موعد إجازة المولد النبوي الشريف لعام 2025 في مصر    هل كتبت انتخابات الشيوخ نهاية الأحزاب ذات المرجعية الدينية؟ صبرة القاسمي يجيب    تنسيق الجامعات 2025، خطوات التقدم للالتحاق ببرامج الساعات المعتمدة بآداب القاهرة    بعد حريق محطة سلوا، عودة الكهرباء إلى أكثر من نصف مساكن إدفو في أسوان (صور)    بعد قمة ألاسكا، ترامب يتحدث عن العقوبات الجديدة على روسيا ولافروف يتوقع رفعها    مواعيد مباريات اليوم والقنوات الناقلة، أبرزها السوبر الألماني والزمالك ضد المقاولون    في نسخته الأولى، إطلاق دوري القهاوي للطاولة والدومينو بالإسكندرية (صور)    أكثر من 5 آلاف طالب بسوهاج يؤدون اليوم امتحانات الدور الثاني ل"الثانوية العامة"    أمطار ورمال مثارة قادمة من السودان، تحذير عاجل من الأرصاد لأهالي أسوان    بفستان قصير، إليسا تتعرض لموقف محرج خلال حفلها بالساحل الشمالي (فيديو)    فريق "واما" يشعل حفل "رأس الحكمة" بحضور نجوم الفن ويحتفل بعيد ميلاد تامر حسني (صور)    الصحة تخصص خطا ساخنا لمعرفة أماكن توفير تطعيم السعار    ترامب وبوتين يعقدان مؤتمرًا صحفيًا قصيرًا دون الإجابة على أسئلة الصحفيين    "رقم مميز للأهلي".. 4 حقائق من اليوم الثاني للجولة الثانية بالدوري المصري    بوتين يدعو كييف والقادة الأوروبيين إلى عدم عرقلة "التقدم الناشئ"    الاحتلال يُواصل الإبادة والتجويع فى غزة لليوم ال 680    ترامب يغادر ألاسكا بعد قمته مع بوتين    وزير الدفاع الروسي: المزاج ممتاز عقب المفاوضات في ألاسكا    عيار 21 يسجل مفاجأة.. انخفاض كبير في أسعار الذهب والسبائك اليوم السبت بالصاغة    حيل ذكية لتخفيف الغثيان في الشهور الأولى من الحمل    محمد معيط يشارك في عزاء وزير التموين الأسبق علي المصيلحي    بالأسماء.. تفاصيل إصابة 10 أشخاص من أسرة واحدة باشتباه تسمم جنوب المنيا    شاهد| محمد صلاح يدخل في نوبة بكاء عقب نهاية لقاء بورنموث    محمد شريف: تعلمنا من أخطائنا.. والهدف المبكر ساعدنا ضد فاركو    عاجل - استقرار سعر الدولار أمام الجنيه المصري اليوم السبت 16 أغسطس 2025    النيابة العامة تُقرر إخلاء سبيل صاحب فيديو المتحف المصري الكبير    السيطرة على حريق بمحطة كهرباء الحصايا بأسوان    «مؤشرات إيجابية» بعد نهاية محادثات «الصيغة الضيقة» بين ترامب وبوتين    مصرع طفل غرقا في حمام سباحة ببني سويف    «مرسال» يعلن إطلاق مبادرة الإستثمار الزراعي في كينيا    مفاجآت في قائمة الزمالك لمواجهة المقاولون العرب    عبيدة تطرح فيديو كليب أحدث أغانيها «ضحكتك بالدنيا»    قرار عاجل من النيابة بشأن صاحب فيديو المتحف المصري الكبير    الكاتب عمر طاهر يروي كواليس لقائه مع الروائي الراحل صنع الله إبراهيم    جريئة ومُبهجة.. بالصور أجمل إطلالات النجمات في المصيف    حلا شيحة بالحجاب في أحدث ظهور وجميلة عوض تعلق: "ما شاء الله"    صلاح يسجل..