أمريكا تاريخ يمتد لقرون مبني على العنصرية والقهر والتمييز بعد اكتشاف أمريكا بالقرن الخامس عشر ووصولا إلى عام 1622م قام المستوطنون البيض بعمليات إبادة جماعية وحشية لسكانها الأصليين المسمون بالهنود الحمر ، وقد استمرت عمليات الإبادة والمطاردة والتهجير واغتصاب البيض لأراضي الهنود لعدة قرون وذلك من أجل تأسيس دولتهم الجديدة التي أصبحت تسمى لاحقا بالولاياتالمتحدةالأمريكية ، وقد أدرك الهنود الحمر أن البيض الوافدين يهددون حياتهم وأمنهم وعاداتهم وطرق معيشتهم في أراضيهم التي تعودوا عليها خلال قرون مضت ، مع إنكار البيض لحقوقهم والنظر إليهم باعتبارهم حيوانات ضارية أو وحوش يجب التخلص منها ومطاردتها ، ومع زيادة أعداد المهاجرين البيض القادمين من بريطانيا والدول الغربية وتفوق أعدادهم على أعداد السكان الأصليين بدءوا في اغتصاب الأراضي والممتلكات وقتل الهنود وتهجيرهم قسرا لأكثر من ثلاثة قرون حتى تلاشت قوى الهنود وقل عددهم في المستعمرات والأراضي التي فروا إليها ليقل عددهم من عشرة ملايين إلى 200 ألف شخص ، وذلك بعد أن عانوا لقرون من ويلات القتل والتهجير والإزراء لتأسيس الولاياتالمتحدةالأمريكية على حساب دمائهم وأشلائهم ، وهو نفس السيناريو الذي حدث في أمريكا الجنوبية واستراليا ، وفي أفريقيا ودول أسيا خلال عقود الاستعمار ، ووصولا الآن إلى ما يحدث لشعب فلسطين الذي يعيش لأكثر من قرن تحت ويلات القتل والتهجير والتهويد والاحتلال بمساعدة من أمريكا ودول الغرب وهؤلاء الذين مكنوا اليهود من إنشاء وطن قومي على أشلاء دولة وشعب فلسطين ، ولتصبح الجريمة التي ارتكبت في حق الهنود الحمر من أبشع جرائم الإبادات التي عرفها التاريخ ولتكون مثالا بغيضا تحتذي به الدول الكبرى لتطبقه على الدول الضعيفة وهو النهج الذي مازالت تتبعه الولاياتالمتحدةالأمريكية وتطبقه مع الدول الغربية على الكثير من البلدان . فبالرغم من أن الأمة الأمريكية تروج لقيم الحرية والمساواة ونبذ التمييز والتعصب والكراهية فإنها وللأسف هي أول من يتبنى مخالفة تلك القيم والاستعلاء على ما تقره المؤسسات الدولية من حقوق وقوانين ، بل وتطبقه داخل أراضيها في المقام الأول انطلاقا من موروث الحقد والكراهية والعنصرية التي يتمسك بها الرجل الأبيض ، وانطلاقا من غرور وصلف وعنجهية أمريكا بسبب تفوقها العسكري والاقتصادي على ثائر بلدان العالم . ولم تكن جريمة إبادة الهنود الحمر هي الجريمة اللإنسانية الأولى التي قامت بها الولاياتالمتحدة من أجل تأسيسها وزيادة نفوذها بل جاءت الجريمة الوحشية والعنصرية الثانية في حق الأفارقة وهؤلاء الذين تم اختطافهم قسرا من بلدانهم ونقلهم كعبيد إلى الأرض الجديدة في أمريكا ليقومون تحت ويلات العنصرية والقهر والإزراء بالأعمال الشاقة في زراعة الأراضي الشاسعة بالجنوب الأمريكي ليفلحوا الأرض ويربون المواشي والخيول والأعمال المنزلية وغيرها من أعمال السخرة دون أية حقوق ، ووسط معاملة الأسياد للعبيد الذين كانوا أسياد في أوطانهم وذلك بعد أن راجت تجارة العبيد في أفريقيا بداية من عام 1650 على أيدي البيض المسمون بالطبوب وبخيانة من بعض السود المحللين ، إذ كان يقوم البيض المسلحون باختطاف الشباب والأطفال والنساء ونقلهم بالقوة والحديد والنار وفصلهم عن عاداتهم وتقاليدهم ومعتقداتهم إلى أمريكا عبر سفن الموت حيث عاش من عاش ومات من مات في عرض المحيط بعد أن لاقوا صفوف العذاب والويلات وكل أشكال التمييز والقهر ، فلم يترك الأمريكيين البيض وسيلة إجرامية إلا ومارسوها لإخضاع هؤلاء المساكين واستعبادهم بالإكراه والسخرة لتكوين دولتهم الجديدة ، ومن خلال تلك الجرائم الوحشية التي ستظل تلاحق كل المجرمين عبر العصور بالولاياتالمتحدة وهؤلاء الذين ما يزالوا يمارسون القتل والإزراء بدافع التعالي والعنصرية والتمييز الذي يعيش في العقلية الجمعية عند أكثر البيض بالولاياتالمتحدة ، فبالرغم من مما تروج له الولاياتالمتحدةالأمريكية بدفاعها وتمسكها بالديمقراطية والحرية وحقوق الإنسان فمازالت رائحة العنصرية وممارستها بأشكالها العفنة تفوح من الكثير من رجالها ومؤسساتها وعلى رأسها مؤسسة الشرطة التي تمارس جرائمها البشعة الغير إنسانية ضد الأمريكيين من أصول أفريقية وأجنبية داخل الولاياتالمتحدة ، وما تعانيه تلك الأقليات من أشكال العنصرية والكراهية والتمييز والفقر والحرمان والبطالة وتدني الخدمات ، ولهذا لم تأتي جرائم القتل المتواصلة خلال تلك العقود وخلال السنوات الأخيرة هكذا بل جاءت بسبب تصاعد العنصرية والأحزاب المتطرفة والشعبوية في أمريكا والدول الغربية ، وقد زادت حدتها مع وصول الرئيس الأمريكي دونالد ترامب لسدة الحكم خلال عام 2017 بسبب غروره وصلفه وإطلاقه الكثير من التصريحات والشعارات العنصرية والعدائية ضد العديد من الشعوب والأقليات والعرقيات الأخرى بالولاياتالمتحدة واستهداف الأمريكيين من ذوي الأصول الأجنبية وبخاصة الأفريقية الأمر الذي زاد من حدة واسترجاع العنصرية بقوة من خلال تلك الجرائم المروعة التي تطال الأمريكيين من أصول أفريقية وغيرها من الأقليات التي تعيش في أمريكا وحتى في البلدان الغربية . ومن تلك الجرائم المروعة التي وقعت مؤخرا بالولاياتالمتحدةالأمريكية وتحديدا يوم 25 من مايو الماضي 2020 ، هي القتل الوحشي العمد الذي قام بها شرطي أمريكي أبيض ووضع ركبته على رقبة رجل أمريكي من أصول أفريقية يدعى جورج فلويد بمدينة مينيا بوليس بولاية مينسوتا الأمريكية ليلفظ أنفاسه الأخير وهو يردد مقولته الشهيرة ( لا أستطيع التنفس ) . إن تلك الجريمة بقسوتها وعنصريتها وشعارها دفعت الكثير من شعوب الأرض للقيام بالمظاهرات والاحتجاجات القوية في غالبية الولاياتالمتحدة والكثير من عواصم ومدن العالم ومازالت أصدائها وتداعياتها متواصلة حتى اليوم ، ومعها فإن السلطات الأمريكية ومن أجل السيطرة على تلك التظاهرات العنيفة بالمدن