متحدث مجلس الوزراء: الدولة لديها خطة لزيادة الأجور وتثبيت أسعار السلع    تخفيفًا عن كاهل المواطنين الأكثر احتياجًا.. مياة القناة تقدم خدمات الكسح لغير المشتركين    العراق: التوسع في الرقعة الزراعية مع هطول أمطار غزيرة    جوتيريش: الأمم المتحدة ملتزمة بدعم الشعب اليمني في مسيرته نحو السلام    رئيس بلدية خان يونس: الأمطار دمرت 30 ألف خيمة بغزة ونقص حاد في المستلزمات الطبية    أمم إفريقيا - البطل يحصد 7 ملايين دولار.. الكشف عن الجوائز المالية بالبطولة    مانشستر سيتي لنصف نهائي كأس الرابطة الإنجليزية على حساب برينتفورد    محافظ قنا يعزي أسر ضحايا حادث ميكروباص ترعة الجبلاوية    بعد رحيل نيفين مندور.. جمال شعبان يوجه رسالة عاجلة للمواطنين    بينهم 3 أشقاء.. جثة و 4 مصابين في مشاجرة نجع موسى بقنا    بصورة تجمعهما.. محمد إمام ينهي شائعات خلافه مع عمر متولي بسبب شمس الزناتي    أبناء قراء القرآن يتحفظون على تجسيد سيرة الآباء والأجداد دراميًا    وائل فاروق يشارك في احتفالات اليونسكو بيوم اللغة العربية    طريقة عمل الشيش طاووق، أكلة لذيذة وسريعة التحضير    إصابة نورهان بوعكة صحية أثناء تكريمها بالمغرب    اقتحام الدول ليس حقًا.. أستاذ بالأزهر يطلق تحذيرًا للشباب من الهجرة غير الشرعية    جامعة الإسكندرية تستقبل رئيس قسم الهندسة الحيوية بجامعة لويفل الأمريكية    وزارة الداخلية: ضبط 40 شخصاً لمحاولتهم دفع الناخبين للتصويت لعدد من المرشحين في 9 محافظات    القاضى أحمد بنداري يدعو الناخبين للمشاركة: أنتم الأساس فى أى استحقاق    اندلاع حريق في حظيرة ماشية بالوادي الجديد    رسميًا.. إنتر ميامى يجدد عقد لويس سواريز حتى نهاية موسم 2026    31 ديسمبر النطق بالحكم فى الاستئناف على براءة المتهمين بقضية مسن السويس    نتنياهو يعلن رسميًا المصادقة على اتفاق الغاز مع مصر بمبلغ فلكي    الرقابة المالية توافق على التأسيس والترخيص ل 6 شركات بأنشطة صندوق الاستثمار العقاري    السلاح يضيف 7 ميداليات جديدة لمصر في دورة الألعاب الإفريقية للشباب    الإسماعيلية تحت قبضة الأمن.. سقوط سيدة بحوزتها بطاقات ناخبين أمام لجنة أبو صوير    نجوم الفن فى عزاء إيمان إمام شقيقة الزعيم أرملة مصطفى متولى    رئيس إذاعه القرآن الكريم السابق: القرآن بأصوات المصريين هبة باقية ليوم الدين    وكيل تعليم القاهرة في جولة ميدانية بمدرسة الشهيد طيار محمد جمال الدين    ما حكم حلاقة القزع ولماذا ينهى عنها الشرع؟.. أمين الفتوى يجيب بقناة الناس    وزير الإسكان: الأحد المقبل.. بدء تسليم قطع أراضي الإسكان المتميز للفائزين بمدينة بني سويف الجديدة    النباتات الطبية والعطرية.. الذهب الأخضر لمصر فى العقد القادم.. فرصة استراتيجية لتفوق مصرى فى سباق عالمى متصاعد    الحكومة تستهدف استراتيجية عمل متكامل لبناء الوعى    بين الحرب والسرد.. تحولات الشرق الأوسط في 2025    خالد الجندي: من الشِرْك أن ترى نفسك ولا ترى ربك    جلسة صعود وهبوط: 6 قطاعات فى مكسب و10 قطاعات تتراجع    السيسي يرحب بتوقيع اتفاق الدوحة للسلام الشامل بين حكومة وتحالف نهر الكونغو الديمقراطية    البنك الزراعي المصري يسهم في القضاء على قوائم الانتظار في عمليات زراعة القرنية    مستشار رئيس الجمهورية: مصر تمتلك كفاءات علمية وبحثية قادرة على قيادة البحث الطبى    رئيس الوزراء: استطعنا بنسبة 99% وقف خروج مراكب الهجرة غير الشرعية من مصر    جامعة الدول العربية تطلق المنتدى العربي الأول للإنذار المبكر والاستعداد للكوارث    أسوان تكرم 41 سيدة من حافظات القرآن الكريم ضمن حلقات الشيخ شعيب أبو سلامة    