انطلاق الاختبارات الأولية لتحديد المستوى للترشح للبرامج التدريبية بمركز سقارة    وكيل تعليم الإسماعيلية يشيد بصاحبة كتاب "أغاني الطفولة السعيدة"    "الشيوخ" يناقش إعادة هيكلة كليات التربية وخطة "التعليم" لمواجهة التحرش والتنمر والعنف بالمدارس    حسن عبد الله يتسلم جائزة محافظ العام 2025 من اتحاد المصارف العربية (صور)    وزير الطيران يبحث سبل تطوير المطارات المصرية مع عمالقة الصناعة العالمية بباريس    حصاد النواب في أسبوع، الموافقة على الموازنة العامة وتنظيم ملكية الدولة في الشركات    ماكرون: أمن إسرائيل مسألة استراتيجية بالنسبة لنا    الرئاسة في أسبوع.. السيسي يوجه بتعزيز التعاون مع شركات القطاع الخاص.. يصدق على إطلاق مبادرة "مصر معاكم" للأبناء القصر للشهداء.. ويبحث التصعيد الإسرائيلي في المنطقة مع قادة فرنسا وتركيا وقبرص    روسيا: الوضع في الشرق الأوسط خطير.. وقلقون من استمرار التصعيد    الاحتلال يواصل عدوانه على طولكرم ومخيميها لليوم 145 عل التوالي    الشباب السعودي يقترب من ضم نجم جالاتا سراي    إخلاء سكان العقارات المجاورة لعقارَي حدائق القبة المنهارين    موعد ظهور نتيجة الشهادة الإعداداية في القليوبية    القبض على متهمين بقتل شاب في إمبابة    وفاه رئيس احد لجان الثانوية العامة بسوهاج بعد إصابته فى حادث سير داخل المستشفى بأسيوط    مركز إبداع الغوري يستضيف حفلًا لفرقة "الفن الصادق"    وزارة الأوقاف تحيي ذكرى وفاة الشيخ محمد صديق المنشاوي    أسرار استجابة دعاء يوم الجمعة وساعة الإجابة.. هذه أفضل السنن    الرعاية الصحية: مستشفى القنطرة شرق بالإسماعيلية قدمت 7000 خدمة طبية وعلاجية(صور)    بتكلفة 450 جنيها فقط، زراعة قرنية لمسنة في مجمع الإسماعيلية الطبي (صور)    منتخب السعودية يخسر من الولايات المتحدة في كأس الكونكاكاف الذهبية    القومي للأشخاص ذوي الإعاقة يشارك في احتفالية مؤسسة "دليل الخير"    «السلامة وحب الوطن».. موضوع خطبة الجمعة اليوم    حسن الخاتمه.. مسن يتوفي في صلاة الفجر بالمحلة الكبرى    ضبط 12 طن دقيق مدعم قبل بيعها بالسوق السوداء    محمد صلاح ضمن قائمة المرشحين لجائزة لاعب العام في الدوري الإنجليزي    رئيس هيئة الرعاية الصحية: تشغيل مستشفى القنطرة شرق المركزى    حسن الخاتمة.. وفاة مسن أثناء صلاة الفجر بالمحلة    رئيس وزراء صربيا يزور المتحف الكبير والأهرامات: منبهرون بعظمة الحضارة المصرية    قافلة طبية للقومى للبحوث بمحافظة المنيا تقدم خدماتها ل 2980 مواطناً    هل تجاوز محمد رمضان الخط الأحمر في أغنيته الجديدة؟    