مائة يوم مرت على تولي الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، مهام منصبه، مني خلالها بالعديد من الإخفاقات السياسية سواء في الداخل الأمريكي أو على مستوى السياسات الخارجية، وبدا ترامب، وكأنه يصب جهوده حول تدمير إرث سلفه باراك أوباما، بأي طريقة كانت، واصطدم بواقع الحكم الرئاسي وتعقيداته التي عرقلت الكثير من وعوده، كما أظهر خلال هذه الأيام تهوره السياسي وخطواته المتسرعة التي جعلت الكثيرين يطلقون عليه لقب "السياسي المراهق". تقدم تاريخي اعتبر الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، في خطاب ألقاه، أمس السبت، أمام حشد من أنصاره في مدينة غاريسبرغ بولاية بنسلفانيا، والذي صادف اليوم المائة بعد توليه رئاسة البلاد، أن أيامه المائة الأولى في السلطة هي الأنجح في تاريخ البلاد، بالرغم من "التركة الثقيلة" التي ورثها من إدارة الرئيس السابق باراك أوباما، وقال: قبل الحديث عن التقدم التاريخي الذي أحرزناه، يجب التذكير بأن الإدارة السابقة خلفت وراءها فوضى، مشيرًا إلى أن الولاياتالمتحدة شهدت خلال السنوات الماضية تقلص فرص العمل وإغلاق مصانع، وأضاف: الساسة كانوا يرسلون قواتنا للدفاع عن حدود دول أخرى، في حين لم تكن حدود أمريكا محمية. وعود عبثية منذ انطلاق الحملة الانتخابية الخاصة بالرئيس الأمريكي، قطع ترامب، على نفسه عدة وعود تعهد بتنفيذها خلال 100 يوم من رئاسته، منها ما يخص أمريكا، ومنها ما يرتبط بالعالم والشرق الأوسط، لكن الرئيس الأمريكي اصطدم عقب توليه سدة الحكم بواقع التعقيدات الرئاسية، وأدرك حينها أنه لن يستطيع تنفيذ كل ما يدور برأسه، وأن المواقف التي تبناها بقوة أثناء المعركة الانتخابية بعيدة كل البعد عن الواقع السياسي. داخليًا، منى الرئيس الأمريكي بعدة انتكاسات وإخفاقات سياسية داخلية جعلت سمعته كصانع للصفقات الرابحة التي طالما راهن عليها تهتز، فبعد 5 أيام بالتحديد من تولية الرئاسة، وقع ترامب قرارًا يقضي بمنع دخول المواطنين القادمين من 7 دول ذات أغلبية مسلمة إلى بلده، من بينها العراق وإيران وسورياوأفغانستان والصومال، وهو القرار الذي أثار ضجة كبيرة في المجتمع الأمريكي وخارجه، ليأتي القضاء الأمريكي ويسقط القرار ويخيب آمال ترامب في تنفيذ قراره، ويكون هذا الفشل هو الضربة الأولى التي يتم توجيهها إليه. عاد ترامب إلى مساره سريعًا وتوجه نحو تنفيذ وعد ثانٍ كان قد قطعه على نفسه خلال حملته الانتخابية، وهو ما يخص إلغاء النظام الصحي الذي أقره سلفه المعروف ب"أوباما كير"، وبدأ في جمع التأييد لإلغائه إلا أنه تعذر جمع أغلبية داعمة لاقتراحه داخل الكونجرس، الأمر الذي دفعه إلى سحب مشروعه من الكونجرس، لتكون هذه الانتكاسة هي الثانية على التوالي، الأمر الذي جعله يشعر بنكسة سياسية داخلية. خارجيًا، وعد ترامب بالانسحاب من كل الاتفاقيات التي تتعارض مع المصالح الأمريكية أو العودة إلى التفاوض حول تغيير شروطها، وهو ما تمكن من فعله فيما يخص اتفاقية "الشراكة عبر المحيط الهادئ"، حيث قرر الانسحاب منها فور وصوله إلى البيت الأبيض، وهي الاتفاقية التي طالما ذكر أنها "كارثة وفظيعة"، لكنه في الوقت نفسه تراجع عن الانسحاب من اتفاقية التجارة الحرة لأمريكا الشمالية "نافتا"، حيث أعلن البيت الأبيض قبل أيام أن الرئيس الأمريكي بحث هاتفيًا مع رئيس المكسيك ورئيس وزراء كندا، قضايا تتعلق بمنطقة التجارة الحرة لأمريكا الشمالية، ووعد بعدم الخروج من المنطقة. في ذات الإطار، فقد كان "الاتفاق النووي" شوكة في حلف ترامب، فطالما وصفه بأبشع الأوصاف وعدّه كارثة وأنه الاتفاق الأسوء على مستوى التاريخ، حتى إنه لمّح إلى تمزيقه، لكن يبدو أن ترامب، حينها لم يدقق الحسابات قبل إطلاق التصريحات، حيث أدرك فيما بعد أنه لن يتمكن من إسقاط الاتفاق النووي أو إقناع الدول الخمس الكبرى الشريكة في الاتفاق بتمزيقه مثلما ادعى، الأمر الذي دفعه مؤخرًا إلى إطلاق تصريحات مفادها أن الاتفاق سيستمر حتى وإن كان ذلك رغمًا عنه. إشعال الحروب "أمريكا أولًا" هو الشعار الذي رفعه الرئيس الأمريكي خلال حملته الانتخابية، حيث قال إنه سيولي أهمية كبرى للشؤون الأمريكية الداخلية، ولن يتورط في نزاعات