*إن القضاء هو حصن الأمة، هو آخر حصن ينهار في أي دولة، وعندما يتصدع أو يوشك علي السقوط فإن كل الحصون الأخري تكون قد سقطت قبله.التعليم والإعلام والثقافة والتجارة والصناعة والتجارة والجيش والشرطة ونظام الحكم نفسه. كلها قلاع تسقط قبل القضاء، فإذا تداعي صرح القضاء لا يتبقي من نظام الحكم سوي ديكتاتور يسوس بلاده بالحديد والنار والقوانين المصطنعة، مثل قرصان اختطف سفينة و أخذ ركابها رهينة ودروعا بشرية. لأجل ذلك قدم المستشار يحيي الرفاعي بلاغا احتجاجيا ضد كل ما اعتبره أعوج في سجل العدل وضمّن رسالته مقترحات للعلاج، وأبرأ ذمته وذهب إلي ربه راضيا مرضيا. وبعد عقد من الزمان لم يتحرك شيء في بحيرتنا الراكدة، ومازالت دماء العدالة نازفة من حولنا، تستصرخنا لتكريس 'الشرعية الدستورية، ودولة سيادة القانون، والمؤسسات'، في سعينا لإرساء نظام ديمقراطي'الهيبة' فيه للقانون وحده، بوصفه ملزما لكل الأطراف حكاما ومحكومين، عن طريق تأكيد استقلال القضاء وحصانة الأسرة القضائية، لأنه الصراط المضمون للمواطن في الحفاظ علي وجوده وكينونته وأسرته، ومن ثم الحفاظ علي الدولة برمتها، حاضرا ومستقبلا. و'يحيا العدل'.* *ونظرًا لأهمية منصب القضاء في المجتمع الإسلامي، وجدنا العقلاء وأكابر الأمة وعلماءها ينصحون القضاة بنصائح جامعة تضمن لهم تحقيق العدالة والقسط في مجتمعاتهم، فقد نصح أمير المؤمنين عمر بن الخطاب أبا موسي الأشعري عندما ولاَّه قضاء الكوفة، وكان ممَّا جاء في هذا الكتاب: 'أمَّا بعد، فإن القضاء فريضة مُحْكَمَةٌ، وسُنَّةٌ مُتَّبَعَةٌ، فافهم إذا أُدْلِيَ إليك، فإنه لا ينفع تَكَلُّمٌ بحقٍّ لا نفاذ له، وآسِ بين الناس في وجهك وعَدْلِك ومجلسك، حتي لا يطمع شريف في حيفك، ولا ييأس ضعيف من عدلك. البيِّنَة علي مَنِ ادَّعي، واليمين علي مَنْ أنكر، والصلح جائز بين المسلمين إلاَّ صلحًا أَحَلَّ حرامًا أو حَرَّمَ حلالاً، ولا يمنعك قضاءٌ قضيته أمس فراجعتَ اليوم فيه عقلك، وهُدِيتَ فيه لرُشْدِكَ أن تَرْجِعَ إلي الحقِّ، فإنَّ الحقَّ قديم، ومراجعة الحقِّ خير من التمادي في الباطل. الفهمَ الفهمَ فيما تلجلج في صدرك ممَّا ليس في كتاب الله تعالي ولا سُنَّة نَبِيِّه، ثم اعْرِفِ الأمثال والأشباه، وقِسِ الأمورَ بنظائرها.. '.* *مما يمتاز به القضاء في الإسلام مراعاة الجانب التعبدي وذلك بارتباطه بقاعدة الحلال والحرام، والثواب والعقاب، وهذا المعني كفيل بتربية الوازع الديني عند المسلم مما يجعل من ذلك مراقباً له في حياته عامة من تصرفات قولية وفعلية لذا حرص الإسلام علي غرس العقيدة في وجدان المسلم قبل تكليفه بالأحكام، وأحاطه بسياج من الأخلاق بجانب التكاليف، ليكون ذلك هو الضامن لتنفيذ تلك الأحكام الشرعية، وهو الحامي لصحة التنفيذ وحسن السلوك والبعد عن الانحراف، وهو الرقيب في الطاعة الحقيقية في التطبيق، لذلك فإن العقيدة وتعاليم الأخلاق لها أثر عظيم في سلامة ونزاهة النظام القضائي في الإسلام* *مسئولية القاضي في الفقه الإسلامي** * *- اختلف الفقهاء في مسئولية القاضي، هل يؤاخذ بما يقع في أحكامه من أخطاء أم أنه لا تجوز مساءلته عن ذلك بسبب كثرة ما يجري علي يده من التصرّفات والأحكام.* *فذهب الحنفية إلي أن القاضي إذا أخطأ في قضائه، بأن ظهر أن الشّهود كانوا محدودين في قذف، فالأصل أنه لا يؤاخذ بالضمان; لأنه بالقضاء لم يعمل لنفسه بل لغيره فكان بمنزلة الرسول، فلا تلحقه العهدة.* *ثم ينظر في المقضيّ به، فإن كان من حقوق العباد، بأن كان مالاً وهو قائم رده علي المقضيّ عليه; لأن قضاءه وقع باطلاً وردّ عين المقضيّ به ممكن فيلزمه ردّه، لقوله صلي الله عليه وسلم: 'علي اليد ما أخذت حتي تؤدّي'; ولأنه عين مال المدعي عليه، ومن وجد عين ماله فهو أحقّ به، وإن كان هالكاً فالضمان علي المقضيّ له، ولأن القاضي عمل له فكان خطؤه عليه، ليكون الخراج بالضمان; ولأنه إذا عمل له فكأنه هو الذي فعل بنفسه، وإذا كان حقّاً ليس بمال كالطلاق. بطل لأنه تبين أن قضاءه كان باطلاً، وأنه أمر شرعيّ يحتمل الرد فيردّ بخلاف الحدود والمال الهالك; لأنه لا يحتمل الرد بنفسه فيردّ بالضمان.* *وأما إن كان من حقّ الله عز وجل خالصاً فضمانه في بيت المال; لأنه عمل في الدعوي لعامة المسلمين لعود منفعتها إليهم وهو الزجر، فكان خطؤه عليهم ولا يضمن القاضي.* *وإن كان القضاء بالجور عن عمد وأقر به، فالضمان في ماله في الوجوه كلّها بالجناية والإتلاف، ويعزر القاضي ويعزل عن القضاء.* *وقال المالكية: إن علم القاضي بكذب الشّهود وحكم بما شهدوا به من رجم أو قتل أو قطع، فالقصاص عليه دون الشّهود، أما إذا لم يعلم فلا قصاص، وإن علم القاضي بما يقدح في الشاهد كالفسق لزمته الدّية، وقال ابن القاسم: إذا عزل القاضي فادعي أناس أنه جار عليهم: أنه لا خصومة بينهم وبينه، ولا ينظر فيما قالوا عنه إلا أن يري الذي بعده جوراً بيّناً فيرده ولا شيء علي القاضي.