يزخر التاريخ المصري بأشخاص وقامات كبيرة خاضت بطولات مجيدة ساهمت في حفر أسمائهم بحروف من نور في التاريخ، حتى عرفتهم كل الأجيال، وفي المقابل، أدى آخرون نفس الأدوار الإيجابية، لكنهم لم ينالوا نصيبا كافيا من الشهرة، وأصبحوا في طي النسيان، ونسلط الضوء هنا على 6 شخصيات، رصدها أيمن عثمان في كتابه "تراث مصري" أدوا أدوارا لن تنسى. شفيق منصور والده المستشار منصور إسماعيل، درس القانون في ليون بفرنسا، وعندما رجع إلى القاهرة عمل بالمحاماة، وكان نائبا عن دائرة الشعرية، ومع انطلاق الحرب العالمية الأولى، نفي إلى مالطا خمس سنوات، درس هناك الإيطالية والألمانية، وبعد عودته، شارك مع آخرين في عملية اغتيال "السر لي ستاك"، وقبض عليه بوشاية من زميله نجيب الهلباوي، الذي باع زملائه ب10 آلاف جنيهات، وأطلقت عليه الصحافة لقب "شاهد الملك"، ومنه اشتق المفهوم القانوني "شاهد ملك"، وتعرض شفيق للتعذيب الشديد في السجن وصدر ضده حكم بالإعدام ومات والده حسرة عليه، وتعرضت والدته وأخته للإقامة الجبرية بعد وفاته ووالده. محمود إسماعيل ضابط بحري انضم إلى جمعية سرية كونها شفيق منصور بعد عودته من المنفى، ونفذ العديد من التفجيرات في معسكرات الإنجليز، وتخطت عملياته حدود الوطن إلى معسكرات الإنجليز في العراق، فضلا عن دوره مع الجمعية في تأهيل الفدائيين العراقيين على مقاومة الإنجليز. اتحدت الجمعية مع جمعية "اليد السوداء" ونفذت عملية اغتيال السر لي ستاك، ليلقى القبض على محمود إسماعيل، ويتعرض للتعذيب في المعتقل، وتنتهي قصته بتنفيذ حكم الإعدام فيه ورحيله، حيث كانت آخر كلماته في الحياة "أنا وابني فداء لمصر". إبراهيم موسى أول فدائي مصري نفذ أولى عمليات اغتياله بالقرب من ميدان رمسيس بمشاركة من عبدالفتاح عنايت، وشقيقه الأصغر عبد الحميد عنايت، حيث قتل جندي إنجليزي برصاصتين. العملية الثانية، كان بنفس الفريق، لكنها كانت ضد مستر براون، مستشار المعارف الإنجليزي، وهذه المرة، وضع مسدسه بعد تنفيذ العملية في رغيف عيش أكمل أكله بعد تنفيذ العملية وسار في الطريق وكأن شيئا لم يحدث. العملية الثالثة، كانت اغتيال السر لي ستاك، التي حوكم فيها على الثلاثة بالإعدام، ليخفف الحكم على عبد الفتاح عنايت بعد المظاهرات الحاشدة التي رفضت إعدام شقيقين بعد موت أخوهم الأكبر محمود حسين في السجن، والذي حاول اغتيال السلطان حسين كامل، وكانت آخر كلمات موسى قبل إعدامه "لاتنسوا أن تدفعوا لصاحب المخبز ديني له ثمن للخبز الذي أكلته". محمد شكري الكرداوي ظهر في الصورة مع تنصيب السلطان حسين كامل حاكما لمصر مع إعلان بريطانيا حمايتها على مصر بعد اندلاع الحرب العالمية الأولى، حيث حاول محمد شكري الكرداوي مع ابن عمته محمد خليل اغتيال السلطان حسين، لكن المحاولة فشلت، ليحكم على الأول بالإعدام ويتم الإفراج عن الثاني لعدم كفاية الأدلة. ومع ثورة 1919، وتشكيل محمد سعيد الوزارة، تعرض رئيس الوزراء لمحاولة اغتيال على يد شاب أزهري اعترف أن محرضه الرئيسي لعملية الاغتيال محمد الكردوي، الذي اختفى نهائيا عن الأنظار، ورصدت الشرطة مكافأة 500 جنيه لمن يدلي بأية معلومات عنه. وفي عام 1924، صدر عفو عن المسجونين السياسيين، ليعود الكرداوي إلى الظهور من جديد بعد أن ظل متخفيا لفترة اقتربت من ال4 سنوات، كان دائم التنقل فيها بين القاهرة وأسيوط في زي شيخ وساحر. عبدالحي كيرة واحد من الشباب الذين أثروا على أنفسهم وتحملوا المشاق من أجل مصر، ظهر بوضح في الصورة عندما أضرب طلبة مدرسة الطب تضامنا مع ثورة 1919 لكنه الوحيد الذي كسر هذا الإضراب وانتظم في الدراسة، وخلال هذه الفترة، كسب ثقة الدكتور كيتنج، مدير مدرسة الطب، الذي سمح له بحرية التنقل في أقسام ومعامل المدرسة التي هرب منها بعض المواد الكيميائية التي استخدمت في عملية اغتيال السر لي ستاك، ليكتشف حقيقة دوره الوطني وقتها. وقررت المخابرات البريطانية رصد مكافأة كبيرة لمن يأتي به حيا أو ميتا، فاضطر للهرب إلى الأستانة، وهناك قابله الأديب يحيى حقي، الذي قال عنه إنه كان يسكن في ثلاث شقق لايبيت في كل واحدة منها إلا ليلتين، وكان دائم الانطواء على نفسه، ويخلو كلامه من أي عاطفة، وبعد إقرار معاهدة 1936، تمكن ثلاثة من عملاء الإنجليز في مصر وهم "حريفر، ماركو، إسكندربورجوزافو" من قتله في تركيا والتمثيل بجثته. عريان يوسف أحد أبطال الحركة الطلابية خلال ثورة عام 1919، ولد في ميت غمر بالمنصورة عام 1898، والتحق بكلية الطب عام 1918، ظهر في الفترة التي كان الحراك الثوري بالقاهرة على أوجه، حيث ظهرت الحركات السرية خلال فرض الحماية البريطانية على مصر، ليطلب سعد زغلول من الحكومة السماح له بالسفر لحضور مؤتمر فرساي للحريات وتظهر فكرة جمع التوكيلات، التي كان عريان من أكثر المؤيدين لها والمشاركين في فعاليتها.