ليفربول يهزم بورنموث برباعية في افتتاحية الدوري الإنجليزي    ريبييرو: الفوز على فاركو خطوة مهمة لمواصلة انتصارات الأهلي في الدوري    ب«الجبنة القريش والبطاطس».. طريقة تحضير مخبوزات شهية وصحية (خطوة بخطوة)    القانون يحدد ضوابط العلاوة التشجيعية للموظفين.. إليك التفاصيل    تعرف على حالتين يحق فيهما إخلاء السكن القديم.. وفقًا للقانون    تنسيق المرحلة الثالثة 2025 علمي علوم ورياضة.. كليات ومعاهد متاحة والحد الأدنى 2024    ليفربول يدين الهتافات العنصرية ضد مهاجم بورنموث    بعد تصديق الرئيس.. القانون يمد خدمة المعلمين المتقاعدين لمدة 3 سنوات    «لو بتكح كتير».. تحذير قد يكشف إصابتك بمرض رئوي خطير    بعد ساعات.. غلق كلي ب كوبري الجلاء في الاتجاهين لمدة 3 ساعات    قرار هام من التريبة والتعليم حول تظلمات الدفعة الثانية ل 30 ألف معلم    بمشاركة محافظ المنيا ونائب وزير الصحة.. اجتماع موسع لبحث تطوير المنظومة الطبية    وزير الأوقاف السابق: إذا سقطت مصر وقع الاستقرار.. وعلينا الدفاع عنها بأرواحنا (فيديو)    وزير الأوقاف يختتم زيارته لشمال سيناء بتكريم 23 شابا وفتاة من حفظة القرآن الكريم بقرية 6 أكتوبر بمركز رمانه (صور)    وكيل صحة المنوفية يوضح حقيقة سقوط أسانسير مستشفى بركة السبع    أخبار 24 ساعة.. انطلاق امتحانات الثانوية العامة "دور ثانى" غدا    سعر طن الحديد والأسمنت بسوق مواد البناء اليوم السبت 16 أغسطس 2025    تليفزيون اليوم السابع يستعرض أبرز ما يميز النسخة المطورة من تطبيق مصر قرآن كريم.. فيديو    بضمان محل إقامته.. إخلاء سبيل عبد الرحمن خالد مصمم فيديو المتحف المصري الكبير    خطيب الأزهر يحذر من فرقة المسلمين: الشريعة أتت لتجعل المؤمنين أمة واحدة في مبادئها وعقيدتها وعباداتها    خطيب المسجد الحرام: الحر من آيات الله والاعتراض عليه اعتراض على قضاء الله وقدره    حكم من مات في يوم الجمعة أو ليلتها.. هل يعد من علامات حسن الخاتمة؟ الإفتاء تجيب    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



السياسي اللبناني سمير دياب: " أرباب النظام السياسي الطائفي عمدوا إلى زيادة جرعات التجييش الطائفي ومحاصرة المقاومة الوطنية. وانتصار 2000 وانجاز تموز 2006 شكلا قوة لبنان في مقاومته وصموده ومع ذلك فعملية التغيير الديمقراطي لم تتقدم إطلاقا
نشر في البديل يوم 23 - 09 - 2012

في السادس عشر من سبتمبر "أيلول" 1982، ذكرى مجزرة صبرا وشاتيلا، والتي مرت ذكراها الثلاثون منذ أيام، وجه كلا من الشهيد جورج حاوي والسياسي محسن إبراهيم نداءً من الحرس الشعبي والأنصار وجبهة المقاومة الوطنية اللبنانية يطالب اللبنانيين بمقاومة الاحتلال، مؤكدًا البيان النداء أمريكا وإسرائيل لا تريدان لبنان بلداً موحّداً مستقلاً حرّاً سيّدا.
وحول هذا البيان، والذكرى الثلاثين لمجزرة صبرا وشاتيلا، اتصلنا بالسياسي والكاتب اللبناني سمير دياب وكان معه هذا الحوار..