* *وقال الشافعية: إذا حكم بشهادة اثنين ثم بان كونهما ممن لا تقبل شهادتهما وجب علي القاضي نقض حكمه، فإن كان طلاقاً أو عقداً فقد بان أنه لا طلاق ولا عقد حتي لو كانت المرأة ماتت فقد ماتت وهي زوجته، وإن كان المشهود به قتلاً أو قطعاً أو حدّاً استوفي وتعذر التدارك فضمانه علي عاقلة القاضي علي الأظهر وفي بيت المال علي القول الآخر، وإنما تعلق الضمان بالقاضي لتفريطه بترك البحث عن حال الشّهود، ولا ضمان علي المشهود له، ولا علي الشّهود لأنهم ثابتون علي شهادتهم، وإذا غرمت العاقلة أو بيت المال فهل يثبت الرّجوع علي الشّهود، فيه خلاف، والذي قطع به العراقيّون أنه لا ضمان علي الشّهود، ولا ضمان علي المزكّين، وقال القاضي أبو حامد: يرجع الغارم علي المزكّين لأنه ثبت أن الأمر علي خلاف قولهم، ولم يثبت أنه خلاف قول الشّهود ولا رجوع لهم في هذه الحالة علي القاضي.* *وإن كان المحكوم به مالاً، فإن كان باقياً عند المحكوم له انتزع، وإن كان تالفاً أخذ منه ضمانه، فإن كان المحكوم له معسراً أو غائباً، فللمحكوم عليه مطالبة القاضي ليغرم له من بيت المال في قول ومن خالص ماله في قول آخر لأنه ليس بدل نفس تتعلق بالعاقلة، ويرجع القاضي علي المحكوم له إذا ظفر به موسراً، وفي رجوعه علي الشّهود خلاف، وقياساً علي ما سبق قيل: إن المحكوم عليه يتخير في تغريم القاضي وتغريم المحكوم له.* *وقال الحنابلة: يجب الضمان علي القاضي إذا حكم بقطع أو قتل بمقتضي شهادة شاهدين ظهر فيما بعد عدم جواز شهادتهما، ولا قصاص عليه لأنه مخطئ وتجب الدّية، وفي محلّها روايتان: إحداهما: في بيت المال لأنه نائب للمسلمين ووكيلهم، وخطأ الوكيل في حقّ موكّله عليه; ولأن خطأ القاضي يكثر لكثرة تصرّفاته وحكوماته.* *والرّواية الثانية: هي علي عاقلته مخففة مؤجلة.* *وإذا حكم القاضي بمال بموجب شهادة اثنين ثم بان أنه لا تقبل شهادتهما فينقض الحكم ويردّ المال إن كان قائماً وعوضه إن كان تالفاً، فإن تعذر ذلك فعلي القاضي ضمانه، ثم يرجع علي المشهود له، وعن أحمد رواية أخري: لا ينقض حكمه إذا كان الشاهدان فاسقين ويغرم الشّهود المال.* *وقالوا: إن بان خطأ القاضي في حكمه - في إتلاف - بمخالفة دليل قاطع لا يحتمل التأويل ضمن القاضي ما تلف بسببه.* * انتهاء ولاية القاضي* *62 - تنتهي ولاية القاضي بعزله عند من يري صحة عزله، أو اعتزاله القضاء من تلقاء نفسه، أو بموته.* *واتفق الفقهاء علي أن القاضي لا ينعزل بعزل الإمام ولا بموته، وعلل الحنفية ذلك بأن القاضي يخرج من القضاء بكلّ ما يخرج به الوكيل عن الوكالة، لا يختلفان إلا في شيء واحد وهو أن الموكّل إذا مات أو خلع ينعزل الوكيل، والخليفة إذا مات أو خلع لا تنعزل قضاته وولاته، ووجه الفرق: أن الوكيل يعمل بولاية الموكّل وفي خالص حقّه وقد بطلت أهلية الولاية فينعزل الوكيل، والقاضي لا يعمل بولاية الخليفة وفي حقّه، بل بولاية المسلمين وفي حقوقهم، وإنما الخليفة بمنزلة الرسول عنهم لهذا لم تلحقه العهدة، وولاية المسلمين - بعد موت الخليفة - باقية، فيبقي القاضي علي ولايته.* *وعلل المالكية والشافعية والحنابلة ذلك بأن القاضي ليس نائباً عن الإمام فلا ينعزل بموته; ولأن الإمام يستنيب القضاة في حقوق المسلمين فلم ينعزلوا، ولأن الخلفاء رضي الله عنهم ولوا حكاماً في زمنهم فلم ينعزلوا بموتهم; ولأن في عزله بموت الإمام ضرراً علي المسلمين، فإن البلدان تتعطل من الحكام، وتقف أحكام الناس، وفيه ضرر عظيم.* * عزل القاضي* *- لا يختلف الفقهاء في أن لوليّ الأمر أن يعزل القاضي إذا ظهر منه خلل كفسق أو مرض يمنعه من القضاء، أو اختل فيه بعض شروطه، لكنهم يختلفون في حكم عزله للقاضي دون موجب، فيري الحنفية والمالكية والشافعية وهو قول الحنابلة في أحد الوجهين أن الإمام إذا عزل القاضي وقع العزل، لكن الأولي عدم عزله إلا لعذر، فلو عزله دون عذر فإنه يتعرض لإثم عظيم، واستدلّوا علي جواز العزل بما روي عن عمر رضي الله عنه أنه قال: 'لأعزلن أبا مريم، وأولّين رجلاً إذا رآه الفاجر فرقه '، فعزله عن قضاء البصرة، وولي كعب بن سوار مكانه، وولي عليّ رضي الله عنه أبا الأسود ثم عزله، وقد ذكر الكاسانيّ أن عزل الإمام للقاضي ليس بعزل له حقيقةً، بل بعزل العامة لما ذكر من أن توليته بتولية العامة، والعامة ولوه الاستبدال دلالةً لتعلّق مصلحتهم بذلك، فكانت ولايته منهم معنيً في العزل أيضاً فهو الفرق بين العزل والموت، ولا يملك القاضي عزل نائبه المأذون له في تعيينه لأنه نائب الإمام، فلا ينعزل بعزله ما لم يكن الإمام قد أذن له باستبدال من يشاء فيملك عزله، ويكون ذلك عزلاً من الخليفة لا من القاضي.