بعد ما يزيد عن نصف قرن من الدراسات والخطط والاستراتيجيات التى تقوم بها الدولة المصرية بشأن الزيادة السكانية وتأثيراتها السلبية على خطط التنمية، تطلع هذه المشكلة برأسها من جديد كمعوق رئيسى أمام استكمال الاهداف التنموية، فكما هو معلوم ان الزيادة السكانية تلتهم ثمار وعوائد التنمية وتجعل المجتمع لا يشعر بمردودات جهوده وتضحياته فى سبيل النهوض بأوضاعه، فكل السياسات والبرامج التنموية تظل غير قادرة على تحقيق أهدافها فى ظل تفاقم اعداد السكان، وهو ما أكده رئيس الوزراء الدكتور مصطفى مدبولى خلال الندوة التثقفية للقوات المسلحة التى انعقدت فى النصف الاول من هذا الشهر، إذ أشار إلى أن عدد سكان مصر زاد خلال سبعة أشهر و25 يوما مليون نسمة، موضحا ان مصر كانت تستقبل مولود كل 20 ثانية بعام 1980، الآن كل 13,5 ثانية، وأن الزيادة السكانية اليومية تبلغ 4255 فرد، وأنه وفقا لاحصائيات الجهاز المركزى للتعبئة العامة والإحصاء فقد بلغ عدد السكان فى مصر 101 مليون نسمة، وهو ما يكشف عن كارثة سكانية قادمة تهدد مستقبل الاجيال القادمة فى حياة كريمة. ولكن ما يعطى بصيصا من الامل أن الدولة لا تزال مصممة على أن تواجه هذه الكارثة بكل قوة لتحقيق الهدف بأن يكون عدد سكانها 108 مليون نسمة فقط خلال 2030، شريطة أن يدرك الجميع حجم التحدى، وهى الخطوة الاولى التى اتخذتها الدولة المصرية من خلال وضعها الاستراتيجية القومية للسكان للتعامل مع هذه المشكلة، محددة مرتكزات هذه الاستراتيجية والتى تشمل: التمايز في تناول هذه المشكلة بحيث يراعي التنوع بين الفئات المستهدفة (المناطق الجغرافية والشرائح الاجتماعية)، توظيف القوة الكامنة للعمل التطوعي، وتشجيع المجتمع المدني والقطاع الخاص على لعب دور أكبر في تحقيق أهداف البرنامج السكاني، وضع آلية للتنسيق على المستويين المركزي والمحلي، توظيف الأدوات العصرية لاسيما الإعلام الاجتماعى، وضع منظومة معلوماتية حديثة تسمح بالمتابعة والتقييم على المستوى المحلى، التأكيد على دور البحث العلمي الاجتماعي لفهم ومتابعة التحولات في السلوك الإنجابي ومحدداته. وتسعى الخطة من وراء هذه المرتكزات تحقيق ثلاثة اهداف رئيسية، وهي: الارتقاء بنوعية حياة المواطن المصري إذ أن خفض معدلات الزيادة السكانية يحدث التوازن المفقود بين معدلات النمو الاقتصادي ومعدلات النمو السكاني، اعادة رسم الخريطة السكانية من خلال إعادة توزيع السكان على نحو يحقق الأمن القومي المصر ويأخذ في الاعتبار تحقيق أهداف سكانية للمشروعات القومية التي يتم التخطيط لها، تحقيق العدالة الاجتماعية والسلام الاجتماعي من خلال تقليل التباينات في المؤشرات التنموية بين المناطق الجغرافية. ولكن رغم ما تضمنته الاستراتيجية من مرتكزات واهداف إلا أن تحقيقها يظل رهنا بفهم المواطن لحجم التحدى الذى تمثله هذه الكارثة السكانية، فحتى تثمر الجهود المبذولة، يجب أن يعى الجميع بخطورة الاوضاع الراهنة وتأثيراتها مستقبلا، وذلك كخطوة أولى للعمل سويا فى سبيل مواجهة هذه الكارثة التى تهدد حقوق الاجيال القادمة فى التنمية.