تظهر بين الحين والآخر اتجاهات عالمية غير محايده تحاول تشويه صورة الإسلام الدين الحنيف خاصه فيما يتعلق بقضايا المرأة محاولين التجاهل عن عمد والإساءةلماقدمه الإسلام للمرأة من كامل الحقوق والحريات والمبادئ التي تكفل لها العدالة والإنصاف منذ صدر الدولة الإسلامية وحتى التاريخ المعاصر.. وحول هذا الأمر تحدثنا الدكتورة بديعة على احمد الطملاوى أستاذ الفقه المقارن والعميد السابق لكلية الدراسات الاسلامية والعربية للبنات بالاسكندرية.. قائلة:لقد كانت المرأة مهانة في الجاهلية تورث مثل المتاع ، وتُحرم من الميراث بحجة أن الذكر هو الذي يزود عن الأسرة ويخرج للجهاد ، كانت تستعبد لا رأي ولا قيمة لها ، ولكن بعد أن جاء الإسلام ، كرمها وأعلى من شأنها ، فقد جعل لها حقوقاً وهي جنين في بطن أمها وطفلة وأماً وزوجة وحرم الاعتداء عليها ، ونحن عندما نتحدث عن مكانة المرأة في الإسلام ينبغي أن يكون مصدرنا الرئيسي كتاب الله وسنة نبيه –صلى الله عليه وسلم- فقد كرم الإسلام المرأة وأعلى من شأنها بعد أن كانت مصدر عار في الجاهلية من الوأد والكره والحزن لمن بشربه بها وفي ذلك يقول الله تعالى : (وَإِذَا بُشِّرَ أَحَدُهُم بِالْأُنثَىٰ ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدًّا وَهُوَ كَظِيمٌ) 58 "أية من سورة الحجرات" وأمرهم باستعمار الأرض. ولعل التاريخ الإسلامي يذكر بكل فخر نساء خالدات رائدات كان لهن الدور البارز في تأسيس الدولة الإسلامية سواء في عصر الرسول –صلى الله عليه وسلم- أو عصر الخلفاء الراشدين ومن بعدهم إلى اليوم ، أذكر البعض منهم على سبيل المثال لا الحصر: من هؤلاء السيدة خديجة أم المؤمنين –رضي الله عنها- أول من آمنت بالرسول –صلى الله عليه وسلم- ، ودعمته وساندته مالياً وعاطفياً فكانت لها أعظم الأثر حتى سمى عام وفاتها بعام الحزن. السيدة أسماء بنت أبي بكر الصديق –رضي الله عنها- ودورها البارز في الهجرة وحملها الزاد للرسول –صلى الله عليه وسلم- وأبيها في الغار حتى أطلق عليها ذات النطاقين ، ولا يخفي دورها مع زوجها الزبير بن العوام –رضي الله عنه- ، ومن هؤلاء الشفاء بنت عبد الله القرشية العدوية ، المرأة المثقفة المتعلمة من أوائل الذين دخلوا الإسلام ، يقال أن اسمها ليلى ، واشتهرت بلقب الشفاء لأنها كانت ترقي المرضى ، وثق بها عمر بن الخطاب وكان يسمع لرأيها حتى إنه أولاها السوق ، فكانت حكيمة بفعلها ، هذا يدل على رجاحة عقل المرأة ويضرب مثالاً مشرفاً على تكريم الإسلام للمرأة وتوليها زمام الأمور مادامت مؤهلة لذلك. ومن الرائدات أيضاً السيدة عائشة أم المؤمنين –رضي الله عنها- الفقيهة راوية الأحاديث بنت الصديق –رضي الله عنه- ولا يخفى دورها في تأسيس الدولة الإسلامية. ومن الرائدات أيضاً : أم هانئ بنت أبي طالب أسلمت عام الفتح (8 ه) أجارت رجلين من قريش فاستجاب لها الرسول –صلى الله عليه وسلم-. ومن الرائدات السيدة حفصة بنت عمر بن الخطاب –رضي الله عنه- وزوجة النبي –صلى الله عليه وسلم- ائتمنها الصحابة على نسخ القرآن الكريم حتى طبع في عهد عثمان –رضي الله عنه- . ومن الرائدات أيضاً السيدة نسيبة بنت كعب الأنصارية شاركت في بيعة العقبة ، وأسماء بنت يزيد بن السكن الأنصارية ، وتتوالى الأزمان وتثبت المرأة دورها البارز في الحياة جنباً إلى جنب الرجل ، فقد جعل الله تعالى المرأة المثل الأعلى