* *وذهب الشافعية إلي أنه إذا ظهر منه خلل فللإمام عزله، قال في الوسيط: ويكفي فيه غلبة الظنّ، وإن لم يظهر خلل نظر إن لم يكن من يصلح للقضاء، لم يجز عزله، ولو عزله لم ينعزل، وإن كان هناك صالح نظر إن كان أفضل منه جاز عزله وانعزل المفضول بالعزل، وإن كان مثله أو دونه، فإن كان في العزلة به مصلحة من تسكين فتنة ونحوها، فللإمام عزله به، وإن لم يكن فيه مصلحة لم يجز، فلو عزله نفذ علي الأصحّ مراعاةً لطاعة السّلطان، ومتي كان العزل في محلّ النظر، واحتمل أن يكون فيه مصلحة، فلا اعتراض علي الإمام فيه، ويحكم بنفوذه، وفي بعض الشّروح أن تولية قاض بعد قاض هل هي عزل للأول؟ وجهان وليكونا مبنيين علي أنه هل يجوز أن يكون في بلد قاضيان.* *والوجه الثاني عند الحنابلة أن القاضي لا ينعزل بعزل الإمام دون موجب لأن عقده كان لمصلحة المسلمين فلا يملك عزله مع سداد حاله، ونقل القاضي أبو يعلي من الحنابلة القول بأن الإمام ليس له عزل القاضي ما كان مقيماً علي الشرائط لأنه بالولاية يصير ناظراً للمسلمين علي سبيل المصلحة لا عن الإمام، ويفارق الموكّل، فإن له عزل وكيله لأنه ينظر في حقّ موكّله خاصةً. وهل ينعزل القاضي إذا كثرت الشكوي عليه؟* *اختلف العلماء في ذلك إلي ثلاثة مذاهب: *** *الأول: وجوب عزله إلا إذا كان متعيّناً للقضاء، وهو ما قال به العزّ بن عبد السلام.* *الثاني: جواز عزله، فإذا حصل ظنّ غالب للإمام بصحة الشكاوي جاز له عزله وهو رأي الشافعية.* *واستدلّوا علي ذلك بما روي أن النبي صلي الله عليه وسلم: 'عزل إماماً يصلّي بقوم بصق في القبلة وقال: لا يصلّي لكم'.* *وجه الاستدلال به هو أنه إذا جاز عزل إمام الصلاة لخلل جاز عزل القاضي من باب أولي. الثالث: التفصيل، وهو رأي المالكية، إن اشتهر بالعدالة، قال مطرّف: لا يجب علي الإمام عزله وإن وجد عوضاً منه فإن في عزله إفساداً للناس علي قضاتهم، وقال أصبغ: أحبّ إلي أن يعزله وإن كان مشهوراً بالعدالة والرّضا إذا وجد منه بدلاً; لأن في ذلك إصلاحاً للناس، يعني لما ظهر من استيلاء القضاة وقهرهم ففي ذلك كفّ لهم.* *وإن كان غير مشهور فليعزله إذا وجد بدلاً منه وتضافر عليه الشكية، وإن لم يجد بدلاً منه كشف عن حاله وصحة الشكاوي عليه بواسطة رجال ثقات يستفسرون عن ذلك من أهل بلده فإن صدقوا ذلك عزله، وإن قال أهل بلده: ما نعلم منه إلا خيراً أبقاه ونظر في أحكامه الصادرة فما وافق السّنة أمضاه، وما خالف رده وأول ذلك بأنه صدر عنه خطأً لا جوراً.* *عزل القاضي الفاضل لتولية الأفضل: *** *كذلك فإن الفقه لم يهمل مسألة عزل القاضي الفاضل لتولية الأفضل، بل ناقشها واهتم بها، وفيها يري بعض الفقهاء كالمالكية جواز عزل القاضي الفاضل لتولية الأفضل، ويري بعضهم الآخر عدم جواز ذلك، لأن هذا العزل يؤدي برأيهم إلي زعزعة القضاء ويكون مسوغًا لأصحاب الأهواء للإيقاع بالقضاة بحجة وجود الأفضل، فسدًا لذريعة هذا الفساد يمنع العزل بحجة وجود الأفضل.* *لكن تبدو رجاحة القول بجواز عزل القاضي لتولية الأفضل، بل مقتضي الشرع وجوب العزل، لاسيما مع عظمة منصب القضاء الذي ينبغي أن يتولاه أفضل الناس وأكملهم شروطًا، لأن في ذلك- كما لا يخفي- صونًا لحقوق الناس وحرماتهم وإقامة عدل الله فيهم من خلال علم الأفضل بأحكام الشريعة أكثر من الفاضل، أما مَن يحتج بإمكانية الإيقاع بالقاضي من أصحاب الأهواء بدعوي وجود الأفضل، يرد عليها بأن معرفة الأفضل والتثبت من أفضليته لايكون من خلال من يريدون الإيقاع بالقاضي من أصحاب الأهواء، بل تكون من أهل التقوي والعلماء من الأمة، وهي مهمة ملقاة علي عاتق ولي الأمر أولاً وأخرًا.* *عزل القاضي بموت الإمام أو عزله: *** *ناقش الفقه أيضًا مسألة انعزال القاضي بموت ولي الأمر أو عزله، ويري بعضهم منع انعزال القاضي بموت ولي الأمر، لشدة الضرر وتعطيل الحوادث، ويري بعضهم الآخر انعزال القاضي بموت ولي الأمر، فلو تصرف القاضي بعد موت ولي الأمر قبل علمه بذلك فلا يصح تصرفه، لأن ولايته قد بطلت، وكذلك لو حكم ثم نُعي ولي الأمر قبل التنفيذ فلا ينفذ لأن ولي الأمر شرط تنفيذ الحدود.* *كما لا ينعزل القاضي إذا خُلع ولي الأمر أو تنازل عن منصبه جبرًا أو رضاءً أو اختيارًا، ولا ينعزل القاضي فورًا بعد صدور قرار العزل، بل لابد لنفاذه من أن يُعلم به، وقال أبو يوسف: لا ينعزل حتي يباشر خلفه، وذلك لصيانة حقوق الناس.* *ونستخلص مما سبق النقاط التالية: *** *1- أن القضاء أمر لازم لقيام الأمم وحياتها حياة طيبة ولنصرة المظلوم وقمع الظالم، وقطع الخصومات، وأداء الحقوق إلي مستحقيها، وللضرب علي أيدي العابثين وأهل الفساد، كي يسود النظام في المجتمع، فيأمن كل فرد علي نفسه وماله وعلي عرضه وحريته، فتنهض الدولة ويتحقق العمران ويتفرغ الناس لما يصلح دينهم ودنياهم، فإن الظلم من شيم النفوس، ولو أنصف الناس لاستراح قضاتهم ولم يحتج إليهم.