حالة من الجدل أثارها اقتراح البرلمان مشروع قانون لتغيير «سياسة العقاب بالسجون»، واستبدال مشروع مزارع قومية لزراعة السلع الاستراتيجية في مصر مثل القمح والعدس والأرز وغيرها مكانها، حيث سيتم إنشاء مزارع ضخمة تضم قرابة 100 ألف فدان بالمحافظات بدل السجون والزنازين، على أن يتم تقسيم المساجين لنوعين، الأول هم الخطر على المجتمع، ويتم التعامل معهم بالآليات العقابية الحالية، والثاني الذين وضعتهم الظروف في محل الجريمة، والقانون الجديد مَعنيّ بالفئة الثانية. ووصف الخبراء القانون بأنه يحمل مميزات وقدرًا من التحفظات، خاصة في ظل تكدس السجون بآلاف من المتهمين، واحتياج المشروع لميزانية ضخمة لتطبيقه بشكل فعال. وقال اللواء مجدى البسيوني، الخبير الأمني، في تصريحات خاصة ل«البديل»: فلسفة مشروع القانون جيدة جدًّا، وإن كان هذا النشاط الزراعي والصناعي قائمًا بالفعل، لكن داخل أسوار السجن والعنابر، ويتميز مشروع القانون الجديد بعدم عودة المسجونين إلى العنابر وإقامتهم داخل قرية كبيرة أو منتجع يضم الحرف والصناعات المختلفة. وأضاف أن تلك الفكرة تحمل عدة مميزات، خاصة إزاء المسجونين الذين ليس لهم نشاط إجرامي متكرر، مثل هؤلاء المسجونين في قضايا تسديد أقساط بنكية أو شيكات بدون رصيد أو مصاريف نفقة وغيرها، وحمايتهم من الإقامة مع المسجونين محترفي الإجرام والمسجلين خطر على الأمن القومي، ومن ثم عدم تأثرهم بهم وتحولهم بعد سنوات إلى مجرمين غير قابلين للإصلاح. وتابع: المشروع سيزيد من الإنتاجية وليس الأرباح فقط للمسجونين، مضيفًا أنه يقترح ضم مشروع القانون بنودًا تنص على منح كل مسجون بمجال الزراعة قطعة أرض لا تقل عن فدان ملحقة بقرية السجن، يستصلحها ويكسب قوته منها بعد قضائه مدة السجن، ومن ثم حمايته من العودة للإجرام أو السرقة أو الانحراف من جديد، وأيضًا المسجونين العاملين بالحرف كالحدادة والنجارة، وعلى الدولة أن توفر لهم ورشًا حرفية بعد تمضية عقوبتهم. وأوضح بسيوني أن له تحفظات على بعض نصوص مشروع القانون، منها إقامة المسجون في تلك القرية الجديدة مع أسرته، وهي فكرة غير منطقية تقضي على فلسفة السجن بأنه تقييد لحرية المسجون، ومن ثم لا يعقل أن نوفر له بعد إخراجه من العنابر للعمل والزراعة والصناعة أيضا إقامة لأسرته واستقباله للضيوف؟! واختتم بأنه يطالب البرلمان بإقرار المشروع سريعًا؛ لأنه يترجم فلسفة السجن بأنه مكان للإصلاح والتهذيب والتأديب، وليس عقوبة صماء لا تفيد المجتمع ولا المسجون، فضلًا عن مساعدة الدولة على توفير نفقات جمة في رعاية المسجون من مصاريف الإعاشة في المأكل والمشرب والملبس والرعاية الصحية، ويصبح المسجون عضوًا فاعلًا يساهم في الإنتاج، ويحصل على الأرباح، ويضيف عائدًا اقتصاديًّا للمجتمع بصفة عامة. بينما يرى نجيب جبرائيل، رئيس منظمة الاتحاد المصري لحقوق الإنسان، أن مقترح القانون جيد، لكنه غير قابل للتطبيق على أرض الواقع، في ضوء الإمكانيات الضعيفة لوزارة الداخلية ولإدارة مصلحة السجون، وفي ظل تكدس السجون بآلاف المجرمين على اختلاف درجات قضاياهم بين البسيطة وشديدة الخطورة. وأضاف جبرائيل في تصريحاته ل«البديل» أن نظام السجون شبه المفتوحة التي يتبناها مشروع القانون يحتاج إلى ميزانية ضخمة لتوفير الضمانات الأمنية كافة لمراقبة هؤلاء المسجونين ومنعهم من الهرب، وفي الوقت ذاته تطبيق قواعد السجن ومفردات العقوبة لإصلاح المسجون. وتابع: حتى الآن إدارة مصلحة السجون لا تستطيع تطبيق لائحة السجون من الرعاية الطبية والاجتماعية والحقوقية على المسجونين، فعندما تنقل المسجون بعربة الترحيلات إلى المحاكم أو النيابات، لا تستطيع توفير الحد الأدنى في تصنيف المسجونين، ونرى العربة تضم بالغين مع أحداث مع جناة عتاة في الإجرام مع موظف مُرتشٍ بألف جنيه! وأكد رئيس الاتحاد المصري لحقوق الإنسان أهمية توفير الرعاية للمسجونين، بل يجب أن يكون هدفًا أساسيًّا للدولة بصفة عامة، وأن تحرص على توفير فرص عمل للمسجونين بعد قضاء عقوبتهم، مؤكدًا أن ذلك قابل للتطبيق عن فكرة السجون شبه المفتوحة. يذكر أن أحمد رفعت، عضو مجلس النواب، قال في تصريحات صحفية، إنه يعد الآن مشروع قانون لتغيير سياسة عقاب المساجين، لتحويل المسجون من عنصر مستهلك مكلف للدولة إلى شخص منتج يفيد المجتمع، فالمسجون يكلف الدولة يوميًّا 300 جنيه، الأكل والشرب وحراسة وتنقلات بين السجن والمحكمة. وأضاف رفعت: أقترح إنشاء سجن مفتوح عبارة عن قرية مغطاة بالأسلاك الشائكة والحراسة المشددة من كاميرات مراقبة وضباط، ويتم إنشاء القرية بصحراء توشكى بعيدًا عن العمار، ويستصلح المساجين الأراضي الصحراوية ويزرعون المحاصيل الزراعية التي نستوردها من الخارج، وتنشأ بداخل القرية وحدة صحية لعلاج المساجين، وجمعية زراعية تمدهم بمستلزمات الزراعة، وإنشاء مزارع لتربية الدواجن والحيوانات.