تنظيم "داعش" يجرى هزيمته ومقاتلوه يتراجعون ودولة خلافتهم المزعومة التي سعوا لبنائها تنهار. ومع ذلك، ليس الإرهابيين هم أكبر الخاسرين الذين سيحققون أحلامهم في الموت أو الغوص في الصحراء لإعادة تنظيم صفوفهم، ولكن الملايين من المواطنين السنة العاديين الذين دمرت حياتهم بسبب وجود هذا التنظيم الإرهابي. لم تسلم أي مجموعة دينية أوعرقية من اجتياح تنظيم داعش للعراق وسوريا. الشيعة والأكراد والمسيحيين والايزيديين، جميعهم كانوا ضحايا لسلسلة من الفظائع، لكن الغالبية العظمى من الأراضي التي سيطر عليها داعش في العراق كانت تاريخيا يسيطر عليها العرب السنة. غالبية ال 4.2 مليون عراقي النازحين من ديارهم بسبب حرب داعش هم من السنة. وفي حين العمليات العسكرية لا تزال جارية لاسترداد الموصل، أكبر مدن العراق السنية، والرقة، التي أعلنها التنظيم عاصمته في سوريا، يجرى تدمير المزيد من المدن والقرى السنية . معظم السنة لم يكن لديهم دور في صعود هؤلاء المسلحين المتطرفين. كلهم يدفعون ثمنا باهظا بسبب أولئك القلة السنية الذين فعلوا ذلك. "كان داعش تسونامي اجتاح أهل السنة.. لقد فقدنا كل شيء، بيوتنا وأعمالنا وحياتنا"، يقول الشيخ غازي حمود، زعيم قبلي سني في بلدة ربيعة بشمال غرب العراق، الذي تم حكمها لفترة وجيزة من قبل تنظيم داعش عام 2014، وهي الآن تحت السيطرة الكردية. في سوريا، حيث تجرى الحرب ضد داعش إلى جانب صراع معقد بين مسلحين آخرين وحكومة الرئيس بشار الأسد، السنة يتحملون أيضا العبء الأكبر من العنف والتفكك. يشكل المواطنين السنة الغالبية العظمى من 5 مليون لاجئ منتشرين في جميع أنحاء المنطقة وأوروبا، وفقا للأمم المتحدة وحكومات الدول التي تستضيفهم. يشير محللون سوريون وعراقيون أن المخاطر واضحة، حيث السنة عرضة لخطر أن يصبحوا الطبقة الدنيا المحرومة في الأراضي التي كانوا يوما ما يسيطرون عليها، مما قد يخلق أجواء خصبة لتكرار دوامة التهميش والتطرف التي أدت إلى صعود تنظيم داعش في المقام الأول. يقول روبرت فورد، السفير الأمريكي السابق في سوريا، "الأمر ليس مجرد استرداد الأراضي، يجب عليك حكمها بشكل صحيح"، وأضاف "إذا لم يكن لدى الحكام الجدد الدعم المحلي، فإن تنظيم داعش سيكون دائما قادر على تجنيد ناس جدد". يقول عمال الإغاثة والديبلوماسيون أن هذا هو السيناريو الأسوأ الذي يجب منع حدوثه. إذا انتهت الحرب.. المفتاح سيكون في إعادة الأعمار وإعادة التأهيل والمصالحة. في العراق، حيث تحققت أكبر المكاسب ضد المسلحين، احتمالية اقتراب هزيمة داعش تبشر بلحظة أمل وفرصة – للسنة بنفس قدر الشيعة والأكراد – لفتح صفحة جديدة في العلاقات وإيجاد تفاهمات جديدة مع الجيران. ورغم ذلك، طبيعة تلك التفاهمات هي محل سؤال. العقبات هائلة والموارد شحيحة. ورحلة عبر العديد من البلدات والقرى في العراقوسوريا التي تم تحريرها من سيطرة داعش تكشف الحجم الهائل من التحدي. هناك قرى