الوشم.. موروث فرعوني تناقلته الأجيال ويتمسك به أهالي الصعيد حتى اليوم، وأغلب الواشمات من ضاربات الودع وقارئات الفنجان، يجبن قري ومدن مصر، بحثا عن الزبائن. واستخدم الوشم قديما لطرد الأرواح ومحاربة الشيطان والقضاء على السحر الأسود والوقاية من الحسد، وفي علاج بعض الأمراض، وتطور الوشم خلال السنوات الماضية تحت مسمى "التاتو"؛ بما يتلائم مع الموضة، حتى أصبح عند البعض رباطا بين المتحابين يشبه رباط الزواج. وعرف الفراعنة الوشم منذ آلاف السنين، وكانت النساء تستخدمه لأغراض التجميل، خصوصا في منطقة الشفتين والحاجبين لتضخيمهما، حيث كان يأخذ شكل قلادة عريضة، كما استخدمه الكهنة في المعابد؛ إذ وجد على بعض المومياوات الفرعونية. وذكرت العالمة الإنجليزية، بلاك مان، في كتابها "الناس في صعيد مصر": رغم أن عملية الوشم مؤلمة، إلا أنها كانت منتشرة بين الناس، وكان يقوم بها متخصص، كان يتجول بين القرى وينادي، وإذا رغبت النساء بدق الوشم تقوم سيدة متخصصة برسمه، وتنادي هي الأخرى، وغالبًا ما يتواجد فنان الوشم في سوق القرية، ويعرض الرسومات على زبائنه، وأشهرها "الشجرة"، وكانت أدواته عبارة عن سبع إبر مثبتة في عصا قصيرة ملفوف عليها خيط عند طرفها، وعليها مادة تمنع تحرك الإبر، وللأطفال لا يزيد عدد الإبر على خمس، ويكونون أصغر حجمًا، وتستخدم سناج لمبات الجاز المخلوطة بالزيت كصبغة للوشم. وقال علي عبد الرحيم، باحث أثري، إن المصريين القدماء مارسوا الوشم في دياناتهم ومعتقداتهم، واتخذوا من رسومه وسائل للزخرفة والتجميل، كما اكتشف أثريون وجود علامات الوشم داخل مقبرة توت عنح أمون، لافتا إلى أن الدلائل الأثرية التي تم الكشف عنها حتى الآن، توضح أن الوشم في مصر الفرعونية كان قاصرًا على النساء. وأضاف عبد الرحيم ل"البديل": كشفت فحوص خضعت لها مومياء لشابة مصرية عاشت قبل أكثر من 2300 عام عن وشم طبع أعلى إحدى فخذيها، دلت الطريقة التي نفذ بها على ريادة الفراعنة في فن الوشم، متابعا: يعتقد أن الوشم في مصر الفرعونية كان يرمز إلى حماية النساء من الأمراض الجنسية، وغالبًا ما كان مرتبطًا بفئات أقل اجتماعيًا، غير أنه عثر أيضًا على الوشم في مومياوات نسائية مدفونة في مواقع ذات صلة بالأسرة الملكية والنخبة. وأوضحت نهلة عبد السلام، استشاري الإرشاد الأسري بمركز تطوير الدراسات العليا بجامعة القاهرة، أن العادات والتقاليد والمعتقدات هي التي تتحكم في السلوكيات والتصرفات والأفكار معظم الوقت، وبعض المجتمعات تقدس العادات والتقاليد وتفضلها أحياناً علي مبادئ الدين، فعلى سبيل المثال، نجد أن الوشم في بعض مناطق الصعيد من الموروثات الشعبية القديمة التي تقوم بها النساء من أجل التزيين والتجميل أو الحظ، أو ربما لمنع الحسد والعين. وأكد الدكتور علي الأزهري، أستاذ العقيدة بجامعة الأزهر، أن الوشم الذي يتم رسمه عن طريق غرس الكحل أو بعض المواد داخل الجلد عن طريق الحقن، غير جائز، ويعد تغييرا لخلق الله، وفرّق بين الوشم والحناء، راويا عن النبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم: "إذا كان التغيير غير ثابت، كالحناء ونحوه، فلا بأس به؛ لأنه يزول، فهو كالكحل، وتحمير الخدين والشفتين"، فالواجب الحذر والتحذير من تغيير خلق الله، لما رُوي عن أبي هريرة رضي الله عنه أنّ النبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال: "لعن الله الواصلة والمستوصلة، والواشمة والمستوشمة"، رواه البخاريّ. وأضاف أن "التاتو" يعد مباحا ببعض الشروط، منها أن يكون الرسم غير ثابت يمكن محوه، وألا تكون الرسومات تمثل أشكالًا ذات أرواح، مثل رسم امرأة أو حيوان أو ماشبه ويجوز فيما عدا ذلك، ألا يكون المقصد منها إبداء الزينة للأجانب، وألا يكون المقصد منها وضع الأشياء المقدسة ككتابة آيات قرآنية أو لفظ الجلالة، فهذا مُحرم قولًا واحدًا، وأن تكون المواد المستخدمة طاهرة غير نجسة.