* *2- أن القاضي لا يأخذ شرعيته إلا بتعيين من ولي الأمر أو نائبه وذلك حفاظًا علي وحدة المسلمين وصيانة دمائهم، فالقضاء كما هو معلوم منصب من مناصب الدولة لا يجوز لغير ولي الأمر تعيينه إلا في حالة الضرورة، كما لو لم يوجد حاكم في بلد ما فإن لأهل العلم والرأي تعيين قاض يحكم بينهم، علي أنه في حالة وجود حاكم بعد ذلك فلابد من إذنه.* *3- تمنع نصوص الشريعة وقواعدها العامة ولاة الأمور في الأمة من التدخل في القضاء أو التأثير في أدائه بأي وجه من الوجوه، من أجل ذلك أحاط رؤساء الدولة الإسلامية القضاء بكل مظاهر الإجلال والتكريم، وصانوه عن التدخل ضمانًا للحق وإرساءً للعدل، فلم يسعوا إلي تحويل الأحكام لصالحهم، أو لصالح من يحبون، وانما امتثلوا لأحكام القضاء بالاحترام والتنفيذ.* *4- أن مبدأ عدم قابلية القاضي للعزل هو من المبادئ المهمة والأساسية في إقرار استقلال القضاء وحمايته من خلال منع السلطة التنفيذية من التدخل في عزل القاضي، لأن مخالفة هذا المبدأ يؤدي إلي أن تبادر هذه السلطة إلي أن تجعل من إمكانية عزل القاضي وسيلة ضغط لتملي إرادتها عليه، وقد تحيد به عن تطبيق القانون كما ينبغي، وفي هذه الحالة يكون القاضي خائفًا علي الدوام من أن يفقد منصبه في حال عدم رضا السلطة التنفيذية عنه.* *5- القول باعتماد مبدأ عدم قابلية العزل علي إطلاقه ليس صحيحًا ولا يتوافق مع ضرورات الواقع القضائي وما ترافقه من حالات تطرأ علي ساحته وتكون بحاجة إلي معالجة من خلال اتخاذ إجراءات بحق القاضي- ومنها العزل- ليكون إحدي الوسائل التي يبتغي منها تدعيم مركز العدالة من خلال اجتثاث القضاة غير الجيدين وغير الجديرين بشغل وظيفة القضاء.* *6- ولما كان مركز القاضي في المجتمع مركزًا مهمًّا وخطيرًا لأنه هو الذي يفصل بين الناس، فينبغي أن يكون محل ثقة واحترام الناس لتطمئن إلي عدالته في الحكم، ولا يستطيع القاضي أن ينال هذه المنزلة عند الناس إلا بالدليل الملموس الذي يقدمه للناس في سلوكه المرضي البعيد عن الشبهات وفي صرامته في التمسك بعدالة الحكم بين الخصوم، لذا نبه الفقهاء إلي ما ينبغي أن يبتعد عنه القاضي في سلوكه وسيرته وأعماله، والقاعدة العامة في سلوكه هي أن يكون مُرضيًا لا تثار حوله الشكوك والريب.* *7- يجوز عزل القاضي من قبل ولي الأمر أو نائبه إذا اقتضت مصلحة الناس ذلك، كتسكين فئة، أو وجد الإمام مَن هو أقوي منه وأفضل وأصلح للقضاء، أو ظهر عجزه وعدم كفاءته، أو أقر بأنه حكم بجور متعمدًا أو ثبت عليه ذلك بالبينة، أو فعل أفعالاً تخل بالمروءة والشرف، كقبول الرشوة، أو المعاونة علي الظلم والرضا به، فإنْ عزله ولي الأمر لغير مصلحة أو بدون سبب معتبر فإنه لا ينعزل.* *8- يجوز نقل القضاة إلي وظائف غير قضائية إذا ثبت عدم صلاحيتهم لمنصب القضاء لأسباب غير صحية، أو ثبت أن أعمالهم دون المتوسط أو لم تحقق العدالة المطلوبة.* *القضاة في القانون** والشريعة * *جاءت الشريعة الإسلامية، فأقرت الحقوق بجميع أنواعها، وأعطت كلّ ذي حق حقه ، ورسمت الطريق في كيفية استعمال هذه الحقوق وأساليب ممارستها بما يحقق التكافل الاجتماعي والتضامن بين الأفراد وبما يؤمن الاستقرار في المعاملات بشتي صورها وبما يوازن بين الملكية الخاصة والمصالح العامة وفق النظرية المعروفة في الفقه الإسلامي المسماة ' نظرية منع التعسف في استعمال الحق ' ولكن لما كانت النفس البشرية قد جبلت علي حب الذات والأنانية، والطمع بما في أيدي الناس، والاعتداء علي حقوق الآخرين، ومحاولة سلبها أو الاستئثار بها أو الاستيلاء عليها إما بالقوة وإما بالحيل، لذا أقامت الشرعة الإسلامية نظام القضاء لحفظ الحقوق، وإقامة العدل، وتطبيق الأحكام، وصيانة الأنفس، والأعراض، والأموال، ومنع الظلم والاعتداء، وليستتب الأمن في المجتمع وتسود الطمأنينة ويعم الخير، ولما كان نظام القضاء في الإسلام أروع الأنظمة، وأدقها في تحقيق مقاصده والوصول لغاياته وأهدافه إن القضاء في الإسلام يقع وفق الإثبات المظهر للواقعة والحق أمام القاضي فإذا كان الإثبات صحيحاً في الظاهر والباطن ومطابقاً للواقع وصادقاً في نفس الأمر فإنه يؤثر في المدعي به ظاهراً وباطناً فيحكم للمدعي بالشيء ظاهراً ويحل له أخذه واستعماله واستغلاله وتملكه والاستفادة منه باطناً فيما بينه وبين الله أي ينفذ الحكم في الدنيا والآخرة. أما إذا كان الإثبات غير مطابق للواقع وكان ظاهره يخالف باطنه فإن حكم الحاكم المبني علي الإثبات لا يحل حلالاً ولا يحرم حراماً ولا يغير الشيء عما هو عليه في الواقع ونفس الأمر وإنما ينفذ في الظاهر فقط عند من لا يعلم الحقيقة والباطن وتترك البواطن لله وترتبط بالحساب والعقاب الأخروي لعموم حديث أم سلمة رضي الله عنها أن رسول الله قال: ' إنما أنا بشر وإنه يأتيني الخصم فلعل بعضكم أن يكون أبلغ من بعض فأقضي له بذلك فمن قضيت له بحق مسلم فإنما هي قطعة من