خارجية وأزمات وحروب في منطقة الشرق الأوسط، كما دأب على انتقاد التورط الأمريكي في العراق والعديد من الدول العربية، التي أدت إلى إضعاف الدولة الأمريكية ومكانتها وسط دول العالم، لكن هذه التصريحات تناقضت تمامًا مع الخطوات الواقعية التي اتخذها ترامب، وما ظهر على الاقتصاد والمجتمع الأمريكي، حيث قالت وزارة التجارة الأمريكية، الجمعة الماضية، إن الاقتصاد الأمريكي نما بأضعف وتيرة في 3 سنوات بالربع الأول من العام، بينما زاد إنفاق المستهلكين، ما يشكل انتكاسة لتعهد ترامب، بتعزيز النمو الاقتصادي لبلاده، وأوضحت الوزارة أن الناتج المحلي الإجمالي زاد بوتيرة سنوية بلغت 0.7%، وتلك القراءة هي الأضعف منذ الربع الأول من 2014. على جانب آخر، فقد رسم ترامب بشكل مفصل تقريبًا شكل سياسته الخارجية مع كل دولة على حدة خلال حملته الرئاسية، إلا أنه سريعًا ما تغيرت هذه المواقف وانقلبت سياساته لتشكل لغزًا عجز المحللون عن تفسيره. كان أبرز هذه الانقلابات في سوريا، حيث وعد خلال حملته الانتخابية بالعمل على حل الأزمة السورية بالطرق السلمية، وأظهر دعمه لمكافحة الجيش السوري للإرهاب، وأكد على أهمية أن يولي التحالف الدولي بقيادة أمريكا اهتمامًا بمكافحة داعش والتنظيمات الإرهابية وليس إضعاف الجيش السوري وإسقاط الرئيس بشار الأسد، لكن كل هذه التصريحات سريعًا ما أصبحت حبرا على ورق، فاختار ترامب التحول إلى سوريا والدخول في نزاع عسكري مع الجيش السوري من خلال توجيه غارات بصواريخ التوماهوك على قاعدة الشعيرات السورية، بذريعة الرد على الضربة الكيماوية التي اتهم النظام السوري بتوجيهها إلى بلدة خان شيخون الواقعة في محافظة إدلب، قبل أيام من التحرك الأمريكي، مستندًا على تقارير إخبارية واهية، وهو ما أظهر التهور الأمريكي والتسرع في اتخاذ قرارات دون التنسيق مع مجلس الأمن أو حتى القوات الروسية المتواجدة في سوريا. لم يتوقف التهور و"المراهقة الترامبية" عند سوريا، بل امتدت إلى افغانستان، التي وجه إليها ترامب ضربة مفاجئة مستخدمًا قنبلة ضخمة غير نووية أطلق عليها "أم القنابل"، الأمر الذي أرجعه سياسيون إلى أنه رسالة سياسية لإيران وكوريا الشمالية أكثر من كونها تدخلا في أفغانستان، ووصلت طموحات الرئيس الأمريكي للتهديد بضرب كوريا الشمالية، حيث أخذ على عاتقة "حماية العالم من تهديد الطموح العسكري لبيونغ يانغ"، لكنه عاد ليخفض لهجته في مواجهة كوريا الشمالية بعد أن أدرك خطورة تهوره وما قد تجلبه تصريحاته العدائية على العالم وليس الدولة الأمريكية فقط، ليؤكد مسؤولو إدراته بعد ذلك على أن الأزمة مع كوريا يجب أن تُحل بشكل سياسي وليس عسكريا. بعيدًا عن الحروب والتوترات التي أشعلها ترامب، فقد ضرب الرقم القياسي في تقلب مواقفه السياسية، وقد ظهر ذلك في العديد من المواقف التي جاء على رأسها موقفه قبل انتخابه من حلف شمال الأطلسي "الناتو" حيث طالما ذكر في خطاباته أنه "عفا عليه الزمن"، لكن بعد انتخابه انقلب الموقف ليخرج بتصريحات متناقضة قال فيها "قلت إنه عفا عليه الزمن، هو ليس كذلك بعد الآن، لقد تغيّروا، والآن هم يحاربون الإرهاب". الصين أيضًا أظهرت تقلب المزاج السياسي لترامب، حيث سبق أن أظهر عدواته للصين واتهمها خلال حملته الانتخابية بأنها "تتلاعب بالعملة"، ليخرج بعد ذلك ويؤكد أن بكين لا تتلاعب بالعملة وذلك في مقابلة أجراها مع صحيفة "وول ستريت جورنال" في أبريل الجاري، بل وصل الأمر إلى التعاون معها للحد من التوتر في شبه الجزيرة الكورية، ومحاولة إقناع كوريا الشمالية بحل الأزمة سياسيًا. أقل شعبية السقطات والانتكاسات والكبوات الكثيرة التي جاءت في السطور السابقة وغيرها مما عجز التقرير عن حصرها، جعلت شعبية الرئيس الأمريكي خلال ال100 يوم في أدنى مستوياتها، حيث أظهرت مؤسسة "جالوب" لاستطلاعات الرأي نتيجة استطلاع رأي أجرته، خلال أول 100 يوم قضاها الرئيس الأمريكي في البيت الأبيض، وأفادت بأنه الأقل شعبية بين الرؤساء الأمريكيين، وقال الموقع إن نتائج الاستطلاع تؤكد أن ترامب الأقل قبولًا بين رؤساء الولاياتالمتحدة السابقين، كما لفت الموقع إلى أن أعلى نسبة تأييد لترامب تظل أقل من التي حصل عليها أي رئيس أمريكي آخر.