كان يسير كعادته المسائية مع أصدقائه الصغار في طريق عودته إلى البيت في مدينة السادس من أكتوبر، وبعد لحظات سقط الطفل الصغير يوسف سامح العربي، الذي لم يكمل عامه الرابع عشر بعد، على الأرض مغشيًا عليه والدماء تغرق جسده الضئيل في قلب ميدان الحصري، وسط ضجيج السيارات وزحمة الميدان من جراء رصاصة غادرة أصابته في الرأس، واستقرت في النخاع الشوكي بجذع المخ، وتسببت في توقف شبه كامل لوظائف الجسم.. أصدقاؤه يؤكدون أن الرصاصة الغادرة كانت من مسافة قريبة جدًّا، 10 أمتار، من مجهول حتى سقط ما بين يديه من طعام ومياه بصورة سريعة، أصابت كل من حوله بذهول شديد. لم يسمع أحدهم صوت أي طلقات نارية في الجوار، ومع ذلك شاهدوا صديقهم الصغير الذي لم يُكمل عقده الثاني غارقًا في دمائه إثر رصاصة طائشة تسببت في فقدانه الوعي، ونقلته سيارة الإسعاف إلى مستشفى أكتوبر الجامعي القريبة من الميدان. بعد ساعات قليلة من نقله إلى المستشفى الجامعي وفحص حالته الصحية أخبر الأطباء والدته، الناشطة الحقوقية مروة قناوي، أن قلب يوسف نجلها متوقف تمامًا ويعيش في غرفة الرعاية المركزة على أجهزة التنفس الصناعي، بعد أن دخل في غيبوبة كاملة، وننتظر معجزة من الله لإعادته إلى الحياة من جديد، وبعد أيام من الحادث أكدوا لها أنه ميت إكلينيكيًّا منذ أسبوعين، وباءت محاولات الإنقاذ كافة بالفشل، حتى خرجت روح الصغير إلى بارئها صباح أمس، وتم تشييع جنازته من مسجد الحصري. في واقعة غريبة تكررت مرتين بنفس القدر من الغموض والطريقة الإجرامية في القتل عبر سلاح ناري «كاتم للصوت» تتم تصفية طفل بريء عابر في الميدان وفتاة أخرى عشرينية كانت تسير في الجوار تُدعى دعاء أصيبت ب«شظية» في ذراعها دون تهمة أو جريمة ارتكباها، وتم ضبط ثلاثة من المتهمين الخمسة، وتحقق نيابة 6 أكتوبر معهم؛ لاتهامهم بإطلاق النار العشوائي خلال حفل زفاف، مما أسفر عن مصرع الطفل يوسف وأصابة آخرين. «ابني يوسف بيروح مني، أنا راضية بقضاء ربنا بس مش هيأس من رحمة الله، وهافضل أخد بالأسباب ومش هاسيبك بالسهولة دي.. محتاجة كل الكنائس تولع شموع وكل الجوامع توحد الدعاء، بالورقة والقلم ابني راح».. بعبارات مليئة بالحزن وتسكنها الدموع وقلة الحيلة، كانت الأم الثلاثينية ما تزال تتمسك بالدعاء واللجوء إلى الله في إعادة طفلها الصغير للحظات إلى الحياة، حتى ترى ابتسامته الصافية للمرة الأخيرة، وتلقي عليه عبارات الوداع الأخيرة، فدونت عبر صفحتها الشخصية على فيسبوك كلمات يتيمة للوداع: «هتوحشني يا عريس.. زفوه». يوسف الصغير الذي فارق الحياة لم يترك وقفة تضامنية مع أسر المسجونين من الشباب الذين رافقهم ووالدته في ميادين الثورة كاحتجاجات «تيران وصنافير» أو إحياء ذكرى استشهاد رفيق الثورة مينا دانيال، الذي مات في ظروف غامضة خلال تناوله الطعام أمام محل مأكولات شهير بميدان الحصري برفقة 3 من أصدقائه في المدينة الساهرة. رحل يوسف المعروف بحركاته الجنونية الضاحكة ومواقفه الوطنية، وترك والدته تعاني مرارة الوجع، ومات معه شيء من إنسانية مصر بعد أن ظل على أجهزة التنفس الصناعي لأكثر من 10 أيام، لكن يبقى سؤال أخير: من يحول دون وقائع قتل من مجهول أو مختل عقلي ليوسف آخر في مكان ثان بشوارع وميادين مصر؟