل 6 من كبار ضباط الجيش. وخلال الأشهر التي أعقبت ذلك، أشرف سوهارتو على عمليات إبادة منهجية لما يصل إلى مليون إندونيسي سواء لانتمائهم إلى الحزب الشيوعي، أو لمجرد اتهامهم بإخفاء تعاطف أو ميول يسارية. ثم تولى السلطة وحكم كديكتاتور، بدعم من الولاياتالمتحدة، حتى عام 1998. هذا الأسبوع، نشرت مؤسسة أرشيف الأمن القومي غير الربحية، جنبا إلى جنب مع المركز الوطني لرفع السرية، مجموعة من البرقيات الدبلوماسية الأمريكية التي تغطي تلك الفترة المظلمة. وبينما تظهر الوثائق فظاعة جريمة القتل الجماعي التي ارتكبتها إندونيسيا عام 1965، كشفت أيضا مدى تورط السلطات الأمريكية في دعم تطهير سوهارتو. ولعل الأكثر إثارة للدهشة – كما تبين الوثائق – أن المسؤولين الأمريكيين كانوا يعرفون أن معظم ضحاياه أبرياء تماما. كما تلقى مسؤولو السفارة الأمريكية تقارير عن عمليات الإعدام وقدموا المساعدة لقمع التغطية الإعلامية. وبينما الوثائق الهامة التي يمكن أن توفر نظرة ثاقبة أكثر بشأن الأنشطة الأمريكية والإندونيسية في ذلك الوقت لا تزال ناقصة، إلا أن الخطوط العريضة للفظائع ودور أمريكا هناك واضحا لكل من يهتم بالبحث. تكمن أهمية هذا الحدث في توضيح كيف أن العنف كان ولا يزال وسيلة أساسية في تحقيق الأهداف الأمريكية. بالمقارنة مع حرب فيتنام أو سلسلة لاحقة من الانقلابات اليمينية في أمريكا اللاتينية، مذبحة إندونيسيا عام 1965 غير معروفة تقريبا. لكن بالنظر إلى أهداف السياسة الخارجية للحكومة الأمريكية في ذلك الوقت، التي تتمثل في وقف انتشار الشيوعية وجعل البلدان في جميع أنحاء العالم في مجال نفوذها، كان تطهير سوهارتو الدموي فوزا كبيرا للولايات المتحدة، حيث شكلت إبادة الحزب الشيوعي الإندونيسي وصعود سوهارتو إلى السلطة نقطة تحول رئيسية في الحرب الباردة. بعد مراجعة الوثائق الجديدة، يقول جون روسا، أستاذ التاريخ بجامعة كولومبيا البريطانية ومؤلف كتاب جوهري عن إندونيسيا عام 1965، إن "الكثير مما اعتبرته مؤسسة السياسة الخارجية الأمريكية انتصارا عظيما هو أنهم تمكنوا من تغيير وجه إندونيسيا بسرعة كبيرة"، وأضاف: "إندونيسيا هي رابع أكبر دولة في العالم من حيث عدد السكان، وحزبها الشيوعي كان ثالث أكبر حزب في العالم بعد الصين والاتحاد السوفيتي". وتابع روسا أن المشكلة الكبيرة في صياغة أحداث 1965 هي أنه غالبا ما يتم الإدعاء بأن الولاياتالمتحدة كانت مؤيدة عندما حدث حمام الدم، وهو أمر غير صحيح لأنها في الحقيقة كانت جزءا لا يتجزأ من العملية، ووضعت الاستراتيجية مع الجيش الإندونيسي وشجعته على إبادة الحزب الشيوعي. قبل عام 1965، كانت تحاول بعض العناصر داخل الحكومة الأمريكية تقويض أو الإطاحة بأحمد سوكارنو، زعيم حركة استقلال إندونيسيا المناهض للاستعمار والرئيس الأول للبلاد، وفي عام 1958، دعمت وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية التمرد الإقليمي المسلح ضد الحكومة المركزية، وأنهت عملياتها بعد أن تم القبض على الطيار الأمريكي ألين بوب خلال قيامه بعمليات تفجير قتلت جنودا ومدنيين إندونيسيين. وورد أن الوكلاء ذهبوا إلى مرحلة إنتاج فيلم إباحي بطولة رجل يرتدي قناع سوكارنو أملا في استخدامه لتشويه سمعته لكن لم يتم استخدامه أبدا. ثم على مدار سنوات، قامت الولاياتالمتحدة بتدريب وتعزيز الجيش الإندونيسي. وبعد أن أوقفت وفاة جون كينيدي زيارته الرئاسية المقررة لجاكرتا وتدهورت العلاقات مع إدارة