"إن أمريكا وإسرائيل لا تريدان لبنان بلداً موحّداً مستقلاً حرّاً سيّداً، ستتابعان تنظيم الدسائس والمؤامرات لتفرقة شعبنا وتقسيم بلادنا وتجزئتها تأميناً لسيطرة جديدة لهما على لبنان، وعبر لبنان على سائر الأقطار العربية المجاورة، يا رجال ونساء لبنان من كل الطوائف والمناطق والاتجاهات، أيها اللبنانيون الحريصون على لبنان بلداً عربياً سيداً مستقلاً، إلى السلاح تنظيماً للمقاومة الوطنية اللبنانية ضد الاحتلال وتحريراً لأرض لبنان من رجسه على امتداد هذه الأرض من أقصى الوطن إلى أقصاه، أيها اللبنانيون، إن واجب الدفاع عن الوطن هو أقدس واجب، إن شرف القتال ضد المحتل هو الشرف الحقيقي الذي ينبغي لكل وطنيٍّ أن يفاخر به، فلتنتظم صفوف الوطنيين اللبنانين كافة وبغض النظر عن انتماءاتهم السابقة وعن الاختلافات الأيدولوجيّة والطائفية والطبقية، في جبهة المقاومة الوطنية اللبنانية ضد الاحتلال الإسرائيلي، كسراً للقيد الذي تحاول أن تفرضه اليوم أمريكا وإسرائيل على عنق شعبنا الحر ورفعاً لراية التحرر الحقيقي لشعبنا العظيم". بهذه الكلمات أعلنت جبهة المقاومة الوطنية اللبنانية "جمّول" عن نفسها في السادس عشر من سبتمبر 1982 بعد نحو 100 يوم من الاجتياح الصهيوني للبنان من ناحية الجنوب، بمكوّنات وطنية وعملية عابرة للطوائف والمذاهب على عكس الانحيازات المزيّفة، التي طالما حاول اليمين اللبناني التابع للخارج إكسابها لصراع الحرب الأهلية اللبنانية التي امتدت لسنوات قبل الاجتياح، ضمت الجبهة الحزب الشيوعي اللبناني بقيادة جورج حاوي، والحزب التقدمي الاشتراكي بقيادة الشهيد كمال جنبلاط، ومنظمة العمل الشيوعي والحزب السوري القومي الاجتماعي وحزب البعث العربي الاشتراكي. بعد أيام من نشأتها، انطلقت عمليات المقاومة العسكرية للجبهة ضد الاحتلال الصهيوني، لتشهد ليلة 20-21 سبتمبر العملية الأولى التي توالى بعدها استهداف قوات الاحتلال بالألغام المزروعة والعبوات الناسفة والمفخخات والكمائن، فكانت القوى المتحركة والتمركزات الثابتة للعدو هدفاً يومياً للنشاط العسكري المقاوم الذي قاده إلياس عطاالله، القيادي الشيوعي اللبناني ومسؤول النشاط العسكري للجبهة، إلى حد أن بلغت عمليات الجبهة من 20 سبتمبر 1982 إلى آخر مايو 1984 ألف عملية، لم تستهدف فقط العدو الصهيوني في بيروتالمحتلة وخارجها بل جميع عملائه أيضاً وعلى رأسهم جيش أنطوان لحد العميل، انضمت إلى الجبهة آلاف العناصر من كافة الطوائف الدينية والمذهبية للشعب اللبناني، وكافة الانتماءات السياسية من مستقلين ومنتمين إلى أحزاب ومجموعات سياسية كانت أبرزها مكوّنات التيار القومي والناصري في البلاد. في شهر سبتمبر وحده من عام التأسيس، انطلقت عمليات مكثفة في وسط بيروتالمحتلة "منطقة الحمرا" وغرب المدينة الذي شهد استهداف مرتكزات الاحتلال وآلياته بالصواريخ، مع عمليات فردية من عناصر الجبهة يستحيل منعها ومعها أصبح إطلاق النار المفاجئ من الرشاشات وإلقاء القنابل اليدوية نشاطاً لا يتوقف ويستعصي على الاحتلال تتبعه داخل المدينة، ورغم مداهمة قوات الاحتلال لمنزل جورج حاوي، أحد