بنسبة نجاح تخطت 90%.. صحة الفيوم تعلن نتيجة مدارس التمريض بالمحافظة    انطلاق اختبارات القدرات بكلية العلوم الرياضية جامعة قناة السويس    محافظ الجيزة يكلف بسرعة التشغيل التجريبي لموقف السرفيس بالصف    رئيس الوزراء يتابع موقف تسليم الوحدات السكنية للموظفين المنتقلين للعمل بالعاصمة الإدارية الجديدة    الطيران السوري: إغلاق مؤقت للممر الجوي الجنوبي    الأعلى للاقتصاد العربي الإفريقي: بحثنا أوجه التعاون مع جمهورية الصومال الفيدرالية    غدًا.. بيراميدز يبدأ معسكر الإعداد الخارجي في تركيا    الداخلية تكشف ملابسات فيديو متداول حول مخالفة مرورية في مطروح    المهرجان القومي للمسرح يكرم الفنان القدير جلال العشري    خطوة جديدة فى مشروع عملاق    «الصناعة» و«التخطيط» تبحثان جاهزية القطاع للتعامل مع آلية تعديل حدود الكربون (CBAM)    وزير البترول يبحث سبل دعم أنشطة الاستكشاف والإنتاج وتعزيز الشراكة التقنية    استيفاء الاشتراطات البيئية والصحية شرط إصدار تصاريح المشروعات ومحطات المحمول في الشرقية (تفاصيل)    إزالة 8 حالات تعدي واسترداد أراضي بناء بالشرقية    مصر بين أفضل 10 وجهات سياحية في 2025.. خبير سياحي يكشف أسباب التميز    الرئيس الأمريكى ترامب يطرح حل أزمة سد النهضة مقابل تهجير الفلسطينيين والسيسي يرحب    أحمد هاشم رئيسًا لتحرير مجلة "أخر ساعة"    21 شهيدًا فلسطينيًا أثناء انتظار المساعدات بخان يونس    البرلمان العربي يدين التصعيد الإسرائيلي المتكرر على أراضي لبنان وسوريا    مسؤولة أممية تدعو إلى تقديم قادة إسرائيل إلى العدالة    بسبب تهريب 2 مليون لتر وقود.. إيران تحتجز ناقلة نفط أجنبية في خليج عمان (تفاصيل)    جامعة الفيوم تجري اختبارات القدرات للراغبين في الالتحاق ب كلية علوم الرياضة    «مكنش حد يعرفه».. جمال عبدالحميد يهاجم زيزو ويختار بديله في الزمالك    محمد إبراهيم يفوز برئاسة الاتحاد العربي لرياضة الفنون القتالية المختلطة «MMA»    عقب إعلان رحيله.. ريال مدريد يعلن موعد تكريم فاسكيز في حفل رسمي    تقارير: راشفورد يدخل دائرة اهتمامات ليفربول    تقارير: إصابة شتيجن تعجل برحيله عن برشلونة    موعد إجازة المولد النبوي الشريف 2025.. والعطلات الرسمية المتبقية خلال العام في مصر    إصابة 6 أطفال في حريق التهم معرض موبيليا ب الدقهلية    «تموين المنيا»: ضبط 137 مخالفة خلال حملات تفتيشية على الأسواق    «الداخلية» تكشف ملابسات مشاجرة بالعصى بسبب خلافات الجيرة في الشرقية    السيطرة على حريق في مزرعة دواجن بقرية دمشقين بالفيوم دون إصابات    ضبط محطة وقود بتهمة بيع المواد البترولية المدعمة بالسوق السوداء بأبنوب في أسيوط    بعد تداول فيديو يوثق الواقعة.. حبس شاب هدّد جيرانه بسلاح أبيض في الفيوم    «الإنقاذ النهرى» بالبحيرة تنجح فى إنتشال جثتين لضحايا انقلاب سيارة    رفض 12 طعنًا بانتخابات الشيوخ.. وتأييد استبعاد 3 مرشحين لحزب النور    سوزي الأردنية وكيرو على ريد كاربت «الشاطر».. جدل حول حضور «التيكتوكرز» عروض الأفلام    رسالة واتساب السر.. كواليس أغنية «حفلة تخرج من حياتي» ل تامر حسني    محمد علي رزق: «فات الميعاد» من أمتع الكواليس اللي مريت بيها| خاص    مفاجأة عاطفية.. توقعات برج الثور في النصف الثاني من يوليو 2025    أول تعليق من «لميس الحديدي» بعد إنهاء تعاقدها مع المتحدة    شاهده مليون شخص.. تعرف على تفاصيل أحدث أفلام كريم عبدالعزيز في السينمات    تواصل مناهضة الفرق البريطانية لدعهما غزة .. إلغاء تأشيرات "بوب فيلان" الأمريكية بعد أغنية "الموت لإسرائيل"    بين الحب والاتباع والبدعة.. ما حكم الاحتفال بالمولد النبوي الشريف 2025؟    