بعد عرضه على نتفيلكس وقناة ART أفلام 1.. فيلم الدشاش يتصدر تريند جوجل    وكالة الطاقة الذرية تعلن تضرر مصنع إيراني للماء الثقيل في هجوم إسرائيلي    «الرصاصة الأخيرة».. ماذا لو أغلقت إيران مضيق هرمز؟ (السيناريوهات)    أسعار الخضروات اليوم الجمعة 20 يونيو 2025 في أسواق الأقصر    بنجاح وبدون معوقات.. ختام موسم الحج البري بميناء نويبع    الطقس اليوم.. ارتفاع بحرارة الجو وشبورة صباحا والعظمى بالقاهرة 36 درجة    أبوبكر الديب: من "هرمز" ل "وول ستريت".. شظايا الحرب تحرق الأسواق    برشلونة يسعى للتعاقد مع ويليامز.. وبلباو متمسك بالشرط الجزائي    ضمن برنامج الاتحاد الأوروبي.. تسليم الدفعة الأولى من معدات دعم الثروة الحيوانية في أسيوط    "من أجل بيئة عمل إنسانية".. ندوات توعوية للعاملين بالقطاع السياحي في جنوب سيناء    أوقاف شمال سيناء تطلق حملة موسعة لنظافة وصيانة المساجد    حالة الطقس في الإمارات اليوم الجمعة 20 يونيو 2025    وزارة البيئة تشارك في مؤتمر "الصحة الواحدة.. مستقبل واحد" بتونس    إنتر ميامى ضد بورتو.. ميسى أفضل هداف فى تاريخ بطولات الفيفا    شرطة بئر السبع: 7 مصابين باستهداف مبنى سكني وأضرار جسيمة نتيجة صاروخ إيراني    نشوب حريق هائل بعدد من أشجار النخيل بإسنا جنوب الأقصر    أسعار الحديد والأسمنت اليوم الجمعة 20-6-2025 بعد الارتفاع الجديد    إعلام إيراني: إطلاق 3 صواريخ باتجاه مفاعل ديمونة النووي في إسرائيل    التشكيل المتوقع لمباراة فلامنجو وتشيلسي في كأس العالم للأندية    شيرين رضا: جمالي سبب لي مشاكل.. بس الأهم إن أنا مبسوطة (فيديو)    "مش كل لاعب راح نادي كبير نعمله نجم".. تعليق مثير للجدل من ميدو بعد خسارة الأهلي    الاتحاد الأفريقي يعلن مواعيد دوري الأبطال والكونفدرالية    10 صور لاحتفال وزير الشباب والرياضة بعقد قران ابنته    بدأت ب«كيميا» واهتمام و«بوست مباركة» أثار حولها الجدل.. تطورات علاقة أحمد مالك وهدى المفتي    تعرف على ترتيب مجموعة الأهلي بعد خسارته وفوز ميامي على بورتو    قادة كنائس يستعرضون دروس مقاومة نظام الفصل العنصري بجنوب أفريقيا    خبير يكشف كمية المياه المسربة من بحيرة سد النهضة خلال شهرين    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