النار فليأخذها أو فليتركها '، وفي لفظ ' إنما أنا بشر وإنكم تختصمون إلي ولعل بعضكم أن يكون ألحن بحجته من بعض فأقضي نحو ما أسمع فمن قضيت له بحق أخيه شيئاً فلا يأخذه فإنما أقطع له قطعة من النار '. وفي الصحيحين ' من حلف علي يمين يقتطع بها مال امرئ مسلم وهو فيها فاجر لقي الله وهو عليه غضبان '. ويجدر بالذكر أن هذا المبدأ تختص به الشريعة الإسلامية، ففي القوانين الوضعية لا يبحث في نفاذ الحكم ظاهرا وباطناً لأنه بحث يستند إلي قضية الحلال والحرام من الجانب الديني ولذا لم يتعرض له شراح القوانين لكنهم يعترفون أن القضاء نسبي وأن أحكام القضاء ظنية ولكنهم اعتبروا الحكم القضائي مع احتمال الخطأ من القاضي والتزوير في البينة اعتبروه حقيقة واقعة ولو علي حساب العدل ومنح الحكم القضائي قوة القضية النافذة ظاهراً وباطناً. وهذا المبدأ هو ما تنص عليه أنظمة القضاء في المملكة فعلي سبيل المثال تطالعنا المادة الثمانون بعد المائة من نظام الإجراءات الجزائية بما نصه: ' تعتمد المحكمة في حكمها علي الأدلة المقدمة إليها في أثناء نظر القضية، ولا يجوز للقاضي أن يقضي بعلمه ولا بما يخالف علمه ' ففي هذه المادة إفادة بأن القاضي يحكم استناداً للأدلة المقدمة إليه وما تنتجه من إنتاجات سليمة ودون نظر إلي بواطن الأمور* *.**وضماناتهم وحيدتهم القواعد التي تنظم هذا الموضوع هي: -*** *أ - شروط تعيين القضاة* *ب - عدم صلاحية القضاة للقضاء* *ج-- تأديب القضاة ومسئوليتهم.* *أ – شروط تعيين القضاة: -* *أولاً: ماهية الشروط: -* *نصت المادة 38 من قانون السلطة القضائية علي الشروط الكلية التي يتطلبها القانون فيمن يولي القضاة وهي: -* *1- أن يكون متمتعاً بجنسية جمهورية مصر العربية وكامل الأهلية المدنية ونظراً كما اشترط النص في المصري الذي سيتولي القضاء أن يكون كامل الأهلية أي غير مصاب باقة عقلية تنال من أهليته كالمجنون والسفيه والمعتوه * *والنص يثير التساؤل هل يصدق علي المرأة؟ بأن تتولي منصب القضاء؟ وإذا رجعنا إلي بحث المسألة في الفقه الإسلامي* *ذهب جمهور الفقه ما عدا الحنفية 00إلي انه يشترط في صحة توليه القاضي* *أن يكون رجلا لا امرأة فلا يجوز توليه المرأة لمنصب القضاء وإلا كانت الولاية باطلة واستدلوا علي ذلك بالأدلة الاتية: -* *1- لقد نص القرآن الكريم علي أن ' الرجال قوامون علي النساء بما فضل الله بعضهم علي بعض وبما انفقوا من أموالهم ' والقوامة عليهن هي الولاية عليهن ولو جازت توليه النساء للقضاء أو شيئا الولايات العامة لكانت لهن قوامة علي الرجال وهو مالا يجوز بنص الاتية.* *2- ما جاء في صحيح البخاري انه لما بلغ رسول الله صلي الله عليه وسلم أن أهل فارس ملكوا عليهم بين كسري قال' ما أفلح قوم ولو أمرهم امرأة '.* *3- لم يحدث في حياة النبي محمد صلي الله عليه وسلم ولا في حياة الخلفاء من بعده أن تولت امرأة منصب القضاء * *4- إن المرأة بطبيعة الحال رقيقة العاطفة وهنة الحس سريعة التأثر وهذا من شأنه أن يدفعها إلي الميل مع الهوي وتغليب دواعي العاطفة علي مقتضي العقل.* *5- أن بعض النساء صورتهم وكلامهن فتنة.* *6- ولقد ذهب أبو حنيفة إلي جواز ان يكون المراة قاضية فيما تصح فيه شهادتها وبالتالي لا يجوز لها ذلك في الحدود والقصاص لعدم قبول شهادتها فيهما.* *ونحن من جانبا نري عدم جواز تولي المرأة00 لمنصب القضاء استنادا إلي الأدلة الشرعية لجمهور الفقه الإسلامي وإلي أن طبيعة المرأة التي خلقت عليها يستأبي جلوسها طوال الشهر لعمل العدل بين الناس ثم أن القضاء بحاجة ماسة إلي العقل والحكمة الكياسة والممارسة التي تستعصي علي المرأة* *2- أن يكون حاصلا علي إجازة الحقوق من إحدي طلبات* *الحقوق بجامعات مصر العربية أو علي شهادة أجنبية معادلة لها وأن ينجح في الحالة الأخيرة في امتحانات المعادلة طبقا للقوانين واللوائح الخاصة بذلك.* *والحكمة 00من هذا الشرط هو توافر الثقافة القانونية المؤهلة للقيام بدور راعي العدالة وإن كان المشرع قد اكتفي بمؤهل أجازة الحقوق لوحدة.* *3- إذا كان المشرع يستهدف أن يتحقق للقاضي النضج الذهني فيلزم مع كمال الأهلية بلوغ سناً معينة هي سن الثلاثين علي الأقل لقضاة المحاكم الابتدائية وأربعين سنة لمستشاري محاكم الاستئناف وثلاث اربعين لمستشاري محكمة النقض.* *4- أن يستحق في القاضي حسن الخلق بأن يكون محمود السيرة وحسن السمعة وألا يكون قد سبق الحكم عليه لأمر مخل بالشرف ولو كان قد ولو كان قد رد اعتباره.* *ويكون تعيين رجال القضاء بقرار جمهوري بعد موافقة مجلس القضاء الأعلي.* *وعلي القضاة أن يحلقوا قبل اشتغالهم بوظائفهم اليمين الاتية00 أقسم بالله العظيم أن أحكم بين الناس بالعدل وأن أحترم القوانين يكون أداء رئيس محكمة النقض اليمين أمام رئيس الجمهورية ويكون أداء اليمين بالنسبة لنواب رئيس محكمة النقض ورؤساء محاكم الاستئناف ونوابهم أمام الجمعية العامة لمحكمة النقض.