في حوار مع جاك كرومان أستاذ العلوم السياسية بجامعة هارفاد بمدينة بوسطن الأمريكية, سألته كم عدد أعضاء هيئة التدريس في الجامعات الأمريكية مثلك من الأمريكيين السود ذوي الأصول الأفريقية, أجابني بأن العدد ليس كبيرا لكنه نتاج وتتويج لمسيرة نضال طويلة من الأمريكيين السود مثل مارتن لوثر كينج لإلغاء الرق والعبودية وإزالة قوانين التمييز ضد السود خلال القرون السابقة من عمر الولاياتالمتحدة. وسألته هل وصل نضال الأمريكيين السود إلي منتهاه في نيل الحرية والمواطنة الكاملة وتبوؤ وضعهم الطبيعي في المجتمع الأمريكي؟ أجابني بالنفي حيث اعتبر أن هناك إنجازات كبيرة تحققت لكن لم تتحقق أحلامنا الكاملة بعد, وبالفعل عندما كنت أتجول في كثير من شوارع المدن الأمريكية قابلت كثيرا من الأمريكيين الأفارقة في المطاعم وسائقي الحافلات وفي الكثير من المهن الهامشية لتعكس صورة الأمريكي الأفريقي ووضعه داخل المجتمع, فرغم أنهم حققوا إنجازات كبيرة علي طريق الحقوق المدنية بعد إلغاء العبودية ونيل حقوقهم السياسية والاجتماعية حيث توجت هذه المسيرة باختيار الرئيس باراك أوباما, ذي الأصول الأفريقية, الرئيس ال44 للولايات المتحدة, ورغم كل ذلك تظل مسيرة الأمريكيين الأفارقة من أجل استكمال الحصول علي الحريات الكاملة طويلة ولم تنته بعد. فالأمريكييون الأفارقة يشكلون نسبة12% من سكان الولاياتالمتحدة وهم أكبر أقلية بعد البيض, وينتشرون في كل الولاياتالأمريكية خاصة في الجنوب والغرب, لكن أوضاعهم علي الأرض لا تتوازي مع ما حققوه من مكاسب خاصة في الجانب القانوني والتشريعي حيث انتهت كل صور التمييز والتفرقة بين البيض والسود,وأصبح الأمريكي الأفريقي مواطنا كاملا يتمتع بكل حقوق وواجبات المواطنة الأمريكية وهي البوتقة التي انصهرت فيها كل العرقيات والمهاجرين من كافة مناطق العالم وهذا هو سر نجاح التجربة الأمريكية في تحقيق التعايش بين مئات الأعراق والأصول المختلفة لتنطوي جميعها تحت مظلة المواطن الأمريكي. وقد تحسن وضع الأميركيين الأفارقة الاجتماعي والاقتصادي كثيرا منذ حركة الحقوق المدنية والعقود الأخيرة شهدت توسعا كبير في الطبقة الوسطي الأميركية الأفريقية في جميع أنحاء الولاياتالمتحدة. وقد حصل الكثير منهم علي التعليم العالي وفرص العمل, بالإضافة إلي التمثيل في أعلي المستويات في الحكومة الأمريكية من قبل الأمريكيين الأفارقة في عصر ما بعد الحقوق المدنية. ومع ذلك وبسبب يعود جزئيا إلي تركة العبودية والعنصرية والتمييز, ضد الامريكيين الأفارقة كمجموعة لا يزال هنالك تباين في المستوي التعليمي والاقتصادي والاجتماعي والحرمان في العديد من المجالات المتعلقة بالأمريكيين ذوي الأصول الأوروبيه, باستمرار المشاكل الاجتماعية, والقضايا السياسية والاقتصادية للعديد من الأمريكيين الأفارقة تشمل عدم كفاية الحصول علي الرعاية الصحية والتأمين والعنصرية المؤسسية والتمييز في مجالات الإسكان والتعليم والشرطة والعدالة الجنائية والعمالة مما يؤدي إلي انتشار الجريمة والفقر وتعاطي المخدرات بين مجتمعات السود أكثر من البيض. وانتشار الفقر والأمية بين صفوف السود شكل حائلا أمام تولي الوظائف الكبيرة في الولاياتالمتحدة, ورغم أن التعليم مجاني في الولاياتالمتحدة لكل المواطنين, أن كثيرا من الأفارقة يتسربون من التعليم. والمفارقة الواضحة أن هناك2 مليون مسجون في سجون أمريكا ثلاثة أرباعهم من السود وهو رقم يتجاوز عدد الأفارقة السود في مراحل التعليم الأمريكي, لكن مع ذلك الصورة ليست قاتمة, والتحدي الأكبر أمام الأمريكيين الأفارقة يرتبط بشكل كبير في قدرتهم علي اكتساب المعرفة وأسلحة العصر الحديث خاصة التعليم والمعلوماتية لتمكنهم من تحسين أوضاعهم المادية والوظيفية في ظل مجتمع مفتوح يسمح بكل أشكال الحراك الاجتماعي والسياسي والاقتصادي, وهو ما جسده اختيار أوباما كرئيس من أصول أفريقية لأول مرة في تاريخ الولاياتالمتحدة. ويلاحظ أن غالبية الأمريكيين الأفارقة بروتستانت من بينهم العديد تاريخيا من أتباع كنائس السود, ويليهم الأمريكيون الافارقة من المسلمين السنة, وتشير التقديرات إلي أن هناك نحو2 مليون من المسلمين الأمريكيين السود وهم يمثلون حوالي30% من مجموع السكان المسلمين في الولاياتالمتحدة. والأمريكيون من أصول أفريقية أكثر انخراطا في العملية السياسية الأمريكية من الجماعات والأقليات الأخري في الولاياتالمتحدة بناء علي مستوي تسجيل الناخبين والمشاركة في الانتخابات من بين هذه المجموعات في عام.2004 كما سجل الأمريكيون من اصل أفريقي تحقيق مستويات أعلي من التعليم من مستوي المهاجرين إلي الولاياتالمتحدة, وهناك أعلي مستوي من التمثيل للأمريكيين الأفارقة في الكونجرس من أي أقلية في الولاياتالمتحدة. سألت جاك عن علاقة الأمريكيين السود بجذورهم الأفريقية وهل يحنون إليها؟ أجابني بأن الحنين للجذور يسري في عروق الأمريكيين الأفارقة, بل يترجم هذا الحنين إلي تقديم مساعدات كبيرة من جانب الأمريكيين السود الأغنياء للأوطان الأم كما هو الحال في بناء العديد من المراكز الطبية في السنغال وغيرها لمحاربة مرض الأيدز المنتشر في أفريقيا. لاشك أن الأمريكيين الأفارقة بمثابة جسر بين الغرب خاصة أمريكا وبين أفريقيا لترسيخ التعاون المشترك والمساعدة في تنمية القارة والنهوض بها مع التحديات الكثيرة التي تواجهها.