نائب وزير الصحة يتابع مستجدات السياحة العلاجية بشراكات دولية    مبادرة الألف يوم الذهبية.. نائب وزير الصحة في ندوة علمية بالمنيا لدعم الولادات الطبيعية    لحماية الذاكرة.. 8 أطعمة تساعد على الوقاية من ألزهايمر    محافظ شمال سيناء: مبادرة 100 يوم صحة نقلة نوعية لتوفير رعاية شاملة للمواطنين    تقديم 1214 خدمة طبية مجانية خلال قافلة بقرية قصر هور في المنيا    أوقاف السويس تنظم ندوة بعنوان نعمة الماء وحرمة التعدي عليها    لاعب الزمالك السابق: زيزو كان يحب النادي.. وكيف يفرط الأهلي في قندوسي؟    أكاديمية الشرطة تستضيف دورتين تدريبيتين بالتعاون مع الصليب الأحمر    بعد 12 عامًا.. خلفان مبارك يغادر الجزيرة الإماراتي    بالتنسيق مع الأزهر.. الأوقاف تعقد 1544 ندوة بشأن الحد من المخالفات المرورية    قتلى ومصابون جراء قصف روسي على عدة مناطق في أوكرانيا    دعاء في جوف الليل: اللهم اجعلنا لنعمك شاكرين وبقضائك راضين    رسميًا بعد الانخفاض الجديد.. سعر الدولار مقابل الجنيه المصري اليوم الأربعاء 16 يوليو 2025    ما حكم اتفاق الزوجين على تأخير الإنجاب؟.. الإفتاء تجيب    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



"1919" .. رواية تعيد قراءة أدوار المهمشين في ثورة 1919
نشر في الوادي يوم 15 - 06 - 2014

الكاتب المصري أحمد مراد يستعيد في روايته «1919» زَمنًا كاملا بواقعه الاجتماعيّ المزري، الذي انتشرَ فيه البغاء وصارت له بيوته المُرخّصة، وبأمراضه التي فتكتْ بالفقراء.
يتخلى الروائي المصري أحمد مراد، في روايته الرابعة «1919» الصادرة عن دار الشروق بالقاهرة سنة 2014، عن عَوالمه السردية التي تَميلُ إلى التَّشْويقِ والإثارةِ وَالحِسّ البوليسي في رواياته «فيرتيجو» و«تراب الماس» و«الفيل الأزرق»، ليقدِّمَ عالمًا مغايرًا حيث يرتحل إلى التاريخ بأحداثه وشخصياته، فيزاوج بين التاريخي الذي يبدأه مِن أحداث «هوجة عرابي» وقيام ثورة 1919 ودور سعد زغلول والوفد في المفاوضات، وبين الخيالي حيث حكاية مجتمع آخذ في التّشكُّلِ بعد الحرب، يتخلّلها حُبٌّ مُجْهَضٌ وَأَجْسَادٌ مَقْهُورَةٌ.
يتخذُ أحمد مراد مِن التاريخ بأحداثه المُهِمّة وباحتدام الصّراع القائم بين الدوائر السِّياسية والاستعمار محورًا مُهِمًّا وخلفية للحكاية الخياليّة التي ترتبطُ عناصرها بالتاريخيّ، عبر علاقات أقامَ وشائجها الكاتب ودعّمها بعنصر الخيال، فبعثَ الحياة في التاريخي الصّرف، بحكايات وحوارات متخيّلة.
مشهديات مصرية
مِن المُمكن قِراءة النّص في أَحدِ مستوياته على أنَّه نَصٌّ سِيري يكشفُ به الكاتب النِّقَاب عن شخصية مُهمّشَة مِن ثوّار 1919، في تعريض لدور المُهَمَّشين الذين تَنْسَاهم الثَّورات، وهي شَخْصية المُناضِل أحمد عبد الحي كِيرة، الذي اُستخدم كورقة ضغط في النِّضال ضدّ المُستعْمِر، تَسيرُ بشكلٍ مُوازٍ مع النِّضال السِّياسي و"التفاوضي" ل "الوفد" وقد جاء ذكره هكذا «فدائي عظيم من الجهاز السرّي للثَّورة»، و«بطل منسي تعاون مع حزب الوفد للقيام بعمليات اغتيال تستهدف ضباط الجيش البريطاني» حسب ما أوردت جريدة الوفد بتاريخ 17 آب/ أغسطس، كما التقاه الأديب يحيى حقي عام 1930 في إسطنبول بعدما تمّ تهريبه إليها، بعد حادثة مقتل «السير لي ستاك» عام 1924، أثناء عمله كموظف في القُنصلية المصرية في إسطنبول وكتب عنه تحت عنوان «بعبع الإنجليز»، كما وُصف في كتب المؤرخين بأنه «يُجِيدُ التنكُّر والتخفّي والتحدُّث بلغات مُخْتَلِفَة».