في نظرك، هل كانت هناك مؤشرات أو معلومات استخبارية لارتكاب مجزرة صبرا وشاتيلا؟ وإن توفرت لماذا لم يتم تأمين المخيمات بشكل كافي؟
لم نطمئن يوما لمهمة المبعوث الأميركي ومنسق العدوان "فيليب حبيب" الذي فاوض مع قيادة منظمة التحرير الفلسطينية على الخروج من بيروت، بعد حصار من قبل العدو الصهيوني دام مائة وأربعة أيام بدءا من الخامس من حزيران/ يونيو 1982 مع بدايات قصف الجوي لطائرات العدو للمدينة الرياضية والمناطق السكانية الآهلة في قلب العاصمة بيروت واستهداف مراكز تواجد منظمة التحرير الفلسطينية، وبداية عملية الاجتياح الاسرائيلي لجنوب لبنان في السادس منه. ولغاية خروج منظمة التحرير الفلسطينية بعد الاتفاق على فك الحصار عن بيروت وعدم اجتياحها من قبل العدو الاسرائيلي مقابل خروج الفلسطينيين من مرفأ بيروت، مع قيادة منظمة التحرير الفلسطينية ورئيسها المرحوم ياسر عرفات. لحين بداية اجتياح بيروت في 16 أيلول/ سبتمبر 1982 في الوقت ذاته، الذي كانت تنفذ مجزرة صبرا وشاتيلا بحق شعبنا اللبناني والفلسطيني في المخيمين من 16 أيلول إلى 18 منه.
خلال الأيام المائة والأربعة، لم تنخدع القوى اليسارية والوطنية اللبنانية لمخطط "فيليب حبيب" الذي هو مخطط العدو الإسرائيلي والتي صدّقها البعض في قيادة منظمة التحرير الفلسطينية، من أن أهداف العدوان الإسرائيلي لا تتخطى تحجيم منظمة التحرير الفلسطينية وإبعاد قيادتها عن لبنان بعد وضع حد لوجودها في الجنوب على مقربة من الحدود مع فلسطين المحتلة... خاصة وأن أطماع العدو الصهيوني في أرض لبنان، وفي مياهه بالتحديد، معروفة منذ قيام الكيان الإسرائيلي في العام 1948، بضم ما يسمى "القرى السبع" وتهجير أهلها، كما فعل مع جزء كبير من أهل فلسطين.
وقد تم الاستناد سياسيا إلى تصريحات قادة العدو الصهيوني بيغن – شارون شامير والفرز الطائفي في لبنان، وتصفية مخيم تل الزغتر من قبل ميلشيات الجبهة اللبنانية 1977،
زيارات شارون السرية الى لبنان ولقاءاته مع قيادة القوات اللبنانية التي كان يرأسها بشير الجميل، ثم عام 1982 عام انتخابات رئاسة الجمهورية في لبنان والذي تم فيه انتخاب قائد القوات اللبنانية- اليمينية بشير الجميل رئيسا بقوة الحديد والنار الصهيوني... كلها كانت مؤشرات على مدى خلفية المخطط الأميركي –الصهيوني بحق الثورة الفلسطينية وبحق لبنان.
هل معنى ذلك أن مقتل بشير جميل كانت سببًا؟
إن كانت المعطيات السياسية تدل على خلفية المشروع الأميركي- الإسرائيلي واستهدافاته، إلا أن بداية تنفيذ مخطط مجزرة صبرا وشاتيلا في 16 أيلول 1982 إثر مقتل بشير الجميل في عملية تفجير داخل مقر القوات اللبنانية في منطقة الأشرفية في شرق بيروت في 14 أيلول/ سبتمبر1982 على يد المقاوم حبيب الشرتوني (الحزب السوري القومي الاجتماعي)، شكلت الغطاء الآمن "المركب" من قبل العدو الصهيوني لتصفية الشعب الفلسطيني الأعزل في مخيمي صبرا وشاتيلا بعد خروج مقاتلي منظمة التحرير الفلسطينية من لبنان إلى تونس من جهة، ولتوفير مناخات قياسية في انقسام المجتمع اللبناني على الصعيد الطائفي وذلك عبر إشراك ميليشيا جيش لبنان الجنوبي التابعة للعميل سعد حداد، وميليشيا القوات اللبنانية – اليمنية الفاشية في تنفيذ أفظع مجزرة نوعا وكماً بحق الأطفال والنساء والشيوخ والمدنيين العزّل من فلسطينيين ولبنانيين في مخيمي صبرا وشاتيلا..
