تواجه المحكمة الجنائية أومة حقيقية تهدد وجودها ككيان سياسي، بعد انسحاب روسيا منها، فضلًا عن انسحاب دول إفريقية منها، كبورونديوجنوب إفريقيا، مما يعد بمثابة المسمار الأخير في نعش هذه المحكمة، حيث كانت وزارة الخارجية الروسية قد أعلنت أن محكمة الجنايات الدولية خيبت الآمال المعقودة عليها، ولم تعد هيئة رسمية مستقلة، فالمحكمة دائمًا ما كانت تتحصن من شبهات الانتقاد التي طالت آلية عملها من حيث الانحياز وعدم الحيادية، بأن الأنطمة الديكتاتورية في الدول الإفريقية تهاجم المحكمة حتى لا يطالها سيف المحاكمات الجنائية، ولكن انسحاب روسيا وهي من خارج نطاق الدول الإفريقية سيسلط الضوء على انحيازات هذه المحكمة، الأمر الذي ينذر بمزيد من الانسحابات. روسا والخروج من المحكمة وقَّع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، الأربعاء الماضي، مرسومًا يقضي بانسحاب روسيا من المحكمة الجنائية الدولية، وجاء في المرسوم أن بوتين وافق على «مقترح وزير العدل الروسي، والمتفق عليه مع وزارة الخارجية الروسية، وهيئات السلطة التنفيذية الروسية الفيدرالية المعنية الأخرى، والمحكمة العليا والنيابة العامة، ولجنة التحقيق، حول إرسال إخطار للأمين العام للأمم المتحدة عن رغبة روسيا الاتحادية في عدم المشاركة في نظام روما الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية»، وأشار المرسوم إلى أن النظام «معتمد من قِبَل المؤتمر الدبلوماسي للمندوبين المفوضين تحت رعاية الأممالمتحدة في روما، في 17 يوليو عام 1998، وموقَّع باسم روسيا الاتحادية في 13 سبتمبر عام 2000»، وفق ما نقلته وكالة أنباء سبوتنيك الروسية الرسمية، وأصدر بوتين تعليمات للخارجية الروسية بإرسال الإشعار للأمين العام للأمم المتحدة. سبب الخروج يقول مراقبون إن المحرك الأساسي للخطوة الروسية حماية قادتها العسكريين وجنودها الذين يحاربون في العديد من بلدان العالم من الملاحقة الجنائية، كما أن روسيا تتخوف من استخدام المحكمة الجنائية ضدها في بعض القضايا والنزاعات السياسية، بالإضافة إلى أن روسيا شعرت بالاستياء عندما وصفت المحكمة استعادة روسيا سيادتها على شبه جزيرة القرم بأنها نزاع مسلح، ناهيك عن أن دور المحكمة الجنائية الدولية منذ إنشائها أخذ منحى يخدم سياسات الولاياتالمتحدة والدول الأوروبية المنضوية تحت لواء حلف شمال الأطلسي «الناتو»، وهو الأمر الذي لا يخدم المصالح الروسية في ظل الخلافات الروسية الأورأمريكية. ويركز خبراء روس على أن الخطوة الروسية بالانسحاب من المحكمة مهدت لها محاولات المحكمة الجنائية بفتح تحقيقات في الانتهاكات التي وقعت في عام 2008 خلال الحرب الروسية – الجورجية، وإلصاق تهم ارتكاب جرائم حرب بروسيا، وأشار الخبراء إلى أن قرار المحكمة بالقبض على الرئيس السوداني عمر البشير قد يمهد لصدور قرار مماثل بالقبض على الرئيس الروسي السابق ديمتري ميدفيديف؛ بحجة وقوفه خلف جرائم الحرب في جورجيا. ويرى مراقبون أن توقيت الانسحاب الروسي يتزامن مع قيامها بعملية عسكرية واسعة النطاق في سوريا. تداعيات القرار الروسي على المحكمة يبدو أن روسيا ستفتح شهية باقي الدول التي تراود نفسها بالانسحاب من المحكمة، وقد تكون الفلبين من أوائل الدول التي قررت أن تحذو حذو روسيا، حيث قال الرئيس الفلبيني رودريغو دوتيرتي الخميس 17 نوفمبر، إنه ربما يتخذ خطوة مثل التي اتخذتها روسيا بالانسحاب من المحكمة الجنائية الدولية، ووصف دوريتي المحكمة الجنائية، في تصريحات قبل سفره إلى ليما عاصمة البيرو لحضور قمة دول آسيا والمحيط الهادي، بأنها «عديمة الفائدة»، كما ندد دوتيرتي بالولاياتالمتحدة ودول غربية اتهمته بالقيام بأعمال قتل غير شرعية نفذها أثناء حربه ضد تجار المخدرات، كما ألقى دورتي باللائمة على الولاياتالمتحدة بأنها السبب في فشل وقف الحروب في مختلف أنحاء العالم. من جهة أخرى أشار دوريتي إلى أنه في حال سعي روسيا والصين لتشكيل «نظام جديد» فإن الفلبين ستكون أولى الدول المنضمة له. وقبل روسياوالفلبين هناك دول إفريقية تبحث جديًّا الخروج من المحكمة، ورغم أن انسحاب جنوب إفريقيا ليس الأول في القارة السمراء بوجود بوروندي، لكنه لن يكون الأخير، حيث ألمحت كل من ناميبيا وكينيا اللتين يتهم فيهما رئيسا البلاد بالضلوع في جرائم ضد الإنسانية، بالإضافة إلى أوغندا، باحتمال القيام بخطوة الانسحاب، حيث تتهم بعض الحكومات الإفريقية أن المحكمة الجنائية الدولية والتي تأسست عام 2002 أظهرت انحيازًا ضد قادة القارة السمراء، فمنذ نشأت المحكمة التي يقع مقرها في هولندا، وهي تركز على فتح تحقيقات في أربع قضايا إفريقية دون سواها، وهي: أوغندا، وجمهورية الكونغو الديمقراطية، وجمهورية إفريقيا الوسطى، ودارفور.