في الوقت الذي تضاعفت فيه الهواتف الذكية على مدى السنوات القليلة الماضية وأصبحت أدوات اتصال لا غنى عنها بالنسبة لنا جميعا، تضاعفت أيضا أعداد الشركات المخصصة لاختراق هذه الهواتف نيابة عن الحكومات – بما في ذلك الجيش والمخابرات والشرطة. الاستخدام الشرعي المفترض هو أن عملاء تلك الشركات يستخدمون التكنولوجيا الجديدة المطورة لمراقبة المجرمين والإرهابيين والكشف عن خططهم وتعطيلها. لكن هناك بلدان أخرى، والتي هي أكثر ربحية بالنسبة لتلك الشركات وأقل استساغة للمجتمعات المفتوحة، وظفتها لأغراض سياسية ضد المعارضين السياسيين والناشطين. على سبيل المثال، الناشط الحقوقي الإماراتي، أحمد منصور. في أغسطس 2016، تلقى رسالة اشتبه بها وأرسل هاتفه على الفور إلى سيتيزن لاب، وهو مختبر متخصص في تحليل البيانات وتصفية المحتوى وأمن الانترنت في جامعة تورونتو. وفقا لهذا التحليل، ظهر أن السلطات الإماراتية قد اشترت برنامج التجسس "بيجاسوس Pegasus "، أقوى البرامج الخبيثة المتاحة تجاريا التي تم إنشاؤه وبيعه من قبل شركة البرمجيات "NS0 Group" الإسرائيلية. إذا كان منصور قد فتح الرابط الموجود في الرسالة، فإنه كان سيتم اختراق هاتفه والسماح للسلطات الإماراتية الوصول والتحكم في كل شيء على هاتفه من رسائل بريد إلكتروني واتصالات ورسائل نصية، وحتى الكاميرا والفيديو. ضربات مماثلة: وفي قضية ذات صلة في عام 2016، استخدمت السلطات الإماراتية برنامج بيجاسوس أيضا في محاولة استهداف الصحفي بموقع ميدل إيست آي البريطاني، روري دوناغي، الذي يكتب بشكل حاد عن انتهاكات النظام الاستبدادي في البلاد. وفي خضم التحقيق في هذا الهجوم، اكتشف سيتيزن لاب أن دولة الإمارات استهدفت 1100 ناشط وصحفي بالمثل، وأن الحكومة الإماراتية دفعت مبلغ 600 ألف دولار لشركة NSOمن أجل هذه المحاولات. وبالتالي أصبح المنتج التجاري الإسرائيلي "بيجاسوس"، الذي هو مثل العديد من منتجات التجسس المماثلة الأخرى الموجودة الآن في السوق، بشكل واضح أداة سياسية لتمكين الأنظمة الاستبدادية من التجسس على مواطنيهم. في الواقع، أبعد من ذلك، فإن برنامج التجسس "بيجاسوس" غالبا ما يستخدم كسلاح سيبراني هجومي من قبل النخبة العالمية لحماية مصالحهم. تقول بيل ماركزاك، باحثة في سيتيزن لاب، لصحيفة هافينجتون بوست: "إن الحكومات تشتري التكنولوجيا لاستخدامها كما تريد..إنهم ببساطة تجار الأسلحة الرقمية." من الجيش إلى التكنولوجيا: هناك العديد من الشركات التي تصنع هذا النوع من البرمجيات الخبيثة في مختلف البلدان، ولكن أنجحها غالبا في إسرائيل. ويرجع ذلك أساسا إلى وحدة سيجينت 8200، التي يشار إليها باسم وحدة SIGINT وهي ذراع التجسس الإلكتروني والمسؤولة عن قيادة الحرب الإلكترونية في الجيش الإسرائيلي. يتلقى ضباط تلك الوحدة التدريب الأكثر تطورا في التكنولوجيا الأكثر تقدما. وعندما يغادرون الخدمة، يمكنهم إما الحصول على وظائف مربحة مع شركات كبرى أو يستخدمون الخبرة السيبرانية التي اكتسبوها في الجيش لتأسيس شركات خاصة بهم. وواحدة من هذه الشركات الناجحة كانت NSO، التي تتخذ من هرتسيليا مقرا لها وشعارها هو "جعل العالم مكانا أكثر أمانا". لكن تلك الشركة قد جعلت العالم أكثر خطورة بكثير بالنسبة لنشطاء حقوق الإنسان والمعارضين السياسيين الذين يناضلون للإفلات من الانتقام الحكومي. تأسست شركة NSOفي عام 2010 من قبل اثنين من