لا يستعيدُ الكاتب زَمنًا تاريخيًا بأحداثه أو شخصياته الحقيقية التي كان لها دورها ولها مرجعيتها التاريخيّة فقط، وإنما يستعيدُ زَمنًا كاملا بواقعه الاجتماعيّ المزري الذي انتشرَ فيه البغاء وصارت له بيوته المُرخّصة، وبأمراضه التي فتكتْ بالفقراء، وبالسُّخرة التي قَضت على الشَّباب، وأيضا بفنه وفنانينه كالكسار وحسن فايق ونجيب الريحاني وبديعة مصابني، وما أدخلوه مِن عَوالم مُتعة وإبهاج وأيضًا بسياراته المُخْتَلِفَة (الدو كار والسواري والأمنيوس والحنطور) وبملابسه السّائدة، وبعروضه السينمائية، ووسائل ترفيهه وكازينوهاته (بار كافيه إيجبسيان) ومقاهيه التي لعبت دورًا محوريًا في النِّضال كمقهى ماتتيا وريش، وأيضًا بشوارعه، وبألقابه وفوق هذا جميعه بمعجمه اللُّغوي الذي كان سَائدًا وقتها، وكأنَّ الرِّواية لوحة فنيَّة تعكس هذا الواقع بكافة تفاصيله.
غسل العار
يأخذ السَّرد في الرِّواية خطين متوازييْن ومتلاحميْن في الوقت ذاته، الخيط الأوّل هو الخيطُ السّياسي لثوّرة 1919، وحركة النِّضَالِ نحو الاستقلال في صورة الزّعيم سعد زغلول، وحياته الشّخصية مع اختلاف مواقفه المتباينة بين القوة كما هو ظاهر في حالة وقوفه أمام الملك أو أمام الإنكليز مطالبًا بحق بلاده في الاستقلال، ومواقف ضعفه أمام ديونه وهواية القمار التي فَشَل في التخلُّص منها وكذلك في مفاوضاته، وتحولاته التي عكست أن لعبة السياسة لها حساباتها الخاصة.
والخيط الثاني عن وقود الثوّرات الحقيقي، المتمثِّل في الإرادة الشَّعبية والدور الحقيقي الذي تلعبه، في إشعال الثورة وتكبيد العدو خسائر تجعله يقبل ما لم يتخيّل أن يضعه على طاولة المفاوضات، بعرض نماذج متعدِّدة تكشف الرُّوح الوطنية التي تَسري في المصريين، نماذج هي وقود الثورات الحقيقيّة، كنماذج أحمد عبد الحي الشّاب المثقف والموظف في مدرسة الطب، والحَالم أيضًا الذي ضحّى بمستقبله في سبيل الانتقام مِن الإنكليز الذين أعدموا والده بسبب اشتراكه مع عرابي فكان كبش الفداء، وانتهى به الحال لأن تطوى جثته في مقابر المجهولين في إسطنبول بعدما قدَّم نفسه وروحه فداءً للثوّرَة، وكذلك دولت عبدالحفيظ الصعيدية، مدرسة اللُّغة الإنكليزية نموذجٌ للفتاة المصرية التي جَاءَ دورها تأكيدًا لمقولة سعد باشا أنه «لا توجد ثورة دون امرأة»، دون التقليل مِن الدور الذي قامتْ به نساء مصر مع اندلاع الأحداث، لكن مع الأسف كانت ضحية لأنساق بالية ربطت بينها وبين ابن عم لها، لا جامع بينهما غير نسب الدم، ثم يُجهز عليها أخوها ياسين في لحظة بطولة وهمية مُفتقدة، عندما أُمر بقتل أبناء بلده أثناء حفر القناة، يقتلها بناءً على إشاعة يستعيد بها رجولة غائبة بامتثاله لقانون الشرف الذي يدعي أن أخته لثمته على حدّ قوله لأمه «فَجرت... عِشجِت... فضيحتها في مصر على كل لسان»، فيذبحها بعد أمر أمه له «خلِّيك راجل... اغسل عارك».
