بعد إعلان وزارة الصحة عن توافر عقاري فاكتور8 وفاكتور9 المعالجين لمرض الهيموفيليا أو نزيف الدم الوراثي، المختفين من الصديليات والأسواق، تحولت صرخات واستغاثات المرضى إلى نظرات يملؤها الأمل والتفاؤل، لكن سرعان ما تبددت الآمال من جديد، وتحولت الأمور إلى الأكثر يئسًا بعد مضاعفة سعر الحقن، فبعدما كانت تباع الواحدة ب1100 جنيه، أصبحت الآن ب2200 جنيه بعد الزيادة الأخيرة للدواء. «كنت بوفر ثمن الحقنة لابني بالعافية وباستلف من أهل الخير، لكن بعد مضاعفة السعر، أتمنى ربنا يريحه ويريحني لأني مش هقدر أشوفه بيتعذب أو فاقد طرف من أطرافه».. هكذا تحدث الحاج سيد، والد حسين المريض بالهيموفيليا، قائلًا ل«البديل»: «ابني مصاب بمرض نزيف الدم منذ أكثر من 10 أعوام، وكنت أحاول دائمًا توفير العلاج المناسب له عن طريق مساعدة أهل الخير لأنني موظف ودخلي غير كاف لتكاليف العلاج الباهظة، ومنذ عدة أشهر بدأت الحقن الخاصة بالمرض في الاختفاء من الصيدليات والمستشفيات». وأضاف الحاج سيد ل«البديل»: «تدهورت حالة حسين بسبب نقص الحقن المعالجة، وعندما أعلنت وزارة الصحة وشركات الأدوية عن توافر الأدوية خلال الأيام القليلة المقبلة، بدأ التفاؤل يدب في قلبي، لكن سرعان ما تحول التفاؤل إلى يأس تام، عندما علمت سعر الحقنة بعد زيادة أسعار الأدوية، وأتمنى أن يريحني الله قبل أن أرى طرفا من أطراف ابني مبتورة بسبب عدم قدرتي على توفير العلاج». وتساءلت سلوى عبد الله، والدة أحمد المصاب بالمرض: «كيف أتمكن من توفير العلاج لابني بهذا المبلغ غير المنطقي؟»، مضيفة: «في البداية، كنت أحاول توفير العلاج عن طريق عملي وعمل والده، ولكن الآن الأمر أصبح شبه مستحيل، خاصة أن مرضى الهيموفيليا خارج التأمين الصحي، ما يجعل الأمر أكثر صعوبة وإرهاقا لأهل المريض»، متابعة: «منذ إعلان بعض الصحف عن زيادة سعر الدواء، بدأ أمل العلاج يتلاشى لدى عدد كبير من المرضى». وقال سعد سمير، أحد المرضى المصابين بالهيموفيليا: «علاج المرض مكلف للغاية، وللأسف حالتي تدهورت بسبب نقص العقار، والأطباء اتخذوا قرارا ببتر ساقي إذا استمر الوضع على ذلك»، مضيفا: «انتابني شعور بالأمل حينما أعلنت الشركات المنتجة عن توافير جميع الأدوية غير الموجودة في الأسواق، وأتمنى أن يتراجع الأطباء عن قرار بتر ساقي في حال تحسن حالتي بعد توافر الدواء، وأتمنى أيضًا أن تنظر وزارة الصحة وشركات الأدوية بعين عطف واحدة على مرضى الهيموفيليا، الذين يفقدون أطرافهم بسبب قلة العلاج أو زيادة أسعاره على المواطنين الغلابة». «الهيموفيليا».. أزمة على طاولة الحكومات المتعاقبة لم تكن صرخات مرضى نزيف الدم وليدة اليوم، بل قديمة، منذ عصر الرئيس الأسبق حسني مبارك، لكن المشكلة تتفاقم كل يوم، ففي عهد المخلوع، تقدم مرضى الهيموفيليا بطلب إلى الدكتور أحمد نظيف، رئيس الوزراء آنذاك؛ لتوفير الدواء المحلي المعالج لهم بكثافة، الذي كان يبلغ سعره وقتها 60 جنيها لحقنة الفاكتور8 والفاكتور9. وكان المرضى يعتمدون على العلاج المحلي بنسبة أكبر، لكنه لم يكن متوفرا بكميات كبيرة للمرضى، ما دعاهم إلى عرض مطالبهم على الحكومة من خلال وقفة احتجاجية أمام مجلس الوزراء, ثم جاءت حكومة الدكتور حازم الببلاوي، واتخذت قرار بإغلاق المصنع المنتج لعقار الفاكتور المحلي بسبب عدم مطابقة المواصفات القياسية للجودة، إلى جانب عدم وجود سيولة مادية، وتم فرض علاج بديل للمرضى وقتها، وهو العلاج بالبلازما والكرايو، ما أدى إلى إصابة 80% من مرضى الهيموفيليا بفيروس سي. الأمر الذي دفع المركز المصري للحق في الدواء إلى المطالبة بتأهيل أطباء الباطنة للمرض الخطير بجميع مستشفيات الجمهورية، مع العمل على فتح أقسام بجميع المستشفيات لمرضى الهيموفيليا، وإعادة التعجيل بفتح مصنع الفاكتور بمصر كما كان سابقًا، مع مواكبة التطوير فى العلاج المستخدم، وتقدم المركز ببلاغ إلى النائب العام يحمل رقم 508 ضد رئيس مجلس الوزراء الدكتور حازم الببلاوي، والدكتور مجدي الإكليني رئيس جمعية أصدقاء مرض النزف، ولم تتوقف معاناة مرضى الهيموفيليا عند هذا الحد، لكن ظلت الأزمة تتطور حتى وصلت إلى الذروة بعد زيادة سعر عقار الفاكتور8 والفاكتور9 إلى الضعف. أطباء: بعد زيادة سعر الدواء.. آلاف المرضى بانتظار بتر أطرافهم وقال رمزي رائد، أخصائي أمراض الدم، إن زيادة سعر الأدوية الخاصة بمرضى الهيموفيليا بشكل مبالغ فيه سوف تضاعف آلام المرضى، وتهدد ببتر أطراف الآلاف منهم، مؤكدا أن مرض نزيف الدم بحاجة ماسة إلى توافر العقار بصورة مستمرة؛ لأن غيابه يمثل خطورة على حياة المريض، مضيفا أن زيادة أسعاره تغل يد المرضى عن توفيره، وسيكونون مهددين بفقدان أطرافهم أو فقدانهم حياتهم بصورة كاملة. وأوضح سيد حربي، أخصائي أمراض الباطنة، أن مشاكل مرضى الهيموفيليا لا تكمن فقط في نقص العلاج أو زيادة أسعاره، بل في قلة أعداد الأطباء المؤهلين لعلاج المرض من الأساس، ما يجعل المرضى في المستشفيات بانتظار الأطباء المعالجين، حتى تتدهور حالة المرضي وقد يتعرضون لفقدان أطرافهم، مؤكدا ل«البديل» أن أخصائيي الباطنة بحاجة إلى دورات تأهيلية، ثم توزيعهم على المستشفيات لعلاج المرض والتعامل معه بأقصى سرعة، محذرا من أن سعر الدواء المرتفع سوف يؤدي إلى عدم علاج شريحة كبيرة من المرضى.