قدامى المحاربين في الجيش الإسرائيلي، شاليف هوليو وأومري لافي، ولم يكونا من وحدة 8200 على الرغم من وجود تقارير تشير إلى خلاف ذلك. ووفقا لما نشرته صحيفة جلوبس الإسرائيلية، خدم لافي في سلاح المدفعية وهوليو في خدمة البحث والإنقاذ بعد مغادرتهما الجيش الإسرائيلي، قررا الدخول في عالم رواد الأعمال. وشركة NSOهي المشروع الثالث لهما، والأكثر نجاحا. ومن خلال شركة "فرانسيسكو بارتنرز"، التي اشترت NSOفي عام 2015، أصحبت NSOتحت مظلة شركة تمتلك عددا من شركات الاتصالات الأخرى التي تقدم معلومات داخلية هامة لتعزيز قدراتها على القرصنة. بدأت NSO في زراعة المصادر التي منحتهم إمكانية الوصول إلى النماذج الأولية للهواتف الخلوية قبل نزولها إلى الأسواق، مما سمح لهم بتطوير تقنيات تمنحهم إمكانية الوصول الكامل إلى هواتف العملاء الذين يسعوا إلى استهدافهم. منطقة رمادية وثغرات: وعلى الرغم من أن صانعي الهواتف الذكية يسعون لحماية منتجاتهم من محاولات المتسللين وبرمجيات التجسس مثل "بيجاسوس" التابع لشركة NSO، ولكن الشركة تعمل في منطقة رمادية وتتمكن من تأمين ما تحتاجه من مصادر مختلفة داخل وخارج شركات التصنيع. من ناحية أخرى، تؤكد NSOأنها تتبع جميع اللوائح المنظمة الإسرائيلية التي تحكم تصدير منتجاتها وتبيع فقط لحلفاء إسرائيل، ولا تتعامل أبدا مع أعداء إسرائيل. وتزعم أيضا أنها لا تبيع إلا للحكومات وليس أبدا للأفراد أو المستخدمين غير المصرح لهم. وتزعم أن منتج "بيجاسوس" يقصد به فقط التجسس لمحاربة المجرمين والإرهابيين، وعدم استخدامه مطلقا لأغراض سياسية. ومع ذلك، أشارت أنها بمجرد أن تبيع المنتج، فإنها ليس لها سيطرة – أو كما تزعم ذلك – على من أو كيف يتم استخدامه. هذه ثغرة واسعة بما فيه الكفاية تسمح ل NSO– وعشرات من شركات التجسس الرقمية الأخرى التي تقدم برامج مماثلة – للتهرب من المسؤولية عبر الطرق غير الأخلاقية التي يتم بها استخدام التكنولوجيا الخاصة بها. في قضية منصور، كان الاختراق موجها إلى مواطن تنظر إليه دولة الإمارات على أنه مجرم، رغم أنه لم توجه إليه تهمة ارتكاب جريمة أو سرقة أو زرع قنبلة. في عام 2011، حكم عليه بالسجن لمدة ثلاث سنوات بتهمة إهانة الدولة (تم العفو عنه لاحقا وإطلاق سراحه) – وكان هذا كافيا في نظام استبدادي مثل الإمارات لوضعه تحت المراقبة. مثل هذه الاستخدامات تنتهك لوائح ترخيص الصادرات الإسرائيلية التي بموجبها تبيع شركة NSOمنتجها. ولكن لا يوجد احتمال كبير بأن يتدخل المسؤولون الإسرائيليون في هذه القضية، حيث أنهم مهتمون بتعزيز الصادرات الإسرائيلية، وليس خنقها. اتصل موقع "ميدل ايست آي" بوزارة الدفاع الإسرائيلية للتعليق على علاقتها NSOولم يتلقَ ردا. كما تم طرح أسئلة على المكتب الصحفي التابع لوزارة الدفاع، ولم يرد عليها أيضا حتى وقت النشر. ومن جانبه، قال مختبر "سيتيزن لاب" لمجلة فوربس الأمريكية أن برمجيات شركة NSOتم تسجيل نطاقات لها أيضا في كينيا وموزمبيق واليمن وقطر وتركيا والمملكة العربية السعودية وأوزبكستان وتايلاند والمغرب والمجر ونيجيريا والبحرين، مما يشير إلى أن منتج التجسس "بيجاسوس" قد يستخدم في هذه البلدان. بالنسبة لهذه الشركة الإسرائيلية، يتضح أن أفريقيا والشرق الأوسط يمكن أن تكون منجم ذهب، حيث في هذه البلدان تميل الشركة إلى الاسترخاء من الاعتبارات الأخلاقية لتعظيم إمكانات الربح. المصدر