قاهرة ‬الخديو .. ‬حكايات ‬الخصيان ‬والمجاذيب ‬وحرافيش ‬الحارات
نشر في البوابة يوم 21 - 07 - 2015

مستشرق ‬نمساوى ‬يحاول ‬عزف ‬القرآن ‬ويموت ‬منتحرًا .. ‬والأسطى ‬أحمد ‬نجار ‬بدرجة ‬فيلسوف
فرقة ‬حسب ‬الله.. ‮«‬بِدل ‬منشية ‬ورجلين ‬حافية‮»
أغا ‬يسيطر ‬على ‮«‬الأوقاف» .. ‬وفتوة ‬يناطح ‬سعد ‬زغلول ‬
عربة خديوية وحصان أبيض للأسطى حنفي
تتهادى ‬عربة ‬الأميرة ‬زينب ‬هانم، ‬ابنة ‬الخديو ‬إسماعيل، فى ‬شوارع ‬المحروسة، ‬تجذب ‬الأنظار ‬وتبهر ‬الناظرين، ‬لكن ‬شخصا ‬واحدا ‬كان ‬مهموما ‬بها، ‬هو ‬الحاج ‮«‬حنفي‮»‬، ‬ابن ‬حى ‬عابدين، ‬كان ‬يرقب ‬أبوابها ‬المغلقة ‬وستائرها ‬المنسدلة، ‬وهى ‬تجوب ‬شوارع ‬عابدين ‬أو ‬حين ‬عبورها ‬كوبرى ‮«‬قصر ‬النيل‮»‬، ‬لذا ‬قرر ‬أن ‬يصنع ‬نموذجا ‬يحاكيها، ‬صممها ‬بيديه، ‬لتكون ‬أول ‬عربة ‬من ‬نوعها ‬لزفاف ‬العرسان، ‬بعدما ‬اشترى ‬لها ‬حصانا ‬أبيض؛ ‬لكنه ‬أعلن ‬أنه ‬أعد ‬هذه ‬العربة ‬لزفاف ‬العرائس ‬من ‬بنات ‬الطبقة ‬القادرة ‬فى ‬عابدين ‬وما ‬حولها، ‬لذا ‬كان ‬يتقاضى ‬خمسة ‬جنيهات ‬ذهبية، ‬فى ‬مشوار ‬الزفة.‬
المعلم أمين .. فتوة من مالطة
لم ‬تكن ‬أى ‬زفة ‬لتسير، ‬فى ‬هذا ‬الزمن، ‬من ‬دون ‬حماية، ‬لا ‬بد ‬أن ‬يتقدمها ‬الفتوة، ‬متباهيا ‬بعصاه ‬ونبوته ‬المصنوع ‬من ‬عصا ‬الشوم، ‬أو ‬من ‬خشب ‬يماثل ‬العصى ‬التى ‬كان ‬يستخدمها ‬عساكر ‬بلوكات ‬النظام، ‬الفتوة ‬بطبيعة ‬الحال ‬لا ‬يستطيع ‬أن ‬يدخل ‬إلى ‬حى ‬به ‬منافس ‬له، ‬وعليه ‬أن ‬يسلم ‬قيادة ‬الزفة ‬لفتوة ‬هذا ‬الحي، ‬ثم ‬ينسحب ‬أو ‬يسير ‬خلفه، ‬هكذا ‬كانت ‬أصول ‬الفتونة.‬
من ‬أشهر ‬الفتوات ‬فى ‬حى ‬عابدين ‬هو ‬‮ «أمين ‬المالطي‮»‬، ‬الذى ‬حصل ‬على ‬هذا ‬اللقب ‬بعد أن تم نفيه ‬إلى ‬جزيرة ‬مالطة، ‬بعدما ‬فشل ‬البوليس ‬المصرى ‬فى ‬التصرف ‬معه ‬ومع ‬جرائمه، ‬لتمتعه ‬بالحماية ‬الإنجليزية، ‬أمضى ‬أمين ‬فى ‬المنفى ‬عدة ‬شهور، ‬ثم ‬عاد ‬مرة ‬أخرى ‬إلى ‬القاهرة ‬ولقب ‬نفسه ‬بالمالطي، ‬متباهيا ‬بأنه ‬نفى ‬فى ‬المكان ‬نفسه ‬الذى ‬نفى ‬إليه ‬سعد ‬زغلول، ‬وكان ‬للفتوة ‬نصيب ‬فى ‬كل ‬شيء: ‬الأطعمة ‬والملابس ‬والمال، ‬كما ‬يحصل ‬على ‬‮ «وهبة»‬ ‬معتبرة ‬من ‬أصحاب ‬الفرح ‬وأقاربهم.‬
