لم تمضِ أيام قليلة على تصريحات وزيرة المالية التونسية لمياء الزريبي عن خطط حكومية لخفض قيمة العملة التونسية، إلا وتسبب ذلك في جدل واسع في الداخل، أدى إلى إقالتها من منصبها بقرار من رئيس الحكومة يوسف الشاهد. ورغم أن قرار الشاهد بإعفاء الزريبي من منصبها جاء دون تقديم تفاصيل إضافية، الا أنه تزامن مع الجدل الواسع الذي أثير في الآونة الأخيرة بشأن انخفاض العملة الوطنية، حيث واجهت الزريبي انتقادات إثر مقابلة تطرقت خلالها إلى الدينار التونسي، واتهمت خصوصًا بأنها سرّعت، حتى لو عن غير قصد، في انخفاض قيمة العملة الوطنية. وقالت الزريبي الأسبوع قبل الماضي بأن البنك المركزي سيقلل من تدخلاته في سوق الصرف في الفترة المقبلة؛ حتى ينخفض الدينار تدريجيًّا، لكنها استدركت بالقول إن الهبوط لن يكون كبيرًا كما حدث في مصر عند تعويم الجنيه، مؤكدة أن الخبراء يرون أن القيمة الحقيقية للعملة التونسية مقارنة باليورو هي ثلاثة دنانير. وبينما كان سعر اليورو في وقت تصريح الزريبي نحو 2.5 دينار، أثار الانخفاض الشديد للعملة التونسية قلقًا في أوساط الشركات والمتعاملين في سوق الصرف، حيث ارتفع اليورو منذ ذلك الحين إلى نحو 2.7 دينار وفقًا لمواقع متخصصة في أسعار الصرف، بينما ارتفع سعر الدولار من نحو 2.3 دينار إلى قرابة 2.55. وفي محاولة لوقف الهبوط الحاد للدينار، تدخل البنك المركزي وضخ 100 مليون دولار، ورفع أيضًا نسبة الفائدة الرئيسية من 4.25 % إلى 4.75 % الأسبوع الماضي، نافيًا أي خطط لخفض قيمة الدينار، وعزا البنك المركزي هذه الخطوة إلى ما وصفها بالضغوط المتصاعدة جراء الإقبال المتزايد للمتعاملين على طلب العملات الأجنبية، الأمر الذي أدى إلى هبوط ملحوظ في قيمة الدينار إزاء كل من الدولار الأمريكي واليورو. وهدف البنك المركزي التونسي من خلال هذه الإجراءات إلى المحافظة على قيمة الدينار التونسي، حيث كان قد تدخل سابقًا في إطار مهامه في سوق الصرف ب 100 مليون دولار؛ في محاولة لإرجاع الدينار التونسي إلى قوته، ويبدو أن الخطوة الجديدة برفع نسبة الفائدة من قبل المركزي يريد من خلالها أن يعطي نوعًا من التحفيز لمن احتكر العملة الصعبة، وأصبح يتردد في تحويل العملة الصعبة إلى الدينار التونسي، خاصة بعد تصريحات وزيرة المالية التونسية التي أدت إلى المضاربة السوقية في العملة. ويبدو أن الشاهد انصاع إلى مطالبات العديد من الخبراء التونسين الذي شددوا على ضرورة استقالة وزيرة المالية، حيث دعت بعض الشخصيات التونسية والفاعليات النقابية وزيرة المالية للاستقالة، وأكد مدير إدارة الشرق الأوسط وآسيا الوسطى في صندوق النقد الدولي، جهاد أزعور، عقب تصريح وزيرة المالية التونسية، أنه ليس هناك حاجة لعمل "تعديل مفاجئ لقيمة الدينار، ذلك أن قيمته الحالية لا تتجاوز قيمته الحقيقية إلا بنسبة 10%، وهي نسبة ضعيفة وفق نماذج سعر الصرف القياسية". وفي مواجهة الصعوبات، أبرمت تونس خطة مساعدة مع صندوق النقد الدولي بقيمة 2.9 مليار يورو، تمتد على أربع سنوات، مقابل إصلاحات اجتماعية واقتصادية، لكن يؤكد التونسيون أن الصندوق لم يوصِ بخفض سعر العملة، حيث اكد أزعور في تصريح لوكالة تونس إفريقيا للأنباء أن "الصندوق الدولي لم يوصِ بالتخفيض في سعر صرف الدينار، وإنما أوصى بإدارة العملة بطريقة مرنة، تسمح بمعالجة عجز الميزان التجاري". وبعيدًا عن غضب المسؤولين والمواطنين التونسين جراء هذه التصريحات التي خرجت من أعلى رأس في الهرم الاقتصادي، والتي كانت السبب الأساسي في إقالتها، هناك توقعات بأن إعفاء الوزيرة من منصبها جاء على خلفية الخوض في السياسات الاقتصادية المصرية، الأمر الذي كاد أن يؤثر على علاقات مصر وتونس، حيث فسر الكثير من المراقبين إصدار وزارة المالية المصرية بيانًا في أعقاب تصريحات الزريبي عن تجربة صندوق النقد الدولي مع مصر بأنه رد غير مباشر على الأخيرة. وأصدرت وزارة المالية المصرية تقريرًا موسعًا دافعت من خلاله عن الإجراءات الاقتصادية والمالية التي اتخذتها الحكومة بداية شهر نوفمبر 2016، ومنها قرار تحرير سعر الصرف، وجاء التقرير بعد أقل من يوم واحد من تصريحات الوزيرة التونسية، التي قالت فيها إنه لن يكون هناك انزلاق في سعر صرف الدينار مثلما حدث في مصر، مؤكدة أن الانزلاق الكبير والمفاجئ للدينار ستكون له تداعيات، أبرزها التضخم مثلما حدث في مصر.