وحتى لو توفرت معلومات أمنية أو استخباراتية يومها، وهي على ما اعتقد لم تتوفر لدى القوى الوطنية اللبنانية أو الفلسطينية، وفي ظل حقيقة موازين القوى العسكرية وآلة الدمار الإسرائيلية، والحصار، وخروج المسلحين الفلسطينيين، ونزع طوق الألغام عن بيروت تنفيذا لاتفاق فيلبب حبيب.. كان من المستحيل توفير حماية الأبرياء، لأن كل أحياء بيروت الوطنية المقاومة كانت عرضة لحد الخناجر والبلطات وكواتم صوت التي فعلت مجزرتها بصمت وتكتم إعلامي شديدين في حينها.. وأكملت بيروت صمودها ومقاومتها للغزاة.. وفي السادس عشر من أيلول/ سبتمبر ومع محاولة دخول الدبابات الصهيونية مناطق بيروت انطلق "نداء جبهة المقاومة الوطنية اللبنانية" (جمّول)، من الحزب الشيوعي اللبناني ومنظمة العمل الشيوعي وبتوقيع الشهيد جورج حاوي والرفيق محسن إبراهيم من منزل الشهيد كمال جنبلاط.
الآن وبعد ثلاثين عامًا.. كيف ترى ذلك النداء الشهير؟
كان النداء بمثابة القرار الثوري التحرري الصادر من حزب شيوعي عربي متجذر في النضال الوطني والطبقي. ومن حزب انتهج طريق المقاومة الوطنية خيارا لمقارعة الاستعمار الأجنبي الغربي لانجاز الاستقلال الوطني. ومن حزب تعاقبت أجياله على رفع راية النضال لخوض المعركة الطبقية في مواجهة النظام السياسي -الطائفي إلى جانب العمال والفلاحين والطلبة والمثقفين الثورين دفاعا عن الحرية والديمقراطية والعدالة الاجتماعية والاشتراكية.. في وطن حر، سيد، عربي، مستقل.
في رؤيتك.. إلى أي مدى وصلت هذه المقاومة؟
كان نداء الحزب الشيوعي ومنظمة العمل الشيوعي في 16 أيلول 1982 بالمرصاد. وأنطلق النداء عند ساعة صفر إرادة المقاومة واستعدادها لمقاومة جيش العدو الصهيوني ودباباته الذي تقهقر بعد عشرة أيام فقط من إطلاق نداء "جمول" تحررت بيروت. وكبرت المقاومة، وكبر الحلم، فتم تحرير بيروت والضاحية والإقليم والجبل وصيدا والنبطية وقسم من البقاع والجنوب، أي تحرير أكثر من 80% من الأراضي اللبنانية المحتلة، حتى ما عرف لاحقا بالشريط المحتل. وقد أثبتت جبهة المقاومة الوطنية وهي تقاوم عارية إلا من سلاح الوعي والإرادة الوطنيتين، بأنها ليست مقاومة ظرفية أو فئوية، أو أنها مجرد حالة اعتراضية. إنما هي مقاومة ثورية، تمثل مرحلة متقدمة في النضال الوطني والقومي ضد الامبريالية والصهيونية والرجعية، بقيادة قوى شيوعية ويسارية تقدمية، يتقدمها الحزب الشيوعي اللبناني.
كلما كانت هذه المقاومة الوطنية تكبر وتتجذر في الأرض، وتتوسع أفقيا في طول البلاد وعرضها. كلما كانت تكبر وتتوسع معها دائرة استهدافها داخليا وإقليميا ودوليا، بصفتها رافعة ثورية لحركة التحرر الوطني العربية، وكونها تشكل خطرا حقيقيا على أعداء الإنسان وحقوقه... وكلما كان نهج المقاومة الوطنية يحتضن من الجماهير الشعبية، كلما خاف أرباب النظام السياسي – الطائفي، من فعل التغيير الديمقراطي، فعمدوا إلى زيادة جرعات التجييش الطائفي ومحاصرة المقاومة الوطنية.. وترتيب توازنات طائفية تضمن امتيازات الطبقة السياسية –الطائفية، خصوصا بعد طرد قوات المارينز وإسقاط اتفاق 17 أيار المشئوم، ليتكرس تباعا هذا الخيار الطائفي الفئوي بفعل سياسة قوى الأمر الواقع المفروضة ليكرس هذا الأمر الواقع "اتفاق الطائف" عام 1989 ويتم "تعميد" الاتفاق بين القوى السياسية – الطائفية برعاية إقليمية ودولية وإنعاش دولة "الطوائف" في لبنان.