* *ب- أحوال عدم أهلية القاضي للقضاء: -* *أولاً: قيام صلة بين القاضي واحد أعضاء الدائرة أو الدفاع: -* *يمنع قانون السلطة القضائية أن يجلس في دائرة واحدة قضاة بينهم قرابة أو مصاهرة لغاية الدرجة الرابعة بدخول الغاية كما يمنع أن يكون احد القضاة مرتبطا بممثل النيابة أو بمحامي احد الخصوم أو بممثلة في الدعوي بقرابة أو بمصاهرة لغاية الدرجة الرابعة بدخول الغاية.* *ثانيا عدم الصلاحية: -* *أسباب عدم الصلاحية: يكون القاضي غير صالح للحكم في الدعوي: -* *1- إذا كان قريبا أو صهرا لأحد الخصوم إلي الدرجة الرابعة ويتحقق سبب عدم الصلاحية في هذه ولو كان القاضي قريبا أو صهرا للخصمين معاً إذ يكون رابطة بأحدهما رابطة عطف ومودة بالأخر رابطة بغض وكراهية.* *وعلة هذا00 السبب أن القرابة أو المصاهرة قد تكون مصدر ود وثيق أو مصدر بغض شديد وكلا العاطفين من شأنهما أن يجعلا القاضي غير صالح لنظر الدعوي.* *2- وجود خصومة قائمة ويكون القاضي غير صالح لنظر الدعوي كذلك إذا كانت له أو لزوجته خصومة قائمة مع أحد الخصوم أو زوجته وذلك لأن الخصومات تثير الاحقاد وتحمل علي التشفي مما يخشي معه انحراف القاضي عن طريق العدالة أو اتهامه بذلك وقد تقوم في نفس الخصم مظنة محاباة القاضي لخصمه للوصول معه إلي تسوية في مصلحة في القضية القائمة بين القاضي وذلك الخصم.* *وينبغي في الخصومة أن تكون علي جانب من الجد وعلي ذلك لا تتوافر حالة عدم الصلاحية إذا لم تكن هناك دعوي مقامة تكشف عن الخصومة وإنما كانت هناك مجرد شكوي مقدمة من الخصم ضد القاضي الذي ينظر الدعوي.* *وينبغي أن تكون الخصومة قائمة وقت نظر الدعوي فلا يتوافر شرط الخصومة إذا كانت الدعوي التي تستند اليها الخصومة قد أقيمت من الخصم أو زوجته علي القاضي أو زوجته بعد رفع الدعوي القائمة وعرضها علي القاضي * *ثالثا: الوكالة والنيابة ومظنة الإرث: -* *يكون القاضي غير صالح لنظر الدعوي إذا كان وكيلا لأحد الخصوم في أعماله الخصوصية أو وصيا عليه أو قيما أو مظنونة وراثته له وذلك لأن العاطفة والعناية اللتين يتصف بهما الوكيل أو النائب عن عديم الأهلية لا تتفق مع ما يجب أن يكون عليه القاضي من عدم التحيز والحيدة المطلقة في النزاع* *وكذلك للشخص المحتملة ورثته مصلحة في تضخيم الأموال التي ينظر أن تنول إليه أو في استرضاء المورث حتي لا يتعرض للحرمان من الإرث.* *كذلك يكون القاضي غير صالح لنظر الدعوي إذا كانت له صلة قرابة أو مصاهرة للدرجة الرابعة يوصي أحد الخصوم أو بالقيم عليه أو بأحد أعضاء مجلس إدارة الشركة المختصة أو بأحد مديريها.* *رابعاً: وجود مصلحة في الدعوي القائمة: -* *تتحقق حالة عدم الصلاحية كذلك إذا كانت للقاضي أو لزوجته أو لأحد أقاربه أو أصهاره علي عمود النسب أو لمن يكون وهو وكيلا عنه أو وصيا قيما عليه مصلحة في الدعوي القائمة.* *والمقصود بهذا الحكم 00أن يشمل ما قد تقصر سائر الحالات السابقة عن تناوله فقد تكون الدعوي المطروحة أمام القاضي مقامة من أو علي غير قريبة أو زوجته أو صهره ولكن توجد لأحد من هؤلاء أوله هو مصلحة محققة من ورائها مثال ذلك أن تكون الدعوي مقامة من أحد المساهمين في شركة يساهم فيها القاضي أو زوجته أو أحد من أقربائه أو أصهاره.* *خامساً: أفتاء القاضي أو مرافعته أو سبق نظره أو شهادته في الدعوي: -* *يكون القاضي غير صالح لنظر الدعوي إذا كان قد افتي أو ترافع عن أحد الخصوم في الدعوي أو كتب فيها حتي ولو كان ذلك قبل اشتغاله بالقضاء وحكمه ذلك ان الافتاء او الكتابة او المرافعة في الدعوي قد تحمله علي التثبت برايه الذي ابداه حتي ولو خالف مجري العدالة وقد يضم ادئه مما قد ينيره أحد الخصوم من دفاع حتي ولو طابق حكم القانون علي أنه لا يعتبر موجبا لعدم الصلاحية إبداء القاضي رأيه في نقطة قانونية من نقطة القضية وذلك في مؤلف وضعه أو مقال كتبه ولو أثناء توليه القضاء أو كان قد أصدر عدة أحكام اعتنق فيها مذهبا قانونيا معينا* *وأخيرا فإن القاضي يكون غير صالح لنظر الدعوي00 إذا كان قد أدي شهادة فيها لأنه بذلك يكون قد أبدي رأيه في القضية وقد تحمله رغبته في تأكيد صدق شهادته علي أن يتثبت بما أبداه في القضية من شهادة غير عالجا بما قدم فيها من أدلة قد تكون حاسمة أو قد يعتمد في حكمه في الدعوي علي الشهادة التي سبق له أن أبداها وهو باعتماده في الحكم علي ما شهد به يكون قد حكم بعلمه وهذا غير جائز.* *ومنع القاضي من نظر الدعوي التي ادلي فيها بشهادة يتمشي مع مبدأ أن القاضي لا يجوز له أن يقضي بناء علي معلوماته الشخصية ولأن العلم الشخصي هنا يمثل تقدير القاضي وعلة عدم الصلاحية للقاضي للفصل في الدعوي التي سبق له نظرها قاضيا أو خبيرا أو محكما هي خشية أن يلتزم رأيه الذي يشف عنه عمله المتقدم وبأمن من التحرر منه أو يصعب عليه الأخذ برأي مخالف فيتأثر قضاؤه.