للمؤمنين فقال تعالى "وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا"لِلّذين آمَنُوا امْرَأَتَ فِرعون إِذْ قَالَتْ رَبِّ ابْنِ لِي عِنْدَكَ بَيْتًا في الْجَنَّةِ وَنَجِّنِي مِنْ فِرْعَوْنَ وَعَمَلِهِ ونجني مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمين" اية11 من سورة التحريم وساوي بينها وبين الرجل في الحقوق ، فلكل منهما حقوق وواجبات تجاه الآخر فليؤديها . يقول ابن كثير رحمة الله أي ولهن على الرجال من الحق مثل ما للرجال عليهن فليؤد كل واحد منهما إلى الآخر ما يجب عليه بالمعروف ، تفسير ابن كثير 1/393. من مقاصد الشريعة الإسلامية في تكريم المرأة عدم المفاضلة بين الرجل والمرأة في الأجر فقال تعالى : فَاسْتَجَابَ لَهُمْ رَبُّهُمْ أَنِّي لَا أُضِيعُ عَمَلَ عَامِلٍ منكم مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَىٰ ۖ بَعْضُكُمْ مِنْ بَعْضٍ ۖ فَالّذينَ هَاجَرُوا وَأُخْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ وَأُوذُوا فِي سَبِيلِي وَقَاتَلُوا وَقُتِلوا لَأُكَفِّرَنَّ عَنْهُمْ سَيِّئاتِهِمْ وَلَأُدْخِلَنّهم جَنات تَجْرِي مِنْ تحتها الأنْهَارُ ثَوَابًا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ ۗ وَاللَّهُ عنده حُسْنُ الثَّوَابِ" آية 195 آل عمران" ومنها أيضاً : المساواة في حق الحياة ، فمن اعتدى على الرجل والمرأة عوقب بلا فرق فقال تعالى :يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصَاصُ فِي الْقَتْلَى ۖ الْحُرُّ بِالْحُرِّ وَالْعَبْدُ بِالْعَبْدِ وَالْأُنثَىٰ بِالْأُنثَىٰ ۚ فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ فَاتِّبَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ وَأَدَاءٌ إِلَيْهِ بِإِحْسَانٍ ۗ ذَٰلِكَ تَخْفِيفٌ مِّن رَّبِّكُمْ وَرَحْمَةٌ ۗ فَمَنِ اعْتَدَىٰ بَعْدَ ذَٰلِكَ فَلَهُ عَذَابٌ أَلِيمٌ "آية 178 من سورة البقرة". ونص القرآن الكريم في كثر من المواضع من استعمال العنف ضد المرأة وإيذائها عن طريق إبطال جملة من المفاهيم المجتمعية وانعكاساتها على مكانة المرأة ودورها : رفض الإسلام اعتبار المرأة أصل الخطيئة رافعاً عنها اللعنة التي حملتها منفردة وهي مسئولية الخروج من الجنة كما في الكتاب المقدس ، حيث جعل القرآن ذلك مشتركاً بين آدم وحواء ، مع مزيد تركيز على أدم عليه السلام. وقال تعالي : فَأَزَلَّهُمَا الشَّيْطَانُ عَنْهَا فَأَخْرَجَهُمَا مِمَّا كَانَا فِيهِ ۖ وَقُلْنَا اهْبِطُوا بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ ۖ وَلَكُمْ فِي الْأَرْضِ مُسْتَقَرٌّ وَمَتَاعٌ إِلَىٰ حِينٍ "آية 36 من سورة البقرة. ويتضح ذلك جلياً في قوله تعالى : "فَدَلَّاهُمَا بِغُرُورٍ ۚ فَلَمَّا ذَاقَا الشَّجَرَةَ بَدَتْ لَهُمَا سَوْآتُهُمَا وَطَفِقَا يَخْصِفَانِ عَلَيْهِمَا مِنْ وَرَقِ الْجَنَّةِ ۖ وَنَادَاهُمَا رَبُّهُمَا أَلَمْ أَنْهَكُمَا عَنْ تِلْكُمَا الشَّجَرَةِ وَأَقُلْ لَكُمَا إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمَا عَدُوٌّ مُبِينٌ" آية 22 من سورة الأعراف". ثم إنها خطيئة قد انتهت يوم أن تاب الله على آدم بقوله عزوجل{فَتَلَقَّى آدَمُ مِنْ رَبِّهِ كَلِمَاتٍ فَتَابَ عَلَيْهِ إِنَّهُ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ}"آية 37 من سورة