أثارت تصريحات أطلقها وزير البيئة التونسي رياض المؤخر في إيطاليا عن الجزائر وليبيا جدلًا واسعًا في الأوساط الجزائريةوالتونسية في الآونة الأخيرة، ففي حين صعدت الجزائر من لهجتها تجاه جارتها، بدأت الأحزاب التونسية تستغل هذا التصريح في إطار معركتها السياسية الداخلية. ونقل موقع «الجزائر المقاومة» الناطق بالفرنسية، قبل أيام عن وزير البيئة التونسي قوله: «عندما يطرح عليه السؤال أين تقع تونس فإنه يفضل أن يقول إنها تقع جنوبإيطاليا وليس بجانب الجزائر وليبيا، فالجزائر دولة اشتراكية شيوعية، وليبيا بلد مخيف». وقبل أن يخرج الوزير التونسي لتوضيح هذه التصريحات أثير الكثير من الجدل، حيث استدعت الجزائر أمس السفير التونسي لديها؛ لتقديم توضيحات بشأن التصريحات المنسوبة لوزير البيئة، بأن الجزائر «دولة شيوعية»، وقال بيان وزارة الخارجية الجزائرية إنه «تم خلال اللقاء إبلاغ السفير التونسي بأن التصريحات تجاه الجزائر قد أثارت تساؤلات، سواء على المستوى الشعبي أو على الصعيد الرسمي». ورغم خروج الوزير التونسي لتوضيح تصريحاته، إلا أن هذا الفعل لم يخفف من حدة الأزمة الرسمية بين تونسوالجزائر، وأعلن المؤخر على صفحته بموقع التواصل الاجتماعي "فيسبوك" أن "ما تم نشره بشأن الشقيقة الجزائر والذي ورد في إطار الطابع الودي الذي ميز أشغال الندوة في إيطاليا يأتي كتفاعل مع دعابة وردت على لسان وزير الخارجية الإيطالي الذي قال إنه من شرفة بيته يرى تونس"، متابعًا "علقت على هذه الدعابة بتصريح مفاده عدم إلمام بعض الأمريكيين في فترة التسعينيات بالموقع الجغرافي لتونس، حيث إنه عندما كنت أقدم نفسي كوافد من تونس، يقولون إندونيسيا، وعندما أقول إن تونس تقع على الحدود مع الشقيقة ليبيا، يعلقون بأن ليبيا بلد يعيش ديكتاتورية معمر القذافي. وأما بالنسبة للشقيقة الجزائر فيردفون أن الجزائر بلد شيوعي، ويتساءلون: هل تونس يحكمها نظام شيوعي؟". واعتبر المؤخر أن الترجمة الفورية لما قاله كانت سببًا في إخراجه من سياقه، معبرًا عن "استغرابه لتوظيف البعض لتصريحه ومحاولة الإساءة لمتانة العلاقة الأخوية بين تونسوالجزائر الضاربة في التاريخ. وهو موقف ثابت لتونس حكومة وشعًبا"، حسبما قال. وفيما ردت الجزائر رسميًّا باستدعاء السفير للتوضيح، صعد النخبة السياسية والإعلامية في البلاد من الأمر، وطالبوا بإقالة الوزير المسيء فورًا، حيث دعت رئيسة تحرير صحيفة "الفجر" الجزائرية السلطات التونسية إلى إقالة المؤخر كأقل ما يمكن فعله إزاء هذه التصريحات، وقالت حدة حزام "لن أهتم لكون هذا الوزير تراجع عن تصريحاته أم لا، فلا يمكن لمترجم مهما كان مستواه متدنيًا أن يقول عن وزير ما لم يقله، ولا يمكن التسامح مع تصريح أساء للجزائر ولشعبها، فالذي يخجل من أن بلاده تقع بجواره، فما عليه إلا الرحيل، لأننا لا يمكن أن نغير الجغرافيا". ووصفت حزام هذا التصريح بالعدواني، وأن الشعب التونسي مغلوب على أمره، قائلة "لا يمكن أن يُقبل تصريح كهذا يصدر باسمه"، مؤكدة أن هذه ليست المرة الأولى التي تتعرض فيها الجزائر لهجوم من مسؤولين تونسيين، وأضافت "كلام المتأخر يذكرنا بكلام وزير الدفاع حرشاني الذي قال منذ سنتين إن الإرهاب دخل إلى تونس من الجزائر، وكأننا نحن من صنعنا أبو عياض أو الغنوشي"، في توبيخ صريح لراشد الغنوشي رئيس حزب النهضة التونسي الذي يشارك في الائتلاف الحكومي. ووظفت الكثير من الأحزاب السياسية في تونس تصريح الوزير التونسي سياسيًّا لضرب الحزب الذي ينتمي له رياض المؤخر، حيث وصفتها حركة النهضة ب «غير المسؤولة» داعية الجميع إلى «احترام ثوابت علاقاتنا بجارتينا الشقيقتين لارتباطها بأمن المنطقة وبالمصالح العليا لتونس»، كما أكد حزب «نداء تونس» الحاكم في بيان له أن «العلاقات التونسية – الجزائرية والعلاقات التونسية – الليبية هي علاقات أخوة وشراكة استراتيجية، تندرج ضمن رابطة الهوية المغاربية والعربية الإسلامية، ولا يمكن أن تمس من متانتها أي تصريحات كلامية عابرة مهما كان قائلها». وتسارعت الأحزاب السياسية في تونس لاستنكار تصريحات رياض المؤخر، حيث فسرها كثيرون بأنها تأتي على خلفية توجيه ضربة قاسمة لحزب آفاق تونس الذي يشارك في الائتلاف الحكومي، حيث أعادت هذه الاستنكارات إلى الذاكرة الخلافات بين الأحزاب السياسية، لا سيما وأن حزب آفاق يمثل كتلة معارضة داخل الحكومة، فعلى الرغم من مشاركته في الائتلاف إلا أن الحزب دائمًا ما يخرج، ويوجه انتقادات لتعامل الحكومة التي يتزعمها نداء تونس والنهضة مع الأزمات والتحديات التي تواجه تونس، الأمر الذي قد يفسر استغلال الحزب لهذه التصريحات بغض النظر عن مضمونها.