في أول خطاب له بعد عودته إلى الخرطوم من منفاه الاختياري بالقاهرة، قال زعيم حزب الأمة القومي المعارض، الصادق المهدي، إنه عاد من أجل إيقاف الحرب وإقامة السلام والديمقراطية واستعادة الحريات، وبينما رحب حزب المؤتمر الوطني الحاكم بعودة المهدي إلى البلاد مع دعوته إلى الانضمام إلى الحكومة الجديدة، استبعد مراقبون قبول زعيم حزب الأمة بذلك. عودة المهدي عاد المهدي إلى الخرطوم بعد غياب يقارب الثلاث سنوات، عاش خلالها متنقلًا بين دول وعواصم إفريقية أوربية قبل أن يستقر به المقام في القاهرة، والتي كان قد توجه إليها عقب إطلاق سراحه من آخر اعتقال له من حكومة البشير. عودة المهدي للخرطوم تأجلت عدة مرات، كان آخرها بسبب العصيان المدني في السودان ديسمبر الماضي، وتم تحديد ذكرى تحرير الخرطوم الذي يصادف 26 يناير كموعد لقدومه. زعيم حزب الأمة حظي باستقبال شعبي كبير لدى استقباله بالخرطوم، وأكد المهدي خلال خطابه لأنصاره أنه عاد من أجل المساهمة في إيقاف الحرب واستدامة السلام في البلاد، وقال "كل الذين في الخارج اتحدوا على كلمة واحدة، وهي أننا نريد أن نوقف الحرب، ونريد أن نقيم السلام، ونريد أن نقيم الديمقراطية، وأن نسترد للناس حرياتهم". موقف الحزب الحاكم من عودة المهدي أعلن حزب المؤتمر الوطني الحاكم ترحيبه بعودة المهدي، وكشفت قيادات من الحزب عن اتصالات جرت مع المهدي، لإقناعه بالمشاركة في الحكومة الجديدة التي يتم التشاور حول تشكيلها قريبًا، كما أكد القيادي في حزب المؤتمر الحاكم، محمد الحسن أمين، أن "عودة الصادق المهدي تمثل إضافة جديدة لمسيرة التوافق الوطني والحوار الوطني، على الرغم من موقفه المعارض، لكن وجوده داخل السودان مرحب به أكثر من البقاء خارج السودان". أنصار المهدي أنصار رئيس حزب الأمة الذين احتشدوا بمكان الاحتفال أعربوا عن سعادتهم بعودة زعيمهم، وطالبوه بضرورة الاستمرار في نهج التغيير السلمي للسلطة، حيث يرى البعض أن الانتفاضة الشعبية هي الخيار الراجح للتغير الديمقراطي المرتقب، لذلك فإن عودة المهدي كانت ضرورية لتعبئة الرأي العام السوداني، إلى جانب توحيد جميع الأحزاب السودانية، سواء حزب الأمة أو الاتحاد الديمقراطي وغيرهما من الأحزاب. المهدي والحكومة الجديدة يعتقد مراقبون للوضع السياسي في السودان، كالمحلل فيصل محمد، أن المهدي لن يشارك في الحكومة الجديدة؛ بسبب تحالفاته مع قوى المعارضة السودانية، لكنهم أكدوا أن عودته ستسهم في تحريك المشهد السياسي، فعلى مستوى المواقف لا يوجد هناك أي دلائل على تغير في مواقف المهدي المعارضة للنظام السوداني الحالي. المهدي والمعارضة السودانية قبل أسبوع كان المهدي في زيارة لباريس؛ لحضور اجتماع مع مجموعة "نداء السودان"، وخلال الاجتماع أكد المهدي لحلفائه موقفه من حكومة البشير (لا تشمل رئيسًا بل مستشارين ووزراء) ورفضه أي تسوية سياسية لا تحقق شروط خريطة الطريق التي أقرّها وحلفاؤه مع الحكومة السودانية في أديس ابابا العام الماضي، برعاية الاتحاد الإفريقي وجهات دولية، والتي تراجعت عنها السلطات السودانية لاحقًا، وهو الأمر الذي قد يصعد المشهد السياسي في السودان في حال طرح المهدي نفسه كقائد للمعارضة، وعمله على توحيد كتلتيها الرئيسيتين، وهما حزبا "نداء السودان" الذي تغلب في تشكيلته الحركات المسلحة المعارضة، و"تحالف قوى الإجماع" (ذو الثقل السياسي المعارض في الداخل)، وكانت حركات من المعارضة السودانية قد دعت كوادرها إلى المشاركة في حفل استقبال المهدي، بينها "الحركة الشعبية قطاع الشمال" (تقاتل الحكومة في النيل الأزرق وجنوب كردفان)، و"حركة تحرير السودان" (دارفور)، إضافة إلى "تحالف قوى المستقبل". وتأتي عودة الصادق المهدي، آخر رئيس وزراء سوداني منتخب، في توقيت حساس، يجهد فيه حكم الرئيس السوداني، عمر البشير، لتجاوز الأزمتين السياسية والاقتصادية بأقل فاتورة ممكنة، كما أنه عودة المهدي بعد نحو شهر من إقرار التعديل الدستوري، الذي يُعيد منصب رئيس الوزراء المُلغى منذ انقلاب 1989. الجدير بالذكر أن الصادق المهدي، والراحل حسن الترابي، مؤسس وأمين عام حزب المؤتمر الشعبي المعارض، يعدان أهم زعيمين سياسيين في السودان، وتجمعهما علاقة مصاهرة، لكل منهما توجهه السياسي، وقد دعم الترابي (أحد أبرز الوجوه العربية التي تدور في فلك الإخوان المسلمين) انقلابًا ضد المهدي عام 1989، كان يقوده عمر البشير نفسه، وهو الانقلاب الذي سمح ل"الإخوان المسلمين" بالحصول على سطوة كبيرة في المجتمع السوداني.