"خليل الأغا".. أغنى خصى
‮«‬الأغا» ‬هو ‬وصف ‬يحمل ‬كثيرا ‬من ‬المتناقضات، ‬الكلمة ‬لها ‬أصول ‬فى ‬لغات ‬الترك ‬والكرد ‬والفرس، ‬وتطلق ‬على ‬كبار ‬القوم ‬والسادة، ‬مثل ‬لقب ‬الباشا، ‬وفى ‬عصرنا ‬هذا ‬تطلق ‬على ‬مجموعة ‬من ‬الناس ‬تخدم ‬الحرمين ‬الشريفين ‬فى ‬مكة ‬والمدينة ‬المنورة، ‬لكن ‬الكاتب ‬عبد ‬المنعم ‬شميس،
فى ‬كتابه ‬كان ‬يقصد ‬بها ‬صنفا ‬آخر، ‬هم ‬الخصيان ‬الذين ‬يخدمون ‬فى ‬القصور.‬
أشهر ‬الأغاوات ‬فى ‬عهد ‬الخديو ‬إسماعيل ‬هو ‮«‬خليل ‬أغا‮»‬، ‬الذى ‬أُفقد ‬ذكورته ‬منذ ‬كان ‬طفلا، ‬ولذلك ‬كان ‬يسمح ‬له ‬بدخول ‬أماكن ‬الحريم، ‬الحرملك، ‬وقد ‬يبلغ ‬الأمر ‬به ‬أن ‬يدخل ‬مع ‬السيدة ‬فى ‬الحمام، ‬فلا ‬يخشى ‬منه ‬لأنه ‬والسيدة ‬سواء، ‬هذا ‬الرجل ‬تمتع ‬بثراء ‬عظيم، ‬فقد ‬كانت ‬له ‬‮«‬أوقاف‮»‬ هائلة ‬وله ‬فى ‬حى ‬القلعة ‬عمارات ‬سكنية ‬معروفة، ‬كما ‬أطلق ‬اسمه ‬على ‬مدرسة ‬فى ‬العباسية ‬وشارع ‬فى ‬جاردن ‬سيتي.‬
وكان ‬الخديو ‬إسماعيل ‬يلبس ‬خليل ‬أغا ‬‮ «على ‬مزاجه‮»‬، ‬إذ ‬كان ‬يرتدى ‬البدلة ‬الإسطمبولى ‬السوداء، ‬ذات ‬الأزرار ‬المقفولة ‬حتى ‬العنق، ‬والأسورة ‬المنشاة ‬وتوضع ‬بها ‬أزرار ‬ذهبية، ‬وتظهر ‬الياقة ‬عالية ‬فوق ‬السترة ‬ويضع ‬فى ‬قدميه ‬حذاء ‬من ‬جلد «‬الفرنيه» ‬الأسود ‬اللامع ‬وعلى ‬رأسه ‬طربوش ‬قصير ‬بلا ‬زر.‬
تروى ‬الكتب ‬التاريخية ‬الكثير ‬عن ‬مساوئ ‬أسرة ‬محمد ‬علي، ‬لكن ‬الأمر ‬لا ‬يخلو ‬من ‬بعض ‬اللمسات ‬الإنسانية، ‬مثالا ‬بنى ‬أحد ‬الباشوات ‬قصرا ‬فى ‬شارع ‮«‬قولة» ‬قرب ‬بيت ‬مصرى ‬ «عادي» ‬من ‬عابدين، ‬وأراد ‬الباشا ‬عزل ‬قصره ‬عن ‬بيت ‬هذا ‬الرجل، ‬فبنى ‬جدارا ‬عاليا ‬بلغ ‬ارتفاعه ‬خمسة ‬أمتار، ‬فحجب ‬الشمس ‬والهواء ‬عن ‬بيت ‬الرجل، ‬الذى ‬حاول ‬بشتى ‬الطرق ‬الودية ‬التفاهم ‬مع ‬الباشا، ‬لكن ‬بلا ‬جدوي، وكان ‬من ‬عادة ‬الخديو ‬توفيق ‬أن ‬يستقل ‬عربته ‬ويذهب ‬إلى ‬محطة ‬باب ‬اللوق ‬ليركب ‬القطار ‬إلى ‬حلوان، ‬حيث ‬كان ‬له ‬قصر ‬هناك، ‬أصبح ‬مدرسة ‬حلوان ‬الثانوية، ‬وكانت ‬محطة ‬باب ‬اللوق ‬فى ‬ذلك ‬العصر ‬تسد ‬شارع ‬قوله، وفى ‬أحد ‬الأيام ‬انتظر ‬الرجل ‬موكب ‬الخديو، ‬القادم ‬من ‬قصر ‬عابدين، ‬وأشار ‬للخديو ‬إلى ‬الجدار ‬الذى ‬بناه ‬الباشا، ‬وقال ‬له: ‮«‬هل ‬يرضى ‬أفندينا ‬أن ‬يقوم ‬أحد ‬باشواته ‬بسد ‬منافذ ‬الشمس ‬والهواء ‬عن ‬بيتي؟‮»‬، ‬فالتفت ‬توفيق ‬إلى ‬المكان ‬وأصدر ‬أمرا ‬بهدم ‬الجدار.‬