الرئيس الأمريكي ليندون جونسون، عزز سوكارنو التحالفات مع الدول الشيوعية واستخدم الخطابات المناهضة للولايات المتحدة عام 1964. في عام 1965، عندما ألقى الجنرال سوهارتو باللوم في التطهير العسكري على مؤامرة انقلاب من الحزب الشيوعي الإندونيسي، قدمت وكالة الاستخبارات الأمريكية معدات الاتصالات لمساعدته على نشر تقاريره الكاذبة قبل الانتقال إلى السلطة والإشراف على عمليات الذبح، وفقا لما كشفته الوثائق الحكومية. ومن المعروف منذ زمن طويل أن الولاياتالمتحدة دعمت الديكتاتور سوهارتو بشكل نشط: ففي عام 1990، اعترف أحد موظفي السفارة الأمريكية بتسليمه قائمة بأسماء الشيوعيين إلى الجيش الإندونيسي. وقال روبرت مارتنز، العضو السابق في القسم السياسي بالسفارة، لصحيفة واشنطن بوست: "لقد كانت حقا مساعدة كبيرة للجيش.. لقد قتلوا الكثير من الناس، وربما أتحمل مسؤولية الكثير من الدم". ولا ينبغي أن يكون من المستغرب أن تتسامح واشنطن مع مقتل عدد كبير من المدنيين لتعزيز أهداف حربها الباردة مع الاتحاد السوفيتي. ففي فيتنام، قد يكون الجيش الأمريكي قتل ما يصل إلى مليوني مدني. وفي مقال نشر في صحيفة نيويورك تايمز في يونيو 1966 بعنوان "وميض الضوء في آسيا" كتب جيمس ريستون أن "التحول الوحشي لإندونيسيا من سياسة موالية للصين في ظل حكم سوكارنو إلى سياسة مناهضة للشيوعية في ظل الجنرال سوهارتو هو أهم التطورات المواتية للولايات المتحدة. وعلى الرغم من أن واشنطن حريصة على عدم إدعاء أي فضل … لكن هذا لا يعني أنه ليس لا علاقة بالأمر". ومع ذلك، ليس الشيوعيون واليساريون فقط الذين كانوا ضحايا هذه الفترة، بل تعرضت أعداد لا حصر لها من الأشخاص للتعذيب والاغتصاب والقتل بسبب اتهامهم بأنهم شيوعيون أو بالانتماء إلى أقلية عرقية، وفقا لأحد الناجين من مذبحة عام 1965 والذي لأسباب لم يفهمها أبدا، قضى أكثر من عقد في السجن. وثمة مشكلة أخرى شائعة في صياغة إندونيسيا عام 1965 وهي أن هذا العنف الجماعي كثيرا ما يتم التعبير عنه بوصفه مصادفة لصعود سوهارتو إلى السلطة، بدلا من أن يكون شرطا مسبقا لذلك. ويتفق المؤرخون على نطاق واسع على أن المناهضين للشيوعية في الجيش لم يكن بإمكانهم أبدا الوصول للسلطة دون سحق الحزب الشيوعي بطريقة ما. وفي هذا الصدد، قال براد سيمبسون، المؤرخ في جامعة كونيتيكت: "لم يكن سوهارتو سيصل أبدا إلى السلطة دون إبادة الحزب الشيوعي". وهو يتفق مع روسا بأن تصوير الولاياتالمتحدة على أنها مجرد متفرج أو مؤيد هو إشكالية. المزيد من الوثائق التي تكشف ما حدث في إندونيسيا في عام 1965 من المحتمل أن تظهر، لكن من غير المرجح أن تشمل على سبيل المثال معلومات من الجيش الأمريكي ووكالة الاستخبارات. ويقول سيمبسون "لا توجد أي سجلات رسمية إندونيسية متاحة للجمهور في أي مكان، لذلك نحن نعتمد حقا على المحفوظات الغربية". ويرجع ذلك إلى أن الكثير من النخبة السياسية في إندونيسيا لا تزال تعتمد على سرد سوهارتو . ويحارب القادة العسكريون الأقوياء في البلاد أي تحقيقات قد تلقي باللوم عليهم. كما أنتجت حكومة سوهارتو فيلما دعائيا غير دقيق يصور الشيوعيون يُعذِبون ويقتلون ضباطا عسكريين. إن الأساليب التي استخدمها سوهارتو كانت مصدر إلهام للاتجاهات اليمينية الأخرى المدعومة من واشنطن في جميع أنحاء العالم. وفي مذابح إندونيسيا 1965، كان دور واشنطن هو جزء من إستراتيجية أكبر للفوز في الحرب الباردة. المقال من المصدر