"حارة السقايين".. عبارة محفورة على قطعة نحاسية معلقة بإحدى الحارات في حي عابدين بمحافظة القاهرة، وتعود التسمية إلى السقايين الذين سكنوها منذ أكثر من مائة عام، وكانت تعيش بها "شفيقة القبطية" أشهر مغنية في القرن العشرين، وولد بها الشاعر أحمد رامي، لكنه تركها منذ طفولته. تبدو الحارة وكأنها حي مستقل لما تضم من حواري صغيرة، ويوجد بها حارة تسمى "الزير المعلق" ويعود الاسم إلى انتشار الأزيار بها أمام بيوت الأغنياء والفقراء قديماً، وكان يوجد شخص واحد يعلق الزير ويربطه بالسلاسل الحديدية خوفاً من سرقته، لذلك سميت ب"الزير المعلق". اكتسبت حارة السقايين شهرتها من سكانها، حيث عاش بها محمد دري، صاحب أول مطبعة لطباعة الكتب الطبية في الشرق الأوسط، كما يسكن بالحارة الإنجليزي المعروف إدوارد وليام لين، الذي كان يعتبر نفسه من أولاد البلد، فأطلق على نفسه منصور أفندي، مؤلف كتاب "المصريون المحدثون عاداتهم وتقاليدهم"، وأيضا من سكان الحارة بطرس باشا غالي، أول رئيس وزراء مسيحي في تاريخ مصر، وجده بطرس بطرس غالي، سكرتير عام الأممالمتحدة سابقاً، وداود بركات الذي تولى رئاسة تحرير "الأهرام". كانت مهنة السقايين تنتشر فى مصر قبل إنشاء محطات وشبكات المياه الداخلية ودخول المياه إلى المنازل، وكان السقا يملأ قربته المصنوعة من الجلد بمياه النيل ومن الآبار أو الخليج المصري الذي كان يصب في ترعة الإسماعيلية، الذى يبدأ من شارع بور سعيد ثم يتفرع ليصب في حارة السقائين. وبعد أن يملأ المياه تبدأ رحلته فيجوب الشوارع، يملأ للناس أكوابا ليشربوا، ويروي دكاكين بيع المياه والمساجد والمدارس والمنازل وأسبلة الشرب العامة، وتعتبر هذه المهن من الوظائف المهمة في عصر الخلفاء والفتح الإسلامي، وكان هناك ما يسمى ب"شيخ الطائفة" مسؤول عن كل العاملين بالمهنة، وكان يوجد أماكن التجمعات وأماكن للسكن. لم يقتصر دور السقا على نقل المياه إلى المنازل، بل كان يلعب دور رجل المطافئ، حيث كان يستدعى لإخماد الحرائق، بالإضافة إلى رش الأسواق والأزقة في الصباح الباكر قبل أن تبدأ الدكاكين في العمل، وهناك بعض المواسم التي كان يزداد الطلب فيها على السقايين مثل الأعياد والمناسبات والأفراح، وكانت المهنة مربحة جدا تعود على صاحبها بالمال الكثير، فضلاً عن الكسوة التى كان يحصل عليها من الأغنياء فى الأعياد. وانقسم السقايون إلى خمسة طوائف لكل واحدة شيخ يتولى تنظيمها ومسؤول عن مشاكلها بشكل أساسي، وهم طائفة حارة السقايين، وطائفة قناطر السباع، وطائفة تنقل المياه على ظهر الجمال، وطائفة باب اللوق، بالإضافة إلي طائفة باب البحر، نسبة إلى حي "باب البحر" الذي يقع بجانب باب زويلة ويطل على النيل، وكان يتمركز السقايون قرب مصادر المياه، وكان يقدر عدد العاملين ب3 آلاف و876 شخصا عام 1870، وفقاً لكتاب "إحصاءات عن مصر". وكان يتطلب من العاملين في المهنة استخراج رخصة تفيد بأن حاملها تم توقيع الكشف الصحى عليه، وأنه خالي من الأمراض نظرا لصعوبة هذه المهنة والمشقة التي كانت تقع على عاتق السقا الذي يحمل قربة المياه لمسافات بعيدة، وكانت الرخصة تمنح من الداخلية وتضمن المواصفات الجسدية من الطول والوزن والجنسية والمنطقة التي يعمل بها. واختفت مهنة السقا من القاهرة منذ عام 1865، عقب إنشاء شركة المياه وآلات الضخ والأنابيب التي وزعت المياه إلى القاهرة، ولم يتبق منها سوى اسم على لافتة داخل حارة بحي عابدين.