عفريت الليل بسبع رجلين
أدخلت ‬الحكومة ‬المصرية ‬فى ‬فترة ‬حكم ‬الخديو ‬إسماعيل ‬فى ‬بعض ‬بيوت ‬أبناء ‬البلد ‬من ‬القادرين، ‬صنابير ‬الماء ‬ومواقد ‬غاز ‬الاستصباح، ‬وأضيئت ‬الشوارع ‬والحوارى ‬بمصابيح ‬الغاز، ‬وخصص ‬لها ‬عمال ‬يضيئونها ‬قبل ‬الغروب ‬ويطفئونها ‬بعد ‬الفجر، ‬يحملون ‬فى ‬أيديهم ‬شعلة ‬لإضاءة ‬المصابيح، ‬وكانوا ‬يجرون ‬جريا ‬كأنهم ‬فى ‬سباق، ‬وأطلق ‬أهل ‬القاهرة ‬على ‬العامل ‬من ‬هؤلاء ‬اسم ‬‮ «عفريت ‬الليل»‬ ‬وكان ‬الأطفال ‬يغنون ‬لهم ‬أغنية ‬مشهورة ‬مطلعها ‬‮ «عفريت ‬الليل ‬بسبع ‬رجلين‮»‬.‬
"حنفية بلاشي".. ويعوض الله على الساقين
وفى ‬فترة ‬زمنية ‬قريبة، ‬أقيمت ‬فى ‬أماكن ‬ظاهرة، ‬عند ‬نواصى ‬الشوارع، ‬صنابير ‬كبيرة ‬للمياه، ‬وإلى ‬جانب ‬كل ‬صنبور ‬كشك ‬صغير، ‬يجلس ‬فيه ‬رجل ‬يغلق ‬الصنبور ‬ويفتحه ‬حسب ‬الحاجة، ‬وكان ‬فى ‬القاهرة ‬خمسون ‬صنبورا ‬من ‬هذه ‬الصنابير ‬الكبيرة، ‬التى ‬أطلقوا ‬عليها ‬اسم ‬الحنفية ‬‮«‬البلاشي‮»‬، لأن ‬الناس ‬كانوا ‬يأخذون ‬منها ‬ما ‬يحتاجون ‬إليه ‬من ‬مياه ‬بلا ‬ثمن، ‬حتى ‬أصبحت ‬طائفة ‬السقايين، ‬التى ‬تحمل ‬المياه ‬من ‬النيل ‬إلى ‬البيوت، ‬بلا ‬عمل، ‬لكنهم ‬لجأوا ‬إلى ‬الوقوف ‬بجوار ‬الجوامع ‬ومعهم ‬كاسات ‬نحاسية ‬يسقون ‬العطاشى ‬وهم ‬ينادون ‮«‬ميه ‬يا ‬عطشان ‬اشرب‮»‬ أو ‬يرشون ‬الماء ‬أمام ‬الدكاكين ‬فى ‬الصيف، ‬وكان ‬البعض ‬يمنحونهم ‮«‬الملاليم‮»‬ ‬صدقة، ‬ومن ‬أجلهم ‬ألف ‬سيد ‬درويش ‬لحن ‬السقايين ‬إشفاقا ‬على ‬هذه ‬الطائفة، ‬وهى ‬الأغنية ‬التى ‬استخدمت ‬نداء ‬السقايين ‬الشهير ‮«‬يعوض ‬الله‮»‬، ‬ويقول ‬فيها ‬‮ «يهون ‬الله .. ‬يعوض ‬الله،‬ع ‬السقايين ‬دول ‬شقيانين .. ‬متعفرتين ‬م ‬الكوبانية‮»‬.
تمثال لاظوغلي كان في الأصل سقاء
وحلت ‬محل ‬السقايين ‬طائفة ‬من ‬النساء ‬يملأن ‬صفائح ‬الماء ‬من ‬‮«‬الحنفية ‬البلاشي» ‬ويحملنها ‬إلى ‬البيوت، ‬التى ‬لم ‬يستطع ‬أصحابها ‬توصيل ‬المياه ‬إليها، ‬وأصبحت ‬هذه ‬الطائفة ‬من ‬النساء ‬تشكل ‬عنصرا ‬أساسيا ‬فى ‬حياة ‬الأحياء ‬الشعبية، ‬وكانت ‬الواحدة ‬منهن ‬تسمى ‮«‬الملّاية‮»‬، ‬أى ‬التى ‬تملأ ‬الماء، ‬حتى ‬أصبحن ‬من ‬أصحاب ‬الحرف ‬الجديدة، ‬بديلا ‬عن ‬السقايين.