18 فبراير 2026 أول أيام شهر رمضان فلكيًا    الأهلي يحسم ملف تجديد عقود 6 لاعبين ويترقب تغييرات في قائمة الأجانب    أشرف فايق يكشف حقيقة دخول عمه محيي إسماعيل في غيبوبة بسبب جلطة بالمخ    مفتي الجمهورية يلتقي نظيره الكازاخستاني على هامش الندوة الدولية الثانية للإفتاء    المطبخ المصري.. جذور وحكايات وهوية    ريال مدريد يبدأ رحلة كأس ملك إسبانيا بمواجهة تالافيرا في دور ال32    اليونيفيل: التنسيق مع الجيش اللبناني مستمر للحفاظ على الاستقرار على طول الخط الأزرق    أوكرانيا تعلن استهداف مصفاة نفطية روسية ومنصة بحر القزوين    مانشستر سيتي يواجه برينتفورد في مباراة حاسمة بربع نهائي كأس الرابطة الإنجليزية 2025-2026    باريس سان جيرمان وفلامنجو.. نهائي كأس الإنتركونتيننتال 2025 على صفيح ساخن    إقبال على التصويت بجولة الإعادة في انتخابات مجلس النواب بالسويس    سعر طن حديد التسليح اليوم الأربعاء 17 ديسمبر في مصر    نيكس يفوز على سبيرز ويتوج بلقب كأس دوري السلة الأمريكي    طوابير أمام لجان البساتين للإدلاء بأصواتهم فى انتخابات مجلس النواب    متحدث وزارة الصحة يقدم نصائح إرشادية للوقاية من الإنفلونزا الموسمية داخل المدارس    الدخان أخطر من النار.. تحذيرات لتفادى حرائق المنازل بعد مصرع نيفين مندور    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



"1919" .. رواية تعيد قراءة أدوار المهمشين في ثورة 1919
نشر في الوادي يوم 15 - 06 - 2014

الكاتب المصري أحمد مراد يستعيد في روايته «1919» زَمنًا كاملا بواقعه الاجتماعيّ المزري، الذي انتشرَ فيه البغاء وصارت له بيوته المُرخّصة، وبأمراضه التي فتكتْ بالفقراء.
يتخلى الروائي المصري أحمد مراد، في روايته الرابعة «1919» الصادرة عن دار الشروق بالقاهرة سنة 2014، عن عَوالمه السردية التي تَميلُ إلى التَّشْويقِ والإثارةِ وَالحِسّ البوليسي في رواياته «فيرتيجو» و«تراب الماس» و«الفيل الأزرق»، ليقدِّمَ عالمًا مغايرًا حيث يرتحل إلى التاريخ بأحداثه وشخصياته، فيزاوج بين التاريخي الذي يبدأه مِن أحداث «هوجة عرابي» وقيام ثورة 1919 ودور سعد زغلول والوفد في المفاوضات، وبين الخيالي حيث حكاية مجتمع آخذ في التّشكُّلِ بعد الحرب، يتخلّلها حُبٌّ مُجْهَضٌ وَأَجْسَادٌ مَقْهُورَةٌ.
يتخذُ أحمد مراد مِن التاريخ بأحداثه المُهِمّة وباحتدام الصّراع القائم بين الدوائر السِّياسية والاستعمار محورًا مُهِمًّا وخلفية للحكاية الخياليّة التي ترتبطُ عناصرها بالتاريخيّ، عبر علاقات أقامَ وشائجها الكاتب ودعّمها بعنصر الخيال، فبعثَ الحياة في التاريخي الصّرف، بحكايات وحوارات متخيّلة.
مشهديات مصرية
مِن المُمكن قِراءة النّص في أَحدِ مستوياته على أنَّه نَصٌّ سِيري يكشفُ به الكاتب النِّقَاب عن شخصية مُهمّشَة مِن ثوّار 1919، في تعريض لدور المُهَمَّشين الذين تَنْسَاهم الثَّورات، وهي شَخْصية المُناضِل أحمد عبد الحي كِيرة، الذي اُستخدم كورقة ضغط في النِّضال ضدّ المُستعْمِر، تَسيرُ بشكلٍ مُوازٍ مع النِّضال السِّياسي و"التفاوضي" ل "الوفد" وقد جاء ذكره هكذا «فدائي عظيم من الجهاز السرّي للثَّورة»، و«بطل منسي تعاون مع حزب الوفد للقيام بعمليات اغتيال تستهدف ضباط الجيش البريطاني» حسب ما أوردت جريدة الوفد بتاريخ 17 آب/ أغسطس، كما التقاه الأديب يحيى حقي عام 1930 في إسطنبول بعدما تمّ تهريبه إليها، بعد حادثة مقتل «السير لي ستاك» عام 1924، أثناء عمله كموظف في القُنصلية المصرية في إسطنبول وكتب عنه تحت عنوان «بعبع الإنجليز»، كما وُصف في كتب المؤرخين بأنه «يُجِيدُ التنكُّر والتخفّي والتحدُّث بلغات مُخْتَلِفَة».
