بعد نحو 15 عاما من القطيعة، قابل الرئيس السوداني عمر البشير، الجمعة، الزعيم الإسلامي المعارض حسن الترابي بالأحضان ،وسط مخاوف من توحيد صف القوي الإسلامية ضد العلمانيين بالسودان. وخلال اللقاء الذى جرى في مقر اقامة الرئيس بالعاصمة الخرطوم، اتفق البشير، مع الأمين العام لحزب المؤتمر الشعبي المعارض، حسن الترابي، على أن تشمل الدعوة التي وجهها الأول للحوار في وقت سابق، “كل القوى السياسية دون استثناء أي حزب أو جماعة مسلحة”.
تجدر الإشارة، إلى أنه سبق للبشير والترابي أن التقيا أكثر من مرة، ولكن في مناسبات اجتماعية وليس سياسية، وهذا اللقاء يعد الأول بينهما منذ قرابة 15 عاما.
ويعتبر الترابي المؤسس الفعلي للحركة الإسلامية بالسودان التي تمثل امتدادا لجماعة الإخوان المسلمين بمصر، ومهندس الانقلاب العسكري الذي أوصل البشير إلى السلطة في العام 1989 قبل أن يختلف الرجلين في العام 1999 ويؤسس الترابي حزب المؤتمر الشعبي المعارض بينما ناصر البشير كثير من تلامذة الترابي.
وعلى مدار 15 عاما من القطيعة بين الرجلين، أعتقل جهاز الأمن السوداني الترابي أكثر من مرة ولعدة أشهر تحت دعاوى مختلفة منها التخطيط لانقلاب عسكري.
كما اعتقل الترابي عام 2009 بعد تأييده لقرار المحكمة الجنائية الدولية بتوقيف البشير ل "ارتكابه جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية وإبادة جماعية في اقليم دارفور" غربي البلاد حيث تحمل حركات مسلحة السلاح وتسعى لإسقاط البشير.
ويقول قادة حكوميين أن حركة العدل والمساواة – وهي أقوى الحركات المسلحة في دارفور – هي الجناح العسكري لحزب الترابي حيث أعتقل جهاز الأمن الأخير عقب غزو الحركة التي يهيمن على قيادتها كوادر إسلامية معروف عنها قربها من الترابي للعاصمة في العام 2008 .
وقبل الترابي دعوة البشير للقوى السياسية المعارضة للحوار دون شروط مسبقة كما فعلت غالبية القوى المعارضة أبرز مفأجاة للساحة السياسية في العقد الماضي بسبب الصراع العنيف بين الحزبين والملاحقات الأمنية بحق أنصار الترابي.
ومنذ قبول الترابي لدعوة البشير تتحدث الأوساط السياسية عن تقارب بين الإسلاميين على خلفية ما تعرضت له جماعة الأخوان المسلمين في مصر منذ نهاية يونيو الماضي.
وقال الصادق المهدي زعيم حزب الأمة القومي أكبر الأحزاب المعارضة في مؤتمر صحفي الخميس تعليقا على الحديث عن تقارب الإسلاميين ” إذا اجتمعا للعودة للمربع الأول الذي أذاق السودان عشر سنوات من التمكين والإقصاء والقهر فسوف نعارضهم كما فعلنا منذ البداية وإذا كان اتحادهما لصالح الأجندة الوطنية فنحن نرحب به ونعتبره جزءا من ترميم الجسم الوطني المطلوب”.
وحذر المهدي وهو آخر رئيس وزراء منتخب أنقلب عليه الجنرال البشير مدعوما من الترابي في 1989 من انتقال الاستقطاب في المشهد المصري ما بين أنصار الإخوان المسلمين ومعارضيهم إلى السودان قائلا "التكوينات السودانية ذات المرجعية الإخوانية يتوقع أن تنحاز مع الإخوان وتجر للبلاد كل الإجراءات الموجهة ضد كافة ذوي المرجعيات الإخوانية والتكوينات السودانية ذات المرجعية العلمانية يتوقع أن تنحاز للموقف المضاد وتجد دعماً من جبهة اجتثاث الإخوان”.
ويشير المهدي إلى كتلة الأحزاب العلمانية وأبرزها الحزب الشيوعي الذي ينظر إليه كواحد من أقوى الأحزاب الشيوعية في الشرق الأوسط وأفريقيا وحزب البعث العربي الإشتراكي وحزب المؤتمر السوداني وثلاثتها تحظى بنفوذ قوي وسط المثقفين والمهنيين والشباب والطلاب.
وتتبنى 2 من أقوى الحركات المسلحة في دارفور هي حركة تحرير السودان جناح اركو مناوي وحركة تحرير السودان جناح عبد الواحد نور بجانب الحركة الشعبية قطاع الشمال التي تحارب الحكومة في ولايتين متاخمتين للجنوب توجهات علمانية .
وأكبر حزبان في البلاد بحسب آخر انتخابات معترف بها أجريت في 1986 هما حزب الأمة القومي والحزب الإتحادي الديمقراطي بقيادة محمد عثمان الميرغني وللحزبان مرجعية إسلامية.
والحزب الإتحادي يمثل إئتلافا بين الطريقة الختمية وهي أكثر الطرق الصوفية نفوذا في السودان وبين نخبة من المثقفين والتجار والمهنيين.
ويقول المهدي أن حزبه “من دعاة الإتجاه المدني بمرجعية إسلامية” وهو ما ينطبق أيضا على حزب الميرغني.
ويعلل البعض دوافع البشير للمصالحة مع الترابى وحزبه بمحاولة لملء الفراغ الناجم عن إبعاد عثمان طه النائب الأول السابق للرئيس ومجموعته، وإرسال رسائل طمأنة إلى صفوف الحركة الإسلامية السودانية أنه مازال ينتمى إليه، وأنه جزء منها، وأنه لايهدف لإقصاء الإسلاميين، وحتى يحجم سلطة طه على الموجودين معه فى السلطة منهم، ويرد على من يحاول تصوير إبعاده لطه ومجموعته بانها انقلاب لصالح العسكريين .
ويعكس مايحدث فى السودان تطورات الوضع اقليميًا ، ولاشك أن سقوط حكم الإخوان فى مصر ألقى بظلاله فى صفوف الإسلاميين فى السودان، وأشعرهم بالخطر وعزز لديهم الرغبة فى التوحد لمواجهة أخطار التيار المدنى أو العلمانى الذى لا يعفى أحدا منهم من عواقب أول تجربة حكم إسلامى فى المنطقة.