* *نتائج وأثار عدم الصلاحية: -* *متي قامت بالقاضي حالة من حالات عدم الصلاحية المشار إليها آنفا أصبح بقوة القانون الإجرائي غير صالح لنظر الدعوي ممنوعاً من سماعها ولو لم يرده أحد من الخصوم عنها. ويجب عليه من تلقاء نفسه أن ينتحي عن نظر تلك الدعوي فإذا نظرها مع ذلك وتبين المادة 147 مرافعات البطلان جزءا علي عمل القاضي في الأحوال المتقدمة حتي ولو تم عمله باتفاق الخصوم وارتضائهم لحكمة.* *ما لا يعد سبباً لعدم الصلاحية: -* *قررت محكمة النقض أن النص في المادة 272 مرافعات علي انه لا يجوز الطعن في أحكام محكمة النقض بأي طريق من طرق الطعن قد جاء عاماً مطلقا لم يستثن المشرع من هذا الأصل إلا ما جري به نص المادة 147 مرافعات وهو استثناء مقصور بصريح عبارة النص علي أن الطعن لا يجوز إلا إذا كان مبناه توافر عدم الصلاحية المؤسس علي احد الأحوال المتقدم ذكرها.* *ثالثا: رد القضاة: -* *فكرة الرد: -* *يقصد برد القاضي عن الحكم منعه من نظر الدعوي طالما قام سبب يدعو إلي الشك في قضائه فيها بغير ميل أو تجيز ولكل خصم مهما كانت صفته في الدعوي أن يطلب رد القاضي عن نظرها.* *ب – حالات الرد: -* *حالات رد القاضي أوردها المشرع في المادة 148 مرافعات وهي واردة علي سبيل الحصر وهي: -* *1- إذا كان للقاضي أو لزوجته دعوي مماثلة للدعوي التي ينظرها أو إذا وجدت لأحدهما خصومة مع أحد الخصوم أو زوجته بعد قيام الدعوي المطروحة علي القاضي ما لم تكن هذه الدعوي قد أقيمت بقصد رده علي نظر الدعوي المطروحة عليه.* *ويقصد بعبارة الدعوي المماثلة أن تكون المسألة القانونية لمقتضي الفصل فيها في الدعويين واحدة وأن تكون وقائعها متماثلة.* *وعلة الرد في هذه الحالة أن القاضي يميل إلي الحكم في الاتجاه الذي يتفق مع مصلحة مدفوعا في ذلك بشعور الطبيعي وبالرغبة في إنشاء سابقة قضائية يستند إليها في دعوه.* *2- إذ كان لمطلقته التي له منها ولد أو لا حد أقاربه أو أصهاره علي عمود النسب خصومة قائمة أمام القضاء مع أحد الخصوم في الدعوي أو مع زوجته ما لم تكن هذه الخصومة قد أقيمت بعد قيام الدعوي المطروحة علي القاضي بقصد رده.* *والنص حازم في حالة الرد هذه بكون مطلقة القاضي أنجب منها ولد ذكرا كان أو أنثي فإن لم يكن لها ولد فلسنا أمام سبب للرد والعلة من السبب واضحة في كون المطلقة لها من القاضي ولد يؤثر علي غيره.* *3- إذا كان أحد الخصوم خادماً للقاضي أو كان قد اعتاد مؤاكلته أحد الخصوم أو مساكنته أو كان قد تلقي منه هدية قبل رفع الدعوي أو بعده* *ويشمل التعبير بمعناه المعروف الخادم والسائق والبواب والكاتب والسكرتير والمحصل وناظر الزراعة وإنما لا يعتبر الطبيب أو المهندس أو المقاول خادماً فيما يقوم به من أعمال ولا يعتبر المستأجر خادماً.* *وعلة الرد00 في هذه الحالة أن المؤاكلة دليل الصداقة والتألف كذلك اعتياد المشار به.* *4- إذا كان بينه وبين أحد الخصوم عداوة أو مودة يرجع معها استطاعة الحكم بغير ميل. والواقع أن هذا سبب عام يشمل كل الأحوال التي يثور فيها الشك حول قدرة القاضي علي الحكم بغير مل أو تحيز إلي أحد طرفي الخصومة وعلي ذلك يجوز رد القاضي لعداوة شخصية ولو لم تنشأ عنه قضية أو لمودة متينة ولو لم تنشأ عنها الزوجة أو القرابة أو المصاهرة أو المؤاكلة.* *فيجب أن تكون عاطفة الود أو العداوة قوية بحيث يرجع معها عدم استطاعته الحكم بغير ميل ومن ثم مجرد المعرفة أو الجيرة أو انفاق المصالح لا يعد سبب من أسباب الرد وهذا السبب الأخير يغني عن ذكر اسباب كثيرة تنطوي عليه.* *أثر توافر حالات الرد: -* *إذا توافرت حالة من حالات الرد يجوز للخصم أن يطلب رد القاضي او عضو النيابة حسب الأحوال فإذا لم يطلب الخصوم رد القاضي في الميعاد المحدد أو سقط حقهم في هذا الطلب لأحد الأسباب يكون قضاء القاضي وعمله وعمل عضو النيابة سليما ولا يجوز الطعن عليه بوجوب سبب من أسباب الرد لم يتم التمسك به.* *ج - إجراءات طلب رد القاضي* *1- تقرير الرد* *يحصل الرد بتقدير يكتب بقلم الكتاب يوقعه الطالب أو وكيله المفوض فيه بتوكيل خاص ويرفق التوكيل بالتقرير ويجب أن يشتمل تقرير الرد علي اسبابه وأن يرفق به ما يوجد من الأوراق المؤيدة له* *فإذا كان الرد واقعاً حق قاض جلس أول مرة لسماع الدعوي بحضور الخصوم جاز الرد بمذكرة تسلم لكاتب الجلسة وعلي طالب الرد تأييد طلب بقلم الكتاب في اليوم نفسه أو في اليوم التالي وإلا سقط الحق فيه. وعلي طالب الرد أن يودع عند التقرير بالرد 300 جنيه علي سبيل الكافلة ويجب سلوك الخصم للإجراء الذي رسمه القانون في رد القاضي بالتقرير بالرد بقلم الكتاب ولا يغني عن ذلك تقدمه طلب لإعادة الدعوي للمرافعة لإحالتها لدائرة أخري.