_ثالوث الأنطمة القديمة والتدخلات الإقليمية والرأسمالية العالمية سعوا الى تدمير ثورات الربيع العربي _السنوات القادمة ستشهد بلورة بدائل سياسية حقيقة تعبر عن تطلعات الشعوب العربية. _الدولة الصهيونية أما أن تنهينا أو ننهيها سلامة كيلة مفكر يساري، ولد في بيرزيت بفلسطين عام 1955م، حصل على بكالوريوس العلوم السياسية من جامعة بغداد عام 1979م، عمل في المقاومة الفلسطينية، وانخرط في أنشطة اليسار العربي، ثم استقر في سوريا وتعرض للسجن ثماني سنوات، أصدر ما يزيد عن 45 كتاباً، كما كتب في العديد من الصحف والمجلات العربية. عن رؤيته لثورات الربيع العربي بعد خمس سنوات وتداعيتها على القضية الفلسطينية ومستقبل المنطقة العربية بشكل عام في ظل المتغيرات الكبيرة التي نعيشها دار معه هذا الحوار. _ بعد خمس سنوات من ثورات الربيع العربي كيف ترى المشهد في المنطقة العربية الآن؟ للسؤال أكثر من مستوى، هناك مستوى ظاهر كالصراعات والتدمير وحالة الفوضى التي حدثت عقب الثورات، وبالتالي هناك قدر كبير من اليأس بشكل عام من نتائج الثورات لدى قطاعات عريضة من المجتمعات العربية، لكن المستوى الآخر الذي لا يُرى هو أن الثورات بدأت بالأساس نتيجة أزمات الناس ومشاكلها، وبالتالي كان هدفها التغيير والإصلاح وتطوير المجتمع لكن غياب القوى السياسية التي تستطيع أن تنظم حركة هؤلاء الناس وتدفع لتغيير حقيقي يحقق مصالحهم ومطالبهم، جعل الصراع مفتوحاً لتدخلات متعددة تسببت فيما وصلنا له اليوم، بداية من الأنظمة التى حاولت أن تلتف على الثورات بصور شتى، مرورًا بالتدخلات الاقليمية، خصوصا أن امتداد الثورات من تونس إلى سوريا مرورًا بمصر وليبيا واليمين، جعل العديد من الدول الاقليمية تخاف من هذه الحالة لأنها تعتقد أن نجاح هذه الثورات يفضي إليها، ولهذا بدأت تعمل على التدخل من أجل تخريب هذه الثورات وتدميرها ودعم قوى مناهضة للشعوب. وهناك أيضًا الرأسمالية العالمية المأزومة التي شعرت بأن الإنفجار الكبير في المنطقة العربية يمكن أن يفضي إلى امتداد عالمي أكثر منه عربي خصوصا أن حراكًا بدء في إسبانيا وإيطاليا واليونان وحتى في فرنسا بشكل ما، لهذا حدثت تدخلات متعددة، الهدف الجوهرى لها هو تدمير هذه الثورات، هذه النقطة الأساسية التى صاغت على الأقل السنوات الثلاث أو الأربع الأخيرة بعد انطلاق الثورات ومحاولة تحقيق التقدم، فقد تم مواجهة وتدمير الثورات العربية بصور شتى منها الأصولية الدينية والتدخل العسكري المباشر. هكذا يبدو الوضع الآن وفي اعتقادي أن هذه الحالة هي مؤقتة، في ظل أن الشعوب لم تعد قادرة على تحمل الوضع الذى هي به، وخصوصاً أن الأنظمة بعدما شعرت بأن الثورات بدأت تجهض مالت إلى زيادة سياسات النيو ليبرالية الاقتصادية والخصخصة وزيادة الضرائب على الفقراء وبالتالي صارت أوضاع الناس أكثر سوءًا وبؤسًا مما كانت عليه قبل الثورات. _ هل ترى أنه يمكن للقوى المجتمعية أن تعيد تنظيم نفسها وتغير هذه الأوضاع أم ستتفاقم الأزمات وتستمر الأنظمة الحاكمة مسيطرة على الشارع العربي عبر مزيد من التدمير والعنف؟ أعتقد أن هناك بدائل حقيقية سوف تتشكل في ظل أن الشعوب لم تعد قادرة على تحمل الوضع الذى باتت به، وخاصة أن الأنطمة هشة وضعيفة للغاية رغم محاولاتها للتظاهر بالقوة، والتجارب التى خاضها الشباب في السنوات الماضية تدفع في اتجاه بلورة وضع بديل؛ لأن هؤلاء الشباب اكتشف أنه خاض ثورة كبيرة دون وعي نتيجة سنوات طويلة من التحييد والتهميش التى عاشها، ومن ثم أخذ يميل إلى أن يدرس ويفهم ويعرف، ومن ثم مع استمرار الحراك ومع تزايد احتقان المجتمع سيفضي ذلك الى بلورة بديل بشكل حقيقي يعبر عن مطالب الطبقات الشعبية ويفضى إلى تغيير حقيقي في المنطقة عموما، ولا إمكانية لمنع ذلك مهما فعلت الأنظمة. وما سوف يساعد على ذلك هو تفاقم أزمة المنظومة الرأسمالية في الدول الغربية مما يدفعها في إتجاه سحب كل الامتيازات التى قدمتها لشعوبها. وبالتالي اتباع سياسة التقشف التى ستفضي إلى أن تنتقل الثورات الى مناطق أخرى في العالم . _في هذا السياق كيف ترى انعكاس ثورات الربيع على القضية الفلسطينية خلال هذه السنوات ؟ ما قيل في الفترة الماضية هو أن ثورات الربيع العربي غطت على القضية الفلسطينية. وبالتالي بدأ البعض في الجانب الفلسطينى يندب على تراجع القضية، وبعض منه وقف ضد الثورات تحت هذا العنوان، لكن من الطبيعي عندما تنهض ثورات كبيرة أن تحتل الحيز الإعلامي الأساسي، لكن اذا نظرنا للأمور بشكل أوسع سنجد أن أي تغيير حقيقي في البلدان العربية سيدفع في اتجاه إعادة طرحه للقضية الفلسطينية بمنظور جديد، وبالتالي الدفع باتجاه مواجهة الدولة الصهيونية، لأن أي نهوض عربي حقيقي، وبناء اقتصاد قوي واستقلال عن السيطرة الإمبريالية كل ذلك يتطلب مواجهة حقيقية مع الدولة الصهيونية، حيث أن الدولة الصهيونية جزء من المشروع الإمبريالي للهيمنة على المنطقة العربية، وفي اعتقادي أن المرحلة القادمة ستشهد طرح قوي للقضية الفلسطينية في سياق مشروع تحرري ثورى عربي يريد الاستقلال وبناء الاقتصاد والتحرر. _ من خلال حديثك يمكننا القول أن جوهر القضية الفلسطينية من وجهة نظرك مرتبط بالسياق العربي وتحرر شعوب المنطقة ودولها المختلفة؟ بالتأكيد لأن الدولة الصهيونية تمثل عنصراً أساسياً في إطار السيطرة الامبريالية على المنطقة العربية من حيث أنها قوة عسكرية مواجهة لأي ميل تحرري تقدمي عربي وخصوصا للدولة المصرية، ومن يطلع على التاريخ سيجد أن المشروع الصهيوني طرح بعد هزيمة محمد على باشا من أجل منع تمدد مصر مرة أخرى، لآن مصر لا تستطيع أن تنهض دون أن تفرض دورها العربي، وهذه الفكرة هي التى دفعت بريطانيا للدفع بالمشروع الصهيوني. من هذا المنظور فالقضية الفلسطينية هى جزء من مشروع عربي تحرري، ولن تكون خارجها وحينما أخذت كقضية فلسطينية فقط رأينا إلى أين وصلت، لأنه لا إمكانية للفلسطينين تحرير فلسطين في مواجهة دولة احتلال مدعومة من قوى امبريالية كبيرة، خاصة أن القوى الفلسطينية مشتتة ومحاصرة من الدولة الصهيونية ومن الأنظمة العريبة. _في السنوات الماضية هناك حراك كبير من الشباب الفلسطيني ومقاومة بصورة فردية لقوات الإحتلال في ظل غياب أي غطاء سياسي كيف ترى هذه الظاهرة؟ كان طبيعي أن يتمرد الشباب الفلسطيني ويتقدم ويصبح جزءاً من الظاهرة الشبابية العامة التي قادت الثورات العربية، فالشباب هم الأكثر تهميشًا والأكثر فقرًا ومعاناة من إنسداد الأفق، وحينما وصل للعجز عن العيش تمرد وثار. وأصبح واضحاً في السنوات الماضية أن كل المشروع "الوطني" الفلسطيني الذي طرح منذ عام 1974، والخاص بما يسمى حل الدولتين هو مشروع وهمي؛ لأن الدولة الصهوينية لا تريد أي حل، لأنها تعتبر فلسطين هى "اسرائيل"، بالتالي ضاعت المقاومة الفلسطينية التي بدأت وأنهضت العالم وظهرت وكأنها ستحرر العالم وليس فلسطين فقط، لتتحول إلى سلطة فتقزمت وتلاشت تدريجيًا، ثم انقسمت السلطة على نفسها، من هذا المنظور الشباب الفلسطيني صار واضحاً لديه أن الدولة الصهيونية إما أن تنهينا أو ننهيها، لا حل وسط في ذلك، وبالتالي تجاوز الشباب فكرة الدولة الفلسطينية المستقلة في قطاع غزة والضفة الغربية، واعتبر أن هذا "وهم" عمم في مرحلة سابقة، لهذا أندفع لأشكال من النضال تقوم على ما يقدر عليه الشباب، سواء من عمليات قتل للصهاينة أو حركات احتجاجية غير منظمة لكنها تعبر عن الإحتقان الشديد الذي يعيشه الشعب الفلسطيني من احتلال وفقر وتهميش وعنف يومي. _بعض القوى السياسية العربية أشارات إلى أن نوعًا من عمليات المقاومة مثل: الطعن أو تفجيرات داخل عمق دولة الاحتلال تسببت في أضرار كبيرة وتشويه للقضية الفلسطينية وأضاعت فرص كان يمكن أن تحقق نتائج أفضل، كيف ترى هذا الطرح؟ أولا ما أوصلنا الى ما وصلنا إليه ليس المقاومة ولا العمليات، الذي نعيشه اليوم هو نتاج الأزمات المتراكمة التي يعيشها الشعب الفلسطيني من الاحتلال الطويل و القمع والحصار وسحق الهوية كل هذا سؤدي ذلك إلى أشكال من الأعمال يمكن أن نوافق على بعضها أو نرفض بعضها لكن هذا نتاج طبيعي لهذه الحالة، من هذا المنظور كل من يعتقد أن على الشعوب أن تتصرف بشكل قانوني جدا ينطلق من أوهام لأن في النهاية الشعوب تمارس ما تستطيعه من صور للمقاومة، والشعب الفلسطيني يواجه ثلاث قوى تحاصره بصور مختلفة وهى السلطة الفلسطينية في الداخل، ودولة الإحتلال الصهيوني ثم الأنظمة العربية التي تتماهى مع دولة الإحتلال ولديها مصالح كبرى معها، ومن هنا فأي محاولة للخروج في انتفاضة ثالثة يعلم الشباب الفلسطيني جيدًا أنها ستقمع بالأساس من السلطة الفلسطينية، لذلك يلجأ لمواجهة العدو الصهيوني مباشرة عبر عمليات فردية. الإشكالية الآن هى إعادة بناء المشروع الوطني الفلسطيني لأن في التاريخ كام هناك العديد من الصراعات التي لا تؤدي إلى نتائج أو تسويات وتظل معلقة، والمشروع الفلسطيني التحرري يتكون من عدة مستويات أولًا ضرورة وجود رؤية عربي داعم وفاعل في مقاومة ومواجهة دولة الاحتلال، خصوصًا أن الدولة الصهيونية قوى عسكرية متقدمة تهيمن على المنطقة العربية ككل ولا تستطيع المقاومة الفلسطينية تدميرها وحدها، ثانيًا دور فلسطيني واضح في تحديد أشكال الصراع التي تبدو متعددة وليست شكلا واحدا، وثالثًا يجب أن نرى وضع الدولة الصهيونية من الداخل ومشكلتها الداخلية، ونقوم بطرح تصور يعمل على تفككيك هذه الدولة من داخلها.