طوال حملته الرئاسية، انتقد دونالد ترامب منافسته هيلاري كلينتون للحصول على أموال من السعودية، التي اتهمها بانتظام بأن لديها سجل مروع في مجال حقوق الإنسان وكانت وراء هجمات 11 سبتمبر الإرهابية. وانتقد ترامب منافسته قائلا: "هل تتحدثين عن المرأة وحقوق المرأة؟ هؤلاء هم الناس الذين يعاملون النساء بشكل فظيع، وبعد ذلك تأخذين منهم أموال". ترامب بالطبع لم يتخلَ عن آرائه التي قالها في الماضي، لكن من خلال المعايير الترامبية، تم عقد مؤخرا سلسلة من الصفقات مع السعودية. صفقتان مذهلتان برزتا في عناوين وتقارير الصحف ووسائل الإعلام، صفقة أسلحة بقيمة 110 مليارات دولار وهدية بقيمة 100 مليون دولار لصالح مؤسسة تشرف عليها إيفانكا ترامب لدعم النساء اللاتي يمتلكن مشروعات أو يرغبن في إقامتها. لكن الصفقة الثالثة، التي تم طرحها بهدوء أكثر، ليست أقل إذهالا. فقد انضمت السعودية إلى مستشار كبير في الخارج لترامب من أجل استثمار 40 مليار دولار لخصخصة البنية التحتية الأمريكية. وافقت إدراة ترامب على خطة لتطوير البنية التحتية الأمريكية بقيمة تريليون دولار. وتسلم هذه الصفقة السيطرة على مشاريع إعادة بناء الطرق والجسور الأمريكية للقطاع الخاص وبلد أجنبي. أعلن الصندوق السعودي للاستثمار العام – صندوق الثروة السيادي الرئيسي في المملكة – استثمارا بقيمة 20 مليار دولار مع شركة بلاك ستون، وهي شركة عملاقة خاصة يرأسها رجل الأعمال ستيفن شوارزمان، رئيس المنتدى الاستراتيجي والسياسي والذي أصبح في الأشهر الأخيرة مستشارا رئيسيا للرئيس الأمريكي. تم الإعلان عن هذا الاستثمار السعودي عندما كان ترامب في المملكة ووصفه البيت الأبيض كجزء من التزام ترامب بتقديم صفقات للاستثمار الأجنبي في الولاياتالمتحدة. ووصفت بلاك ستون هذه الصفقة بأنها "تتويجا لمناقشات العام كامل"، وأصرت على أن البيت الأبيض لم يشارك في مناقشات هذه الصفقة. كان التوقيت أيضا شيئا ملحوظا، حيث جاء بعد أن تفاوض زوج ابنة ترامب، جاريد كوشنر، على صفقة بيع أسلحة بقيمة 110 مليار دولار للسعوديين. الجدير بالذكر أن كوشنر و شركة بلاك ستون لهما تاريخ طويل معا. فبلاك ستون هي واحدة من أكبر المقرضين لأعمال كوشنر، مع تمويل بأكثر من 400 مليون دولار منذ عام 2013 شوارزمان – رئيس بلاك ستون ومستشار الرئيس – بالطبع ترتبط مصلحته بالرئيس ومن المتوقع أن يستفيد هو وشركته من قرارات السياسة العامة، سواء من خلال قرارات ترامب بشأن التلاعب بالعملة الصينية (بلاك ستون تستثمر بكثافة في الصين) أو تحفظ الإدارة الأمريكية على إغلاق ثغرة الفائدة المحملة (التي لا تفيد فقط بلاك ستون بل شوارزمان نفسه). وقال جيف هاوزر، مدير مشروع (Revolving Door): أن "وساطة ترامب في صفقة بين الملكية السعودية وأقطاب القطاع الخاص الأمريكي تمثل مدى الفساد واستغلال النفوذ. هذه الصفقة تمثل كل ما يتعارض مع سياساتنا العالمية". وقد رفض معظم الديمقراطيين خطة ترامب للبنية التحتية ووصفوها بأنها "مراوغة.وبالإضافة إلى الشراكة بين القطاع الخاص الداخلي والاستثمار الأجنبي ، يتحدث مستشارو ترامب عن استخدام نموذج شائع في أستراليا، حيث يتم تحويل عائدات مبيعات الأصول العامة إلى مشاريع جديدة. وبالتالي، في إطار خطة ترامب، سيتم تخفيض الاستثمارات الاتحادية المباشرة في البنية التحتية، بينما ترتفع سيطرة القطاع الخاص على المشاريع. وهذا يعود بالفائدة على بلاك ستون والسعودية. حكومات الولاياتالمتحدة والجهات المحلية لا تفتقر لرأس المال للبنية التحتية. فالسندات البلدية تبلغ قيمتها 3.7 تريليون دولار. ويتسائل المعارضون لماذا نأخذ بعض مواردنا ونسلمها إلى وول ستريت ونمنحهم السيطرة على الأصول لمدة 20، 30، 40، 50 سنة؟. شكلت استثمارات السعودية نصف إجمالي استثمارات بلاك ستون في صندوق البنية التحتية، لتكون بذلك المستثمر الوحيد الذي يضع هذا الالتزام الكبير في صندوق أسهم خاص واحد – وهو أمر غير معتاد. عندما حاولت الإمارات العربية المتحدة استخدام شركة دبي العالمية للموانئ المملوكة للدولة لشراء ستة موانئ بحرية في عام 2006، أثارت جدلا كبيرا من قبل شخصيات إعلامية يمينية مثل لو دوبس وديمقراطيون مثل السيناتور تشاك شومر الذي اعتبرها فرصة لتدمير الرئيس بوش آنذاك. انهارت الصفقة في نهاية المطاف، حيث باعت شركة موانئ دبي العالمية حصتها. وعلى النقيض من ذلك، فإن صفقة بلاك ستون والسعودية لم تثير الكثير من التعليقات. لكن المال السعودي سيتحول عن طريق مستشار وثيق لترامب ويدخل في مشاريع البنية التحتية للدولة، مع توقع مليارات الدولارات من الأرباح من الطرق والجسور وأنظمة النقل العام المستخدمة يوميا. منذ الإعلان عن الصفقة، ارتفعت أسهم بلاك ستون أكثر من 7% منذ انتخابات ترامب. ليست هذه المرة الأولى التي يستفيد رأس المال الخاص بشكل شخصي من منصب استشاري مع إدارة ترامب. على سبيل المثال، الملياردير الأسطوري كارل إيكان، وهو مستشار ترامب الخاص للأمور التنظيمية، يستخدم نفوذه لتغيير اللوائح التنظيمية الخاصة بالإيثانول التي من شأنها أن توفر للشركات التي يمتلكها مئات الملايين من الدولارات. المقال من المصدر: اضغط هنا