مدمرة وبلدات شبه فارغة وأشخاص تمزقت حياتهم ربما إلى غير رجعة. حكام جدد، تحديات جديدة: رغم أن الأراضي التي استولت عليها داعش كانت تقطنها أغلبية سنية، إلا أن المقاتلين الذين استطاعوا استردادها هم غالبية شيعة أو أكراد. مكان مثل بلدة ربيعة، وهي بلدة سنية على الحدود العراقية السورية تم تحريرها من سيطرة داعش من قبل وحدات البيشمركة الكردية. ومع ذلك، العلاقة بين السكان وحكامهم الجدد لا تزال محفوفة بالريبة والشك. يشكو العديد من السكان المحليين أن السلطات الكردية تطلب من كل مقيم الحصول على إذن قبل السفر داخل أو خارج المدينة. ومن جانبه، يقول النقيب محمد صادق سيد، القائد بقوات الأمن الكردية، أن ذلك ضروري "لدينا قائمة كبيرة من الناس المشتبه بتعاطفهم مع داعش ونحن نراقبهم". افتراض التعاطف مع داعش: عشرات الآلاف من الناس الذين يعيشون في القرى المجاورة تم منعهم من العودة إلى ديارهم، التي معظمها لم تعد موجودة أصلا. أنقاض المباني المنهارة على طول الطرق. ويتم النظر إلي السنة بتشكك كمتعاطفين محتملين مع داعش. اعترف حمود، الزعيم القبلي السني، أن كثيرا من السنة في المنطقة دعموا تنظيم داعش، على الأقل في البداية، كبديل مرحب به ضد التمييز من الحكومة المركزية في بغداد. وقال "السنة في البداية لم يعرفوا من هم، ورحبوا بهم كمنقذ.. لكنهم تأكدوا أنهم الكارثة". أسوأ السيناريوهات: تتمثل أسوأ سيناريوهات المستقبل في محافظة ديالى العراقية، حيث تجددت دورة جديدة من العنف. مع سكانها الشيعة والسنة والأكراد مجتمعين، تعتبر ديالى نموذجا مصغرا للعراق. على مدار ال18 شهرا منذ طرد إرهابيي داعش ظهرت من جديد التوترات القديمة بين الشيعة والسنة التي ساعدت في إذكاء صعود داعش مرة أخرى. تسللت خلايا داعش مرة أخرى إلى المناطق التي كانت من المفترض طردت منها وتم تنفيذ تفجيرات انتحارية ضد المساجد والمقاهي أسفرت عن مقتل العشرات من الشيعة. تكريت.. نموذج نجاح: في تكريت، تقريبا أكثر من 90 % من السكان عادوا منذ هزيمة داعش قبل 18 شهرا. تكريت، مسقط رأس صدام حسين، تم طرد الدواعش منها على أيدي قوات الحشد الشعبي ذات الأغلبية الشيعية. الآن على مجمع القصور التي بناها صدام حسين، هناك لوحة تضم ثلاثة من كبار القادة الشيعة، هادي العامري، أبو مهدي المهندس وقيس الخزعلي. يقول رئيس بلدية تكريت، عمر شينداه، موضحا لماذا أنشأ القادة السنة المحليين في البلدة تلك اللوحة، "هذه وسيلة لشكر الناس الذين حرروا تكريت.. هم عانوا الكثير من القتل والجرح من أجل ذلك". في شوارع تكريت، يقول الناس أنهم سعداء بطرد داعش والعودة إلى مدينتهم، لكنهم يتساءلون إلى أين ستسير بلادهم وعما إذا ستعود حياتهم كما كانت. قالت ليزا غراندي، كبير منسق الشؤون الإنسانية للأمم المتحدة في العراق، "بهذا الإجراء تكريت نموذج نجاح لكن هذا لا يعني أنك في مجتمع مستعاد كليا أو متعافي. هناك طريق طويل لنقطعه".