لا ثورة من دون إمرأة حرة
وبالمثل عبدالقادر الجنّ الذي تحوّل مِن شَابٍّ طائشٍ له عَلاقات نسائية وأخرى مريبة مع الإنكليز من خلال ما يورّده لهم بسيارته، وهي نقطة الخلاف بينه وبين والده شحاته الجنّ فتوة الحيّ، لكن بعد وفاة والده على يد الإنكليزي أرثر يتحوّل إلى شخص آخر يذهب بنفسه لاقتحام الكامب، ثم يُطلق صراحه لينخرط في الثورة ويصير نموذجًا إيجابيًا بفعل الحبّ الذي تسرّب إليه وهو يراقب دولت رغم حالة الصدِّ التي عاملته بها في أوّلِ الأمرِ، لكن بعد العملية الأخيرة اغتيال محمد شفيق باشا وزير الأشغال بقنبلة وإلقاء القبض عليه، تعترف له بأنها تحبه إلا أنها كانت تقاوم لأسباب كثيرة، قد بدأ التغيير عنده منذ مساعدته لتهريب وَرْد بعد إلقائها وابور الكيروسين على وجه سلامة، وإعطائها ساعته، ثمّ يتكرّر الأمر مرّة ثانية عندما يخرج هو وأحمد من المسرح وكان بالخارج سلامة وكاد أن يفتك بوَرْد، فيتصدى له حتى تهرب، وموقفه من عودة أحمد، العجيب أنه هو الشخص الوحيد الذي نجا، ربما لأنه الوحيد الذي تحوّل هدفه بالثورة من الانتقام الشخصي لأبيه إلى انتقام للوطن، فأحمد كان ينتقم مما حدث لأبيه في الماضي أما نجيب الأهواني فكان ينتظر الجزاء على ما فعل، وعندما لم تقدِّم الثورة ما كان ينتظره على الفور انتقلَ إلى مَوقعِ الخصم. كما تكشف عن الوجه القبيح للثورات وهي الإشارة التي ترتد إلى ثورة يناير، حيث أن الثورات تأكل أبناءها وتضحى بهم، والنموذج الأبرز هو شخصية نجيب الأهواني الذي قضّى في السجن تسع سنوات بعد إلقائه قنبلة على السلطان حسين عام 1915، ولم يُصرِّح بأسماء مَن كانوا معه في العملية، بمن فيهم صديقه أحمد، وعندما يتولى سعد زغلول تشكيل الحكومة بعد حصول الوفد على الأغلبية البرلمانية في الانتخابات، يلتقي النحاس بصفته سكرتير الوفد، فما إن يعرض عليه وظيفة كاتب في أحد البنوك حتى يعترض، على تقسيم الكعكة، مُندِّدًا بسعد نفسه الذي صار رئيسًا للوزراء، ثم يتحوّل مِن وطنيّ إلى خائن يتعاون مع المحتل الإنكليزي بالإرشاد على أحمد، حتّى وإن انتهى مصيره بالقتل، فالقتل في نهاية الرواية يكشف الصِّراع على السُّلطة بعد تقاسم الكعكة، وهي الصورة المشابهة للواقع الآني والتي تتقاطع معا، بعد أن تقافزَ الجميع على الثورة والاغتراف منها لجماعته وأنصاره. ومِن ثمَّة فالحقيقة التي لم يُدْركها ثوَّار الماضي وكذلك ثوَّار الحاضر أن «تحرير مصر الحقيقي تطهير الناس من الخونة».
سينما في رواية
يعمدُ بناء النّص إلى التقنيات السينمائيّة حيث التقطيع ونظام المشاهد والكادرات البصرية الداخلية والخارجية، وهو ما يبرزُ في العناوين الفرعيّة التي تؤكِّد على أنّ النّص مكتوبٌ بلغة السينما، فالكاتب ينتقل من مشهد إلى مشهد، وعندما يعود إلى المشهد السابق، يبدأ من النقطة التي انتهى إليها، بالإضافة إلى الاستفادة من تقنية الوصف التي ساعدت في نقل أجواء العصر الذي تدور فيه الرواية وهي الفترة التي واكبت قيام الثورة، كما يبدأ النص بسرد تلخيصي أشبه بالشريط السينمائي السريع الذي يعرض أحداثًا من الماضي لضرورتها في اللحظة الحالية التي يدور فيها الحدث، وهو نفس الشيء الذي اعتمد عليه في النهاية حيث يقدِّم لنا نهايات الشَّخصيات الحقيقيّة في عجالةٍ، كما أن الحركة والسرعة التي هي أداة من أدوات الكاميرا السينمائية حاضرة في المعارك والاغتيالات، وحالة التخفي والهروب من الملاحقات الأمنية، وهو ما ظهر بصورة رائعة في مشهد مطاردة عبدالقادر بعد تفجير موكب وزير الزراعة، وأيضًا في مشهد القتال بين الأصدقاء في إسطنبول.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.