من المقرر أن تشهد القاهرة غدا الثلاثاء بدء المباحثات النهائية للمصالحة الفلسطينية بين حركتيّ فتح وحماس برعاية المخابرات المصرية، بعد أن استلمت حكومة الوفاق مهام الحكم في قطاع غزة بعد عشرة أعوام من انفراد حماس بالسلطة هناك. وفي ظل هذه الأجواء؛ لا تزال هناك ملفات عالقة ليست ببسيطة كما ولا كيفا تواجه مشروع المصالحة رغم التصريحات الإيجابية من الجانبين، فما تشكّل داخل القطاع وفي المشهد السياسي الفلسطيني خلال أعوام لا يمكن تجاوزه خلال أيام أو بتفاهمات شفهية، في ظل أمر واقع على الأرض يعبّر عن انقسام موضوعي للقوة والنفوذ، يتجلى في الملف الأمني فيما يخص قطاع غزة وسلاح المقاومة بداخله، ويمتد وصولا إلى أفق المصالحة ومآلها ومفاعيلها السياسية الكفيلة بالتأثير على حياة الفلسطينيين في الأرض المحتلة، ملف آخر كوضع موظفي الحكومة ورواتبهم، وما يتعلق بذلك من تباين بين الطرفين، غالبا ما سيتم حسمه بالتقريب المصري المعهود منذ بداية مفاوضات المصالحة، ويبقى سلاح المقاومة ووضعية كتائب عزالدين القسام، الجناح العسكري لحماس، محل خلاف قائم تم تأجيله لحين التفاوض في القاهرة اليوم. وفي ضوء قرارات المجلس المركزي الفلسطيني الصادرة مارس 2016، بما يمثله من مرجعية لفتح وعدد من القوى السياسية الفلسطينية، هناك اعتراف من قيادة رام الله بإنسداد أفق ما يُطلق عليه "التسوية" تحت الجناح الأمريكي، كونها مثّلت فرصة عملية للكيان الصهيوني للتوسع في الاستيطان على طول الوقت المُهدَر التحاقا بالوساطة الأمريكية، التي توفر كافة الضمانات والمكاسب للطرف الصهيوني وتتجاهل الطرف الفلسطيني باعتباره لا يملك من أمره شيئا، أي أن أوراق القوة على الأرض ليست معه، ومن جانب آخر عبّر التحرك الشعبي الفلسطيني الأخير بخصوص المسجد الأقصى عن عجز فتحاوي عن احتواء الشارع هناك، في ظل وضع الاحتلال وسياساته التي لا تواجَه بقدر ما يتم التكيف معها رسميا وشعبيا، ويمكن القول أنه في لحظة تاريخية معينة قد تتوصل فتح إلى حقيقة غابت عنها وهي أن التنسيق الأمني مع العدو، كما هو مرسوم له، لا يضمن وضعها السياسي بل على العكس قد يسهم على المدى الطويل في تكوين هبّة شعبية غاضبة في مواجهتها، طالما التحقت بالعدو إلى حد التكامل والاصطفاف في مواجهة شعبها، من هنا ذهبت فتح إلى المصالحة رغم تحفظاتها على دور محمد دحلان الموضوع إماراتيا بمساعدة مصرية في غزة، في مقابل خفوت إعلامي لهذا الدور يكفل رفع الحرج عن فتح وقيادتها، ذات الموقف الرافض للرجل ودوره، واكتفت الحركة بضمانات مصرية ستكفل، موضوعيا، تخفيف الأزمة الاقتصادية في القطاع وتكوين "هيئة حاكمة" فلسطينية يمكنها التفاوض باسم الفلسطينيين، تمهيدا لمحاولة جديدة لنيل ما تيسَر من مكاسب على مائدة المفاوضات. كان الإفلاس الأمريكي المذكور وفقا لفتح، من أهم أسباب انفتاحها على حماس مؤخرا في ظل إدارة أمريكية جديدة راهنت فتح على رغبتها في تحقيق "إنجاز" لعملية السلام المفترَضة، ومن هنا كان منطقيا إزاحة الملف نحو الطرف المصري المتضرر واقعيا من سيطرة حماس على قطاع غزة، والساعي لدور ملتحق بالمشروع الأمريكي للسلام الواسع في الشرق الأوسط، أي مشروع التطبيع العربي مع الكيان الصهيوني، وفي هذا الإطار جاء خطاب الرئيس المصري في الأممالمتحدة الذي أكّد خلاله حرصه على أمن مواطني الكيان الصهيوني، وتحدث عن وجود فرصة وصفها بالتاريخية لإقامة سلام دائم بين الشعب الفلسطيني والكيان على أرضية إعطاء سلطة فتح وحماس صيغة "دولة" تكفل المزيد من الموارد الممنوحة والمعونات، برعاية دولية وخليجية، مع "اعتراف" عالمي بدولة فلسطينية لن تختلف عن التشكيل الحالي للسلطة الوطنية الفلسطينية وعاصمتها