البقرة". ونهى الإسلام عن إيذاء المرأة عموماً : فقال تعالى " وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُّبِينًا آية 58 من سورة الأحزاب. نهى القرآن عن إيذاء المرأة في سمعتها فقال عز وجل :" وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً وَلَا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهَادَةً أَبَدًا ۚ وَأُولَٰئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ" آية "4" من سورة النور. نهى القرآن عن ظلم الزوجات والعدل بينهن فقال تعالى :وَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تُقْسِطُوا فِي الْيَتَامَىٰ فَانكِحُوا مَا طَابَ لَكُم مِّنَ النِّسَاءِ مَثْنَىٰ وَثُلَاثَ وَرُبَاعَ ۖ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تَعْدِلُوا فَوَاحِدَةً أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ ۚ ذَٰلِكَ أَدْنَىٰ أَلَّا تَعُولُوا" "آية 3 من سورة النساء". نهى عن هجر الزوجة بغير حق ، فقال عز من قائل :" فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسَّا ۖ فَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَإِطْعَامُ سِتِّينَ مِسْكِينًا ۚ ذَٰلِكَ لِتُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ ۚ وَتِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ ۗ وَلِلْكَافِرِينَ عَذَابٌ أَلِيمٌ" "آية 4 من سورة المجادلة". نهى الزوج أن يحرم الزوجة حقها فقال عز وجل : لِّلَّذِينَ يُؤْلُونَ مِن نِّسَائِهِمْ تَرَبُّصُ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ ۖ فَإِن فَاءُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ" آية 226 من سورة البقرة. نهى عن حرمان المرأة حقها في الميراث ، ونهى الرسول –صلى الله عليه وسلم- عن إيذاء المرأة وحث على إكرامها فقال في آخر وصاياه "ألا استوصوا بالنساء خيراً فإنهن عوان عنكم" رواه الترمذي. وقوله –صلى الله عليه وسلم- فيما روي عن السيدة عائشة –رضي الله عنها- قالت : قال رسول الله –صلى الله عليه وسلم- "خيركم خيركم لأهله ، وأنا خيركم لأهلي" رواه الترمذي. وعن ابن عباس –رضي الله عنهما- قال : قال رسول الله –صلى الله عليه وسلم- "من ولدت له ابنه فلم يئدها ، ولم يهنها ، ولم يؤثر ولده عليها –يعني الذكر- أدخله الله بها الجنة. وبعض الأحاديث تعطى الأفضلية للمرأة على الرجل يتضح ذلك في سؤال الصحابي من أحق الناس بحسن صحابتي قال أمك .... كررها ثلاثاً ، ثم قال أبوك". وعن السيدة عائشة –رضي الله عنها- قالت : ما ضرب رسول الله –صلى الله عليه وسلم- شيئاً قط بيده ، ولا امرأة ولا خادماً" . البعض اليوم ، وتحت تأثير بعض الموجات العالمية المعاصرة يظن أن الإسلام لم يمنح المرأة كامل حقوقها وحرياتها ، فإن مشركي العرب كانوا اتهموا الإسلام آنذاك بحجة أنه أعطى للمرأة حقوقاً زائدة على حد تعبيرهم ، ونحن لا نستطيع اليوم إخضاع الإسلام لبعض المفاهيم الغربية التي لا تتسم مع مبادئه ، كما لم يستطيع المسلمون الأوائل إخضاعه سابقاً لمفاهيم الذكورة الطاغية التي تحرم المرأة من حقوقها ، فالقرآن كلمة الله الذي لا يربطه نسب بالذكر ولا بالأنثى حتى ينحاز إلى أحدهما دون الآخر. وبهذا يتضح لنا جلياً مدى العدالة التي اتصفت بها الشريعة الإسلامية في إكرام المرأة ورفع شأنها. منطقة المرفقات