كيف بدت لبنان بعد مرور 23 عاما على اتفاق الطائف؟
بدأت مرحلة تراجع دور جبهة المقاومة الوطنية على حساب تقدم مرحلة المقاومة الإسلامية، وسط مرحلة جديدة في المنطقة عشية مؤتمر سلام مدريد، وما تلى ذلك من اتفاقات أوسلو، ووادي عربة، والواي.... ووسط هذا المتغيرات والمناخات والتحالفات الجديدة، أقفل القرن الماضي على انتفاضتين شعبيتين في فلسطين، وعن هزيمة العدو الإسرائيلي، واستكمال تحرير ما تبقى من الجنوب والبقاع الغربي من رجس الاحتلال الصهيوني (باستثناء مزارع شبعا وتلال كفرشوبا) دون قيد أو شرط في 25 أيار عام 2000، وانتصار نهج المقاومة لا المساومة كسبيل وحيد للتحرير. وتكرر تكريس الانتصار بإنجاز تاريخي آخر للمقاومة الإسلامية والوطنية إثر عدوان تموز "يوليو" 2006 ، وسقط الجيش الذي لا يقهر في أزقة الجنوب، وفي ملاحم البطولة والصمود. ورغم أن هذين الانتصارين شكلا قوة لبنان في مقاومته وصموده فإن عملية التغيير الديمقراطي لم تتقدم إطلاقا. بل، تعقدت الأزمة الوطنية اللبنانية وتأزمت أكثر، بفعل عوامل عديدة، بنية النظام السياسي الطائفي وتبعيته، وارتباط ذلك بطبيعة الصراع في المنطقة في ظل مشروع الشرق الأوسط الجديد التفتيتي. وفي ظل تعقيدات قضية فلسطين المركزية –المحورية.
نعود إلى الاجتياح.. إلى أي مدى كانت المقاومة الفلسطينية بلبنان مقلقة للجانب الإسرائيلي، ولماذا تحالف بعض اللبنانين مع إسرائيل في ذلك الوقت؟
بالتأكيد كانت منظمة التحرير الفلسطينية مقلقة جدا للمشروع الإسرائيلي وأهدافه، وخاصة بعد الاعتراف بمنظمة التحرير الفلسطينية كممثل شرعي ووحيد للشعب الفلسطيني مع تنامي وظيفتها وتفعيل دور الثورة والقضية في جميع المنتديات والمحافل الدولية.. بالإضافة إلى اتساع التضامن والتأييد لحق الشعب الفلسطيني في العودة وتقرير المصير وإقامة الدولة الوطنية الفلسطينية المستقلة وعاصمتها القدس، عدا عن أن المقر الرئيسي لمنظمة التحرير ولفصائلها في لبنان.. ولهذا كان من أحد أسباب الاجتياح الإسرائيلي اقتلاع منظمة التحرير الفلسطينية من لبنان وأبعادها، بمعنى أبعاد القضية عن الرأي العام من جهة وعن الفعل المقاوم من أرض لبنان من جهة ثانية، وكان اختيار تونس" بن علي" تطويقا لحركة ودور منظمة التحرير، بدليل طريق أوسلو بعدها.. خاصة بعد اتفاقية كامب ديفيد.