ويذكر ‮«‬شميس» ‬أن ‬الخديو ‬إسماعيل ‬عندما ‬أراد ‬صنع ‬تمثال يمجد ‬به ‮«‬محمد ‬بك ‬لاظ ‬أوغلي‮»‬، ‬رئيس ‬وزراء ‬جده ‬محمد ‬علي، ‬لم ‬يعثر ‬له ‬على ‬صورة ‬مرسومة، ‬حتى ‬رأى ‬محافظ ‬القاهرة ‬وقتها ‬سقاء ‬فى ‬خان ‬الخليلى ‬يشبهه ‬فأخذه ‬إلى ‬مثّال ‬فرنسى ‬وقال ‬له ‬إن ‬هذا ‬الرجل ‬هو ‬‮ «محمد ‬لاظ ‬أوغلى» ‬فصنع ‬تمثالا ‬للسقاء ‬وأصبح ‬تمثال ‬لاظوغلى ‬فى ‬ميدانه ‬الشهير ‬بوسط ‬القاهرة ‬هو ‬تمثال ‬سقاء.‬‬
فرقة حسب الله.. الورنيش الأسود بديلا عن الحذاء
لم ‬تحظ ‬فرقة ‬موسيقية ‬بالشهرة ‬مثل ‬فرقة ‬‮ «حسب ‬الله‮»‬، ‬التى ‬سكنت ‬شارع ‬محمد ‬علي، ‬على ‬الرغم ‬من ‬وجود ‬العشرات ‬من ‬تلك ‬الفرق، ‬وكان ‬لكل ‬فرقة ‬دكان ‬فى ‬مواجهة ‬‮ «حارة ‬العوالم‮»‬، ‬ويعلق ‬أفراد ‬الفرقة ‬ملابسهم ‬وأدواتهم ‬الموسيقية ‬على ‬جدران ‬الدكان، ‬وبنظرة ‬واحدة ‬تستطيع ‬أن ‬تعرف ‬قيمة ‬الفرقة ‬من ‬ملابسها ‬المعلقة، ‬وكانت ‬الغالبية ‬من ‬تلك ‬الفرق ‬تستدعى ‬العازفين ‬عندما ‬يرزقها ‬الله ‬بفرح، ‬فأعمالها ‬لم ‬تكن ‬منتظمة، ‬وكان ‬العازفون ‬يكسبون ‬عيشهم ‬من ‬العمل ‬فى ‬مهن ‬أخرى، ‬فمنهم ‬القهوجية ‬والصنايعية، ‬ومنهم ‬من ‬لا ‬حرفة ‬له، ‬يبيع ‬اليانصيب ‬أو ‬السميط ‬والجبن ‬أو ‬يسرح ‬على ‬المقاهى ‬أو ‬يعمل ‬فى ‬مسح ‬الأحذية ‬أو ‬تلبية ‬طلبات ‬الزبائن، ‬وهم «الأرزقية‮»‬، ‬أى ‬من ‬يطلبون ‬الرزق ‬من ‬أى ‬عمل، ‬وكان ‬أصحاب ‬الفرق ‬الموسيقية ‬فى ‬شارع ‬محمد ‬على ‬يدربون ‬من ‬هؤلاء ‬الأشخاص ‬من ‬يصلح ‬للعزف: ‬الدق ‬على ‬الطبول ‬والنفخ ‬فى ‬الأبواق، ‬وبعض ‬أصحاب ‬هذه ‬الفرق ‬كانت ‬ملابسهم ‬رثة، ‬لكن ‬فى ‬العموم ‬كان ‬يجب ‬أن ‬تكون ‬مقصبة، ‬ولابد ‬أيضا ‬من ‬الطرابيش، ‬لكن ‬جميعهم ‬لم ‬يمتلكوا ‬الأحذية، ‬ويتكون ‬ملبس ‬أفراد ‬الفرقة ‬من ‬البنطلون ‬والجاكتة ‬المزركشة، ‬ثم ‬يضعون ‬على ‬رؤوسهم ‬الطرابيش، ‬لكنهم ‬لا ‬يضعون ‬فى ‬أقدامهم ‬أحذية، ‬وفى ‬الأصل ‬كان ‬معظمهم ‬يرتدون ‬الجلاليب، ‬ويمشون ‬حفاة، ‬ومنهم ‬من ‬يضع ‬قدميه ‬فى ‬بلغة ‬أو ‬شبشب، ‬وكانوا ‬يتحايلون ‬بطلاء ‬أقدامهم ‬الحافية ‬بالورنيش ‬الأسود ‬حتى ‬تبدو ‬وكأنها ‬أحذية. ‬
نجار ‬فيلسوف ‬وصديقه ‬المستشرق ‬المجنون
