كتب : عمار عبد الواحد – جمال عبد المجيد – أحمد الأنصاري – محمد الحسيني دفعت الحالة الاقتصادية الصعبة، التي تمر بها البلاد في الوقت الحالي، ممزوجة بارتفاع نسبة العنوسة، الفتيات بمختلف مستوياتهن التعليمية من أبناء قرى ومدن ومراكز محافظات الصعيد إلى السفر خارج البلاد، خاصة إلى الدول العربية؛ للبحث عن فرص عمل تكفيهن احتياجاتهن المعيشية اليومية، بعدما استطعن كسر العادات الصعيدية والقيود التي فرضها عليهن المجتمع. واستطاعت تلك الفتيات، اللاتي تغلبن على العادات الصعيدية المتأصلة، والمتمثلة في عدم سفر الفتاة أو بياتها ولو ليلة واحدة خارج المنزل، البحث عن فرص عمل بدول أخرى عن طريق الإنترنت. "البديل" تواصلت مع عدد من الفتيات اللاتي سافرن إلى دول عربية.. في البداية تقول "م. م." مدرس تربية رياضية من مركز طما: سافرت للعمل في مدرسة بدولة عُمان منذ أكثر من 5 شهور بمفردي، بعدما ضاق بي العيش في محافظتي، والتي صُنفت كثاني أفقر محافظة على مستوى الجمهورية. وعن تجربة السفر قالت مدرس التربية الرياضية إن الفكرة عالقة في ذهني منذ أكثر من 3 أعوام، ولكن لم أجد الفرصة الملائمة لي كفتاة، وعندما حصلت عليها عبر الإنترنت، تواصلت مع مدير المدرسة الذي أعلن عن حاجته لمعلمات بنفس تخصصي، ولكن هناك مشكلة كبرى واجهتها، وهى اشتراط وجود شهادة خبرة تتضمن أنني عملت كمدرسة في مدرسة ابتدائية لمدة 3 سنوات، وهو ما لم أتمكن من توفيره، وعليه قمت بشرائها بأكثر من 7 آلاف جنيه، وعقب ذلك أخبرت والدي وأخي بوجود فرصة عمل لي في دول أخرى، وتحول عقبها المنزل إلى ساحة قتال، ووصل الأمر لأن يقوم شقيقي بضربي اعتراضًا على سفري، إلا أن والدي التمس لي العذر، خاصة أنني أنهيت دراستي منذ 5 سنوات، ولم أتمكن من إيجاد عمل، ولم يكرمني الله بزوج مناسب. وتابعت: لو تمكنت من إيجاد فرصة عمل في قريتي أو حتى المحافظة بأجر يمكنني من العيش عيشة كريمة، لما فكرت في السفر نهائيًّا. واتفقت "ه. ع."، حاصلة على بكالوريوس صيدلة، في المعاناة التي واجهتها لكي تقنع والدتها بالسفر لدولة قطر؛ لكي تعمل في العلاقات العامة بإحدى الشركات، مشيرة إلى أن المشكلة لم تقتصر على الإقناع، بل إن المصاريف التي احتاجتها للسفر تجاوزت ال 15 ألف جنيه. وتابعت: عقب سفري وجدت أن الكفيل الذي وفر لي عقد فرصة العمل هو المتحكم في كل شيء، ويرغمنا على دفع مبالغ باهظة له. ولم يقتصر الأمر على سيطرة الكفيل، فزوجته تشاركه في إمارته علينا، وكأنهم اشترونا، حسب قولها. وقالت "آ. ي."، معلمة في مدرسة بدولة عُمان: تركت زوجي وأبنائي، بعدما وجدت فرصة العمل في تلك المدرسة، وكان قرار السفر وترك زوجي وأبنائي موتًا بالنسبة لي، ولكن حالتنا المادية كانت صعبة للغاية، في ظل ارتفاع الأسعار المبالغ فيه، وهذا ما دفع زوجي إلى الموافقة. ومن الغريب أنه عند مجيئي لدولة عمان، وجدت السكن الذي وفره لي الكفيل به أكثر من 15 معلمة مصرية، بينهن 7 متزوجات اضطررن مثلي لترك عائلاتهن وأسرهن، وأخريات لم يسبق لهن الزواج. وقالت الدكتورة عزة عثمان، رئيس قسم الإعلام بجامعة سوهاج والمستشار الإعلامي لمحافظة سوهاج، إن الحالة الاقتصادية وزيادة البطالة السبب الرئيسي لبحث الفتيات عن فرص عمل عن طريق السفر لخارج البلاد. وأكدت أن قلة فرص العمل، مضافًا إليها ارتفاع الأسعار بعد قرار تعويم الجنيه، دفعت الفتيات والشباب على حد سواء للبحث والسفر إلى خارج البلاد، مشيرة إلى أن الجانب الاقتصادي المتدني في غالب الأسر يدفع الشباب من الجنسين للخروج والعمل في أي مكان وأي