أما بالنسبة لتحالف القوى الفاشية اللبنانية مع العدو فهذا الخيار لم يكن مفاجئا لطبيعة شعارات اليمين اللبناني في طرح "قوة لبنان في ضعفه" وحياد لبنان عن الصراع العربي – الصهيوني، كنتيجة لبنية النظام السياسي– الطائفي، ثم ما جرى بعد سنتين من اندلاع الحرب الأهلية في لبنان عام 1977 من سيطرة القوات اللبنانية بزعامة بشير الجميل على موقع قرار "الجبهة اللبنانية- اليمينية" في المناطق التي عرفت يومها بالمناطق الشرقية في مواجهة تحالف القوات الوطنية اللبنانية والفلسطينية . والتصفيات التي قامت بها القوات اللبنانية بدءا من مخيم تل الزعتر مرورا بالسبت الأسود وعمليات الفرز والقتل والتهجير تنفيذا لسياسة الصفاء المذهبي التي تلت تصفية أو طرد كل المعارضين الوطنيين لسياساتها من شيوعيين وقوميين وديمقراطيين في مناطق "الغيتو الانعزالي".. وظهرت للعيان في الفترة عينها متانة العلاقة التي تربط منفذي تلك السياسة داخل "الجبهة اللبنانية" مع حكومة بيغن – شارون والتي، حسب بعض الوثائق التي نشرتها جريدة "النداء" الشيوعية، تأسست في العام 1947 ضمن وجهة تقول بضرورة الاستفادة من التناقضات الدينية والعمل على تأجيجها من خلال إثارة الخوف في صفوف الطوائف "المسيحية" المحاطة ببحر عربي – إسلامي.
فالعلاقة، أو (التحالف المعلن لاحقا)، إذن، لم تكن وليدة الساعة، بل بنيت على أسس وقواعد تخدم دور ووظيفة كل من الطرفين المتحالفين، دون أن ننسى أن العام 1982، كان عام الانتخابات الرئاسية وكذلك عام بروز نجم قائد القوات اللبنانية آنذاك بشير الجميل الذي استطاع أن يوحد، عسكرياً ومن ثم سياسياً، القوى المتواجدة في ما كان يسمى "المناطق الشرقية"... وصولاً إلى قيادة الجيش ورئاسة الجمهورية. وقد وجد التحالف الإسرائيلي – اللبناني السالف الذكر في شخص بشير الجميل عنصراً جامعاً للعديد من الأهداف الإسرائيلية، بدءاً بنظرته إلى القضية الفلسطينية وبموافقته على تطوير التحالف مع الكيان الإسرائيلي إلى الحد الأقصى.
لكن البعض يتحدث عن حالة ضيق من اللبنانيين بالوجود الفلسطيني.. كما يشير البعض إلى تعالي من قبل الفلسطينيين المسلحين حينذاك.. ولذلك كان يجب الخروج..
قد تكون تجاوزات بعض فصائل المقاومة الفلسطينية داخل قرى الجنوب المتاخمة للشريط الحدودي المحتل من قبل العدو الإسرائيلي، والواقع تحت سيطرة جيش العميل سعد حداد، شكلت مدخلاً لتأليب قسم مهم من أهالي الجنوب ضد سياسات وممارسات تجاوزية لم تردع إسرائيل أو تؤذها، بقدر ما أثرّت سلباً على القرى الجنوبية وصولاً إلى بيروت التي كانت بعض مناطقها تتعرض يومياً إلى قصف الطيران الصهيوني الذي يضاف إلى حرب الجبهة الداخلية المستعرة. وقد تزايدت بعض الممارسات والتصرفات السلبية الفردية أو المجموعاتية من قبل بعض الفصائل الفلسطينية إبان الحرب الأهلية وخصوصا في بيروت إبان الحصار الإسرائيلي لها، لكن هذه المسائل لم تكن من صلب الخروج الفلسطيني من لبنان، بل كانت الأسباب الجوهرية المتعلقة بموازين القوى، وبالتواطؤ والصمت العربيين، والضغوطات الرجعية عدا عن التدخل الامبريالي السافر وأكذوبة اتفاق فيليب – عرفات، عدا عن تجنب تدمير كامل لبيروت، وهي التي احتضنت بأهلها وقواها الوطنية المقاومة الفلسطينية.. لهذه الأسباب مجتمعة تمت عملية الخروج الفلسطيني من بيروت، فالمسألة أعمق وأبعد عن بعض المسائل الشكلية، كونها تتعلق بأهداف الاجتياح وأبعاده على القضية الفلسطينية من جهة، وعلى دور ووظيفة وموقع لبنان الجيوسياسي بعد اجتياحه من جهة ثانية.. ولهذا، ورغم كل الظروف الموضوعية الصعبة، انطلقت جبهة المقاومة الوطنية اللبنانية بتصميم وإرادة لمقاومة العدو الصهيوني وعملائه في 16 أيلول 1982، لأن بيروت لم تستسلم، ولم ترفع الرايات البيضاء. صمدت، وقاومت، وفرضت على العدو الانسحاب من بيروت بعد عشرة أيام.