والولاياتالأمريكية زادت الطين بلة وراحت لتمارس العنصرية بإنزالها للجيش والحرس الوطني بالشوارع والولايات الكبرى لإخماد المظاهرات التي يستمر صداها إلى الآن بسبب الممارسات العنصرية والوحشية التي يرتكبها رجال الشرطة البيض ، وبرغم احتدام وسخط الرأي العام العالمي الرافض لتلك التجاوزات فإن تلك الجريمة لن تكون الأولى والأخيرة في قاموس جرائم الشرطة والسلطات الأمريكية ، فمن كونتا كنتي هذا الأفريقي الذي تم اقتياده من قريته بدولة جامبيا الواقعة بغرب أفريقيا عام 1766 وبداية ممارسة البيض للرق والعبودية ، وما عاناه بطل رواية الجذور التي كتبها المؤلف الأمريكي من أصل أفريقي اليكسي هيلي عام 1976 والتي تحولت لمسلسل تليفزيوني عام 1977 ومهارة المؤلف الذي ينتمي لعائلة كونتا كنتي في أن ينشر خلالها كل أشكال الظلم والقهر والعبودية التي لاقاها الأفارقة من خلال الرحلة التراجيدية المؤلمة خلال ستون عاما عاشها البطل كونتا كنتي تحت وطأة الرق والعبودية ، وكيف أن الكاتب تعرض من خلال سرد أحداث حقيقية وقعت بالماضي استرجع خلالها حياة الرق والعنصرية والتمييز خلال القرن السادس عشر قبل أن يتم إلغاء العبودية في أمريكا عام 1865 على يد الرئيس الأمريكي الأسبق إبراهام كولن ، وذلك بعد إجرائه تعديل بالدستور الأمريكي الذي بموجبه حرر الجميع من العبودية . وبالرغم من مرور كل تلك السنوات على إلغاء العبودية فماتزال أشكال وممارسة العنصرية تفوح وتمارس من الأمريكيين البيض ضد الأقليات الأخرى ، فكيف ننسى مارتن لوثر كينج هذا الزعيم الأمريكي من أصول أفريقية المولود عام 1929 الذي عاش حياته كناشط سياسي إنساني ومؤمنا ومدافعا بالعدالة ومطالبا بإنهاء التمييز والعنف والعنصرية ضد السود ليتم اغتياله على يد رجل أبيض عام 1968 حتى راح ضحية قضيته ، وكيف لنا أن ننسى جريمة مقتل الشاب الأمريكي من أصل أفريقي مايكل براون في أغسطس عام 2014 برصاصات شرطي أمريكي أبيض بمدينة فيرغسون الأمريكية دون مبرر ، بل وبدون إجراء محاكمة عادلة لرجل الشرطة القاتل دلالة التمييز والقهر، وتحديد المعاملات على أسس العرق والدين واللون ، وها نحن اليوم أمام جريمة خنق الشرطي الأمريكي وإزهاقه دون مبرر لروح أمريكي من أصل أفريقي مع أصداء صرخاته المدوية التي حركت شعوب الأرض ضد العنصرية الأمريكية والتي استرجعت أيضا هذا التاريخ الأسود وتلك الجرائم البشعة التي ارتكبها الأمريكيين في حق الكثير من الشعوب ، إنها الجريمة التي جعلت العالم كله يخرج ويعبر عن سخطه وغضبه عبر الاحتجاجات والمسيرات وغيرها من وسائل التعبير عبر وسائل التواصل الاجتماعي ليقولوا للسلطات الأمريكية وقيادات الدول الغربية ولكل المتعالين والمتغطرسين توقفوا عن ممارسة تلك العنصرية التي مازالت تفوح منكم ، وتوقفوا عن بس شعاراتكم الزائفة عن الحرية والمساواة والديمقراطية وعن تلك الجرائم البشعة والإبادات التي ترتكب في حق الإنسانية .