الافتراضية رام الله، في مقابل تكامل وتطبيع للعلاقات بين التكتل العربي المساند لهذا الاتفاق وبين الكيان الصهيوني، مع التزام من هذا التكتل، اشترطه نتنياهو في تغريدة على حسابه الرسمي في موقع تويتر، بالعداء مع إيران ومكوّنات محور المقاومة. على الطرف النقيض، ظاهريا، من حالة السلام تلك، تتمسك حماس من خلال تصريحاتها الإعلامية بمبدأ حيازة سلاح المقاومة واستحالة نزعه، إستنادا إلى مبدأ غائب ليس فقط عن فتح، المتعاونة مع الاحتلال، بل عن كامل السياق السياسي للمصالحة، وهو مبدأ حق الشعوب في المقاومة وتحرير أرضها والدفاع عن نفسها، خطاب تردده حماس ومن خلفها فصائل فلسطينية أصغر وأقل نفوذا في غياب أي تصريف له على أرض الواقع، ليس فقط بسبب تأكيد فتح المستمر على "وحدة السلاح الفلسطيني"، بل في الأساس بسبب غياب مشروع مقاومة مسلحة فلسطينية مكتمل وواضح التوجّه والخطة والاستراتيجية، فكان طبيعيا أن يكتفي الطرفان بمكسبين غير جوهريين من خلال المصالحة: مكسب لفتح بحضورها في حكم غزة ومن ثم حيازة ورقة قوة أمام الطرف الصهيوني في المفاوضات، مع مكايدة للأمريكي المنزعج من حماس مع إدراكه لاستحالة إقصائها، ومكسب لحماس بإشراك فتح في تحمل المسؤولية الثقيلة للقطاع ذي الوضع الاقتصادي والتنموي المنهار، الذي لم يحسّنه الدعم القطري والتركي طوال الأعوام الماضية، بالإضافة إلى توقف التنسيق الاستخباري حتى الآن، مع بقاء التنسيق الأمني، بين فتح والكيان الصهيوني، وهو من حيث المبدأ مكسب حقيقي ليس لحماس فقط بل لكل فلسطيني، وإن كان لا يعني بحال أن فتح وسلطتها قررتا تبنّي مشروع سياسي مقاوِم. طبقا لموازين القوى على الأرض، يستحيل نزع سلاح كتائب القسام في غزة كما يستحيل تحقيق توقف كامل للتنسيق الأمني بين فتح والاحتلال، وسينعكس هذا في مرونة فتح بخصوص السلاح رغم التصاعد الكلامي من جهتها برفض بقاء مرتكَز مسلح خارج سلطة رام الله، ولإدراكها أيضا لحضور ظهير احتياطي إقليمي جاهز لحماس، هو محورالمقاومة وإيران، مما سيجعل تنازلات الأخيرة غير مُطلقة رغم تواليها منذ فترة، فمع إدراك فتح لبراجماتية حماس واستحالة إطلاقها لمشروع مقاومة مسلحة حقيقي، تدرك أيضا أن المغالاة في ضغطها ليكون ظهرها للحائط بلا شيء لتخسره ستكون مغامرة سياسية غير واقعية، فضلا عن إصرار مصري ضاغط، على فتح، في اتجاه إتمام المصالحة، مع ضمانات أمنية مصرية بخصوص السلاح واستخدامه، انطلاقا من الواقع ومن فكرة بسيطة: إن محض وجود السلاح لا يعني جهوزية وإمكانية حقيقية ودائمة لاستخدامه، في ظل جهوزية العصا العسكرية الصهيونية الغليظة والدور المصري الفاعل الجديد في الملف الأمني للقطاع. من ناحية أخرى تدرك فتح أن لحماس حضور شعبي في الضفة الغربية حيث المرتكز الأثقل لفتح وسلطة رام الله، مما قد يسهم، حال تكامل الطرفين على الأرض سياسيا، في احتواء الشارع الفلسطيني الغاضب بمعاناته اليومية والمعيشية من الاحتلال، وهذا بدوره يفتح الباب لحل القضايا المتعلقة بالتكوين الهيكلي لحكومة الوفاق ومناصبها والمحاصصة الداخلية فيها وتقسيم عملها، كما تستخدم فتح أهمية التنسيق الاستخباري مع الكيان الصهيوني لقيادة الكيان وقوته، حتى في ظل بقاء التنسيق الأمني، للاستقواء بحماس وحضورها في هيكل الحكم الفلسطيني من أجل تحقيق مكاسب على مائدة المفاوضات، أو في الصيغة الإقليمية التي يتم إعدادها أمريكيا ل"السلام" بين الفلسطينيين والكيان الصهيوني، فتعمل فتح على الالتحاق بالصيغة من موقع أكثر قوة، ومعها حماس وسلاحها كورقة ضغط، أمام الولاياتالمتحدة، انطلاقا من واقع أن الأمريكي لن يضغط على الكيان الصهيوني لسحب تنازلات منه إلا لو كان الطرف الفلسطيني على قدر من القوة.