لا يستعيدُ الكاتب زَمنًا تاريخيًا بأحداثه أو شخصياته الحقيقية التي كان لها دورها ولها مرجعيتها التاريخيّة فقط، وإنما يستعيدُ زَمنًا كاملا بواقعه الاجتماعيّ المزري الذي انتشرَ فيه البغاء وصارت له بيوته المُرخّصة، وبأمراضه التي فتكتْ بالفقراء، وبالسُّخرة التي قَضت على الشَّباب، وأيضا بفنه وفنانينه كالكسار وحسن فايق ونجيب الريحاني وبديعة مصابني، وما أدخلوه مِن عَوالم مُتعة وإبهاج وأيضًا بسياراته المُخْتَلِفَة (الدو كار والسواري والأمنيوس والحنطور) وبملابسه السّائدة، وبعروضه السينمائية، ووسائل ترفيهه وكازينوهاته (بار كافيه إيجبسيان) ومقاهيه التي لعبت دورًا محوريًا في النِّضال كمقهى ماتتيا وريش، وأيضًا بشوارعه، وبألقابه وفوق هذا جميعه بمعجمه اللُّغوي الذي كان سَائدًا وقتها، وكأنَّ الرِّواية لوحة فنيَّة تعكس هذا الواقع بكافة تفاصيله.
غسل العار
يأخذ السَّرد في الرِّواية خطين متوازييْن ومتلاحميْن في الوقت ذاته، الخيط الأوّل هو الخيطُ السّياسي لثوّرة 1919، وحركة النِّضَالِ نحو الاستقلال في صورة الزّعيم سعد زغلول، وحياته الشّخصية مع اختلاف مواقفه المتباينة بين القوة كما هو ظاهر في حالة وقوفه أمام الملك أو أمام الإنكليز مطالبًا بحق بلاده في الاستقلال، ومواقف ضعفه أمام ديونه وهواية القمار التي فَشَل في التخلُّص منها وكذلك في مفاوضاته، وتحولاته التي عكست أن لعبة السياسة لها حساباتها الخاصة.
والخيط الثاني عن وقود الثوّرات الحقيقي، المتمثِّل في الإرادة الشَّعبية والدور الحقيقي الذي تلعبه، في إشعال الثورة وتكبيد العدو خسائر تجعله يقبل ما لم يتخيّل أن يضعه على طاولة المفاوضات، بعرض نماذج متعدِّدة تكشف الرُّوح الوطنية التي تَسري في المصريين، نماذج هي وقود الثورات الحقيقيّة، كنماذج أحمد عبد الحي الشّاب المثقف والموظف في مدرسة الطب، والحَالم أيضًا الذي ضحّى بمستقبله في سبيل الانتقام مِن الإنكليز الذين أعدموا والده بسبب اشتراكه مع عرابي فكان كبش الفداء، وانتهى به الحال لأن تطوى جثته في مقابر المجهولين في إسطنبول بعدما قدَّم نفسه وروحه فداءً للثوّرَة، وكذلك دولت عبدالحفيظ الصعيدية، مدرسة اللُّغة الإنكليزية نموذجٌ للفتاة المصرية التي جَاءَ دورها تأكيدًا لمقولة سعد باشا أنه «لا توجد ثورة دون امرأة»، دون التقليل مِن الدور الذي قامتْ به نساء مصر مع اندلاع الأحداث، لكن مع الأسف كانت ضحية لأنساق بالية ربطت بينها وبين ابن عم لها، لا جامع بينهما غير نسب الدم، ثم يُجهز عليها أخوها ياسين في لحظة بطولة وهمية مُفتقدة، عندما أُمر بقتل أبناء بلده أثناء حفر القناة، يقتلها بناءً على إشاعة يستعيد بها رجولة غائبة بامتثاله لقانون الشرف الذي يدعي أن أخته لثمته على حدّ قوله لأمه «فَجرت... عِشجِت... فضيحتها في مصر على كل لسان»، فيذبحها بعد أمر أمه له «خلِّيك راجل... اغسل عارك».
