تحرص القوانين في كل دول العالم، علي أن يتوافر في محراب العدالة، أكبر قدر من الثقة بين المدعين وبين قاضيهم الطبيعي، فيشعر المواطنون انهم أمام عدالة متجردة، وأن كل كفة من كفتي الميزان، لا تميل إلي هذا الاتجاه أو ذاك، بل أن الكل سواسية أمام القاضي العادل. وعلي هذا النهج سار السلف الصالح وقد جاء في رسالة عمر بن الخطاب الي احد القضاة آس أي ساوي بين الناس في مجلسك، وفي وجهك وفي قضائك.. حتي لا ييأس ضعيف من عدلك«. وفي جهة أخري فإن جميع التشريعات تحرص في ذات الوقت علي المحافظة علي هيبة القاضي، وتعمل علي توفير الحماية القانونية له، حتي يتمكن من أداء رسالته مع الحزم اللازم، ومع حتمية توفير الاحترام الواجب للمنصة العالية، التي ترعي بكل الهيبة والجلال سيادة القانون العادل. ومن أجل هذا تحرص القوانين علي وضع النظم التي تكفل تحقيق التوازن بين كل ما تقدم. وفي مصر وبالرجوع إلي قانون الاجراءات الجنائية رقم 051 لسنة 0591، وقانون المرافعات المدنية رقم 31 لسنة 86 نجد أنهما قد تضمنا وضع تنظيم دقيق لقواعد رد القضاة، وفي الوقت نفسه فقد وضعا العقوبات علي من يسيء استخدام هذا الحق. وقد حددت المادة »841« في قانون المرافعات الحالات التي يجوز فيها رد القضاة، وأخصها أن يكون بين القاضي وبين أحد الخصوم عداوة أو مودة يرجح معها عدم استطاعته الحكم بغير ميل. وما تقدم بشأن الرد، يختلف عن التنحي، حيث أجازت المادة »051« مرافعات للقاضي اذا قامت لديه أسباب يستشعر معها الحرج في نظر الدعوي، فإنه يعرض أمر تنحيه عن نظر الدعوي علي رئيس المحكمة. ولما كان القانون لم يحدد هذه الحالات، فهي متروكة لضمير القاضي، وعلاقته بالعلي القدير. أما عن إجراءات الرد، فقد تضمنت المادة »351« مرافعات النص علي ان الرد يحصل بتقرير يكتب بقلم كتاب المحكمة علي أن يوقع عليه الطالب بنفسه، أما بالنسبة لوكيله فيجب أن يكون لديه توكيل خاص يتيح له طلب الرد. واشترطت هذه المادة أن يشتمل طلب الرد علي أسبابه ومبرراته التي دعت الي الاعتقاد بأن بين القاضي وبين أحد الخصوم عداوة أو مودة يرجح معهد عدم استطاعته الحكم بغير ميل. ويجب أن يرفق بطلب الرد: الأوراق والمستندات المؤيدة له، وأن تودع أيضاً مائتان وخمسون جنيها علي سبيل الكفالة. أما المادة »451« فقد أجازت الرد بمذكرة تسلم لكاتب الجلسة عند نظر الدعوي. وعلي طالب الرد تأييد الطلب بقلم الكتاب في اليوم نفسه أو في اليوم التالي وإلا سقط حقه فيه. ووفقاً لأحكام المادة »351« مرافعات فإن الذي ينظر في طلب الرد المتعلق بأحد السادة المستشارين بمحكمة الاستئناف أو بمحكمة النقض فهي دائرة بمحكمة الاستئناف أو بمحكمة النقض، غير الدائرة التي يكون السيد المستشار المطلوب رده عضواً فيها. وتحكم الدائرة في طلب الرد بعد دراسة مبرراته وأسانيده وأدلته ويكون ذلك في موعد لا يتجاوز شهرين ولا يجوز استجواب القاضي، لكن له أن يبدي ملاحظاته عند الاقتضاء. ويتم تلاوة الحكم الصادر في طلب الرد في جلسة علنية.. ولا يجوز الطعن علي هذا الحكم، الا مع الطعن في الحكم الصادر في الدعوي الأصلية. هذا وقد تضمنت المادة »261« النص علي انه يترتب علي تقديم طلب الرد وقف الدعوي الأصلية الي ان يحكم في الطلب، ومع ذلك يجوز لرئيس المحكمة ندب قاض بدلاً من طلب رده، إلا إذا خشي مثلاً من أن يؤدي هذا إلي اضطراب الأمور. ووفقاً لأحكام المادة »951« مرافعات فإن المحكمة عندما ترفض طلب الرد، فإنها تحكم أيضاً بغرامة لا تزيد علي الألف وخمسمائة جنيه علي طالب الرد مع مصادرة الكفالة ولا يخل هذا بحق القاضي في رفع دعوي تعويض علي طالب الرد وذلك وفقاً لنص المادة »561« مرافعات، وفي هذه الحالة تزول صلاحيته للحكم في الدعوي. ويبقي أن نشير إلي أنه وفقاً لنص المادة »261« مكرر فإنه اذا قدم طلب رد جديد، بعد الحكم في الرد السابق، فإنه لا يترتب عليه وقف الدعوي الأصلية، إلا اذا قضت المحكمة التي تنظر طلب الرد الجديد غير ذلك.