مجال. ولفتت إلى أن للعنوسة وتأخر سن الزواج علاقة مباشرة ودور كبير في اتجاه الفتيات للسفر للخارج، مشيرة إلى أن الفتيات لهن الحق في البحث عن عمل من أجل إثبات الذات، إلا أن هناك تحديات اقتصادية واجتماعية تواجه أية فتاة بالصعيد عند سفرها للخارج، فما زالت نظرة المجتمع للفتاة دونية، مؤكدة أن البنت قادرة على العمل وكسب لقمة عيش كالرجال تمامًا. من جهتها قالت الدكتورة نجاح التلاوي، مقررة المجلس القومي للمرأة بالمنيا، ل "البديل" إن لجوء فتيات الصعيد اللاتي تعدين السن المعتادة للزواج للسفر خارج محافظاتهن أو خارج الجمهورية له عدة تفسيرات، ومنها عدم وجود فرص عمل بمحافظاتهن، وعدم وجود ما يربطهن بالاستمرار داخل البلاد، إضافة إلى ضعف الرواتب بمحافظات الصعيد وعدم تمكينهن اقتصاديًّا، الأمر الذي يدفع الفتيات إلى التفكير في التمكين الاقتصادي كطريقة وحيدة تجعل لهن نصيبًا في الزواج، خاصة أن الرجال أغلبهم عند الشروع في الزواج يبحثون عن الشريكة الموظفة التي تساعدهم في تحمل أعباء الحياة. وعن رأيها في سفر الفتيات اللاتي تخطين سن الزواج، قالت إن المرأة الآن أصبحت صانعة قرار، ولها مواقف إيجابية، وتستطيع السفر والتنقل من أجل إثبات نفسها وتحقيق طموحاتها، بما لا يتعارض مع عاداتها وتقاليدها المعتدلة التي تزيدها ثقة بنفسها، مؤكدة أن للسفر فوائد كثيرة، تعود بالنفع على الفتيات وعلى مجتمعها؛ مما يعزز ثقافتها وهويتها، لأنها تنقل ثقافتها الصعيدية الأصيلة، وتكتسب ثقافة جديدة، تجعلها أكثر وعيًا ومشاركة لمجتمعها، خاصة وأن الثقافة المغلقة لا تبني مجتمعات راقية متقدمة ولا متوافقة مع سياسة التنمية المستدامة التي ينادي بها رئيس الجمهورية، مؤكدة أنه لا ضير من سفرها للعمل؛ لتمكينها في جميع مجالات الحياة وتنمية هويتها وتقدم مجتمعها. وأضافت نهله عبد السلام، خبير الاستشارات الأسرية، أن سفر المرأة للعمل له عدة أسباب، ومن أهمها الفقر والحاجة وقلة الحيلة، ولكن تعاني بعض السيدات في الصعيد من مجتمع يقدس البعض فيه العادات والتقاليد البالية، ويفضلها حتى علي مبادئ الدين، مضيفة أن المجتمع اختزل المرأة في شخصية ضعيفة وذكاء محدود، فهي دائمًا في موضع النقص والضعف، ويقوم بغرس القيم المزدوجة والضبابية في عقلها منذ الصغر، ويوهمها بأنها عبء وهم، وهذا الهم لن ينتهي بزواجها فقط، بل لمماتها، وعند وفاة زوجها أو طلاقها أو تأخرها في الزواج، يحتم عليها أن تعيش على ذكريات نافقة، وأن تأخذ كل الحيطة والحذر في تصرفاتها، فلا سبيل لطموح؛ لأنه زائف ولا لحلم؛ لأنه مستحيل. ومن جانبه قال الدكتور مختار مرزوق عبد الرحيم، العميد السابق لكلية أصول الدين بجامعه الأزهر فرع أسيوط: الأصل في سفر المرأة أنها لا تسافر إلا مع محرم كما أخبر النبي – صلى الله وعليه وسلم – في الأحاديث المشهورة عنه، مضيفًا أن بعض الفقهاء رأوا أن تسافر المرأة لحج بيت الله الحرام مع الرفقة الآمنة، وهو رأي أخذت به دار الإفتاء، ونشر في كثير من فتاواها. وأما عن سفر المرأة إلى خارج البلاد للعمل بالصورة المعروفة الآن فالظروف والأحوال والملابسات تبين أنه يحرم عليها أن تسافر إلى الخارج إلا مع محرم. فيما قال الشيخ عبد الرحمن اللاوي، مدير المساجد بمديرية أوقاف سوهاج: لقد أجاز كثير من العلماء سفر المرأة إلى الخارج للعمل إذا تَوَفَّر الأمن في الإقامة بِبلد السفر، وقال بعض الفقهاء يجوز للمرأة أن تسافر بدون مَحرَم بشرط اطمئنانها على الأمان في دينها ونفْسها وعِرضها في سفرها وإقامتها وعودتها، وعدم تعرضها لمضايقات في شخصها أو دينها.