من ‬أهم ‬سمات ‬القاهرة ‬فى ‬تلك ‬الفترة، ‬تلك ‬المسحة ‬الكوزموبوليتانية ‬التى ‬تمتعت ‬بها، ‬فضمت ‬بين ‬حناياها ‬جنسيات ‬وديانات ‬وأعراقا وأصولا ‬شتى ‬من ‬جهات ‬الأرض، ‬لذا ‬لم ‬يكن ‬مستغربا، ‬أن ‬تجد ‬الأسطى ‬أحمد، ‬أشهر ‬النجارين ‬فى ‬القاهرة، ‬يجلس ‬أمام ‬ورشته ‬ليتبادل ‬حديثا ‬وديا ‬مع ‬صديقه ‮«‬باول ‬كراوس‮»‬، ‬المستشرق ‬النمساوى ‬اليهودي، ‬الهارب ‬من ‬فظائع ‬النازي. والذى ‬وجد ‬الأمن ‬والأمان ‬فى ‬القاهرة، ‬حيث ‬عين ‬أستاذا ‬للغات ‬السامية ‬وفقه ‬اللغة ‬بكلية ‬الآداب ‬جامعة ‬القاهرة، ‬وكان ‬أستاذا ‬عظيما ‬فى ‬اللغات ‬له ‬اهتمامات ‬خاصة ‬فى ‬الأدب ‬العربى ‬والفلسفة ‬الإسلامية، ‬وقد ‬ربطت ‬أواصر ‬الصداقة ‬بين ‬كراوس ‬والنجار.‬
ويذهب ‬كراوس ‬كل ‬يوم ‬جمعة ‬ليجلس ‬مع ‬الأسطى ‬أحمد ‬النجار، ‬على ‬كرسيين ‬على ‬الرصيف، ‬أمام ‬ورشة ‬النجارة، ‬يتحدثان ‬فى ‬موضوعات ‬فلسفية ‬عميقة، ‬رغم ‬أن ‬الأسطى ‬أحمد ‬النجار ‬رجل ‬أميًّا، ‬لكنه ‬كان ‬ذكيا ‬مثقفا، وكان ‬الدكتور ‬كراوس ‬كثير ‬الحديث ‬عما ‬يدور ‬فى ‬ذهنه ‬عن ‬القرآن، ‬وكانت ‬لديه ‬مزاعم ‬حول ‬كلام ‬الله، ‬وسيطرت ‬أفكار ‬غريبة ‬على ‬عقله ‬فى ‬الشهور ‬الأخيرة ‬من ‬حياته، ‬وأعد ‬كثيرا ‬من ‬صناديق ‬البطاقات ‬يسجل ‬فيها ‬عناصر ‬بحث ‬جنوني، ‬وبدأ ‬يقطع ‬آيات ‬القرآن ‬على ‬موازين ‬الشعر ‬العربى ‬المعروفة ‬والمجهولة، ‬على ‬السواء، ‬وإن ‬أعجزته ‬الحيلة ‬استرجع ‬أوزان ‬أو ‬موسيقى ‬الشعر ‬العبرى ‬أو ‬السرياني.‬
وعن ‬هذه ‬الأفكار ‬المزعومة، ‬يقول ‬شميس ‮«‬فى ‬إحدى ‬زياراتى ‬له ‬فى ‬شقته ‬بالزمالك، ‬استمر ‬ليلة ‬كاملة ‬وهو ‬يجرى ‬بروفة، ‬يروح ‬ويجيء ‬وسط ‬الغرفة، ‬ثم ‬يسجل ‬على ‬الورق ‬كلاما، ‬ويحاول ‬إقناعى ‬بأن ‬القرآن ‬شعر، ‬وفى ‬سهرة ‬ثانية ‬من ‬هذه ‬السهرات ، ‬بذل ‬الدكتور ‬كراوس ‬مجهودا ‬غريبا ‬فى ‬محاولة ‬إيجاد ‬ميزان ‬شعرى ‬لسورة ‬الرحمن، ‬وظل ‬يقفز ‬فى ‬الغرفة ‬قفزات ‬تشبه ‬قفزات ‬المايسترو ‬المجنون ‬الذى ‬فقد ‬السيطرة ‬على ‬الأوركسترا، ‬وظل ‬يتحرك ‬وحده ‬على ‬خشبة ‬المسرح ‬وفى ‬يده ‬عصاه ‬التى ‬تتحرك ‬نحو ‬المجهول، ‬تلك ‬المحاولات ‬التى ‬انتهت ‬بانتحاره ‬ذات ‬ليلة، ‬وشنق ‬نفسه ‬بحبل ‬الروب ‬فى ‬الحمام، ‬وانتهت ‬هذه ‬الصفحة ‬التى ‬كانت ‬من ‬ظواهر ‬الجنون ‬كما ‬قال ‬لى ‬الدكتور ‬يوهان ‬فوك، وهو ‬أحد ‬المستشرقين».