إذن هل لعبت المجزرة والخروج من لبنان دورًا في قبول السلطة الفلسطينية بمسارات التسوية والتفاوض؟
لا شك، أن الخروج من لبنان، ثم وقوع مجزرة صبرا وشاتيلا لعبا دورا في مسار الثورة الفلسطينية، لكن موازين القوى والمتغيرات الحاصلة في المنطقة، وبداية بروز الخلافات داخل منظمة التحرير الفلسطينية، والضغوطات المالية والسياسية للرجعية العربية بدأت تأخذ مكانها في الممارسات الفكرية والعملية لبعض قيادات الثورة الفلسطينية الذين راحوا يبررون لعملية السلام بهدف تغيير المسار الثوري التحرري للقضية ولثورتها التي أطلقتها وثيقة منظمة التحرير الفلسطينية، وهذا الأمر شكل انحرافا عن نهج الثورة، وابتعادا عن قضية شعب فلسطين.. الذي مارسته بعض القيادات المؤثرة في القرار الفلسطيني من طروحات سياسية لتبرير "أوهام السلام" مع الكيان الإسرائيلي، التي أنجبت لاحقا – أوسلو.. في ظل موازين قوى ليست في مصلحة الثورة والقضية. وهذه القيادات تتحمل دون شك مسؤولية تاريخية لما وصلت إليه القضية الفلسطينية اليوم.. وهي القضية الحاضرة أبدا، والمغيبة عن الحضور بفعل ما بعد أوسلو.
الخروج من الأردن.. الخروج من لبنان أيهما أكثر تأثيرًا على حركة المقاومة؟
اعتقد أن الخروج من الأردن صعب جدا، لكن اللجوء إلى لبنان، خاصة وأن لبنان بلد يقع أيضا على تماس مع فلسطين المحتلة، وفعالية العمل السياسي، ولا سيما الدور الفاعل للقوى اليسارية والتقدمية والقومية العربية في الحياة السياسية اللبنانية، خاصة وأنها قوى مقاومة للمشروع الإمبريالي – الصهيوني- الرجعي العربي، كان لها الدور الكبير في دعم وإبراز القضية الفلسطينية ، على المستويات كافة، وبدعم واحتضان أهلنا وشعبنا للمقاومة الفلسطينية.
إن انخراط شريحة كبيرة من الشعب اللبناني وقواه اليسارية والديمقراطية إلى جانب فصائل الثورة الفلسطينية في الدفاع عن القضية المحورية –المركزية.. ولا سيما أهلنا في الجنوب حيث المكان الجغرافي القريب من رائحة فلسطين..، كان له الدور الكبير في إعطاء البعد التحرري الثوري للقضية الفلسطينية. لكن وبموضوعية، كان الانسحاب من لبنان إلى تونس أكثر تأثيرا بما لا يقاس بفعل النتائج اللاحقة على مسار الثورة الفلسطينية والقضية.. والتي أدت إلى اتفاقية أوسلو 1993.. بعد مؤتمر مدريد..
هناك بعض الأسر اللبنانية كان بعض أبنائها ضمن المقاومة وبعضهم ضمن الكتائب.. هل تعرف شيئًا عن هذه الأسر .. وكيف كانت العلاقة بين أفراد هذه العائلات..؟
هذا الموضوع مرتبط بتطور الصراع، وأشكاله، فمنذ سبعينيات القرن الماضي تقدم التيار اليساري والوطني قدماً في نضاله السياسي والاجتماعي من أجل تغيير في بنية النظام السياسي –الطائفي من خلال مشروع البرنامج المرحلي للإصلاح الديمقراطي، وأثبت قدرته على الاستنهاض والاستقطاب الجماهيري على المستوى الوطني، كما أن القضية الفلسطينية احتلت موقعا متقدما على المستويين الشعبي الوطني والقومي، وحيث جرى الانخراط في صفوف الثورة الفلسطينية ومن جميع المناطق والطوائف. لكن تطور أشكال الصراع في لبنان بعد الحرب الأهلية وتحويلها من حرب إصلاح وتغيير إلى حرب طائفية ومذهبية أدى ذلك ليس إلى تفريق بعض العائلات اللبنانية المتعددة الانتماءات الفكرية والعقائدية أو الطائفية بل إلى تفرقة أبناء الوطن، وتعزيز الانتماء الطائفي والمذهبي على حساب تعزيز الخيار الوطني، واللجوء إلى الاحتراب الداخلي والطائفي والعائلي بديلا عن الحوار الديمقراطي.. ولمصلحة التغيير لكل أبناء الشعب الواحد في الوطن الواحد العربي السيد الديمقراطي المستقل.