* *2- ميعاد الرد: -* *يجب تقديم طلب الرد قبل تقديم أي دفع أو دفاع وإلا سقط حق طالبة منه فإبداء أي دفع أو دفاع في الدعوي يعتبر قبولا من الخصم مسقطا لحقه في طلب رد القاضي وذلك وفقا لنص المادة 151/1 مرافعات والتي تنص علي أنه يجب تقديم طلب الرد قبل تقديم أي دفع أو دفاع وإلا سقط الحق فيه.* *3- الحكم في طلب الرد: -* *يجب علي كاتب المحكمة أن يرفع تقرير الرد إلي رئيسها في ظرف 24 ساعة وعلي الرئيس أن يطلع القاضي المطلوب رده علي التقرير وأن يرسل صورة منه إلي النيابة وعلي القاضي المطلوب رده أن يجب بالكتابة علة وقائع الرد بأسبابه خلال أربعة الأيام التالية لإطلاعه.* *فإذا كانت الأسباب تصلح قانونا للرد ولم يجب عليه القاضي المطلوب رده في الميعاد أو أعترف بمها في إجابته أصدر رئيس المحكمة أمرا بتنحيته في غير هذه الأحوال يعين رئيس المحكمة في اليوم التالي لانقضاء ميعاد الإجابة علي وقائع الرد الدائرة التي تتولي نظر الرد وعلي هذه الدائرة أ ن تقوم بتحقيقه في غرفة المشورة ثم تحكم فيه بعد سماع أقول طالب الرد وملاحظات القاضي عند الاقتضاء وممثل النيابة إذا تدخلت في الدعوي ويتلي الحكم وأسبابه في جلسة علنية.* *واستحدث قانون المرافعات حكماً خاصاً بتحقيق طلب الرد 00من أنه لا يجوز في تحقيق الرد استجواب القاضي ولا توجيه من الحكم في الدعوي وقضاؤه فيها صحيح ولو قام به سبب من أسباب الرد فالمشروع يفرق بين عدم صلاحية القاضي لنظر الدعوي وهو أمر يتعلق بالنظام العام مؤداة إلي بطلان حكم القاضي ولا يتوقف ذلك علي تمسك الخصم به أو عدم تمسكه وبين الرد فقيام سبب من اسباب الرد بالقاضي لا يؤدي بذاته إلي منعه من نظر الدعوي إنما منعه من نظر الدعوي حق للخصم له أن يطلبه وله إلا يطلبه وإذا طلبه كان له أن ينزل عنه.* *4- الطعن في حكم الرد: -* *يختلف حكم الطعن في الحكم الصادر في طلب الرد بالنسبة لطالب الرد بالنسبة لطالب الرد عنه بالنسبة للقاضي المطلوب رده فمن حيث طالب الرد يجوز له استئناف الحكم دائما ولو كانت قيمة الدعوي مما يحكم فيه نهائيا هذا إذا كان الحكم صادرا من محكمة كلية أما إذا كان صادراً من محكمة لا يجوز استئناف الأحكام الصادرة فيها كمحكمة الاستئناف أو النقض فلا يجوز بالتالي استئنافه.* *أما من حيث القاضي الذي يحكم برده رغم أن المشرع لم يعرض في النص لحقه في الاستئناف فالفقه يجمع علي انه ليس للقاضي أن يستأنف ذلك الحكم برده لأن القاضي ليس خصما في طلب الرد حتي يجوز له الطعن في الحكم الصادر فيه بدليل أنه لا يحكم عليه بالمصاريف إذا حكم بقبول الرد ثم أنه مما يتنافي مع كراهة القاضي أن يتثبت بالحكم في الدعوي.* *ونذهب مع جانب من الفقه إلي أن ما ذهب اليه الفقه محل نظر فالمشرع لم يرود نصا خاصا إلا بالنسبة لطالب الرد إذا رفض طلبه في استئناف الحكم الصادر برفض طلبه أما بالنسبة للقاضي الذي يحكم برده.* *تعديل تشريعي علي الطعن في حكم الرد: -* *خروجا علي القواعد العامة للطعن في الأحكام تقرر المادة 57 / د معدله بالقانون رقم 23 لسنة 92 أنه في جميع الأحوال لا يجوز الطعن في الحكم الصادر برفض طلب الرد إلا مع الطعن في الحكم الصادر في الدعوي الأصلية وعلي هذا فإن الحكم الصادر برفض طلب الرد لا يجوز الطعن فيه علي استقلال فور صدوره وإنما يجوز الطعن فيه عن الطعن في الحكم في الدعوي الأصلية.* *وقد أضيفت هذه الفقرة بناء علي اقتراح اللجنة الدستورية والتشريعية بمجلس الشعب علي اساس أن خصومة الرد هي خصومة فرعية بالنسبة للدعوي الأصلية ولا تنتهي الخصومة بالحكم فيها.* *ونذهب مع جانب من الفقه إلي إن هذا التبرير غير دقيق فخصومة الرد خصومة أصلية شأنها شأن الخصومة في الدعوي التي طلب رد القاضي عن نظرها ومن ناحية أخري فليس صحيحا أن الخصومة في طلب الرد لا تنتهي بالحكم فيها فخصومة الرد شأنها شأن أية خصومة أخري تنتهي بصدور حكم فيها.* *س: تكلم عن منهج القضاء؟* *1- عدم قيام سبب من اسباب الرد أثره المضي في نظر الدعوي: -* *قضت محكمة النقض أنه لما كان ما آثاره وكيل المخاصم بشأن صلاحية الدائرة بتشكيلها الحالي لنظر الدعوي لا يقوم به سبب من أسباب عدم الصلاحية المنصوص عليها في إعادة 146 مرافعات والتي تجعل القاضي ممنوعا من نظر الدعوي ولو لم يرد أجر الخصوم إذ الجوهري أن يكون قد كشف عن افتتاحه برأي معين في الدعوي قبل الحكم فيها بما يتعارض مع يشترط فيه من خلو الذهن عن موضوع الدعوي لما كان ذلك وكان المخاصم لم يستجد الإجراءات التي نصت عليها المادة 153 مرافعات في شأن رد القضاء وكاتنحي القاضي عن نظر الدعوي من تلقاء نفسه.* *2- الطعن علي حكم الرد بالنقض: -* *كان الحكم المطعون فيه صادرا في دعوي رد قاضي لمحكمة الجنح إلا أنه وقد نصت المادة 250 من قانون الإجراءات الجنائية علي ان تتسع في نظر طلب الرد والحكم فيه القواعد المنصوص عليها في قانون المرافعات