قرار وزارة الخارجية الأمريكية بحجب 195 مليون دولار مساعدات عسكرية لمصر، و96 مليون دولار مساعدات أخرى، بحجة القلق على حقوق الإنسان، كان أمرا محيرا. انتقدت مصر خطوة حجب المساعدات، وألغت اجتماعا كان مقررا عقده بين وزير الخارجية المصري، سامح شكري، ومستشار ترامب، جاريد كوشنر، وصرحت وزارة الخارجية الأمريكية، بأن سبب العقوبات على القاهرة، القانون المصري الخاص بتقييد أنشطة المنظمات غير الحكومية. القانون المصري مرعب، كما أن الرئيس عبد الفتاح السيسي، استبدادي، لكن منذ متى يهتم ترامب بذلك؟ لاسيما أنه وصف السيسي ب"رجل رائع"، في اجتماع عقد في شهر مايو الماضي، وأشاد بعمله في ظل ظروف صعبة، مؤكدا أن واشنطن تقف وراء مصر وشعبها. سجن السيسي الآلاف من المعارضين، منذ توليه السلطة في عام 2013، وتجلى الطابع الاستبدادي للنظام المصري قبل شهرين، وسيكون الأمر غريبا، إن توقفت الحكومة عن ممارستها واعتبرنا أن قانون عمل المنظمات غير الحكومية آخر قراراتها. قال وزير الخارجية الأمريكي، ريكس تيلرسون، إنه لا يعتقد في تكييف التعاون الأمريكي بشأن معايير حقوق الإنسان، وهذا يخلق عقبات أمام قدرة الولاياتالمتحدة على النهوض بمصالحها الأمنية والاقتصادية، وربما لهذا السبب الساخر، وتحقيقا لهذه الغاية، تستأنف إدارة ترامب، المساعدات العسكرية لدول مثل البحرين، والتي علقتها إدارة الرئيس السابق، باراك أوباما، بسبب مخاوف على حقوق الإنسان، كما أنها جمدت المساعدات لمصر بعد عام 2013، لكن رغم الانتقادات الموجهة للسيسي بعد حملته على جماعة الإخوان، أعادت الإدارة المساعدات في عام 2015؛ لمخاوف تتعلق بتنظيم داعش. يبدو أن الوقت حان أمام الولاياتالمتحدة لاختيار الحكومات الداعمة لإسرائيل ومنافستها إيران، وتعد الحكومة المصرية من بين الحكومات العربية التي تدعم الرئيس السوري، بشار الأسد، لكن يبدو أن واشنطن ليست على عجل للإطاحة به الآن، وفي وسط كل ذلك تراقب إسرائيل ما يحدث، خاصة بعد تحسن العلاقات السعودية المصرية والتي شهدت توترا في العام الماضي. وقالت صحيفة نيويورك تايمز الأمريكية، إن هذه الخطوة ترتبط بعلاقة مصر بكوريا الشمالية، حيث إن القاهرة تقيم علاقات ودية مع بيونغ يانغ منذ السبعينات، وأكد تقرير صادر عن الأممالمتحدة مؤخرا، أن تجارة المعدات العسكرية بين البلدين مستمرة، ولكن وزارة الخارجية الأمريكية لم تذكر أن علاقات البلدين جزءا من دوافع حجب المساعدات. كان واضحا أن إدارة ترامب تريد حجب المساعدات عن مصر، فحثت القاهرة قبل فترة على بذل مزيد من الجهد لمواجهة داعش في شبه جزيرة سيناء، وتريد إشراك مصر في تحالف عسكري عربي شبيه بحلف الناتو، كما حاولت الإدارة الاستعاضة عن برامج التمويل الدفاعية بقروض، ما يمثل تراجعا كبيرا بالنسبة للحلفاء منذ فترة طويلة مثل مصر. حجب المساعدات، محاولة لاستخدام النفوذ الأمريكي في النزاع مع مصر، وليس له علاقة بحقوق الإنسان أو المنظمات غير الحكومية، رغم أن هذه النزاعات غير واضحة. وهناك دلائل أخرى على أن إدارة ترامب لا تهتم بحقوق الإنسان، فبعد موافقة وزارة الخزانة الأمريكية على التحقيق فيما يفعله الرئيس الفنزويلي، نيكولاس مادورو، وقمعه للمعارضة، تغاضت عن تحقيقات تخص الحريات الدينية في بلدان مثل تركيا والسعودية والصين. سيكون من الصعب رؤية ترامب يقسو على أحد رجاله المفضلين، لكن يبدو أن الإدارة تتعلم العزف على وتر حقوق الإنسان في الأوقات التي تكون مفيدة بها، وهي طريقة أخرى للسياسة الخارجية المتحولة باندهاش. المقال من المصدر: اضغط هنا