تتضارب أرقام وأعداد شهداء المجزرة. ما هو الرقم الحقيقي لأعداد الشهداء..؟
لا يوجد إحصاء نهائي لعدد الشهداء في مجزرة صبرا وشاتيلا، لأسباب متعددة.. لكن استقر العدد على بين حدين الأدنى 3500 إلى 5000 شهيدة وشهيداً من كل الأعمار، أطفال نحروا في بطون أمهاتهم، وأطفال رضع، ونساء، وشيوخ.. وأبرياء عزل من السلاح.
تبقى شهادات بعض الشهداء الأحياء لمجزرة صبرا وشاتيلا أبلغ تعبيرا عن فظاعتها، لذلك، وبفقرتين موجزتين من شهادات قدمت أمام محكمة بلجيكا: فتقول الشهيدة الفلسطينية الحية "سعاد سرور المرعي" ابنة ال17 ربيعاً :" ...لقد اغتصبوني مرات عدة.. وما جرى لا يمكن تخيله حتى في الأفلام الأكثر عنفاً. لقد شاهدت تصفية عائلتي أمام ناظري، والدي وإخوتي وأخواتي. كان يومها أكبرهم في الثالثة عشرة من عمره وأصغرهم لمتتجاوز الأشهر التسعة من عمرها. في الحقيقة طوال تلك السنوات ونحن نعيش في انتظار أن تلتئم جراحنا النفسية" أما الشهيدة اللبنانية الحية أم إبراهيم زعيتر التي فقدت 42 شخصاً من عائلتها، فتقول: " كانت الضحايا كالنعاج المذبوحة، في الشارع، والدماء تغطي كل مكان، الكبار والصغار والشيوخ والشباب، مكدسون في أكوام من اللحوم البشرية، بعضهم مذبوح من الوريد إلى الوريد، والبعض الآخر مقطع الأوصال والرأس، والأجساد كلها مشوهة إلى درجة تعذرت علينا معرفة أولادنا .. كأنك في مسلخ".
كلمات أليمة تختزل المأساة الرهيبة لضحايا الإرهاب الصهيوني وعملائه. والناجون القلائل بالصدفة، ماتوا مراراً وتكراراً في كل لحظة، أمام سمع وبصر المجتمع الدولي الغائب حتى اللحظة ، عن إدانة عصابات "الهاجانا". والهارب من "ديمقراطيته وإنسانيته" التي يقيسها دائماً بمكيالين، مكيال حاضن وداعم لدور ولوظيفة الكيان الصهيوني المزروع في منطقتنا لأغراض تتكشف في ممارسة المكيال الثاني لدوائر القرار الدولي، وفي مقدمها الامبريالية الأميركية وأذنابها في المنطقة العربية في تكرار نموذج صبرا وشاتيلا، وفي تغريب قضية فلسطين عن فلسطين ونموذجها أوسلو، وفي تفتيت منطقتنا إلى كيانات طائفية ومذهبية مفككة ومتصارعة على حد التكفير والسيف والسكين.. عبر ما يسمى " مشروع الشرق الأوسط الكبير- الجديد"..
الشهيدة الفلسطينية الحية "سعاد سرور المرعي...لقد اغتصبوني مرات عدة.. لقد شاهدت تصفية عائلتي أمام ناظري، والدي وإخوتي وأخواتي.
الشهيدة اللبنانية الحية أم إبراهيم زعيتر التي فقدت 42 شخصاً من عائلتها، تقول: "كانت الضحايا كالنعاج المذبوحة، في الشارع، والدماء تغطي كل مكان، كأنك في مسلخ".


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.