لا ثورة من دون إمرأة حرة
وبالمثل عبدالقادر الجنّ الذي تحوّل مِن شَابٍّ طائشٍ له عَلاقات نسائية وأخرى مريبة مع الإنكليز من خلال ما يورّده لهم بسيارته، وهي نقطة الخلاف بينه وبين والده شحاته الجنّ فتوة الحيّ، لكن بعد وفاة والده على يد الإنكليزي أرثر يتحوّل إلى شخص آخر يذهب بنفسه لاقتحام الكامب، ثم يُطلق صراحه لينخرط في الثورة ويصير نموذجًا إيجابيًا بفعل الحبّ الذي تسرّب إليه وهو يراقب دولت رغم حالة الصدِّ التي عاملته بها في أوّلِ الأمرِ، لكن بعد العملية الأخيرة اغتيال محمد شفيق باشا وزير الأشغال بقنبلة وإلقاء القبض عليه، تعترف له بأنها تحبه إلا أنها كانت تقاوم لأسباب كثيرة، قد بدأ التغيير عنده منذ مساعدته لتهريب وَرْد بعد إلقائها وابور الكيروسين على وجه سلامة، وإعطائها ساعته، ثمّ يتكرّر الأمر مرّة ثانية عندما يخرج هو وأحمد من المسرح وكان بالخارج سلامة وكاد أن يفتك بوَرْد، فيتصدى له حتى تهرب، وموقفه من عودة أحمد، العجيب أنه هو الشخص الوحيد الذي نجا، ربما لأنه الوحيد الذي تحوّل هدفه بالثورة من الانتقام الشخصي لأبيه إلى انتقام للوطن، فأحمد كان ينتقم مما حدث لأبيه في الماضي أما نجيب الأهواني فكان ينتظر الجزاء على ما فعل، وعندما لم تقدِّم الثورة ما كان ينتظره على الفور انتقلَ إلى مَوقعِ الخصم. كما تكشف عن الوجه القبيح للثورات وهي الإشارة التي ترتد إلى ثورة يناير، حيث أن الثورات تأكل أبناءها وتضحى بهم، والنموذج الأبرز هو شخصية نجيب الأهواني الذي قضّى في السجن تسع سنوات بعد إلقائه قنبلة على السلطان حسين عام 1915، ولم يُصرِّح بأسماء مَن كانوا معه في العملية، بمن فيهم صديقه أحمد، وعندما يتولى سعد زغلول تشكيل الحكومة بعد حصول الوفد على الأغلبية البرلمانية في الانتخابات، يلتقي النحاس بصفته سكرتير الوفد، فما إن يعرض عليه وظيفة كاتب في أحد البنوك حتى يعترض، على تقسيم الكعكة، مُندِّدًا بسعد نفسه الذي صار رئيسًا للوزراء، ثم يتحوّل مِن وطنيّ إلى خائن يتعاون مع المحتل الإنكليزي بالإرشاد على أحمد، حتّى وإن انتهى مصيره بالقتل، فالقتل في نهاية الرواية يكشف الصِّراع على السُّلطة بعد تقاسم الكعكة، وهي الصورة المشابهة للواقع الآني والتي تتقاطع معا، بعد أن تقافزَ الجميع على الثورة والاغتراف منها لجماعته وأنصاره. ومِن ثمَّة فالحقيقة التي لم يُدْركها ثوَّار الماضي وكذلك ثوَّار الحاضر أن «تحرير مصر الحقيقي تطهير الناس من الخونة».
سينما في رواية
يعمدُ بناء النّص إلى التقنيات السينمائيّة حيث التقطيع ونظام المشاهد والكادرات البصرية الداخلية والخارجية، وهو ما يبرزُ في العناوين الفرعيّة التي تؤكِّد على أنّ النّص مكتوبٌ بلغة السينما، فالكاتب ينتقل من مشهد إلى مشهد، وعندما يعود إلى المشهد السابق، يبدأ من النقطة التي انتهى إليها، بالإضافة إلى الاستفادة من تقنية الوصف التي ساعدت في نقل أجواء العصر الذي تدور فيه الرواية وهي الفترة التي واكبت قيام الثورة، كما يبدأ النص بسرد تلخيصي أشبه بالشريط السينمائي السريع الذي يعرض أحداثًا من الماضي لضرورتها في اللحظة الحالية التي يدور فيها الحدث، وهو نفس الشيء الذي اعتمد عليه في النهاية حيث يقدِّم لنا نهايات الشَّخصيات الحقيقيّة في عجالةٍ، كما أن الحركة والسرعة التي هي أداة من أدوات الكاميرا السينمائية حاضرة في المعارك والاغتيالات، وحالة التخفي والهروب من الملاحقات الأمنية، وهو ما ظهر بصورة رائعة في مشهد مطاردة عبدالقادر بعد تفجير موكب وزير الزراعة، وأيضًا في مشهد القتال بين الأصدقاء في إسطنبول.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.