قيادات الجبهة ومحاولتها لاقتحام منزل كمال جنبلاط أحد أعرق رموز الحركة الوطنية اللبنانية، لم تتمكن من إسقاط الجبهة ونشاطها، بعد مُعدَل عمليات قدّره روبرت فيسك الذي كان وقتها مراسلاً للتايمز بعملية كل خمس ساعات، مؤكداً أن القوات الصهيونية تم سحبها بنجاح إلى حرب شوارع ومدن لا قبل لها بها، وتسببت في خسائر مهولة لها في زمن قياسي، اُجبر الاحتلال على الانسحاب من داخل بيروت في 27 و28 سبتمبر، أي بعد إحدى عشر يوماً من إعلان تأسيس الجبهة، في مشهد مُذِل تضمن إعلان القوات المنسحبة الانسحاب عبر مكبرات الصوت ومناشدة اللبنانيين عدم إطلاق النار، لكن الجبهة لم تتوقف عن القتال وجاء شهر أكتوبر ليشهد تكثيفاً للعمليات التي اتسع نطاقها نحو الجنوب، الوضع الذي انعكس فيما بعد باعتزال مناحم بيجن للحياة السياسية عام 1984، واستقالة وزير الدفاع آرييل شارون التي لم يكن سببها مسؤوليته عن مذبحة صبرا وشاتيلا، إنما في الأساس فشله عسكرياً أمام ضربات المقاومة الوطنية اللبنانية. جاء نوفمبر من نفس عام التأسيس 1982 لتنضم أفواج المقاومة اللبنانية "أمل" إلى المشهد معلنةً عن ذلك بأكثر الوسائل جسامة؛ تفجير مقر الحاكم العسكري الصهيوني لمدينة صور بالجنوب وتدمير المبنى المكوّن من 8 طوابق بأكمله بمن فيه ومقتل 74 عسكرياً صهيونياً، واشتعل الجنوب من بعدها بالمقاومة أكثر في مركزَيه صور وصيدا وكافة قطاعاته، وببداية عام 1983، امتزج النشاط العسكري للجبهة مع حاضنتها الشعبية الطبيعية في الشوارع والقرى والبلدات، وتكامل مع الحركة العفوية للشعب اللبناني في بيئته الاجتماعية مع اتساع مشاركة رجل الشارع اللبناني وأبناء قرى وبلدات الجنوب فيه، كمشاركة الأهالي في مارس من هذا العام في أحد أبرز عمليات الجبهة وهي "عملية عاشوراء" التي نفذّتها قوة من الحزب الشيوعي اللبناني واستشهد فيها الشهيد سهيل حمورة (مواطن جنوبي من النبطية ومسقط رأسه قرية ميس الجبل الحدودية مع فلسطين)، خلال مرور قافلة ضخمة لقوى الاحتلال بالقرب من مكان إحياء ذكرى عاشوراء تم إعداد كمين محكم لها استكملته الجماهير بالتكامل مع القوة المنفذة للعملية، بحلول سبتمبر 1984 أي بعد عامين من انطلاقها بلغ إجمالي عملياتها 1380 عملية استشهد خلالها 250 عنصر مقاوم واعتقل الاحتلال نحو 3000 عنصر آخر، وبصفة عامة شهد نشاط الجبهة تطوراً عسكرياً تدريجياً من 1983 حتى 1987 انعكس في ضخامة خسائر العدو وحليفه جيش لحد، ولم يخفف من ذلك الانسحاب الصهيوني إلى خلف نهر الليطاني وتمركزه في القطاع الحدودي أي جنوبلبنان، وشهد هذا السياق تدمير المئات من الآليات والأرتال ومقتل عشرات الضباط للمخابرات العسكرية الصهيونية، وصولاً لعمليات "نوعية" هامة كإسقاط مروحية للاحتلال بصاروخ سام 7، وتحوُل كامل القطاع الجنوبي من لبنان إلى مقتلة حقيقية يومية لكافة الرُتَب والمستويات التنظيمية من الجيش الصهيوني ومنطقة استنزاف كبرى لإمكاناته، بالتوازي مع استهداف لإمكانات وعناصر جيش لحد العميل بلغت كثافته تدمير مقر الإذاعة الخاصة به في عملية استشهد فيها الشهيدان حسام حجازي وميشال صليبا.