في هذه الحالة الثورية المصرية، وبعد قيام القيادة العامة للقوات المُسلحة بتعطيل العمل بدستور 2012 وتكليف الرئيس المؤقت للجمهورية بإصدار إعلانات دستورية، يضحى الإعلان الدستوري هو المرجع التشريعي الأعلى درجة ومقاماً للدولة حين ينعدم الدستور أو يُلغى أو يُعطَّل العمل به، فهو بمثابة الدستور الفعلي المؤقت للبلاد خلال المرحلة الانتقالية، لذا يجب أن تضم نصوصه جُل الأمور المتعلقة بهيكل الدولة وخارطة الطريق الانتقالي للوصول إلى الاستقرار الدستوري المرجو، وتدشين سلطات ومؤسسات الدولة المختلفة واختصاصاتها. ولئن كان الإعلان الدستوري الصادر أمس عن رئيس الجمهورية، يؤدي في مجمله بعض الأغراض التي تتطلبها المرحلة الانتقالية في هذا الظرف الاستثنائي الراهن الذي تمر به البلاد بعد تعطيل العمل بدستور 2012م، إلا أنه أغفل النص على مباديء دستورية جوهرية أو خلَّف علامات استفهام على بعضها، مثل ما نص مادته الأولى في شأن عبارة: 'الأدلة الكلية للشريعة الإسلامية وقواعدها الأصولية والفقهية ومصادرها المُعتبرة في مذاهب أهل السنة والجماعة'، ومادته السادسة في شأن عبارة: 'صيانة أمن المجتمع' التي جعلها النص سبباً للقبض على الأشخاص أو تفتيشهم أو حبسهم أو تقييد حرياتهم بأي قيد أو منعهم من التنقل، وأيضاً الصلاحيات التشريعية والتنفيذية الواسعة التي منحها رئيس الجمهورية لنفسه، رغم أنه رئيس مؤقت جاء بتكليف من شعب ثائر وقواته المسلحة، وليس له دخل من قريب أو بعيد بهذا الفعل الثوري الجميل! وتجاهل الكود الدستوري تماماً النص على منصب نائب رئيس الجمهورية وسلطاته واختصتصاته، في وقت يتم فيه التسريب الإعلامي لمشاورات جارية لتولي الدكتور البرادعي هذا المنصب! كما لم ينص مُطلقاً على هيئة الشرطة وجوداً واختصاصاً، خصوصاً في هذه الأجواء التي نسعى فيها جميعاً إلى المصالحة الفعلية بين الشعب وشُرطته بعد سنتين ونصف من فقدان الثقة! أما عن ما يؤرق بعض فقهاء وأساتذة القانون الدستوري من خلو الإعلان الدستوري ممن تؤزل إليه سلطة الحكم في البلاد حال خلو منصب رئيس الجمهورية لأي سبب من الأسباب، فإن ذلك مردود عليه بأن منصب رئيس الجمهورية قد تولاه مؤقتاً رئيس المحكمة الدستورية العليا بصفته وليس بشخص المستشار عدلي منصور المتواجد حالياً على رأس المحكمة الدستورية العليا، أي أنه في حالة خلو منصب رئيس الجمهورية لأي سبب من الأسباب، سيتولاه رئيس المحكمة الدستورية الموجود في الخدمة الوظيفية. إن ابتعاد الرئيس المؤقت للبلاد عن الاستعانة بالمتخصصين الدستوريين والقانونيين من شباب الحركة الثورية وما تاخمها في المشاركة في وضع هذا الإعلان الدستوري، جعل الفكر الذي خرج به الإعلان فكراً تقليدياً يفتقر في مجمله إلى صياغات ومتطلبات المرحلة الثورية التي قام بها غالبية الشعب المصري، فيا ليت أساتذتنا من الفقهاء العباقرة الذين وضعوا هذا الإعلان الدستوري أن يستعينوا بالخبرات البسيطة لأجيال من شباب القانونيين، لينضموا معهم في صياغة نصوص الفعل الثوري كافة، مما سيكون الأصلح في النهاية لمستقبل البلاد والعباد!