"مسجد لا ثاني له في مصر ولا في غيرها من البلاد في فخامة البناء ونباهته وارتفاعه وأحكامه واتساع حناياه وسعة أبوابه، كأنه جبال منحوتة، تصفق الرياح في أيام الشتاء بأبوابه كما تفعل في شواهق الجبال، وفي أحد أبوابه سارية رخامية لطيفة يقال إنها من إيوان كسرى، وفيها نقوش عجيبة".. هكذا قال الرحالة المغربي الحسن الورثيلاني عن مسجد السلطان حسن، آخر صرح تبقى من المماليك. ووصف المستشرق الفرنسي جاستون فييت المسجد بقوله: "الوحيد بين جوامع القاهرة الذي يجمع بين قوة البناء وعظمته، ورقة الزخرفة وجمالها، وأثره قوي في نفوسنا، إذ له خصائصه التي لا يشترك معه فيها غيره"، وقال جومار في كتاب وصف مصر: "إنه من أجمل مباني القاهرة والإسلام، ويستحق أن يكون في الرتبة الأولى من مراتب العمارة العربية بفضل قبته العالية، وارتفاع مئذنتيه، وعظم اتساعه وفخامة وكثرة زخارفه". سوق الخيل يعود بناء مسجد السلطان حسن إلى العصر المملوكي، وبالتحديد عام 757 ه و1356م عندما أمر السلطان حسن بن الناصر محمد بن قلاوون بإنشاء مسجد ومدرسة السلطان حسن اللذين يقعان فى منطقة الخليفة جنوبالقاهرة، وكان يعرف هذا الحي باسم سوق الخيل، وضم قبل بناء المسجد قصرًا بناه الناصر بن قلاوون لسكنى الأمير يلبغا اليحياوي (هو أحد الأمراء المقربين)، لكن تم هدمه لبناء المدرسة بجوار المسجد. قلعة الجبل وكانت هذه المدرسة حصنًا للمماليك وقت وقوع الحروب والفتن بينهم؛ لموقعها المميز أمام قلعة الجبل، فكانوا يصعدون أعلى المبنى، ويضربون القلعة، وأمر السلطان الظاهر برقوق بهدم السلم الواصل بسطح المدرسة، وظلت الحرب قائمة، وكل يوم يتم غلق المدرسة والأبواب والشبابيك، إلى أن تم إصلاحها فى عهد ملك مصر العادل طومان باي. النضوج المعماري في عهد المماليك في عام 1944، عثر الأثري حسن عبد الوهاب على نص بالطراز بالمدرسة دُوِّن عليه اسم "السلطان حسن بن الناصر محمد بن قلاوون" بجوار اسم "محمد بن بيليك المحسني"، وهو أحد أمراء أسرة المماليك الكبيرة، وهنا تم الكشف عن اسم المهندس المعماري القائم بتشييد المسجد بعد أن كان مبهمًا. ويعكس تصميم المسجد مدى نضوج العمارة الإسلامية فى عصر المماليك، حيث بلغت مساحته 7 آلاف و906 أمتار مربعة وطوله 150 مترًا، وللمسجد أربع واجهات، ويضم قبة ومنارتين إحداهما قبلية والأخرى بحرية، نقش عليها كتابات بالخط الكوفي، ويحتوي المسجد أيضًا على الساقية التي كانت توصل المياه للمسجد والمدرسة. زين الباب الرئيسي بالزخارف المتنوعة، وقبة المسجد مربعة الشكل وبها محراب رخامي داخله تركيبة من الرخام كتب عليها أنها أنشئت سنة "786 ه/1384م" ويضم المسجد أربع مدارس للمذاهب الأربعة (الشافعية والحنفية والمالكية والحنابلة). فيما شيدت المدرسة على طريقة التعامد التي تشتمل على أربعة إيوانات، يتوسطها صحن مكشوف، وقبة خشبية أقيمت على ثمانية عمد رخامية، نقشت عليها آية الكرسي وتاريخ إتمام البناء، وتم تغطية القبة بألواح من الرصاص؛ لتكون رابع قبة بنيت على هذا النهج، مثل قبة الإمام الشافعي، وقبة مسجد الظاهر، وقبة مسجد الناصر قلاوون، وتم افتتاح المدرسة فى عهد السلطان حسن، وكانت منبرًا للعلم تدرس بها علوم تفسير القرآن والحديث النبوي والقراءات السبع، وعين بها موظفون وقراء وإمام. سرقة المسجد تعرض المسجد والمدرسة إلى العديد من محاولات السرقة على مدار الأعوام الماضية، حيث اختفى من داخله الحشوات الموجودة بالمربع النجمي بكرسي المصحف من الجهة التي تقابل الضريح، وهو عبارة عن ترس مكون من 12 حشوة خشبية تم إتلاف 4 منها، وبعد ذلك اختفت من الترس، ولم يتم العثور على سارق الحشوات، وتم تشديد الرقابة عليه، حيث يعد المسجد واحدًا من أهم المعالم الأثرية ومقصدًا للسياح الذين يتوافدون عليه من مختلف الديانات والثقافات، ويضم المسجد حاليًّا مدرسة صغيرة للأطفال؛ لتدريس القرآن الكريم، فضلاً عن إقامة الحلقات والندوات الثقافية به. صورته على المائة جنيه توجد صورة مسجد السلطان حسن على العملة المصرية من فئة المائة جنيه، وذلك بهدف تسليط الضوء على المعالم الأثرية والترويج لها كنوع من الدعم للسياحة، وتوافدت على المسجد العديد من الشخصيات الهامة، من بينهم الرئيس الأمريكي السابق باراك أوباما ووزيرة خارجية الولاياتالمتحدة هيلاري كلينتون ضمن جولة سياحية خلال زيارتهما لمصر خلال يونيو 2009، والسفيرة الأمريكية لدى مصر آن باترسون بصحبة الكاتب المصري جمال الغيطاني، عام 2011، وفي العام الماضي زار المسجد سفير دولة الكويت لدى مصر في إطار دعم السياحة العربية إلى مصر وإبراز الكنوز الأثرية. فتح أبواب المسجد في رمضان يغلق المسجد أبوابه طول العام فى الساعة الرابعة ونصف عصرًا، ويمنع أداء صلاة المغرب والعشاء والفجر به، ويتم الغلق من شرطة السياحة؛ نظرًا لكونه مكانًا أثريًّا، وأيضًا لصعوبة تأمينه، ولكن فى رمضان يفتح للمصلين لأداء صلاة التراويح والتهجد فى العشرة الأواخر من الشهر، حيث يقبل عليه المصلون من كل مكان، ويشكل غلق المسجد حزنًا عميقًا لدى المصلين والأئمة الذين يسعون دومًا إلى فتحه في كل أوقات الصلاة ليس فقط فى رمضان.