أما ‬الأسطى ‬أحمد ‬النجار، ‬فكان ‬رغم ‬أميته، ‬شديد ‬الذكاء ‬واسع ‬الثقافة ‬يطلب ‬من ‮«‬شميس» ‬أن ‬يراجع ‬معه ‬ما ‬سمعه ‬فى ‬كتب ‬الغزالى ‬وابن ‬عربى ‬وابن ‬رشد، كان ‬النجار ‬فيلسوفا، ‬انضم ‬إلى ‬جمعية ‬دينية ‬أسسها ‬شيخ ‬أزهري، ‬وكانت ‬تضم ‬عشرات ‬الألوف ‬من ‬الناس، ‬واتخذ ‬لها ‬مقرا ‬فى ‬قصر ‬من ‬قصور ‬الأمراء، ‬يعقد ‬فيها ‬الاجتماعات ‬ويلقى ‬الدروس، ‬التى ‬كان ‬يحرص ‬النجار ‬على ‬متابعتها، ‬قبل ‬أن ‬يرحل ‬عن ‬الحياة.‬
يضيف ‮«‬شميس‮»‬: ‮«‬الصداقة ‬التى ‬كانت ‬تربط ‬بين ‬الأسطى ‬أحمد ‬النجار ‬والدكتور ‬باول ‬كراوس، ‬كان ‬يربطها ‬خيط ‬واحد، ‬ظللت ‬أجذبه ‬سنوات ‬عديدة، ‬عسى ‬أصل ‬إلى ‬حقيقة ‬هذه ‬الألفة، ‬التى ‬كانت ‬تجمع ‬بين ‬مستشرق ‬كبير ‬وبين ‬نجار ‬فى ‬حارتنا».
فرمان بمنع حلق اللحية
عندما ‬انتشرت ‬موضة ‬حلق ‬اللحية، وترك ‬الشارب ‬وتهذيبه ‬وتسويته ‬فى ‬مصر، ‬أصدر ‬عباس ‬باشا ‬الأول، ‬فرمانا ‬يلزم ‬موظفى ‬الحكومة ‬بترك ‬لحاهم، ‬وكان ‬جزاء ‬الذى ‬يحلق ‬ذقنه ‬الفصل ‬من ‬الخدمة، ‬وكان ‬فى ‬القاهرة ‬أشجار ‬تنبت ‬أزهارا صفراء ‬لها ‬شعر ‬طويل، ‬وقد ‬أطلقوا ‬عليها ‬اسم ‮«‬ذقن ‬الباشا‮»‬، ‬وكان ‬الصبيان ‬يعبثون ‬بهذه ‬الأزهار ‬وينزعون ‬منها ‬الشعر ‬تندرا ‬بذقون ‬الباشوات ‬التى ‬كانت ‬فى ‬الغالب ‬شقراء ‬اللون ‬مثل ‬شعر ‬زهرة ‬ذقن ‬الباشا، ‬وكان ‬أحد ‬هؤلاء ‬الباشوات ‬فى ‬حى ‬عابدين ‬يحتفظ ‬بشارب ‬أبيض ‬لامع، ‬بعد ‬أن ‬كبر ‬وشاب ‬فكان ‬العامة ‬يطلقون ‬عليه ‬اسم ‬أبو ‬شنب ‬فضة.‬


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.