على الورق، تتناقض سياسات الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، مع نظيره الأمريكي دونالد ترامب، وستكون لولايته تداعيات على علاقات بلاده عبر المحيط الأطلسي والشرق الأوسط. الزعيمان اللذان لم يشغلا مناصب منتخبة من قبل، لديهما خياران؛ إما الإصلاح أو المواجهة وإدارة الخلافات الأيديولوجية والسياسية عميقة الجذور بين البلدين. بعد أسبوع واحد من فوز ترامب في الانتخابات، أعلن ماكرون عن ترشحه للانتخابات الفرنسية، فكان التحول الكبير في الولاياتالمتحدة بجانب تداعيات خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي بمثابة دعوة لاستيقاظ السياسة الفرنسية، ما دفع الفرنسيون إلى سرعة البحث عن مرشح مقبول يمكنه التغلب على مرشحة اليمين المتطرف، مارين لوبان، فكان ماكرون مناسبا، ليصبح الرد الفرنسي على موجة الشعبوية ومكافحة العولمة في لندن وواشنطن. شهدت العلاقات الأمريكية الفرنسية تراجعا في الفترة بين عامي 2003 و2008، بعد تحدي الرئيس الفرنسي الأسبق، جاك شيراك لنظيره الأمريكي جورج دبليو بوش، فيما يخص غزو العراق، كما لم يدم شهر العسل طويلا بين نيكولاس ساركوزي وباراك أوباما. فضلت الولاياتالمتحدة في السنوات الماضية التعامل مع ألمانيا كونها المحاور الرئيسي للاتحاد الأوروبي، لكن مع تولي ترامب الرئاسة، سيذهب إلى الزعيم الفرنسي الذي كان داعما لأوباما، وسيحتاج الرئيس الأمريكي إلى إصدار بعض التصريحات لتعديل صورته بعد تشويهه فرنسا خلال حملته الانتخابية حيث قال "باريس لم تعد باريس". ينتمي ماكرون إلى الوسط المستقل، لكن حين يتعلق الأمر بالقضايا الاجتماعية، يتجه نحو اليسار، ويتجه يمينا حين يتعلق الأمر بالاقتصاد، كما يتطلع لسحب البساط من ألمانيا. يستعين ماكرون بخلفية شارل ديجول وجاك شيراك، وبالتالي قد لا يتردد في تحدي النفوذ الأمريكي ليخدم المصالح الوطنية الفرنسية، بل قد يستمتع بفكرة الخلافات مع ترامب لأسباب محلية. يريد ماكرون أن تصبح فرنسا قوة أوروبية مستقلة إنسانية، في حين أن ترامب يحمل شعار "أمريكا أولا"، وكلا الزعيمين لديهما جذور للتورط في الحروب. يعتقد ماكرون أن القوة الأوروبية الكبرى يجب أن تملأ الفراغ الناتج عن التراجع الأمريكي التدريجي في العالم، وبالتالي سيكون حريصا على إثارة الشكوك بشأن التنسيق بين الولاياتالمتحدة وروسيا. ليس لدى الزعيمين سياسة واضحة، فعلى غرار ترامب، اقترح ماكرون نهجا متوازنا بشأن سوريا، كما أنه يرجح شن ضربات جوية عند الحاجة. يحصل ماكرون على الدعم من جاك شيراك، ودومينيك شتراوس، وفرانسوا هولاند، كما يحظى بتأييد من وزراء دفاع سابقين مثل جان ايف لو دريان، وجان كلود كوسران، وأوريلين لو شوفالييه، على عكس ترامب الذي يعمل على تغيير الهوية الأمنية والقومية الأمريكية. يقترب ماكرون من وجهة النظر الأمريكية الخاصة بإسقاط الرئيس السوري بشار الأسد، لكن في نفس الوقت يركز اهتمامه على التعاون مع الولاياتالمتحدة لمحاربة تنظيم داعش، حيث يحاول تأمين مكانة فرنسا دوليا بدلا من التواجد الأمريكي الروسي فقط. مثل أوباما، ماكرون ليس لديه موقف واضح بشأن تركيا، ويريد أن يضع إيران والسعودية على قدم المساواة، كما يبدو انه مهتم بوضع مسافة مع دول الخليج على عكس ساركوزي وهولاند. يرغب الرئيس الفرنسي في إعادة تركيز الجهود الفرنسية في شمال إفريقيا ومنطقة الساحل وجنوب الصحراء الكبرى، كما أنه يرى ليبيا من عين أزمة اللاجئين ومكافحة الإرهاب، وهو الأمر الذي قد يؤدي إلى توسيع النطاق الفرنسي العسكري، رغم وصفه الاستعمار الفرنسي لإفريقيا بأنه "بربري"، لكنه يخطط للعودة إلى القارة السمراء بعد تراجع دور الولاياتالمتحدة هناك. تصادمت الشخصيات المندفعة في فرنساوأمريكا، مثل ساركوزي وبوش، مع الشخصيات المحافظة مثل شيراك وأوباما، وقد تنطبق نفس النظرية على ماكرون وترامب، فقد شكك شيراك في نوايا الولاياتالمتحدة لغزو العراق، ودافع ساركوزي عن التدخل الأمريكي في ليبيا. ساعد الدرس الليبي هولاند وأوباما على التعاون في مالي، بينما لم يستخدم هولاند سياسة العداء تجاه سوريا لإقناع أوباما بضربها، وعملا سويا في الحملة على داعش وكذلك الاتفاق النووي الإيراني، لكنهما اختلفا حول من سيقود الوساطة في الصراع الفلسطيني الإسرائيلي. من حسن الحظ، أن العلاقة بين ترامب وماكرون لن تكون نسخة طبق الأصل من العلاقة بين توماس جيفرسون، الرئيس الأمريكي الثالث، وماركيز دي لافاييت، القائد العسكري الفرنسي الذي حارب بريطانيا من أجل تحرير أمريكا، وبالتالي فإن العلاقات بين البلدين على مدى السنوات الأربع المقبلة ستكون امتدادا للعلاقات الباردة، حيث إدارة الخلافات بشكل دبلوماسي فقط، لكن التحدي والفرصة للرئيسين يتمثل في أن كليهما ليس لديه استراتيجية واضحة في الشرق الأوسط. المصدر موضوعات متعلقة